أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - بين الادب والتاريخ... محاولة لفك الاشتباك؟















المزيد.....

بين الادب والتاريخ... محاولة لفك الاشتباك؟


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5530 - 2017 / 5 / 24 - 15:33
المحور: الادب والفن
    


ثمّة علاقة خاصة ما بين الأدب والتاريخ، فقد قيل إن التاريخ هو الرواية التي حصلت، والرواية هي التاريخ الذي كان يمكن أن يحصل...
الرواية أبرز فنون الأدب؛ تعرض علينا الحياة التي تعطينا الرؤية ؛ وهي كسائر الخطابات الحكائية ببنية لغوية سردية دالة تشكل عالما ذا كينونة خاصة تتلون فيه الأمكنة والشخصيات والأحدث والحوارات، والرواية التاريخية شكل من أشكال الرواية الحديثة التي تعبر بشكل أكثر عن الواقع التاريخي ونقاط التحوّل لدى المجتمع والإنسان من خلال إعادة سرد التاريخ وإعمال خيال الروائي في الأحداث، وعلاقة الرواية بالتاريخ علاقة جدلية قائمة، إذا ما نظرنا إلى البنية التاريخية خارج منطقة المدون من أحداث، والرواية فرصة للروائي، ليعيد سرد احداث التاريخ من منظور آخر، ويسقط أحداثا وقعت بالفعل على أحداث على وشك الوقوع، ليؤكد أن الازمات التي نعيشها اليوم ما هي الا وليدة أزمة ما في تاريخنا الممتد عبر المحن، ولا اجد تفسيرا للطفرة التي طالت الروايات التاريخية الا بما نعيشه من أزمات وعنف واحداث تتصاعد يوما بعد آخر، فعلاقة الكاتب بالتاريخ ليست شيئا خاصا، إنها عنصر مهم من العناصر التي تؤلّف علاقته بكامل الواقع ولا سيما المجتمع، فهل بإمكان الرواية، اعادة كتابة التاريخ بعيدا عن تهويمات الخيال. وهل يمكن كتابة رواية تاريخية بعيدا عن الخيال والتخييل، وكيف تنجح الرواية في كتابة أو إعادة كتابة التاريخ؟
الرواية التاريخية نوع من انواع الفن الروائي يمتزج فيه التاريخ بالخيال، يستعين الروائي بالوثيقة أو الوقائع التاريخية ليعيد خلق بناء فني خيالي، تتحول فيه الوثيقة أو الواقعة إلى جزء لا يتجزأ من هذا الخيال، تهدف إلى تصوير عهد من العهود أو حدث من الأحداث بأسلوب روائي سائغ مبني على معطيات التاريخ، وذلك لما يحمله التاريخ من خيال وقدرة على إثارة ذهن ومشاعر القارئ، فمسألة التاريخ تمثل مشكلة للكاتب لأنه يستند إلي أحداث واقعية حدثت في الماضي وهو يكتب نصا متخيلا، فكيف يحول الواقعي إلي متخيل روائي؟...
كل روائي هو مؤرخ هكذا يعتقد البعض، كون أن كل ما يسرده الروائي هو شاهد على حياة ما في زمن ما، لكن هناك من ينظر إلى الرواية التاريخية بمفهوم مختلف، فلا يوجد فهم محدد لما يجب أن تكون عليه الرواية التاريخية، فالبعض يحصرها في جانب التوثيق التاريخي او التخييل التاريخي، او الرواية ذات البعد التاريخي، كون العلاقة بين التاريخ والرواية تقوم على التكامل لا على التنافر والتضاد.
يعرّف جورج لوكاتش الرواية التاريخية بأنّها"عمل فنّي يتخذ من التاريخ مادة له، دون ان تنقل التاريخ بحرفيته، بقدر ما تصوّر رؤية الكاتب له وتوظيفه لهذه الرؤية للتعبير عن تجربة من تجاربه ، أو موقف من مجتمعه يتخذ من التاريخ ذريعة له".
في المقاربة الروائية للتاريخ، نسأل: هل يستطيع الروائي رواية التاريخ ويبقى أمينا للحقيقة التاريخية؟ وهل يمكن أن تتناول الرواية شخصية تاريخية من دون أن تخرجها من تاريخيتها وتحولها إلى شخصية روائية مفارقة لتلك التاريخية؟ للإجابة عن السؤالين، علينا ان نفرق بين التاريخ كعلم والرواية كفن: فالتاريخ علم خاضع لآليات البحث العلمي التاريخي وتقنياته، بينما الرواية فن خاضع لمقتضيات الفن الروائي وتقنياته، وعليه فإنّ التاريخ للرواية ليس أكثر من مادة أولية تقوم بتشكيلها روائيا ما يجعل خيانة الحقيقة التاريخية شرطا لتحقيق روائية الرواية...
فالمؤرخ أو الباحث في الدراسات التاريخية ليس ملزما بأن "يحكي" وإنما صار مطالبا بأن "يفسّر" ما نسميه أحداث التاريخ وشخصياته. ويستخدم أدواته البحثية وفق منهج علمي صارم يحاول استرداد موضوعه من ذمة الماضي لكي يعيد قراءته لمصلحة الحاضر والمستقبل، فالمؤرخ لا يستطيع أن يبتدع حادثة تاريخية أو يختلق شخصيات، فالتاريخ علم يقوم على أسس ثابتة قوامها الإنسان والزمان والمكان. والتفاعل بين هذه العناصر هو الذي يصنع الحادثة التاريخية من ناحية، ذلك أن المؤرخ مطالب بالصدق العلمي.
أما الروائي، فهو أسير فنه لأنه "يحكي" وليس عليه أن "يفسّر" ما يحكيه، ذلك أنه يتعامل مع حركة الإنسان في الكون باعتبارها مادة خام يشكلها كما يريد، وحسبما يسمح له خياله وقدرته الفنية، فيمكنه أن يقدم موضوعه التاريخي بشكل فني يلعب الخيال دوره فيه، كما ويمكنه ايضا ابتداع شخصيات خيالية لتقوم بدورها الفني إلى جانب الشخصيات التاريخية الحقيقية، كما يستطيع أن يختلق احداثا لا تؤثر في السياق التاريخي الذي اختاره موضوعا لروايته لخدمة الأغراض الفنية للعمل الروائي.
وهذا هو الفرق بين "التاريخ" و "الرواية التاريخية" فالتاريخ يقدم لنا الماضي في صورة أكاديمية تناسب دارسي التاريخ، بينما الروائي يستطيع أن يقدم لنا التاريخ في صورة حية، المؤرخ يقدم لنا "جثة" التاريخ وهو يحاول تشريحها وفهمها، فإن الروائي هو الذي يجعل هذه الجثة تتحرك وتجري الدماء في عروقها في عمل فني يعيش بين الناس ويتفاعلون معه، ومع قراءة الرواية تشعر بأنك تعيش مع الشخصيات، تشاهد المدن والهضاب، والطرقات المزدحمة بالناس، تتذوّق طعم ولون الجمال. ‏
واخيرا، لا بد من التأكيد أن الرواية التاريخية ليست تاريخا، ولا يمكن اعتبارها مصدرا تاريخيا للمعلومات التاريخية من قريب أو بعيد، وإنما هي لون ادبي وعمل فني يستلهم التاريخ ويتكأ عليه، ويكون التاريخ ركيزة من ركائزها، وإذا كنا نتفق أن الرواية عمل أدبي له شروطه وأدواته وفنياته، فلا بد أن نعترف أن للروائي الحق في اختلاق الأحداث والشخصيات والأماكن؛ ليعطي عمله بعدا فنيا مقنعا للقارئ، فالرواية التاريخية ليست تاريخا، وإن كانت تستمد من التاريخ مادتها، وعليه فإن هؤلاء مقتنعون بأن الانتقادات التي توجه للأدباء المهتمين بالرواية التاريخية لا معنى لها.
في رواية "آلموت" لفلاديمير بارتول وهي من اجمل الروايات الروايات التاريخية، كونها تناولت موضوعا تاريخيا صعبا يعد الى يومنا هذا طلسما ولغزا محيرا، والتي تتناول حياة حسن الصباح مؤسس ما يعرف بـالطائفة الإسماعيلة أو الحشاشين، في قلعة "آلموت/عش النسر" وهي حصن جبلي، تصور الرواية كيف حقق حسن الصباح حلمه في خلق جنته الأرضية، وجنده وأتباعه الذين لا يعصون له أمرا، ومملكته المنيعة المحصنة، التي أصبحت محجا لأتباع طائفته الإسماعيلية. واستطاع بجهوده وتخطيطه المحكم من صنع المستحيل، وهزيمة الجيوش، واقتحام القصور بفدائييه للتخلص من خصومه وأعدائه، حتى شكل رعبا لجميع مخالفي الدعوة الإسماعيلية، ينتظر كل منهم أن يفاجئه خنجر مسموم يقضي عليه.
تركز الرواية على خطة الحسن في الإعداد والتحضير وخاصة للفدائيين والجواري، فهؤلاء لهم مدرسة لها برامجها ومناهجها ومدرسيها، التي يجب أن ينجح فيها الجميع بعد اختبارات شاقة ودقيقة، وأي مخالف أو مقصر مصيره الموت، فالغايات العظيمة تهون في سبيلها النفوس والأرواح والتضحيات
الرواية طويلة، خلاصتها أن حسن الصباح أثبت صحة نظريته، وإن على نطاق ضيق، ولذا عندما أيقن من تحقق الحلم، وانتصار دعوته، تخلص من الحياة، فدعوته لم تعد بحاجة إليه، وربما هي إلى موته أحوج، لما يشكله موته من غموض وسحر ودهشة..
كما تناولت روايات اخرى بشكل أو بآخر شيخ الجبل حسن الصباح مثل رواية "سمرقند" لأمين معلوف، إن روايتي "آلموت" و "سمرقند" تقرءان كعمل أدبي فقط. ولا تحاكمان تاريخيا، ويؤخذ ما فيهما من تاريخ كأحداث سردية لغايات فنية، وللقارئ المهتم أن يرجع إلى المصادر التاريخية للتعرف إلى ما تثيره الرواية من أحداث، فقد تطابق أو تخالف الواقع، وقد تكون أحداثا مختلقة من الأساس...



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زوابع يوسف زيدان...؟؟!!
- الكتابة على حافة الهاوية
- صناعة الوهم؟!!
- العبودية التلقائية
- صناعة الوعي
- موسم الهجرة الى الشمال... والتخلي عن الذات
- في مديح الموت وذم انقطاعاته
- اللغة العربية الضائعة في جاهلية اهلها
- صناعة العزلة؟
- الهوية الحائرة... تغريبة -الحسن الوزان- او -ليون الافريقي-
- بوصلة السماء
- هل الاسطورة هي الخرافة؟
- في بلد العميان
- هوس الكتابة.. وطقوس لا تخلو من الغرابة؟!
- أدباء وشعراء -منحوسون- واحلام على قائمة انتظار -نوبل-؟!
- وعد بلفور.. بيت العنكبوت الذي صار حصنا
- من هم البرابرة*؟
- -الساعة الخامسة والعشرين- عرت الوجه الحيواني للانسانية
- --الغابة النرويجية- للياباني هاروكي موراكامي اليابان بين نقد ...
- تصريح -بلفور- وعد ام عقد مشاركة؟


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - بين الادب والتاريخ... محاولة لفك الاشتباك؟