مستوطنة جبل ريش الحمام : الجزء 7

ياسين لمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 5519 - 2017 / 5 / 13 - 05:13
المحور: الادب والفن
    

في البيت، سخّن سعيد غلاية ماء كبيرة، ثم صبّ محتواها في سطل بلاستيكي كبير، وأضاف إليه بعض الماء البارد. وبعد أن استوت حرارة الماء فوق الإعتدال وأقل من درجة الغليان، أزال عن جسده بعض الإرهاق بحمام سريع. ثم جلس في غرفته يستعيد كل الصور التي خلص إليها بعد جدالات الأمس التي تشعبت وتفرعت عنها أفكار جديدة حتما ستفيده في بنائه الجبلي.
قضى سعيد الضحى يقلب أفكاره بروية وحذر كمن يقلب الجدي الفتي على نار مرجل هادئة. وعندما شعر بها قد استوت في نضجها، خرج مهرولا يبحث عن صديقه عمر.
توجه الصديقان إلى نفس مقهى أمسهما، وانهمكا في رسم المخططات الهندسية التي سينتهي إليها شكل المستوطنة الصغيرة على قمة جبل ريش الحمام.
وبعد دقائق معدودات من جلوسهما إلى طاولة منزوية، استأذنها في الحديث عونُ سلطة مسترقا النظر إلى الأوراق المبعثرة على طاولة المقهى. وهذا العون هو شيخ الدروب الواقعة في وسط المدينة.
قال الشيخ بعصبية واقتضاب في الحديث، إن مسؤولي الإدارة الترابية المحلية منشغلون بما أزمع عليه سعيد من قراره المستغرب المتمثل في الإستقرار على أعلى نقطة من جبل ريش الحمام.
رفع سعيد مرفقيه عن الطاولة واستوى بظهره على مسند الكرسي وزفر طويلا ثم أجاب عن استفسار الشيخ باستفهام مفتوح على كل الإحتمالات.
- وهل هنالك ما يمنع مواطنا من اختيار مكان عيشه؟.
قبل أن يسترسل الشيخ في الكلام الذي لُقِّن له في مكاتب الإدارة الترابية كان عمر قد نادى على النادل ليرى ما سيطلبه الشيخ من مشروب.
وهو يُمسِّد على بطنه، ويصك بأسنانه مُداريا ألما باطنيا، طلب الشيخ قارورة مشروب غازي طبيعي.
وضع النادل مشروب الشيخ على طاولة أخرى سحبها من مكان قريب وألصقها بطاولة الصديقين. وبعد أن خطا خطوتين في اتجاه طلبات أخرى، عاد إلى الثلاثة وقال هامسا وبجدية وكأنه يسرُّ بأمر جلل معلنا أن "معلَّمْ" المقهى دوَّنَ مبلغ مشروب الشيخ على حساب المحل.
لم يعر الشيخ أي اهتمام إلى كلام النادل ولم يقدم أي كلمة شكر، وكأن ما قُدِّم له بالمجان إنما هو مجرد واجب أو ربما هو أقل من الواجب الذي يستحقه. في حين انصرف النادل مزهوا وكأنما بهذا الكرم قد وضعَ الشيخَ في جيبه لحاجة قد يقضيها له مستقبلا، لعله سيصرف عنه مراقبي البناء في عزمه القريب على إصلاح بيته المتهالك.
في ذات الأوان، تناول سعيد كراسة تدويناته، واستبعد في ملاحظة أشَّر عليها بالهامّة، وجود الشيوخ والمقدِّمين في مستوطنته الشامخة في كل شيء...

يتبع...

#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل