ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 04:59
المحور:
الادب والفن
الجزء 3
قضى العربي ليلته في مقهى قريب من محطة القطار في مدينة تازة، واختار مكانا غبشيا تحسبا لكل طارئ، سيتمكن من خلال ركنه المعتم مراقبة كل الوجوه دون أن يشعر به أحد. فهواجسه تتعاظم بسبب خوفه من أن تكتشف المرأة الملثمة خدعته، فتسلط عليه زبانيتها الذين يتمثلون له في دخان "السبسي" ضُخام الجسم كجنيِّ علاء الدين.
بعد ساعات طويلة من الإنتظار، اختلط هدير القطار القادم من الغرب مع آذان الفجر، فهب العربي إلى رصيف المحطة، وتسلق بخفة سُلم إحدى عربات الدرجة الرابعة.
كانت أجساد المسافرين القادمين من أقصى المحطات ممددة على مقاعد المقصورات، وتغط في نوم عميق أو تتظاهر بذلك عند كل محطة جديدة لكي لا يزاحمها مسافر جديد.
انتقل العربي من عربة إلى أخرى، وبعد بحث طويل، انحشر في مقعد خشبي صلد في عربة تعبق بروائح القيء والسجائر والأرجل المنتنة. وقبل أن يقلع القطار، تطلع من النافذة إلى الوجوه التي تحث الخطى على الرصيف، وظل يتابع بعينيه المناظر التي تجري إلى الوراء.
بعد أن تجاوز القطار آخر الأنوار الخافتة على طول سبيله في مدينة تازة، استبد بالعربي حزن عميق، ليس بسبب الخدعة التي خلفها وراءه وكانت ضحيتها الساحرة الملثمة، وإنما بسبب عزمه على عدم العودة إلى العمل في السيرك الذي يعشقه.
بعد أكثر من ثلاث ساعات من العذاب المتواصل في القطار المتهالك، لاحت للعربي أولى المنازل الواطئة من حي "حرشة مومنه". فنفض عنه تعب ليلته الطويلة، وتقدم بِهِمة إلى الباب.
بعد أن خرج من محطة القطار، توجه العربي صعودا إلى أعلى زنقة "لمْعَلْمين"، ومرَّ على "الشريف" بائع الملابس، فاشترى لوالده "فوقية" ولأمه "حايك أبيض"، ولإخوته وأخواته النعال الپلاستيكية. ثم عرج على مركز المدينة، فاقتنى اللحم والخضروات والفواكه من "لبرارك". ثم اشترى الدقيق والسكر والزيت والحليب الهولندي المعلب " پولي" من دكان "بزَّه". واستعان بخدمة نقّال سيوصل له بضاعته إلى منزل أسرته في حي "عين الدفلة" على متن عربة خشبية يجرها حمار...
يتبع...
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟