مستوطنة جبل ريش الحمام -1-:

ياسين لمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 5015 - 2015 / 12 / 16 - 14:01
المحور: الادب والفن
    

انتصبَ على ضفة وادي "ميه جديد" يتأمل جبل ريش الحمام، وبعدما طال به الوقوف على حاله تلك، سأله رفيقه عن سبب سهوه في تطلعه الطويل إلى الجبل العريق. فأخبر صاحبَه قائلا : إني أفكر في أن استوطن قمة جبل ريش الحمام ولا أنزل عنها أبدا.
قال الثاني : كيف؟
قال الأول متحمسا : سأبني لي كوخا على القمة.
فرك الثاني فروة رأسه بشدة وكأنه يريد أن يتيقن من وجوده، وأردف قائلا : وبأي المواد ستبني كوخك هذا الذي سيكون لقمة سائغة للعواصف والرعود التي تعربد على القمة؟ وهل تعتقد أن واحدا من الحمالين سيتطوع من أجل عيونك ويتسلق الجبل الزلق حاملا إليك مواد البناء؟.
قال الأول : تكفيني بعض أكياس الإسمنت وقليل من الحديد، وأما الحجارة فظهر الجبل ينوء بحملها. وكل هذا سأرفعه بنفسي إلى القمة عبر مراحل عدة، وبكميات قليلة.
فقاطعه الثاني قائلا : ومَن هو البنّاء الذي سيخاطر بحياته ويضيِّع وقته في مشروع خاسر كهذا؟
قال الأول : ألا تعلم أن لي معرفة مطمئنة بأبجديات البناء؟.
قال الثاني ضاحكا : إذن لا تعوِّل على معونتي، فكما تعلم، لم يعد عمودي الفقري يحتملني واقفا إلا للحظات ثم يعاودني الألم اللعين.
ثم تابع الأول قائلا دون أن يعلق على كلام صاحبه : وبعد أن أبني كوخي، سأقوم بغرس بعض الأشجار المثمرة حول بيتي، فتكون لي متفيأً، وفاكهتها مطعماً، وجذورها دعامة لأرضية بيتي فتحميها من أي انجراف. وسأجلب الماء من عيون الوادي، وسيساعني على ذلك بعض العُنَّاز الذين يرعون غنمهم في سفوح الجبل، ومنهم سأقتني حاجتي من الألبان.
قفز من فم الثاني سؤال يريد به إفحام رفيقه، وقال : وبماذا ستستنير؟ وكيف سيتسنى لك تشغيل الأجهزة الكهرومنزلية؟ وكيف ستتدفأ في صقيع الفصل الشتوي الطويل؟.
أجاب الثاني باطمئنان : وهل لي حاجة بكل ما ذكرتَ وإلا ما غادرتُ المدينة العامرة إلى الجبل الموحش. يكفيني نور الشمس ضوءً في نهاراتي. والتماعات المحاق وارتجافات النجوم ستذيب من حولي ظلام الليالي. وعلى نار هشيم الجبل سأتدفأ وأطهو مرقي.
يتبع...

#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل