أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم كطافة - سجينة طهران















المزيد.....

سجينة طهران


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 5513 - 2017 / 5 / 7 - 14:51
المحور: الادب والفن
    


سجينة طهران.. وجدلية الحب والكراهية
تأليف: مارينا نعمت
هناك ميل لدى كثيرين وأنا منهم للتعرف على التاريخ لا من خلال كتب المؤرخين المولعين بالأرقام والأسماء وقال فلان عن علاّن عن حديدان..إلخ بل من خلال الأدب. الأدب الذي لا يعنى كثيراً بالأرقام والأسماء قدر عنايته بالحفر عميقاً في دواخل الأرقام وأصحاب الأسماء. (سجينة طهران) رواية – سيرة لتلميذة، كانت في السابعة عشر من عمرها، حين وجدت نفسها بين عشية وضحاها تنعطف حياتها بشكل جذري وخطير، من تلميذة رومانسية على شيء من المراهقة إلى سجينة سياسية في أخطر وأرعب سجن من سجون عالمنا هذا (سجن إيفين) في طهران.. ومحكومة بالإعدام دون محاكمة. وكان لها أن تُعدم مع زملاء وزميلات لها بنفس العمر قد أُعدموا جميعاً أمام عينيها، لولا حصول ما يشبه معجزة أفلام وقصص أيام زمان، حين يصل الفارس المنقذ في الدقائق الأخيرة قبيل تنفيذ الحكم، يمتطي سيارة مارسيدس حديثة (بدل الحصان الأبيض)، يحمل بيده (عفو الإمام). لكن ليس العفو الكامل، بل تنزيل عقابها من الموت إلى السجن المؤبد. وكان هذا الفارس في سيرة (ماريا نعمت) هو جلادها ذاته.. الشاب الإسلامي الثوري على نهج الإمام والمتحول من سجين في زمن الشاه إلى محقق مع أعداء الثورة وفي ذات السجن (إيفين). وكان الثمن سهلاً ومنطقياً بالنسبة له لكنه كان مدوخاً بل ومرعبا لـ(ماريا)؛ أن توافق على الزواج منه بعد أن تشهر إسلامها..!! أخبرها بهذا بعد أن أنقذها وعاد بها بحصانه الأسود (سيارة المارسيدس). هل كان لها من خيار..؟ تجرعت مرارة الثمن ليالٍ بزنازين صغيرة كان يفرغها لهما بمشاعر معقدة ظلت للأخير غير مفهومة لها، أن تمارس اللذة لأول مرة في حياتها على أرضية من الكراهية ثم تحمل منه جنيناً في بطنها سيكون أبنها. لكن والحق يقال كان هذا الرجل شهماً. أحبها بصدق وتزوجها زواجاً دائماً برعاية أهله وعلى سنة دينه وهي ما زالت في السجن. بينما كان أمامه خيار آخر أن يفعل ما يفعله بقية المحققين والجلادين والحراس مع السجينات. كان ينادى في بداية كل ليلة على أسماء تخرج تباعاً من قاعات النساء لغرض التحقيق ولن يعودن إلى مضاجعها قبل الفجر. تعود الواحدة منهنّ وهي تجرجر خلفها ذيلاً طويلاً من الخزي والشعور بالإثم، لكنها مع هذا تكتم سرّها على صويحباتها. كان هؤلاء يمارسون مع السجينات ما صار يدعى بـ(زواج الصيغة) المؤقت. لكن شهامة هذا المحقق (علي) لم تكن بلا ثمن. وكان الثمن حياته هو. إذ جرى اغتياله أمام بيته بعد أن رأوا فيه حاشية رخوة مع أعداء الثورة.. رغم قربه الشديد من الإمام وتأريخه الثوري.
في بدايات سيطرة ما سيسمى لاحقاً بـ(الحرس الثوري) على موارد الدولة ومراكز القوة، انتشر شعار على الجدران وحملته اللافتات في الشوارع إلى جانب شعار الموت الثلاثي ( الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الموت للشيطان) كان عبارة عن فتوى للخميني نفسه؛ يقول: ((قتل الكافر رحمة له وثوابا للقاتل..)) وبدا تبرير هذه الدعوة الرهيبة للقتل مقنعاً للمتدينين المقلدين لهذا الفقيه؛ إذ بقاء الكافر على قيد الحياة لفترة أطول سيزيد من ذنوبه.. وبالتالي أن من سيقتله سينقذه من ذنوب كثيرة قادمة على الطريق. بهذه الفتوى جرى صدور أحكام جماعية لإعدام كل من خالف نظام ولاية الفقيه ومن كل الأطراف التي ساهمت في إنجاح الثورة. لم يسلم منها حتى فقهاء بأوزان ثقيلة لهم مقلديهم الكثر في إيران وخارجها.
الكاتبة (مارينا نعمت) في هذه السيرة الروائية، لم تناقش هذه التفاصيل على أرضية سياسية أيديولوجية، بل انطلقت من أرضية المواطنة. لأنها في الأصل لم تكن منتمية لأي جماعة سياسية. باستثناء نقمتها على عنف نظام الشاه الذي تسبب بقتل صديقها الإسلامي في إحدى التظاهرات المناوئة للشاه، ومن ثم نقمتها على عنف الإسلاميين (الحرس الثوري) في تعاملهم مع كل المخالفين لعقيدتهم من اليسار واليمين وإتباعهم ذات الوسائل القديمة في القمع والإستبداد بالرأي.. بل وزادوا عليها بتدخلهم الفج في الحياة الشخصية للمواطنين بتحديد اللباس والسلوك وفق مقاييس خرجت من ما سميَّ بـ(الثورة الثقافية الإسلامية).. وتالياً نقمتها على تحويل معظم الدروس في مدرستها بما فيها الدروس العلمية إلى دروس دينية.
من هنا بدأت معارضة هذه التلميدة المراهقة وهي ترى كيف يجري استبدال الكادر التدريسي لمدرستها بمعلمات هنّ اقرب إلى الملاّيات منهن إلى المعلمات. حتى اصطدمت بالملاّية المتزمتة (محمودي خانم) التي استبدلت درس التفاضل والتكامل بدرس ديني عن ولاية الفقيه.. سألت معلمتها أن تدّرس حصتها لأن الامتحانات قريبة.. لترد عليها هذه بغضب: إن لم يعجبك الحديث تستطيعين الخروج.. خرجت ماريا من الصف ولحقتها تباعاً ليس فقط طالبات صفها بل كل طالبات المدرسة في إضراب مفتوح لم يكن أصلاً في وارد تفكيرها.. الإضراب الذي سيستمر أياماً وتخرج أخباره إلى خارج أسوار المدرسة والذي ستستثمره الطالبات مناصرات التنظيمات المعارضة لولاية الفقيه (مجاهدي خلق، فدائيي خلق، الشيوعيون، الليبراليون).. كان هو الشرارة التي أحرقت حياة هذه التلميذة المسالمة في الأصل الكارهة للسياسة والسياسيين والمتدينة بدينها (المسيحي الأرثوذوكسي). بدت هي العلامة الأبرز في هذا الإضراب. هكذا أُدخلت في القائمة السوداء المعدة من قبل (الحارسة الثورية).
قيل عن هذه الرواية – السيرة الكثير، بل وجرى احتضانها من قبل المؤسسات الثقافية الغربية بشكل لافت (والسبب معروف بالطبع)، إذ كتب عنها كبار النقاد والمحررين في الصحف الكبيرة وبيعت حقوقها إلى 21 دولة.. كذلك جاءت طبعتها العربية بمقدمة على غاية الأناقة والأهمية بقلم الإستاذة (فاطمة ناعوت).. لكن كل هذا لم يكن هو السبب الذي جعلني أتفاعل وأُعجب بها، بل لسبب مختلف تماماً؛ وجدت أن هذه الرواية- السيرة تشبه المكعب ذو الوجوه الستة. كل وجه يمكن له أن يختصر لك موضوع الرواية.. لكن لا وجه من هذه الوجوه هو الرواية.. هي سيرة تنتمي لما يمكن تسميته بـ(أدب السجون)، وهي مونولوج داخلي لتداعيات تلميذة تفتحت للتو سنوات مراهقتها على القراءات والحب، وهي سيرة تعفن وتهرأ نظام ملكي شمولي قديم ومجيء آخر لا يقل عنه شمولية وقدماً، وهي مآساة الأقليات الدينية في ظل النظام الإسلامي، وهي عن الحرب العراقية الإيرانية، كما هي قصة حب على غاية الشذوذ والإستحالة، لكنها وعلى الرغم من استحالتها وشذوذها كان لها حظ من التحقق في الواقع.
لقد تعاملت في قراءتي لهذه السيرة على أنها رواية أكثر منها سيرة. منولوج تواتر بين حياتين. حياة الكاتبة قبل السجن وحياتها داخله جاءت على هيئة فصول روائية. لغتها لغة رواية، سرد متماسك، صياغات لغوية على غاية الجمال والأناقة رغم أنها مترجمة عن اللغة الإنكليزية لا عن الفارسية لغة الكاتبة. ومعلوم أن الترجمة عن لغة ثالثة لأي نص أدبي ستفقده الكثير من ألقه وتماسكه.. لكن وهذا ما يحسب للمترجمة بطبيعة الحال (سهى الشامي)، أنها عملت على إبقاء النص متماسكاً ومشعاً بالكثير من البؤر الجمالية إن كان لجهة الصياغات اللغوية القصيرة والمكتنزة بالدلالات الكثيرة أو لجهة الوصف الوجداني لعالم السجن وعالم المراهقة وجدلية الـ(هنا) و (هناك) والأهم جدلية الحب والكراهية.. رواية على هيئة سيرة معاشة بدقائقها وأيامها وسنواتها.. بسعاداتها القليلة وأحزانها الكثيرة.. بمطباتها وأخطائها وأحلامها.. كتبتها بعد عشرين سنة من المأساة حين استقرت تماماً في المنفى الكندي.. وهنا تكمن إشكالية السؤال الماثل على الدوام لمن يكتب السيرة.. كيف سيقدم أحدهم سيرة مقطع من حياته حدث قبل عشرين سنة.. هل سيتعامل معه بذات الوعي الذي كان عليه وقت الحدوث أم بالوعي الجديد الذي تراكم وتطور بفعل السنين والتجارب.. وبالتالي كم هو مقدار الخيال وإعادة الإنتاج للوقائع والحوارات والتفاصيل..؟
هذه الأسئلة تتشظى من سؤال في غاية الأهمية؛ هل بإمكان رواية - سيرة أن تكون وثيقة؟
7/ 5/ 2017



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسم (الله) المئة في روايتين..!!
- ما قبل الصفر الإستعماري
- قراءة ليست أدبية لرواية (حفلة التيس)
- زيف الأحزاب القومية.. البارزاني نموذجاً
- التحكم في سوق الأديان.. والاستهلاك الديني
- أيها المثقفون ما هي حلولكم..!!؟
- قصة قرية كوجو.. وقصة الجد البعيد
- شعواط يتصاعد من مطبخ الإقليم
- فؤاد يلدا... الجرح الناتئ في روحي
- ماذا يريد الأنصار..؟
- ما يخفيه النص
- بيت اللعنات...!!!
- بين كلابنا وكلابهم دماء تنزف..!!
- الحزب الشيوعي العراقي وسؤال الهوية الوطنية
- من يرسم خرائط حديدان..؟
- التاريخ المنسي في فلم (سنوات الجمر والرماد)
- النقاط الثلاث الساحرات في الانتخابات الهولندية
- التجمع العربي ومشروع صديقي الكوردي
- طائفة الغراب الأبيض..!!
- دعاء البدل.. صلاة البدل


المزيد.....




- ترشيح المخرج رون هوارد لجائزة -إيمي- لأول مرة في فئة التمثيل ...
- توم هولاند -متحمس للغاية- لفيلم -Spider-Man 4-.. إليكم السبب ...
- 100 فيلم لا تُنسى.. اختيارات نيويورك تايمز لسينما الألفية ال ...
- الحكم على ثلاثة بالسجن لمساعدتهم في جريمة قتل مغني الراب سي ...
- مقتل المشرفة الموسيقية السابقة في برنامج -American Idol- وزو ...
- أيقونات من رماد الحرب.. فنان أوكراني يحوّل صناديق الذخيرة إل ...
- إطلاق جائزة فلسطين العالمية للشعر في ختام مهرجان ميديين الدو ...
- رئيس الممثلية الألمانية لدى السلطة في مقابلة مع -القدس- قبل ...
- جدل في أوروبا بعد دعوة -فنان بوتين- إلى مهرجان موسيقي في الج ...
- -المدينة ذات الأسوار الغامضة- رحلة موراكامي إلى الحدود الضبا ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم كطافة - سجينة طهران