أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مولاي عبد الحكيم الزاوي - رواية زمن الخوف إدريس كنبوري















المزيد.....

رواية زمن الخوف إدريس كنبوري


مولاي عبد الحكيم الزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5382 - 2016 / 12 / 25 - 17:04
المحور: الادب والفن
    


رواية "زمن الخوف" إدريس كنبوري
ذ: مولاي عبد الحكيم الزاوي
لطالما توسل التاريخ بالأدب، ولطالما اعتبر التاريخ سرد ودراما وحبكة، شدتهما علاقة قرابة امتدت لعهود طويلة، إلى أن فرضت عليهما ابستمولوجيا القرن التاسع أن يستعجلا بإعلان وثيقة الطلاق، تحت وقع مدرسة تاريخية فرنسية، أسسها شارل سينوبوس وفيكتور لانغلوا، صاحبا كتاب مرجعي في ابستمولوجيا التاريخ "مدخل إلى الدراسات التاريخية"، حيت نافحا عن ضرورة تسييج المعرفة التاريخية من الدخلاء، ونقلها من الهواية نحو التخصص، فظن البعض أن بهذه المحاولة الجريئة، تم تشييع الأدب إلى متواه الأخير، وفصل التاريخ عن الأدب، ليخرج الفيلسوف الفرنسي بول ريكور، في لحظة تصادم علني مع عَرَّابي الحوليات الفرنسية، زمن الانتشاء بالنصر الاعلامي على مختلف مباحث العلوم الانسانية، منافحا عن مركزية السرد في كتابة التاريخ، وأن التاريخ لا يعدو أن يكون في العمق سوى سرد وحبكة مُقنَّعة بالتاريخ.
وحديثا، ثمة من يعاضد بالقول أن التاريخ هو الإبن العاق للأدب، أو العكس، تبعا لانهجاسات الانتماء وذاتية التخصص، التي تصرفنا خارج مدارات التناهج البروديلي، وبين التاريخ والأدب، تطفو على السطح ذوات تعتصر ألما، تستعطف بالحكي، من ذاكرة موشومة بالعنف والعنف المضاد، منتشية بالبوح السيكولوجي من هوس الضمير وعذابات الماضي الأليم، ماضي الانتهاكات، لكن ماذا يمكن للأديب في زمانية متكلسة أن يضيف إلى حقل التاريخ؟ وهل يمكن للأدب له أن يبحر بعيدا في مكاشفة الحقيقة التاريخية من لغة مؤرخ غارقة في سراديب التقاليد الأكاديمية؟ ومن خلالهما أين يرتاح القارئ أفي لغة الأديب الموسومة بالتخييل والابداع، أم في لغة المؤرخ المقَمَّسة من صَنْعة التاريخ؟
حينما تنهجس الرواية بحكي وقائع الزمن الراهن، وتفاصيل الذاكرة القريبة من نبض التاريخ، وترسم أفقا جديدا يعيد إنتاج وقائع أغفلها التاريخ المكتوب، قصدا أو عَرَضا، تبعا لتجاذبات اللحظة السياسية، واكراهات مالكي وسائل الانتاج والاكراه الجدد في مصادرة الحق في كتابة التاريخ، تكون إذاك ناطقة عن انجراحات الذاكرة والتاريخ، لذاتية تنتحب ألما، تضيقت به الصدور، وتتنطع مقاومة زمن النسيان، بحثا عن الخلاص.
رواية زمن الخوف للأكاديمي المغربي إدريس كنبوري، الصادرة سنة 2016، عن منشورات طوب بريس، في حوالي 178 صفحة، تستقرأ مضمرات التاريخ وحديقته السرية بتوصيف الصحفي جيل بيرو، في لحظة موسومة بالمصارحة قبل المصالحة، تعود بسردية الحكي إلى مطمورات تقع في أقبية النسيان وتجاويف المسكوت عنه في تاريخ الزمن الراهن بالمغرب.
تكتب عن القبيلة المغربية، عن انقساميتها السياسية، وتوافقاتها الداخلية، عن ثنائية الانشطار والانصهار، عن تقاذف مغاربة الاستقلال نحو اقتسام تركة الرجل الأبيض، عن زعزعة الهندسة الاجتماعية التقليدية، بهندسة جديدة، جعلت من المقاوم قابعا في هامش البؤس، ومن الخائن سيدا ونافذا في قومه.
تحكي رواية زمن الخوف عن مقتل ذئب، يتفرق دمه بين قبيلتين متجاورتين بمنطقة الغرب، قبيلة بوحزيطات وقبيلة الحشالفة، وسط غابة من أشجار تقف حجابا بين قبيلتين متناحرتين، وبينهما مخزن شبح يقف متفرجا أمام ذئب ينهش شاة، ولكن هل يأكل المخزن الذئاب (ص12)، لابد أن يكون هذا الذئب اللعين، الذي يحدث كل هذه الجلبة أكثر من حيوان ( ص 17)، ولابد أن يكون مقتله مجلبة للعار(ص 26).
تدور أحداث الرواية كلها داخل فضاء القبيلة، وتحاول أن تسبر دهاليز مؤسسة "اجماعة" كتنظيم اجتماعي وسياسي فاعل في ضبط التوازنات، يرأسه أمغار يدعى "سيدي بوغالم"، عن حكمة قبيلة بوحزيطات، مقابل جسارة قبيلة الحشالفة المدعومة من طرف رجال المخزن والحزب الجديد، وتهافتها على أراضي الغير، بمباركة من السادة الجدد.
قَتْل الذئب سيزعزع استقرار القبيلة، وسيجر عليها أكبر النكبات بسبب تحكيم جائر، فالصبيحي مثلا قسم ألا يجالس الناس، ولا يخرج من بيته، ولا يصلي في جماعة، والدعدوع لم يظهر له أثر منذ الحادث( ص 35)، بينما والد الدعدوع نزل إلى المدينة، وساءت طبائعه فسرقته إحدى النساء، واختفى عن الأنظار، وقيل مات، وقيل حصل على الأوراق، فهاجر إلى دولة أخرى ليعيش ما تبقى له من العمر هناك، أما أم الدعدوع تقطع قلبها على رحيل ابنها، أضحت تائهة في الدروب باحثة عنه، وفي كبدها لوعة الغياب، إلى أن أدركتها يد المنون حزنا على فراق لم تكتبه الموت (ص37).
تحضر شخصية المعلم "عبود"، كشاهد مؤتمن على توثيق الذاكرة، وناقلا أمينا لشواهد الماضي إلى أجيال الحاضر، عبر التدوين وتقصي الأخبار، إنه صوت العقل في مواجهة سراديب الفقه المتكلس، وصوت الحكمة في مجابهة نعرات التطرف والعصبية، تحضر دروس التاريخ داخل القسم وخارجه، دروس عن الاستعمار والمقاومة والحركة الوطنية، أملا في توضيح الأشياء، وانتصارا لروح المصالحة المفقودة.
التاريخ شيء مخيف، لأن الناس تخشى التحديق في الخلف، حتى لا تسقط (ص 63)، التاريخ الحقيقي ليس مكتوبا كله، ولكنه ما يزال موجودا في صدور الرجال، يعيشونه كقصص، لا كتاريخ، هذا ما حصل مع حادث الذئب، التاريخ ليس ذئابا وحيوانات، التاريخ وقائع (ص59)، هكذا يلقي المعلم عبود إلى بطل الرواية أحمد بثقل توثيق الذاكرة حول مذبحة سوق أربعاء الغرب بين بوحزيطات والحشالفة، بسبب تجاذبات السياسة، بين مناصرين لحزب الشورى والاستقلال، ومؤيدين لحزب الاستقلال، ففي سوق أربعاء الغرب ذبح الناس مثل الدجاج، وسرقت الأراضي بالقوة، تحت مباركة الحزب الجديد، دون تدخل الدولة، لأن الدولة هي الحشالفة أنفسهم (ص 73).
تحضر شخصية عَلُّولة داخل قبيلة بوحزيطات، كشخصية واشية بأسرارها، وناقلة لأخبارها إلى العدو، والتي ستكون وراء وشاية توجه أعيان القبيلة نحو الرباط، لإعلام السلطان محمد بن يوسف بتجاوزات قبيلة الحشالفة، ومن خلالها تبرز فئات استفادت من مغرب ما بعد الحماية، المغرب الذي خرج منه المسلمون ودخل النصارى (ص 95).
لو كنت أعرف أن أمثال هؤلاء هم الذين سيرثون الفرنسيين لما قاتلت، لدخلت بيتي وقعدت أنتظر الموت، الموت خير من حياة كهذه (ص132)، بهذا يصدح حكيم القرية سيدي بوغالم بعد سكوت طويل، أهذا هو الانسان الذي كان؟ أين نبض الحياة وحركتها؟ أين الذكريات والتاريخ الذي يقول المعلم عبود أنه في صدور الرجال؟ أين صدر والدي الذي مات بسبب الكمد" الفقصة"( ص 137)، وكأن قدر قرية بوحزيطات أن يكتب عليها الهَم، صراع مع الطبيعة، وصراع مع البشر، أي حكمة موجودة في السماء (ص 142).
حزب الاستقلال، السادن الجديد لمغرب الاستقلال، أنشا سجونا في عدة أماكن لتأديب من يخالف الرأي، فحضر سجن "الدادة" و"دار بريشة" في الرواية كتعبير عن معتقلات الشوريين من حاملي شعار" المغرب لنا لا لغيرنا"، فلا أحد ينظر إلى السماء وقت المطر، لكنك يجب أن تفتح عينيك وتنظر إلى الخلف، أنتم تعيشون ماضيكم من جديد في كل مرة ولذلك لا تستطيعون النظر إليه لأنه يتحرك فيكم كل وقت (ص 166).
وختاما، تنساق رواية الزمن الخوف مع روايات عدة في منجز أدب الاعتقال أو السجون بمغرب الاستقلال، التي حاولت أن تسبر الحديقة السرية لتاريخ المغرب غير المكتوب، وتعري عن انجراحات انطولوجيا الذات المغربية المقهورة بطعم السياسة، وتتحدث عن تقل فاتورة الذاكرة في كتابة تاريخ مغربي، يُسهم فيه الجلاد والضحية بمحبر واحد، بمنطق تحقيق المصارحة أولا قبل المصالحة، وتلك قصة أخرى لا يعرفها إلا المؤرخ أو من له مزاج المؤرخ.



#مولاي_عبد_الحكيم_الزاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخزن في الثقافة السياسية المغربية هند عروب
- رواية لقيطة اسطمبول لإليف شافاق
- فرانسيس فوكوياما: الإسلام والحداثة والربيع العربي
- هديل سيدة حرة للروائي المغربي البشير الدامون.
- حوار سوسيولوجي حول دعارة طالبات الجامعات
- سيرة حمار
- زمن الهدر السوسيولوجي
- محنة السنين
- Adios Castro
- إنقاد الأرض لمحمد منير الحجوجي
- قراءة في رواية مرايا الذاكرة للمفكر المغربي علي أومليل
- الريگيلاتور المغربي
- الشباب والاندماج الاجتماعي: نحو حفر مغاير
- عبد الرحمان اليوسفي: من عدو للنظام إلى صديق للملك
- -قلق البارادايم- مصطفى غلمان.
- سوسيولوجيا الحُگرة.
- رواية سنترا
- -ظل الأفعى- يوسف زيدان.
- حينما يحاكم القضاة الأدب عوض النقاد
- استبانة العروي


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مولاي عبد الحكيم الزاوي - رواية زمن الخوف إدريس كنبوري