زمن الهدر السوسيولوجي

مولاي عبد الحكيم الزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5364 - 2016 / 12 / 7 - 13:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

زمن الهدر السوسيولوجي
ذ:مولاي عبد الحكيم الزاوي
ينطرح السؤال السوسيولوجي ممخوضا برهانات الحاضر، حاملا لإواليات الانتكاسة، في لحظة تحول صعب، يُستشكل الفهم في تفسير منجز سوسيولوجي ناشئ، في وسم لحظة تكلس النظام العام للأشياء بالمفهوم الأنتربولوجي، أهي لحظة الردَّة عن مكتسبات ناضل عنها رعيل السوسيولوجيا الأول؟ أهي لحظة فَقْد لرصيد عقلاني، وإعادته إلى نقطة الصفر؟ هل نساير الفيلسوف كارل بوبر في القول بأننا نعيش حالة بؤس معرفي وتصحر سوسيولوجي؟ أم نتشفع بأن ممارستنا السوسيولوجية لا زالت ناشئة للحكم على مدخلاتها ومخرجاتها.
حضر السوسيولوجي فريد الزاهي إلى مراكش الفيحاء، مثقلا بهموم السوسيولوجيا، مُستثقلا بانهجاسات الجسد والصورة والمقدس والنص والتأويل، حاول أن يقيم تفكيكا لأزمة العلوم الاجتماعية، عاد بحفرياته إلى الزمن السوسيولوجي الجميل، زمن بول باسكون وعبد الكبير الخطيبي وفاطمة المرنيسي... انتقد سياسة الإصلاح الجامعي، وهي تُشيع الفلسفة والعلوم الانسانية إلى متواها الأخير، خطابه كان مُحمَّلا بلغة الأرقام، وهو المعتاد على معاقرة لغة القياسات الكمية للنوازل السوسيولوجية، لغة الامبريقي هي عُدَّته وزاده لفهم المفارقات. تحدث عن متلازمة السياسة والثقافة في زمانية متحولة، عن تبلور سوسيولوجيا الطلب السياسي، التي فتحت أوراشا في البحث والكتابة تحت وصاية آل السياسة والرأي العام.
مدير المعهد الجامعي للبحث العلمي، وهو يشخص أعطاب ورهانات البحث العلمي بالمغرب، سَطَّر مفترضات للفهم والاستشكال، نحت مصطلح جديد، ضمن أروقة القاموس السوسيولوجي "البنائيين"، قد يعتقد قارئ المتن السوسيولوجي، أن الأمر يتعلق بسدنة الفلسفة الستراوسية، نسبة إلى صاحب "مداراتها الحزينة"، بقدر ما يقصد صاحب "العين والإبرة"، أولئك الذين انصرفوا إلى بناء الدور والمنازل، وهجروا طوعا معاقل البحث العلمي.
منظومة الحسن الثاني كانت تستعدي الفلسفة والعلوم الاجتماعية، تأنف من الحداثة الفكرية، كان تريد حداثة من دون نسغها الفكري، أرادت الطرق والسكك والموانئ، من دون رهان على الإنسان والمعرفة، وبما يمكن أن تسهم في بناء لوعي نقدي للحظة الاغتراب، منظومة ورثت عن الحماية الحداثة من دون دليل عمل، ومن تم كان الانعطاب الانطولوجي للحظة فارقة، ترتقي بالدولة أولا قبل الفرد.
ألم يقل صاحب أطروحة الحوز بول باسكون أن السوسيولوجي العضوي هو ذلك الذي تأتي الفضيحة على لسانه، ومحْبره يوجه نحو الفضح والتعرية، بفيض سوسيولوجي ينم عن جرأة واقعية، جعلته يُقر بأن التعليم المغربي كان ولا يزال يجتر خيبات الأمل والانكسار، وساهم عن سبق اصرار وترصد في تحجيم اسهامات أسئلة العلوم الاجتماعية في صناعة الانسان غير المستلب، يُعضَّد هذا القول، بكون 12 بالمئة فقط من الشباب يلجون إلى التعليم العالي، فانعكس طرديا على وضعية البحث العلمي، مُتوسلا بميتولوجية الفيل والفيلة.
إصلاحات فوقية كانت كارثية بكل المقاييس، طرحت استراتيجية لا تتوافق مع البنية التحتية، تمويل لا يتعدى أقل من واحد بالمئة من حجم الانفاق الحكومي على قطاع البحث العلمي،7 بالمئة فقط تنفق على العلوم الاجتماعية، و 55 بالمئة من الأساتذة الجامعيين لم يكتبوا ولو سطرا واحد خارج أطاريحهم الجامعية ما بين 1960 و2009، وفقا لإفادة مستقاة من تقرير السوسيولوجي محمد الشرقاوي، ، 70 بالمئة منهم غير راضون عن عملهم، تراجع فضيع في لغة الانتاج بلغة موليير، بسبب سياسة التعريب الممنهجة، التي قادت نحو تفريج جيوش المستعربين، في واحدة من أهم الاعاقات الوجودية للمشهد الثقافي راهنا.
ثمة خمس مغالطات كبرى تؤطر هذا الوضع حسب فريد الزاهي:
1- المغالطة السياسية والمؤسسية من خلال تركم سياسات الاخفاق والتجريب والوصفات الجاهزة التي تستمد من مكاتب الخبرات.
2- المغالطة العلائقية التي تربط بين الفاعلين، وتجعل البحث العلمي يقتصر على العلوم الحقة والتكنولوجيا، بصرف النظر عن العلوم الانسانية والاجتماعية، وهي التي تقود نحو الاعتراف بالمبتكر، وتغض الطرف عن الباحث.
3- غياب المتابعة النقدية لمتن الاجتماعيات من خلال غياب قاعدة بيانات، تسمح بإنتاج أطروحات مكررة، وبشيوع ظاهرة السرقة الأدبية.
4- المغالطة الاستراتيجية من خلال غياب سياسة واضحة للإصلاح، تسهم بالتالي في بلقنة المؤسسات الجامعية، وحدوث الطلاق ما بين القطاعات المنتجة والبحث العلمي.
5- الوضع الاعتباري للباحث، بسبب البيروقراطية الادارية، التي تساوي بين الجميع.
زمن الهدر السوسيولوجي يتواصل، وأسئلة الوجود تنتظر، وأهل الاختصاص صاروا يتقاسمون فانتزمات الزمن البئيس، وسياسات ارتكاسية تعيد انتاج العبث المعرفي.

#مولاي_عبد_الحكيم_الزاوي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل