أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مولاي عبد الحكيم الزاوي - جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية ( الجزء الثاني)















المزيد.....

جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية ( الجزء الثاني)


مولاي عبد الحكيم الزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5319 - 2016 / 10 / 20 - 18:29
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يعدو الخوض في إشكاليات كتابة التاريخ الراهن بالجامعة المغربية انشغالا مجتمعيا بامتياز، لكنه قد لا يخلو من انزلاقات منهجية واستوغرافية بالنسبة للمؤرخين، هواجس تمتح من مستويات عدة، من حيث المنهج، تمتل الزمن، البنية، الحدث، المفهوم، التحقيب، البيبليوغرافيا ...قياسا بتقاطعات وتمفصلات التاريخ الراهن- منذ الإستقلال الى فترة العهد الجديد- التي أفرزت معطيات جديدة، اشكالات مركبة، تداخلات علائقية معقدة، وقضايا تاريخية حارقة، أمور فرضت على المؤرخين، ولأول مرة، الانخراط في جدل التاريخ والذاكرة ، ومتابعة النقاش العمومي والدولي حول تفاعلات التاريخ القريب من الذاكرة، مواكبة للتحولات البنيوية التي شهدتها مرحلة الانفراج السياسي والحقوقي لمغرب التسعينات، وفترة العهد الجديد لحكم الملك محمد السادس .
استشعر البحث التاريخي بالمغرب ضرورة اشراك المؤرخين في التفاعل مع النقاش العمومي حول ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان سنوات الحمر والرصاص، وما صاحبها من اعتقالات قسرية، ومحاكمات صورية لضحايا العنف الرسمي، في سياق تجاذبات الصراع حول السلطة، بين المؤسسة الملكية والقوى اليسارية، لرصد جوانب العتمة في فترة تاريخية أدرجت ضمن خانة اللامفكر فيها، لحساسيتها التاريخية، وتفاعلاتها الممتدة، وارتباطها بفاعلين سياسيين لا زالوا على قيد الحياة، مما يطرح مأزق التأريخ للذات انطلاقا من شواهد الذاكرة.
تشهد على هذا المنحى، سلسلة الندوات واللقاءات التي نظمتها كليات الآداب والعلوم الانسانية بالمغرب منذ مطلع القرن الحالي، من قبيل ندوة "التاريخ الحاضر ومهام المؤرخ" في نونبر 2005م بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، وندوة من " الحماية الى الاستقلال: اشكالية الزمن الراهن" والأيام الوطنية للجمعية المغربية للبحث التاريخي ايام 1-2-3 دجنبر 2011 في موضوع "التاريخ المعاصر: التاريخ والهوية والحداثة".
تعكس هذه الندوات واللقاءات التاريخية، بالمغرب كما بالخارج، إضافة إلى جلسات الاستماع العمومية التي باشرتها هيئة الانصاف والمصالحة عن ترسخ انشغال معرفي وسياسي وحقوقي، للنبش في تفاصيل مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب، والرغبة في الانصات والاقتراب من ذاكرة المعذبين من سنوات الجمر والرصاص، وتكوين ذاكرة جماعية وطنية عن تاريخ عنف الدولة الرسمي، لطي صفحة الماضي، وبناء العدالة الانتقالية عن طريق الانصاف والمصالحة، كمدخل نحو ترسيخ قيم الديموقراطية والتنمية والحداثة والقيم الكونية لمرجعيات حقوق الانسان.
لقد كان لصدور كتاب جيل بيرو " صديقنا الملك" للصحفي الفرنسي جيل بيرو، ورصد تقارير حقوقية دولية لوضعية حقوق الانسان بالمغرب، وضغط المنظمات الحقوقية المغربية في الداخل، انعكاس مباشر في التمهيد لسياسة الانفراج السياسي والحقوقي بالمغرب لحظة التسعينات، وبداية الحديث عن مرحلة الانتقال الديموقراطي، التي ستبدأ بعودة المنفيين السياسيين والحقوقيين الى المغرب، وتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ومشاركة القوى السياسية المعارضة في الانتخابات، وذلك في سياق ماكروسياسي دولي، مطبوع بتحولات جيوسياسية عميقة، بعد انهيار جدار برلين، وانتقال بنية العلاقات الدولية من نظام القطبية الثنائية نحو القطب الواحد عقب تفكك واختفاء شبح الاتحاد السوفياتي.
رافق هذا الاقتحام الجديد لكتابة التاريخ الراهن، من طرف المؤرخين، والذي كان حكرا في ما مضى، على مختصي العلوم السياسية ، ورفقائهم من علماء الاجتماع والانتربولوجيين ، أقلام الصحافة وجهات النظر بخصوص هذا النوع من الكتابة التاريخية، بين مؤيد وداعم، وآخر رافض ومنتقد. اختلاف منهجي تمحور أساسا حول طبيعة الوسائل والأدوات المنهجية التي تجعل المؤرخين على مقربة من قراءة وتأويل معطيات الذاكرة السياسية القريبة، وملابستها المعقدة، والتي تفرض إعادة النظر في الثوابت المنهجية التي تشكل هوية التاريخ، وفي أساليب اشتغال الدراسات التاريخية، وفق الأسس الابستمولوجية التي قطعها التاريخ في طريق تأكيد العلمية والمشروعية، مرد هذا الصخب، مفهوم الوثيقة الجديدة، وانتفاء شرط اختمار الوثائق، ومقياس المسافة بين الحدث الراهن والمؤرخ الباحث.
وعلى أية حال، فقد ساهم انفتاح البحث التاريخي على قضايا التاريخ الراهن، وتجسير قنوات التواصل، والحوار المباشر مع تخصصات انسانية مجاورة، وفق قناعة التناهج التي ناضلت من أجلها المدارس التاريخية، في سياق تقعيد الأسس الابستمولوجية للمعرفة التاريخية، وفي أفق بناء السوق الانسانية المشتركة بتعبير مؤرخ المتوسط فرناند بروديل في رسم توجه جديد يجعل الكتابة التاريخية، والبحث التاريخي في واجهة النقاش، وفي صدارة العلوم الاجتماعية والسياسية، المهتمة بالتاريخ الراهن، حول فهم ملابسات فترة تاريخية مركبة، بمعالجات رصينة، وتأويلات تاريخية عميقة، تنهل من العمق الزمني، الذي يشكل بلازما البحث التاريخي، وتقرب تحليلات وتأويلات المؤرخين، بعد مرحلة غياب طويلة عن المشهد العمومي من جمهور القراء، ومؤسسات النشر، وشاشات الإعلام، بل وتجعل البحث التاريخي في قلب معركة الانتصار للعلمية التاريخية بتعبير مشيل دوسرتو على حساب التوظيف السياسي للذاكرة الوطنية.
إنه اجتراح تاريخي لذاكرة الألم والمعاناة، معاناة جيل بأكمله في مواجهة سراديب الجلادين، وأنظمة القمع البوليسي، وأقسى أنواع التنكيل والاضطهاد التي تنهل من العمق التاريخي للمخزن، كبنية سياسية فوقية، والتي تجعل من سؤال التحول من التقليد إلى التحديث لا الحداثة، معاقا في وضع كهذا، ذاكرة موشومة بالعنف الرسمي، تلبي فضول وشغف عدد واسع من القراء، وتخرج البحث التاريخي من دائرة الاختصاص، والقواعد المنهجية الصارمة، نحو معانقة أمل بناء المشروع المجتمعي المجهض، مشروع بناء الانسان المغربي المتصالح مع التاريخ والذاكرة، انخراط يجعل الكتابة التاريخية، تستجيب لانتظارات توصيات الهيئات الحقوقية الدولية، ومطالب المنظمات الحقوقية المغربية من الداخل، وانشغالات الرأي العام بمختلف أطيافه.
والحال، يسجل للأدب انخراطه المبكر في الكشف عن ملابسات الاعتقال والتعذيب، وكشف النقاب عن ممارسات جلادي الأمس، فقد أثارت رواية " السجينة" لمليكة أوفقير و"حدائق الملك" لفاطمة أوفقير و"الغرفة السوداء: درب مولاي الشريف" لجواد مديدش و"تازمامارت": تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم" لمحمد الرايس و"الزنزانة رقم 10" لأحمد المرزوقي وغيرها...صخبا سياسيا وحقوقيا، وتتبعا إعلاميا قويا بالمغرب وخارجه، نظرا لحرارتها وجرأتها في الكشف عن دهاليز المعتقلات السرية، وغذت بذلك شغف القراء والباحثين المهتمين بتفاصيل المرحلة، لاكتشاف زوايا الظل والعتمة في تاريخ مغرب الحسن الثاني، والوقوف على حقيقة الأحداث التي شهدها المغرب في فترة ما بعد الاستقلال، انطلاقا من ذاكرة الأفراد المعايشين لها ومذكرات الفاعلين .
في المقابل، يسجل للبحث التاريخي تخلفه عن الركب ، قياسا بباقي المباحث الانسانية الأخرى، التي اقتحمت منذ وقت مبكر قضايا التاريخ الراهن، أو التاريخ الفوري بتعبير الصحفي الفرنسي جون لاكوتير، ضمن المؤلف الجماعي" التاريخ الجديد" لعراب الجيل الثالث من مدرسة الحوليات الفرنسية جاك لوغوف، وذلك في ظل هيمنة النزعة الوطنية الحماسية التي استبدت برفاق جرمان عياش في كتابة مشروع التاريخ الوطني، لحظة المجابهة المباشرة مع الكتابات الكولونيالية، والانتصار للوثيقة المخزنية والارشيف المحلي ، إننا نقف بعد اختمار وتأمل، على عسر هذا التوجه، وارتكاسته المنهجية والاستوغرافية، في بناء وعي تاريخي نقدي لتاريخ المغرب، فهل يعني الانخراط في كتابة التاريخ الراهن فشل ضمني في مقاربة التاريخ الوطني من زاوية التركيب ؟ والاستعاضة عنه بكتابة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي المونوغرافي؟ كما ثم مع المونوغرافيات الرائدة لأحمد التوفيق وعلي المحمدي وعبد الرحمان المودن وغيرهم، أم هو هروب من تاريخ الحماية وعقدتها وأسئلتها الحارقة؟ وهل المسألة لها علاقة بالأرشيف الخارجي؟ أم بهيمنة الدراسات الأجنبية في هذا المسار من البحث، التي تشكل تحديا سيكولوجيا للباحثين المغاربة، ومن ثم استحالة تجاوز ما كتبته الاسطوغرافيا الأجنبية عن تاريخ المغرب من قبيل دانييل ريفي وليام هوينسطن ببير فيرمورين...؟ ثم هل يستقيم الحديث عن التاريخ الراهن، من دون المرور الطبيعي من تاريخ الحماية؟
وعليه، يجسد الانخراط في كتابة التاريخ الراهن المغربي، والمساهمة في تفكيك أسئلة اللحظة التاريخية، أمرا لا يخلو من هواجس، مرد هذا الانهجاس، جاذبية القرن التاسع عشر التي مارست استبدادها على عموم مؤرخي الجامعة المغربية، وأفرزت دراسات مرجعية رائدة، وأخرى استنساخية مكررة، جعلت البحث التاريخي لا يتخذ مساره الطبيعي، ويقفز على مرحلة الحماية الفرنسية، التي تركت رجة عميقة على مستوى البنيات الاقتصادية والاجتماعية والذهنية داخل المجتمع المغربي، ونذوبا مشوهة في الجسد المغربي، وتركت وراءها أسئلة تاريخية كثيرة، واشكالات مهجورة، دون أن يتمكن البحث التاريخي الخوض فيها.



#مولاي_عبد_الحكيم_الزاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيئيون الجدد
- جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية
- في ماهية النقد التاريخي (الجزء الأول)
- صرخة ضمير
- سدنة الميكيافيلية الجديدة
- قراءة في كتاب -المخزن في الثقافة السياسية المغربية-
- تدريس التاريخ بالمدرسة المغربية.
- قصيدة: -رحيل في درى الذلقراطية-
- التفكير التاريخي وتعلم التاريخ La pensée historienne et l’ap ...
- جاك بيرك والحلم المغاربي المجهض
- المجتمع المدني والبيئة بين التباسات التنظير واكراهات سوسيولو ...
- البيوغرافيا السوسيولولجية بالمغرب: مداخل أولية
- أسئلة التاريخ القروي بالمغرب: من السوسيولوجيا الكولونيالية ن ...
- عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة
- قصيدة: اختفاء واقع
- قصيدة: رحيل في ذرى الديموقراطية
- قصيدة: نظاميتي فوضويتي
- في الحاجة الى الانتربولوجيا التاريخية
- نفسانية التواكل


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مولاي عبد الحكيم الزاوي - جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية ( الجزء الثاني)