أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - مولاي عبد الحكيم الزاوي - التفكير التاريخي وتعلم التاريخ La pensée historienne et l’apprentissage de l’histoire















المزيد.....


التفكير التاريخي وتعلم التاريخ La pensée historienne et l’apprentissage de l’histoire


مولاي عبد الحكيم الزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5304 - 2016 / 10 / 4 - 06:29
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


La pensée historienne et l’apprentissage de l’histoire
"التفكير التاريخي وتعلم التاريخ"
قراءة نظرية في أطروحة مصطفى حسني إدريسي
ذ: مولاي عبد الحكيم الزاوي
مقدمة: نحو رؤية نقدية:
ثمة انهجاسات منهجية وديداكتيكية تعتري الممارسة التربوية لتدريس التاريخ في السلك الثانوي التأهيلي بالمغرب، تطرح معها أسئلة القلق المعرفي بخصوص مستقبل البحث والدرس التاريخي في هكذا سياق، تستمد شرعيتها من أزمة العلوم الانسانية عموما، والاستوغرافيا على وجه الخصوص.
هل أصبحنا بعيدين عن "معارك من أجل التاريخ" للوسيان فيفر و"الدفاع عن التاريخ" لمارك بلوك؟ هل فقد المؤرخ/ المدرس عصاه كرئيس لجوقة العلوم الانسانية، و أصبح يذوب في باقي التخصصات؟ هل ثمة ترابط منهجي بين ما يقع في رحاب الجامعة المغربية من ردة عن مكتسبات منهجية حققها التراكم الابستمولوجي للمعرفة التاريخية والدرس التاريخي الميداني عبر تطبيق النماذج الديداكتيكية؟ ماذا بقي من خصوصية التاريخ بعد انفتاحه على مناهج العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية في سياق التناهج؟ ماذا بعد تكسير الحدود بين التاريخ وباقي التخصصات المهتمة بتفكيك الظاهرة الانسانية؟
إنها أسئلة القلق والهوس المنهجي التي أصبحت تخترق مسار البحث التاريخي في سياق موجة أزمة العلوم الإنسانية وبؤس الممارسة الميدانية داخل الصف.
يجمع آل الاختصاص في دراسة المناهج وبناء النماذج الديداكتيكية، أن كل محاولة إقتراح بناء نموذج ديداكتيكي في التاريخ لا تخلو من هواجس منهجية وانتظارات معرفية، إنها عملية معقدة، ومركبة، تستدعي استحضار الأصنام الثلاثة للعملية التعليمية التعلمية (المعلم، المتعلم، المادة الدراسية)، وهو انهجاس يرتبط بقناعة المختصين بضرورة تخليص التاريخ من كل أشكال الكرونوزفيات التاريخانية، تلك التي كانت تعتبر الدرس التاريخي محطة لإنتاج واعادة انتاج المعارف التاريخية، وفق قالب ثنائي مرسل ومتلقي، دون الرهان على أشكلة المعرفة التاريخية، وهدم الأصنام المقدسة وتفكيك القناعات الموروثة وإعادة بناءها من جديد على ضوء إشكالات الحاضر، دون الإنزلاق في خطر الأناكرونية التاريخية مفاهيميا وسياقيا.
لقد استحضرت النماذج الديداكتيكية في كثير من معطياتها هذا التوجه الابستمولوجي، وغدت تطمح إلى صناعة "المؤرخ الصغير" المؤرخ الذي يسائل الوثائق ويتسلح بمنهجية صارمة في استنطاق الدعامات الاخبارية، مؤرخ منفتح، له هوية وذاكرة و آراء و حس نقدي، إنسان متمرس على إعمال العقل، منسجم مع الذات والمحيط، متشبع بثقافة الإختلاف والنسبية.
يلاحظ المتتبع للدرس التاريخي في المدارس العمومية المغربية تخبطه في مشاكل عديدة، من حيث المنهج، ورؤية الزمن، وبناء المقاطع التعلمية، وهي مشاكل ترتبط أساسا بالاستسهال الديداكتيكي وغياب المتابعات النقدية للمتن الجامعي أولا، والمتن المدرسي ثانيا، وبشيوع ثقافة الكسل التربوي الذي يقود نحو إنتاج دروس جافة ، مبثورة عن واقعها، غير مجيبة عن رهانات الحاضر وتناقضات الماضي، مدرسون يعيدون إنتاج مواضيع و قضايا بالية تجاوزها البحث الاحترافي والنهج الديداكتيكي بتصورات متلاشية، فهل هي "بداية التراجع" في الدرس التاريخي بعد مرحلة التراكم التي أفرزها المخاض الابستمولوجي؟
تتشعب الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع، الذي يوصف بالبؤس التربوي، فقد ساهمت سياسة فتح الجامعات ومراكز التكوين نحو تعدد شعب تكوين أساتذة التاريخ، وتعدد المسالك التكوينية، وضعف وهشاشة النقاش الجامعي حول قضايا تاريخية حارقة، إضافة إلى ضعف إستيعاب اللغات الاجنبية التي تحد من إمكانيات المدرس في المتابعة النقدية للمستجدات الابستمولوجية خارج السياق العربي .
وبين هذا وذاك، أصبح الدرس التاريخي مرتعا لأحكام القيمة والشحنات الإيديولوجية المغلفة بأقنعة متعددة ، هي أحكام تعصف بعمق في مفهوم "الحياد القيمي" الذي نافح من أجله السوسيولوجي الألماني ماكس فيبر، عندما ميز بين "العلاقات إزاء القيمة" التي تمكن من تحليل موضوعي، و"أحكام القيمة "التي تغرق الباحث في الذاتية. فهل هي بداية فقدان الدرس التاريخي لرصيده العقلاني؟ و الإبتعاد عن التراكم الاستوغرافي الذي حققته الجامعات العصرية من مرحلة المدرسة الوضعانية إلى مدرسة التاريخ الجديد؟ هل هي مرحلة العودة بالدرس التاريخي إلى درجة الصفر؟
تسعى هذه الورقة الى عرض تساؤلات، مراجعات ومقترحات، قد يلمس القارئ من خلالها على عدم الرضى، وتنامي منسوب السخط على ما هو متداول من ممارسة الدرس التاريخي من خلال تمثل الزمن ورؤية للمنهج، وبناء المفاهيم...لكنها تبقى معاينة واقعية تمتح من عمق ميداني، لبؤس معرفي يشهده به الجميع، وإنحباس معرفي من طرف أجيال حملت المشعل دون تأهيل ابستمولوجي وديداكتيكي.
* أطروحة مصطفى حسن ادريسي : قضايا منهجية:
اعتبر بول فاليري التاريخ أخطر منتوج إنساني اكتشفه كيمياء العقل البشري، وهو قول بليغ يحمل دلالات وبحمولات ثقيلة، ذلك أنه يحيل على موقع التاريخ في حياة الأمم والشعوب، وفي استمرارية الذاكرة الجماعية، وحمايتها من خطر الزوال، وفي سياق آخر، فهو أكثر المواد تجريدا وتنظيرا، قياسا بخصوصيات أدواته ،مفاهيمه، واستعمالاته، فهو عمل ذهني يتطلب كثيرا من الخيال والتجريد، وكثيرا من النضج والحكمة والتجربة.
ومهما قيل في شأن قيمة الدرس التاريخي في بناء صرح التكوين الفكري والاجتماعي لناشئة اليوم ،عن طريق تنمية الذكاء والحس النقدي والتسلح بأدوات هدم القناعات الموروثة وإعادة تركيبها وفق نسق منهجي جديد، فإن ذلك لا يحجب عنا عمق الاكراهات التي تهيكل الممارسة الميدانية من حيث التنزيل والإسقاط.
تروم هذه القراءة إلى تفكيك جملة من الإجراءات التحليلية التي طرحتها أطروحة مصطفى حسني ادريسي من حيث البناء النظري والعمق الديداكتيكي ، مثلما تهدف إلى ملامسة جملة من المفاهيم والتصورات التي اعتمدتها الاطروحة في صياغتها للنهج الديداكتيكي لمادة التاريخ.
* هندسة الكتاب:
صدر كتاب " التفكير التاريخي و تعلم التاريخ" سنة 2005م عن منشورات هارماتان بباريس، وهو في الأصل أطروحة جامعية نال بها الأستاذ مصطفى حسني ادريسي درجة دكتوراه الدولة في ديداكتيك التاريخ.
* مضامين الاطروحة:
ينسج الأستاذ مصطفى حسني ادريسي تعاقدا منهجيا مع القارئ حول خطة الاطروحة، من خلال ثلاثة مداخل رئيسية: مدخل نظري/ مدخل تشخيصي/ مدخل تجريبي.
ويلاحظ قارئ أطروحة " التفكير التاريخي وتعلم التاريخ" حضور المزاوجة بين البعد الابستمولوجي للمعرفة التاريخية، من خلال التراكم الحاصل، وبين الحس الديداكتيكي، المرتبط بنقل المعارف من الإطار العالم نحو السياق الممدرس، وفق ما يعرف عن أهل الاختصاص بالنقل الديداكتيكي.
وهي مزاوجة يسعى صاحبها إلى طرح تصورات نظرية لتوضيح بناء المعرفة التاريخية (التفكير التاريخي)، واقتراح طريقة جديدة لدرس التاريخ تستند حول التفكير التاريخي كتيمة مركزية داخل الأطروحة (المفهوم المفتاح للكتاب )وتجعل من الضروري التفكير في الممارسات التربوية من أجل تشخيص وعلاج الأعطاب البيداغوجية.
يكتشف القارئ لمتن الكتاب تركيز الأستاذ مصطفى حسني ادريسي على مفهوم التفكير التاريخي كمفهوم مهيكل لمتن الأطروحة ومعبر عن انشغالات وهموم رجل الديداكتيك المغربي حول تجديد ممارسات تدريس التاريخ من خلال ادماج التفكير التاريخي في التعلم.
تكمن إذن، أهمية هذه الدراسة في كونها قاربت "موضوع التفكير التاريخي وتعلم التاريخ" من زاوية تشخيصية ميدانية، بهدف الوقوف عند أعطاب الفعل التاريخي من داخل الممارسة الميدانية ،ومن أجل بلوغ هذه الغاية حاولت الدراسة أن تجيب عن الأسئلة التالية:
*ما هي المفاهيم المهيكلة للخطاب التاريخي؟
*ما هي الخطوات المنهجية التي يمر منها هذا التفكير؟
*كيف يمكن للمفاهيم أن تزود ديداكتيك التفكير التاريخي بأسسه الابستمولوجية من أجل الإحاطة بمفهوم التفكير التاريخي؟
*كيف يمكن إدماج التفكير التاريخي بشموليته وتعقيداته حتى يصبح في متناول المتعلمين؟
*ما مدى مساهمة التفكير التاريخي في إبراز جدوى الدرس التاريخي على الصعيد الاجتماعي والمعرفي؟
*ما مدى مساهمته في جعل المتعلم قادرا على بناء مواقفه بشكل مستقل و ايجابي؟
نسج الاستاذ مصطفى حسني إدريسي مقاربة ثلاثية للإحاطة بهذه الأسئلة المقلقة:
*المقاربة النظرية:
تضمنها الجزء الأول من الكتاب " الشق النظري" في ثلاث محاور، تناول في الأول موضوع التاريخ عبر أبعاده الثلاثة ( الزمن/ المجال/ المجتمع)، وحدد في المحور الثاني الخطوات المنهجية للتفكير التاريخي، بينما تطرق في المحور الثالث للمفاهيم، أنواعها، وطرق التأكد من المفاهيم والأدوات.
أما الجزء الثاني من الكتاب " الجزء التطبيقي" فقد استعمل المقاربة التشخيصية في محوره الأول الذي رصد خلاله واقع ديداكتيك التفكير التاريخي في أقسام التاريخ بالتعليم الثانوي المغربي، من خلال التعليمات الرسمية والكتب المدرسية والممارسات الميدانية بأقسام التاريخ.
بينما استعمل الأستاذ المقاربة التجريبية في المحور الثاني الذي قدم فيه مجزوءة نموذجية لتعلم التفكير التاريخي وعرض ظروف واختيارات ومراحل تجريب هذه المجزوءة، ثم تحليلا وتأويلا لنتائج هذا التجريب، ليختم الأستاذ باستنتاجات عامة كانت بمثابة تقرير عن المراحل التي قطعها البحث بشقيه النظري والتطبيقي.
* استغرافية الاطروحة:
انطلقت أطروحة مصطفى حسني إدريسي من عتاد استوغرافي تناول موضوع ديداكتيك التفكير التاريخي:
* دراسة هنري مونيو 1994 م: التي صنف فيها أنواع البحث في ديداكتيك التاريخ حسب خمسة انواع:
1- البحث في الكتب والمناهج المدرسية.
2- البحث في الممارسات والافكار.
3- تحليل الممارسات والعمليات( عمل تجريبي).
4- البحث حول الديداكتيك ( المصداقية والتفسير).
5- الدراسات حول المفاهيم( التحليل/ التحقيق/ التجريب/ الفرضيات/ التبرير/ التقويم).
تندرج دراسة الاستاذ مصطفى حسني ادريسي ضمن النوع الخامس لكزنها تتضمن جزءا نظريا يقدم الاطار المفاهيمي، وجزءا تجريبيا يجعل من التجربة وسيلة لتقوية النظرية.
* دراسة كرستيان لافيل 1999م: ارتكزت حول نوعين من الأبحاث:
1- الأبحاث التي اهتمت بتعلم التاريخ سواء من حيث مسارات التعلم( نظرية بياجي كنموذج للمسار التاريخي) أو من حيث المنتوج الذي يقدمه درس التاريخ( السياق/ الربط السببي/ الوصف/ النقد) وأخيرا من حيث تقديم درس التاريخ.
2- الأبحاث حول الدور الاجتماعي للتاريخ.
* دراسة روبير مارتينو وشانتال ديري 2002م: ارتكزت حول المستويات الثلاثة لحضور التفكير التاريخي في درس التاريخ( الانشطة التمهيدية/ تمارين الاستثمار/ التبرير التاريخي من خلال حل المشاكل) وقد اعتمد الباحثان المنطق التاريخي المبني على حل المشاكل لكونه المستوى الاعلى وحدداه في اربع مقاربات:
1- المقاربة الفرضية الاستنتاجية l’approche hypothético-déductive
2- المقاربة الحجاجية l’approche argumentative
3- المقاربة الوصفية l’approche narrative
4- المقاربة العاطفية l’approche empathique
استنتج الاستاذ انطلاقا من هذه الدراسات أن هناك قناعة لدى الباحثين بكون ما توصلت إليه هذه الأبحاث مازال غير كاف، حيث يرى كريستان لافيل أن هناك تشابه بين الأبحاث وأنها لا تأتي بجديد.
في مقابل روبير مونتيرو وشانتال ديفي فقد لاحظا أن الدراسات الميدانية التي تعمل على تحويل ما هو نظري إلى ما هو تطبيقي ليست في المستوى المطلوب لتأسيس ديداكتيك يرتكز على المنطق التاريخي.
بعد هذه الجولة لحالة السؤال، حدد الأستاذ هدف دراسته في الانطلاق من وضعية راهنة تعرف اختلالات نظرا لعدم الانسجام بين غايات المنهاج الدراسي والممارسات الصفية لدرس التاريخ بالمغرب، وبين الاسس الابستمولوجية للتفكير التاريخي والوضعيات الديداكتيكية. وكذلك الأثر السلبي لتقاليد تدريس التاريخ( بيداغوجيا التلقين وبيداغوجيا الاهداف). من أجل الوصول إلى وضعية مستقبلية تتوافق مع الممارسات داخل القسم مع المناهج الدراسية المرتكزة على التفكير التاريخي، من خلال التحويل الديداكتيكي لهذا التفكير على أساس ابستمولوجي واضح، من أجل تحفيز المتعلم على أخذ موقف ايجابي من التاريخ وإدراك لأهميته على الصعيد المعرفي والاجتماعي.
لقد جاءت دراسة الاستاذ مصطفى حسني ادريسي لملأ الفراغ بين الوضعيتين، وتحقيق الانتقال من تكوين تلقيني إلى تكوين بنائي، يجعل من التفكير التاريخي "مادة" تعليمية بالمغرب من خلال الجمع بين الجانبين النظري والتطبيقي.
تضمن المحور الأول من الأطروحة إطارا مفاهيميا من خلال المفاهيم المهيكلة للتاريخ( الزمن/ المجال/ المجتمع).
بعد توضيح الرؤية حول الابعاد المهيكلة للفكر التاريخي، انتقل بنا الأستاذ مصطفى حسني ادريسي إلى المحور الثاني من الجزء النظري للحديث عن خطوات التفكير التاريخي، وقد استهل المحور بالتأكيد على أن المعرفة التاريخية هي نتيجة لعمل منهجي، رغم النقاش الدائر حول علمية التاريخ. مشيرا أن المقصود بالمنهج هو طريقة التفكير، وليس التقنيات التي تتحكم في ردود الافعال. لهذا اعتمد الأستاذ على النهج التاريخي ل Henri Irène Marrou » والذي عبر عنه بخطاطة توضيحية على شكل منحنى يمتد بين مستويين، مستوى شخصية المؤرخ الذي يطرح مشكل ويضع له فرضيات ويبني تركيبات، ومستوى الواقع الموضوعي الذي يرتبط بموضوع من الماضي ترك أثرا في الحاضر. هذان المستويين يعتبران محور المنهج التاريخي الذي يمر عبر الخطوات التالية:
1- الاشكالية: تعتبر أول مرحلة من مراحل التفكير التاريخي، حيث تتطلب تحويل موضوع للدراسة إلى مشكل تاريخي يستلزم التفسير. وهي بالتالي نقطة انطلاق لتساؤلات حول أحداث مجهولة انطلاقا من أحداث معروفة، يتم إنجازها من خلال العمليات التالية:
* موضوع البحث أو السؤال المركزي: يتم استقاؤه من الحاضر الذي يعرفه المجتمع وانطلاقا من الوثائق المتوفرة والتي يجب أن تراعي الأبعاد الثلاثة المهيكلة للفكر التاريخي.
* الاسئلة الفرعية: تتفرع عن السؤال المركزي من أجل تسهيل تحليله ومن الضروري أن تتوفر فيها شروط الملاءمة العلمية والاجتماعية.
* الفرضيات: هي أجوبة مؤقتة عن الاسئلة انطلاقا من تحليل الوثائق يمكن تأكيدها.
2- الاستكشاف الوثائقي: لا يمكن إستغلال الوثائق بشكل جيد إلا إذا تمت دراستها على ضوء إشكالية، وقد اقترح إتباع الخطوات المنهجية التالية خلال هذه المرحلة:
* قراءة الوثيقة وتحديد المفاهيم والمصطلحات ذات المدلول التاريخي.
* تحديد نوعية الوثيقة واطارها الزمني والمكاني مع التعريف بمصدرها.
* استخراج المعلومات وتجميعها وتصنيفها.
* ربط الخلاصات والترابطات والتفسيرات التي تم التوصل إليها بعناصر الدرس.
* تقييم ونقد مضمون الوثيقة من خلال تحديد نقط ضعفه أو قوته، مع تعيين الحجج والدلائل على ذلك.
3- التحديد: خلال هذه المرحلة ننطلق من الوثائق لنصل الى الفرضية وتتطلب هذه المرحلة تحديد الأحداث حسب ثلاثة معايير:
- المفهومية: تبدأ بفهم الوثائق من حيث لغتها وأسلوبها ثم فهم الاحداث المثارة من الوثائق.
- الملاءمة: ملاءمة الأحداث مع المشكل المطروح والفرضيات المقترحة، والتي تتوقع انتقاء أو تقييم أهمية هذه الأحداث.
- التأكد من صحة الأحداث: يتم في هذه المرحلة التأكد من صحة الأحداث على ضوء الحجج الوثائقية وكذلك الحجج التبريرية عن طريق نقد مصادر المعلومة، من اجل رفض أو قبول الفرضيات.
4- التفسير: هو عملية إيجاد العلاقات الرابطة بين الأحداث من أجل الجواب على السؤال المطروح، وقد نتج عن اختلاف وجهات حول مفهوم التفسير ظهور عدة نماذج في التفسير التاريخي( النموذج الوضعاني/ النموذج العقلاني/ النموذج الحبكي/ النموذج السردي). كما أن التفسير يتأثر بثلاث مرجعيات أساسية: ( التفسير التاريخي والوثيقة التاريخية/ التفسير والزمن التاريخي/ التفسير وثقافة المؤرخ).
ويتخذ التفسير التاريخي شكلين أساسين:
* التفسير العاملي: ننطلق من الحدث/ المشكل المطلوب تفسيره لنعود بذلك في الزمن من أجل اختبار وتصنيف العوامل حسب طبيعتها ومدتها ونجاعتها، من أجل تحليل الاحتمالات المختلفة.
* التفسير التحفيزي: نتموضع في هذه الحالة قبل وقوع الحدث/ المشكل من أجل تحليل للاحتمالات المختلفة المرتبطة باختيار وسلوكيات الفاعلين في هذه الحالة، فالحدث/ الواقعة هو واحد من الأحداث الوقائع الممكنة فرضيا ولكنها لم تحدث على أرض الواقع، والمطلوب هو تفسير لماذا لم تحدث؟
يثم التفسير عموما عن طريق التركيب بين جواب جامع ومشكل مطروح، هذا الجواب يعرض لنا الحدث/ المشكل في سياقه التعاقبي أو التزامني من أجل الوصول إلى معنى.
5- التركيب: هو الانتقال من العرض العشوائي لأحداث الماضي إلى صياغة مجموعة مرتبة ومنظمة البنية، يتخلل التركيب مختلف مراحل التفكير التاريخي، فهو لا يعني فقط الربط بين بعض العناصر، بل أيضا إدماج هذه العناصر حسب معنى محدد. يتعلق الأمر إذن بمسار من الروابط ومنتوج نهائي لهذا المسار مبني حول الجواب التفسيري المرجو اعطاؤه للمشكل التاريخي المطروح، وتمر عملية التركيب في مسارها الاستدلالي من ثلاث مراحل اساسية:
* مرحلة التقديم: يقدم المؤرخ اشكاليته كنتيجة بقدر ما يقدمها كنقطة بداية.
* مرحلة العرض: يختلف التاريخ الجديد عن التاريخ التقليدي، إذ لا يكتفي بتفسير الأحداث عند سردها ولكن إلى البرهنة والاستدلال على صحتها استدلالا قياسيا( عن طريق المقارنة) والاستدلال بالصمت ( عدم ذكر الوثائق للحدث ولكن أنه لم يحدث) والاستدلال التخميني ( العلاقة السببية بين حدثين) ،واخيرا الاستدلال السببي ( الحدث العام يتفرع بالضرورة إلى أحداث خاصة).
* مرحلة الخاتمة: يغلق فيها المؤرخ روايته بأحكام تقويمية كما يقترح مناهج أخرى للبحث وبطرح تساؤلات جديدة.
قاد هذا التركيب الأستاذ مصطفى حسني ادريسي إلى إنجاز خطاطة بيانية قسمها إلى ست مراحل لتخضع بالضرورة للترتيب السنوي:
1- الاشكالية 2- الاستكشاف 3- التعريف 4—التفسير 5- التركيب 6 المفهمة.
على أساس هذا الاطار المنهجي سينخرط الاستاذ في الجزء الثاني من أطروحته لتشخيص واقع ديداكتيك التفكير التاريخي بالتعليم الثانوي بالمغرب، وبناء مجزوءة تعلمية خاضعة لهذا التفكير خاضعة للتجريب.
الجزء الثاني: التفكير التاريخي في اقسام التاريخ.
وجه الاستاذ قراءته لهذا الواقع بتمييز المستويات الثلاث لتجلي التفكير التاريخي المنجزة من طرف مارتينو وشانتال، من جهة أخرى، حاول الأستاذ في ختام هذا التحقيق توضيح هذه القراءة بالتطور الاجتماعي والسياسي بالمغرب، حيث تشاطر الرأي مع فلييب برنار أن هناك ترابطا بين درجة ترسيخ التفكير التاريخي ودمقرطة المجتمع المسائل، وتساءل عن ما إذا كان واقع التفكير التاريخي بالمغرب طريقة للتساؤل عن مرجعية المجتمع المغربي المنقسم بين التقليد والحداثة بين الحكم السلطوي والحكم الديموقراطي.
ماذا عن الإضافات الديداكتيكية التي طرختها الاطروحة؟
أشار الأستاذ أن الإضافة الديداكتيكية الأساسية هي:
* عدم إكتفائه بتوضيح مفهوم التفكير التاريخي نظريا ووصف مكوناته الاساسية واتباعه بجانب تجريبي من خلال تجريبه مجزوءة تقدم نموذجا عمليا لتعلم التفكير التاريخي بالمغرب.
* انجازه لبرتوكول تجريبي مكنه من تقويم أثر المجزوءة والتعرف على حاجيات توضيح مفهوم التفكير التاريخي في المغرب والتي قد تستفيد منها عملية وضع برامج تاريخ جديدة.
* تزويد تدريس التاريخ باطار نظري يستطيع المساهمة في جعل الدور الانعكاسي للتاريخ حاضرا الى جانب الدور الهوياتي في البرامج الدراسية.
خاتمة:
في ختام هذه الدراسة المتواضعة في أطروحة الأستاذ مصطفى حسني إدريسي "التفكير التاريخي وتعلم التاريخ " لا يسعني إلا ان أدعو كل المهتمين بالفكر التاريخي من مؤرخين وباحثين وطلبة ومدرسين ومفتشين وواضعي المناهج لقراءة متأنية لهذا البحث الأول من نوعه في مجال التاريخ بالمغرب، والذي يقدم بالإضافة الى غرضه البحثي الاكاديمي الذي أسس عليه فرضيته، وهو توضيح مفهوم التفكير التاريخي وتحويله ديداكتيكيا لتسهيل تعلمه من طرف المتعلمين درسا عمليا في منهجية بناء المعرفة التاريخية، وكذلك درسا عمليا في منهجية بناء المعرفة في العلوم الانسانية.
ويمكن أن نقرأ شهادات أشهر مؤرخي هذا العصر، وديداكتيكي التاريخ من طينة بيكول لوتيي، كريستيان لافيل، وهنري مونيو الذي كتب مقدما للدراسة، لندرك قيمتها العلمية، ولن نجد أفضل من شهادة هنري مونيو لأختم هذه القراءة حيث قال عن الأطروحة" هذا العمل يبدو لي جد مهم بالنسبة للتلميذ والمدرس من أجل تكوينهم، فيما يخص إنعكاسات تدريس التاريخ ومهامه، ولكونه يعتبر مساهمة جد قوية في السؤال الذي يشغل ديداكتيك التاريخ".



#مولاي_عبد_الحكيم_الزاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جاك بيرك والحلم المغاربي المجهض
- المجتمع المدني والبيئة بين التباسات التنظير واكراهات سوسيولو ...
- البيوغرافيا السوسيولولجية بالمغرب: مداخل أولية
- أسئلة التاريخ القروي بالمغرب: من السوسيولوجيا الكولونيالية ن ...
- عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة
- قصيدة: اختفاء واقع
- قصيدة: رحيل في ذرى الديموقراطية
- قصيدة: نظاميتي فوضويتي
- في الحاجة الى الانتربولوجيا التاريخية
- نفسانية التواكل


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - مولاي عبد الحكيم الزاوي - التفكير التاريخي وتعلم التاريخ La pensée historienne et l’apprentissage de l’histoire