جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 1423 - 2006 / 1 / 7 - 10:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سورية التي تركها – خدام بيك - بعد ثلاثة عقود ونصف ترزح تحت وطأة أزمة شاملة على ثلاث مستويات:
1- أزمة سلطة ونظام حكم وهي أزمة بنيوية بامتياز.!
2- أزمة مجتمع وهي نتاج تراكمي لسياسات النظام.!
3- أزمة أحزاب وهي أزمة متجددة.!؟
لقد بات معروفاً أن السلطة لم تتبن في السنوات الخمس الماضية أفقاً سياسياً مغايراً للخروج من أزمتها الموروثة ، لقد أكَّد رموز النظام حرصهم على الاستمرارية بكل وضوح لكن مع السعي لانتهاج عملية إصلاح اقتصادي و من دون تحديد معايير لهذا الإصلاح المنشود.. فقط تحت عناوين التطوير، والتحديث، وغير ذلك..! وقد راهن الكثيرون بمن فيهم أحزاب معارضة ومتثاقفين كثر على إمكانية السير الأعرج على قدم واحدة، .! وتجاهل المراهنون مسألة أن عملية الإصلاح تحتاج بدايةً إلى وجود إصلاحيين وفي حزب البعث كما هو الحال عند كل التنظيمات القومية بلا استثناء لا وجود لتيار إصلاحي ( المؤتمر القومي العربي يعكس حقيقة هذه التنظيمات ) ومثل هذا التيار لا ينوجد في ساعات تفصل بين وفاة القائد وتسلم الوريث دفة الحكم على عجل.! وقبل ذلك، وفي مثل هذا النوع من أزمات الحكم والمجتمعات، يكون الإصلاح سياسياً أو لا يكون إذ أن التغيرات الجذرية في المستوى الاقتصادي ( كالتحول إلى اقتصاد السوق ) تتطلب تغيرات مماثلة في المستوى السياسي فمن غير المعقول أن تبقى البنى الفوقية من سياسة، وفكر، وتنظيم، وإدارة، كما كانت عليه ثم ينتظر عاقل أن تتقدم عملية الإصلاح الاقتصادي وبخاصة في مناخ من الفساد غير المسبوق.!؟
هذا عن المستوى الأول أما أزمة المجتمع التي عبَّرت عن نفسها خلال السنوات الخمس فقد كشفت عن مقدار ترسخ البنية المجتمعية طائفياً .!
لقد كان من الطبيعي وكنتيجة لغياب السياسة والعمل السياسي وإقصاء النشاطات المدنية والأهلية وهو المنجز الناجح في تاريخ البعث أن تنتعش كل أشكال الانتماءات ألما قبل سياسية..وأن يتحول الناس إلى رعايا ورعية، وأن تتلاشى منظومة الدولة، وفي مثل هذه الحالة سيتطلب الأمر مرحلة انتقالية طويلة كيما يمكن الحديث عن جدوى وفعالية العمل على إشاعة قيم وثقافة الحداثة بشكل عام. ومن غير هذه القيم لا يمكن قيامة الدولة المدنية المؤهلة لدخول نادي الدول المتحضرة و الولوج إلى العصر. هذا عن المستوى الثاني.
ومن نافل القول إن معظم أحزاب المعارضة شمولية إن كان في مرجعياتها الفكرية أو خطابها السياسي.! وهي من واقع هذه الشمولية لم تتحرر من هيمنة عقلية المؤامرة وتفسير مجريات التاريخ وأحداثه انطلاقاً من هذه العقلية.
لقد أكدت أحزاب المعارضة خلال السنوات الخمس الماضية على هذه الشمولية من خلال مواقفها السياسية وبحيث لم يبق لمفردات التعددية، والدولة المدنية، والديمقراطية، التي دخلت خطابها اليومي أية إمكانية لمردود واقعي من واقع اقتصار التجديد الذي تطلبته التغيرات على اللغة السياسية لا أكثر ولا أقل.! وقد كشفت تلك المواقف عن استمرار هيمنة عقلية المؤامرة في النظر إلى الأخر ( الغرب ) كلما ارتفع إيقاع الشعارات ( الوطنوية ) وهذا التخندق ( الوطنوي) يعتبر مساهمة في عملية صرف أنظار الناس عن الاهتمام بحقوقهم المباشرة والتي لا علاقة للأخر ( الخارج ) باستلابها.!؟ وهي مساهمة غير محمودة من حيث إعاقتها لأي شكل من أشكال الحراك المجتمعي خارج إطار التحشيد والتجييش الكرنفالي الوطنوي.!؟
ومن جانب أخر فإن شمولية أحزاب المعارضة يؤكدها واقع تحالفها مع أصولية الإسلاميين بدون أية شروط وقد جاء اعلان دمشق كدليل فاقع على ذلك ولا يعني شيئاً تذرع بعضهم بأن لديهم تحفظات على بعض بنود الإعلان .! فالجوهر يبقى في أن المعارضين القوميين واليساريين على حدٍ سواء تحالفوا مع تنظيم ديني شحماً، ولحما، وعظماً.! ومن نافل القول: إن التنظيمات الدينية تحتكم إلى السماء بالضرورة وليس إلى أي شيء أخر وفي السماء لا يوجد أرض للعمل السياسي كما لا توجد فيها الحلول المنشودة.! وكان الأحرى من ذلك هو العمل على إقناعهم بضرورة أن يتحولوا إلى حزب إسلامي سياسي بعد أن قطعوا شوطاً لغوياً مهماً يساعدهم على مثل هذا التحول وقد تمثل هذا الشوط بلغتهم السياسية الجديدة التي تستجيب إلى حد ما لمتطلبات واستحقاقات الحياة الراهنة.. ومن الطبيعي في هذه الحالة ( حالة الحزب السياسي ) أن يقتصر نظرهم إلى الشريعة على أنها مصدراً من المصادر وليست المصدر الوحيد فيما يتعلق بالوطن والدولة الوطنية إذ لن يستقيم الادعاء بالدولة المدنية والتعددية مع الإصرار على واحدية الشريعة الإسلامية.!
إنه لمن المؤسف القول: إن الخيار المتاح بعد كل ما تقدم ينحصر في نوعين من الاستبداد: استمرار الاستبداد الأبوي لكن مع مسحة بدائية من العلمانية.! أو استبداد بديل يجِّمله رواده بنصوص يدّعون أنها ربانية ويرفدهم القوميون بثوابتهم المطلقة ونزوعهم الوحدوي المنفر من على يمينهم.. واليساريون المتخشبون من على يسارهم.! ومما لا شك فيه أن هذا الخيار المتاح غير استقطابي ثم إنه غير عقلاني في ظروف العصر الراهنة وإذا ما أضفنا حقيقة أن الوضع ممسوك أمنياً وبدرجة عالية فإن هذا يعني بصريح العبارة: انعدام أية فرصة للتغيير الديمقراطي الذي ينشده وينظِّر له الجميع.! وقد تسمح لنا هذه الحقيقة بمعرفة السر الكامن وراء عدم التساهل مع أي شكل من أشكال التحرك الليبرالي العلماني الذي يكسر هذه الحلقة الضيقة من الخيارات المفترضة حيث ضربت أمنياً في المهد كل المحاولات على هذا المسار في ذات الوقت الذي كانت تجابه فيه بالتشكيك من معظم التنظيمات المعارضة والنخبويين المعدودين في خانة الانتلجنسيا يا حيا الله.! ناهيك عن حقيقة أن البنية المجتمعية ذاتها عصية على مثل هذا الحراك في ظلِّ استمرار هذه الظروف.. لقد وصل الأمر بنمط ديناصوري من المعارضين إلى حد تخوين القائلين بضرورة العمل على إشاعة قيم الحداثة وأطلقوا عليهم تسمية الليبراليين الجدد إلحاقاً لهم بالمحافظين الجدد.!
وهكذا يمكننا أن نخلص إلى قول عكس ما يقوله البعض: السلطة باقية بالرغم من أزمتها البنيوية، وبالرغم من التنظير حول عزلتها وانفلاشها، وهي، منذ حين، تتقوى باستمرار من حالة انعدام فعالية البدائل الموجودة على الأرض حتى ولو حاول البعض تغيير جلده، وهي تستطيع ببضعة مراسيم أميرية أن تفعِّل استمراريتها، وأن تكيِّف أوضاعها، وأن تلملم فضائحها، وأن تبرِّد الرؤوس الحامية، ولا أمل مرجو بعد ذلك إلا في تمدد طبقة سياسية جديدة حاملة لقيم العصر الراهن بدون أدنى مواربة فمثل هذه الطبقة ستكون مؤهلة لملاقاة الاستحقاقات المتزايدة على كل الصعد ولأن السلطة مدركة لهذا الأمر، فإنها عملت على وأد كل المحاولات لانبثاق هذه الطبقة .!؟
لكن، لمن يرغب ولمن لا يرغب نقول: بديل كل ما تقدم سيكون في سورية حرب أهلية سيأكل منظروا التغيير الديمقراطي أصابعهم قبل أن يعدوها.!؟
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟