آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (14)

خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)

الحوار المتمدن-العدد: 5350 - 2016 / 11 / 23 - 20:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

كلما أتأمل في "نصائح" المستشارين البريطانيين للمسؤولين الأمنيين العراقيين تزداد قناعتي بأن دهاء الفكر الإنكليزي وخبرتها في كيفية إبقاء السيطرة على مجمل الأمور في العراق، كمنطقة حيوية من مناطق نفوذها التي كانت متوزعة على أجزاء كثيرة من الكرة الأرضية ، القطعة الجغرافية التي لم تكن غائبة عن أنظار وأطماع المنافسين الأقوياء، عن طريق خلق توازانات محلية حساسة بين "الأضداد"، لهم القدرة على التلاعب بها، كانت مفاتيحها في خزائنهم بعيدة عن أيدي الأخرين، على النقيض مع ما كانت تدور من أوهام وتخيلات في عقول الحكام المحليين ومعارضيهم، على حد سواء، ومحاولاتهم، بجميع الوسائل، الإخلال بهذا "التوازن" لصالح طرف أو أخر، عن طريق محاولة كل طرف لكسر شوكة نقيضه وقلعه من الجذور، في الوقت الذي كان الحاكم الحقيقي للعراق، الذي كان يحكم من وراء الستار عن طريق أصابعه الممدودة التي كانت تصل كل حدب وصوب، قد أفلح في تحويل العراق برمته الى بيوتات مغلقة على بعضها البعض، ولكنها كانت من زجاج رائق بالنسبة إليه. وقد كان شائعاً في حينه بأن الانكليز يصلهم المعلومات، مسبقاً، عن كل ما يحدث في العراق قبل 24ساعة على الأقل إن لم يكونوا هم من وراء ما يحدث.
أستطيع أن أزعم بأن حنا بطاطو قد أدرك هذه "الحقيقة" من دون الأخرين أو قبلهم. وعندما عَنْوَن الفصل الثالث عشر من الكتاب الثاني ب(الكارثة..وموت فهد شنقا..و«الشيوعيون الأطفال») أراد أن يوحي بأنه يؤدي دوراً كدور الأخت الكبيرة لأليس في "مغامرات أليس في بلاد العجائب؛ عندما كانت تقرأ لأليس من كتاب التاريخ لكن الأخيرة لم تكن تصغي لأن الكتاب كان مملا بالنسبة لها وبدلامن ذلك كانت تتخيل عالمها الخاص حيث "المنطق غير منطقي و الغير منطقي منطقي"... بعد صولات وجولات وكر وفر، إستيقظيت الفتاة المسكينة على صوت أختها الكبرى. "أليس، هل أنت نائمة؟"
لنعود الى مذكرات بهاءالدين نوري ص136و 137 لنرى كيف شكل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وكيف يصف أعضاء هذه اللجنة القيادية التي لم تكن أكثر من ديكور حسب المعلومات التي وردت من خلال الصفحات اللاحقة لمذكرات بهاءالدين نوري:
[ منذ وصولي إلى بغداد 1949ولأ كثر من سنتين أعقبتا ذلك كنت أنفرد بقيادة ح ش ع ولم تكن هناك لجنة قيادية حتى من الناحية الصورية...قمت بتشكيل لجنة مركزية جديدة، بعد أن تحطمت اللجنة التي شكلت في المؤتمر الأول للحزب عام 1945 وضمت أعضاء سبعة اخترتهم بنفسي بين الكوادر. ولم يخطر. ببالي ولا ببال غيري في تلك الأيام بأنه يجب انتخابهم بشكل من الأشكال. وكانوا، اضافة إلى نفسي، كلا من عامل الميناء البصري ناصر عبود وعامل النسيج البغدادي صادق جعفر الفلاحي والمعلم الأربيلي المفصول المتحدر من عائلة فلاحية معدمة كريم أحمد والطالب المفصول البغدادي محمد راضي شهر والموظف البغدادي المفصول من الطبقة الوسطى سليم الجلبي والطالب المفصول من السليمانية المنحدر من عائلة فلاحية فقيرة كاكه فلاح.]
لم يتطرق بهاءالدين نوري في المذكرات التي نشرها في دفةِ كتابٍ بلغ عدد صفحاته 614 كيف اختار هؤلاء والأسس التي اعتمدها ليشكل منهم اللجنة المركزية وفيما إذا جاء وفق ما ذكره بطاطو في ص373 من الكتاب الثاني:( والواقع أنه يشار أحياناً إلى فترة بهاءالدين نوري(حزيران1949ـ نيسان1953) على أنها الفترة«المضادة للإنتلجنسيا» في تأريخ الحزب).
كما ولم يذكر بهاءالدين نوري في مذاكراته، أيضاً، شيئاً عن قوائم تنظيمات الحزب في المحافظات التي صودرت بصحبته أثناء إلقاء القبض عليه ولكنه يمر على الموضوع بشكل عابر ومختصر في ص 192:(كان في المعتقل عدد كبير من الموقوفين الشيوعيين، بينهم من اعتقل لأسباب تعود الى قضيتنا ـ أما لأنهم شاركوا في وفود الى السلطات للمطالبة بإطلاق سراحنا أو لأن السلطات عثرت في بيتي على أوراق ساعدت على التعرف عليهم أو ما شاكل ذلك. وقد جرى التشديد خصوصاً لمنعنا من الاتصال مع بعضنا أو مع أي كان من سائر الموقوفين. وعندما كان يؤخذ أحدنا الى المرحاض، البعيد عن زنزانتنا قرابة 70متراً، كان السجناء الآخرون يحجزون في الغرف والطريق يخلى تماماً خشية أن يرانا أحد أو يتحدث إلينا أحدهم. وكان آمر المعتقل يهابنا ويتجنب التحرش بنا، رغم شراسته وقسوته مع سائر الموقوفين).
لربما كان هذا الاجراء من قبل السلطات للحيلولة دون إنكشاف أمر عدد من هؤلاء الموقوفين في حالة إطلاق سراحهم وإستمرارهم العمل في التنظيم دون أن يشعر بهم أحد.
أما عزيز سباهي تجاهل بدوره التطرق للقائمة التي صادرتها الشرطة أثناء إعتقال بهاءالدين نوري و حتى العدد الكبير الذي ذكره بهاءالدين نوري للمعتقلين عندما كتب في ص119 من الجزء الثاني ـ عقود من تأريخ الحزب الشيوعي للعراق: (كان اعتقال بهاءالدين نوري مفاجئاً. وفي بادىء الأمر لم يكن البوليس يعرف هوية مَنْ اعتقلهم في الدار التي هاجمها في الأعظمية لمجرد الاشتباه. لكنه سرعان ما أدرك أنه قد نجح في اصطياد قائد الحزب. إلا أن هيبة الحزب، كما يبدو، والسمعة العريضة التي اكتسبها سكرتيره طوال الأعوام الأربعة التي قاد فيها الحزب، قد أرغمت البوليس على تجنب تعذيبه أسوة بالآخرين.)
ولكن يمكن الاستنتاج من المعلومات التي وردت في مذكرات بهاءالدين نوري حول الإجراءات المتشددة أثناء إعتقاله ووجود صورة شخصية له في حوزة الضابط المشرف على العملية بأن العملية لم تكن لمجردالإشتباه كما ذكره عزيز سباهي.
بعد أن نشرنا في الحلقة 12 الجزء الثاني من المقابلة التي أجراها توفيق التميمي مع ناصر عبود والتي نشرتها الزمان البغدادية، أدناه النص الكامل للحقلة الأولى من المقابلة مع الرابط مع مراعات عدم الإمكان الوصول الى هذه الحلقة في الوقت الحاضر من خلال هذا الرابط لسبب غير معلوم عندي. سنعود لتكملة بحث الموضوع في الحلقة القادمة:
[القيادي الشيوعي والكادر النقابي ناصر عبود: (الحلقة 1)
تم قراءة الموضوع 809 مرة
18/5/2011 12:00 صباحا
الشيوعيون لم يكونوا وحدهم من أرسى نضال الطبقة العمالية في العراق
كل الاراء والمعلومات الواردة في الحوارات المنشورة في هذه الصفحة تعبر عن وجهات نظر قائليها وعن المعلومات التي يفيدون بها وبالتالي فهي قابلة للنقاش والاختلاف والحوار في فضاء حر تتبناه الجريدة وتتعهد بتأمينه لجميع المناقشين والمختلفين.
قابله في ابو الخصيب – توفيق التميمي
عند الوصول الى البصرة ،لابد من ان تبحث عن رموزها الاحياء الذين مازالوا على قيد الذاكرة ممن اسهم بدور في صناعة تاريخ هذه المدينة الزاخر بحكايات البطولة وقصص الجمال ،فالمدينة لؤلؤة العراق وقلبه النابض وميناؤه الهادر ،وهناك في قرية السراجي القريبة من العشار وهي احدى القرى التابعة لقضاء ابي الخصيب مازال يعيش في احدى بيوتات هذه القرية النقابي والشيوعي ناصر عبود بسنواته التي تجاوزت الثمانين ،ثلاث عمليات جراحية وشيخوخة تحمل في اخاديدها تاريخ من الكفاح والعمل المضني ،كانت فرصه في البقاء على قيد الحياة اقل مما تذكر، ليس لانه فقط من المؤسسين لتنظيمات الحزب الشيوعي في البصرة للدرجة التي يعتز فيها بان بطاقته الحزبية كانت موقعة بامضاء الرفيق فهد المؤسس فقط ،ونحن نعلم ما تعرض له هذا الحزب من المضايقة والملاحقة منذ تاسيسه وحتى الآن بلغت ذروتها ايام الحرس القومي والتي نجا منها لانه كان في وقتها بصوفيا لاكمال دراساته الحزبية هناك ،بل لان ناصر عبود تاريخ نقابي وحزبي لابد من تدوينه للاجيال بصوته الحي وذاكرته الشاهدة على احداث ثمانين عاما من تاريخ العراق شهد عليها وقاد خلالها اضرابات وتظاهرات ودخل بها سجون وشهد على انقلابات عسكرية ، بل كان وسط معمعتها وفي اتونها المحترق ،كما كان شاهدا حيا على ما جرى فيه من ويلات على الحزب الشيوعي العراقي فضلا عن انشقاقاته الداخلية وخيانات رفاقه الباهظة الثمن .
نعم ناصر عبود قد لايمتلك تلك المهارة اللغوية في التعبير عن تفاصيل كل هذه التجربة الطويلة والمريرة ،وقدلا تسعفه صحته وشيخوخته بالتعويل على ذاكرته في استحضار هذه الاحداث الجسام ،ولاسيما انه بسبب ظروف الملاحقة والنفي والحياة السرية الحزبية لم يعد يمتلك لا ارشيفا ولامذكرات مدونة ولاحتى صورا تجمعه برفاقه الذين ضيعتهم المنافي واهدرت دماءهم مقاصل الانظمة الملكية والجمهورية.
اروع ما تكشف عنه ذاكرة عبود البدايات الاولى لتاريخ الاحتجاجات والاضرابات العمالية العراقية المبكرة في تحصيل حقوق العمال ومطاليبهم، وكذلك ثبات ناصر نفسه على المبادئ التي آمن بها صبيا فهي مازالت المبادئ التي يتمسك بها ويدافع عنها وهو في زاوية الشيخوخة والمرض لانها افكار كما عبر عنها ببساطة من اجل الانسان العراقي ومن اجل الانتصاف لحقوقه المظلومة ،وما يؤلمه بان اولاده اتجهوا اتجاهات مغايرة لاتجاهه اليساري بسبب اضطراره للهجرة القسرية من البلاد عندما تركهم في ذمة اقاربه .
ارتبطت ذاكرة الحزب الشيوعي وتاريخه بواقعتين مهمتين في هذا التاريخ كان بطلها ناصر عبود، واحدة تلك التي تتعلق بتجميد عضوية حميد عثمان سكرتير الحزب والقاء القبض عليه في الموصل بعد الخشية منه بتسريب اسرار الحزب للجهات الامنية آنذاك ،والاخرى قيادته لاول اضراب عمالي شهدته مدينة البصرة نهاية اربعينيات القرن السابق، وهما قصتان تكفيان ان نتحمل كل العناء لكي نلتقي ناصر عبود ونبحث عنه في غابات النخيل الملتفة ودروب ابي الخصيب المظللة بالطيب وهواء البحر ليقابلنا ذلك الشـيخ الذي يخفي خلف جسده النحيل الممــــــزق بخيوط العمليات ومشارط الاطباء تاريخا لم يرو من قبل :
*ناصر عبود النقابي والكادر اليساري ،مسيرة من النضال والانجازات ،من اين بدأت الرحلة الطويلة ؟
-من قرية فقيرة من قرى البصرة حيث ولدت عام 1921 من عائلة فلاحية ،عائلة فقيرة يعكس بؤس حالها مدى طبيعة علاقة الفلاح بمالكي الارض في تلك الفترة، وما ينتج عنها من حرمان وقسوة ،وفي تشرين الاول عام 1936 قررت انا وعدد من زملائي في محلتنا (محلة الجبيلة) ان نذهب الى المدرسة ،وفعلا ذهبنا الى المدرسة الابتدائية الواقعة بالقرب من منطقة (المفتية) وذلك لتسجيل اسمائنا في الصف الاول (وكانت هذه المدرسة فيها ثلاثة صفوف فقط) وقد تم تسجيل اسماء زملائي الاثنين ، اما انا فقد طلب مني مدير المدرسة ان اقلل من عمري المسجل في الجنسية الى ست سنوات ليتمكن من تسجيلي في الصف الاول الابتدائي، وعلى هذا الاساس ذهبت الى المتصرفية في العشار اي (المحافظة)، وقدمت طلبا لمركز التسجيل في المتصرفية بتخفيض عمري الى ست سنوات، وقد تم ذلك وثبت في الجنسية اني من مواليد 1927، وفي اليوم الثاني ذهبت الى مدير المدرسة وسلمته جنسيتي الجديدة بعد التخفيض، وبهذا تم قبولي في المدرسة في الصف الاول. وعندما انهيت الصف الثالث الابتدائي ، انتقلت الى مدرسة (المعقل) الابتدائية وفي هذه المدرسة انهيت دراستي الابتدائية ،ولم اتمكن من اتمام دراستي المتوسطة والثانوية بسبب ظروفي العائلية والمعيشية الصعبة التي جعلتني اضطر لترك الدراسة، ومنذ ذلك التاريخ انتميت الى الطبقة العاملة الكادحة ، حيث تم تعييني لاول مرة عام 1942 بصفة عامل في محطة توليد الكهرباء بالجبيلة، وكانت هذه المحطة هي المحطة الاولى التي تغذي البصرة واقضيتها في الكهرباء و كانت خاضعة اداريا لمديرية الميناء في المعقل وكانت قد تاسست العام 1936 .
اضرابات الميناء
*من المعروف من خلال سيرتك ،بانك نظّمت وقدت اول اضرابين شهدهما ميناء البصرة نهاية اربعينيات القرن الماضي بصفتك كادراعماليا نقابيا زمن الاحتلال البريطاني ،ماالذي تستذكره من وقائع هذه الاضرابات العمالية؟
-في 1947/5/21 اعلن الاضراب العام الاول في الميناء ،الا ان الاضراب لم يكن شاملا في جميع مرافق الميناء، لذلك فشل الاضراب بعد ان دام خمسة ايام من اعلانه ، واعتقلت الشرطة لجنة الاضراب (وكنت من بينهم ) وكذلك عدد من نشطاء العمال.. وبعد فترة من الاعتقال دامت اكثر من عشرين يوما، اطلق سراحي وتم فصلي من العمل لاشتراكي بقيادة هذا الاضراب.
وفي اوائل 1948قدمت طلبا لمركز شركة النفط في (المكنية) حيث كانت عندهم محطة صغيرة لتوليد الكهرباء قبلت فيها كمشرف فني ومشغل للمحطة بأجرة يومية قدرها 900 فلس ،في حين كانت اجرتي اليومية في الميناء 285 فلسا فقط.
السياب في الاضراب
اخذنا بتهيئة عمال الميناء للقيام باضراب عام وشامل مستفيدين من دروس واخطاء اضراب عام1947 من اجل تحقيق مطاليب العمال العادلة ،وفي نيسان 1948أعلن الاضراب العام في الميناء الذي ابتداه عمال الحفر بالبواخر في الفاو وامتد ليشمل عمال ميناء المعقل ،ابتدأ الاضراب بأطفاء محطة توليد كهرباء الجبيلة التي تغذي مدينة البصرة باكملها ،وبدأ بعد تجمع الاف العمال المضربين حول بناية مديرية الميناء في المعقل، وكان على رأس الوفد المفاوض للعمال النقابي الراحل عبدالحسن جبار عودة رئيس نقابة الميناء آنذاك، وكان يمثل الطرف الحكومي مدير الموانئ العام الانكليزي ،واتذكر بانه خلال تجمع العمال المضربين كان الشاعر الكبير بدر شاكر السياب حاضرا مع هؤلاء العمال والقى قصيدة حماسية بعنوان (سل الميناء) ،وحمل السياب على اكتاف العمال وهو يقرا ابيات قصيدته التي تشيد بالعمال المضربين ومشروعية مطاليبهم العادلة ،وهي لحظة لايمكن ان تنساها ذاكرتي ،وبعد فترة من اعلان الاضراب ومع بداية جولة المفاوضات بين العمال ومدير الميناء ، فوجئ العمال المضربون باعادة تشغيل محطة توليد الكهرباء بالجبيلة ، وعلى الفور ذهبت مسرعا الى بناية نقابة العمال واخذت معي حوالي 200 عامل وذهبنا هرولة باتجاه محطة الكهرباء بالجبيلة، والتحق معنا العديد من العمال ومن اهالي منطقة الجبيلة وعوائلهم المؤازرين للعمال المضربين حتى وصلت اعدادنا لاكثر من 2000 عامل ومواطن من الاهالي ،وعندما وصلنا الباب الرئيسي للمحطة، وجدنا افراد الشرطة يتهيئون لرمي المتظاهرين الزاحفين نحو بوابة ادارة الميناء ،فاوقفت صفوف العمال الزاحفين وتقدمت من بينهم للشرطة وتحدثت معهم واخبرتهم بانهم ابناء شعبنا والعمال يطالبون بحقوقهم لا غير، وهم لايريدون احداث فوضى او شغب ، وطلبت منهم الابتعاد عن الباب ، وتفهم ضابط الشرطة مطاليبنا واهداف اضرابنا فامرالضابط افراد الشرطة بانزال بنادقهم وفسح المجال للعمال والاهالي بالمرور من البوابة الكبيرة ، فدخلت الى مبنى ادارة الميناء ودخل معي العمال، وبسرعة صعدت الى المحطة المركزية وقمت باطفاء مكائن التوليد وانقطعت الكهرباء من جديد عن جميع الخطوط وساد الظلام ، وفتحنا الماء لتبريد المكائن كي لاتحترق ملفات المحطة ، وخرجنا من داخل المحطة بعد ذلك ، ووجدنا قسما من العمال وقد انهالوا بالضرب على احد العمال العراقيين واسمه (عويد)الذين قام بالتمرد على الاضراب ،وكذلك على مسؤول المحطة وهو هندي الاصل اسمه (نور محمد) ، وقمنا بتخليصهم من بين ايدي المضربين ، وبالنسبة للمدير العام الانكليزي(هاريسون) الموجود مع الوفد العمال المفاوض، عندما علم ان الكهرباء قد عطلت من جديد بتدخل العمال ،اضطر في هذه اللحظات الى الرضوخ والموافقة على جميع مطاليب العمال كافة ،وكانت تتضمن 14 مطلبا لعمال الفاو وعمال بواخر الحفر وثمانية مطاليب لعمال ميناء المعقل والارصفة مع الموافقة بزيادة 50 فلسا زيادة عامة لكل العمال ،وانتهى الاضراب في الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر من يوم الاضراب،بعد ان تاكد العمال من تنفيذ جميع مطاليبهم.
كان ذلك هو الاضراب الاول الشامل الذي شهدته مدينة البصرة في نهاية اربعينيات القرن الماضي .ويمكن لكتاب السيرة والتاريخ العراقي ان ياخذوا الدروس والعبر من هذه الصفحة المشرقة للحركة النقابية العمالية العراقية والتي كان للحزب الشيوعي العراقي دور كبير فيها.
الاعتقال الاول
في اليوم الثاني من انتهاء الاضراب اعتقلتني الشرطة ثم اقيمت لي محاكمة صورية اصدرت قرارها بحبسي 15 يوما بسبب ايقاف توليد الكهرباء في محطة الجبيلة ثم ارسلوني لسجن البصرة وبعد انتهاء مدة الحبس واطلاق سراحي، ذهبت الى شركة النفط واخبروني بان الشركة فصلتني من العمل بسبب غيابي الطويل.
فصلت من العمل في الميناء بتاريخ 21/5/1948 وعدت للعمل في محطة توليد الكهرباء بالجبيلة بتاريخ 25/3/1972 كمشرف فني درجة اولى وبأجرة يومية ثلاثة دنانير و38 فلسا، وحسبت لي مدة الفصل وهي حوالي 25 سنة وفي 1/1/ 1978 طلبت احالتي على التقاعد، وقد تم ذلك وتقاعدت ثم خرجت خارج العراق في بداية هجمة النظام الفاشي الصدامي في 1978 ضد الحزب الشيوعي والقوى الوطنية الاخرى.
الانتماء الشيوعي
*لك تاريخ طويل من الانتماء في الحزب الشيوعي العراقي ،بدأ مع تاسيس الحزب في البصرة ،ومازالت تحتفظ بهذه العلاقة الودية مع الحزب واصدقائه وتتقصى اخباره رغم المرض والشيخوخة ،متى بدات هذه العلاقة وكيف استمرت كل هذه السنوات الطويلة؟
-في منتصف عام 1945 انتميت الى الحزب الشيوعي العراقي ، اي بعد عقد من تاسيسه ،وحصلت على بطاقة عضوية الحزب بتوقيع الرفيق فهد مؤسس الحزب ، وعلى ضوء توجيهات الحزب وايماني بافكاره ومثله الانسانية ،انغمرت بالعمل الجاد بين صفوف العمال ودفعهم للمطالبة بحقوقهم المهضومة وتأسيس النقابات للدفاع عن حقوقهم العادلة... الخ
الحزب الشيوعي حزب الطبقة العاملة.. وكوني احد ابناء هذه الطبقة المتنورين ومعي مجموعة من العمال تم من خلالنا تكوين الحلقات التنظيمية الاولى للعمال في البصرة .
على اثرها انغمرنا بالعمل الجاد بين العمال وتوعيتهم على مطاليبهم المهضومة العادلة وعلى تأسيس النقابات ،وللتاريخ والامانة لم يكن الشيوعيون وحدهم من اسهم بنضال الطبقة العمالية في تلك المرحلة من التاريخ العراقي ،فكان مع الشيوعييون عمال النفط وعمال الداكير واصحاب المهن والحرف الاخرى الذين شاركوا بتاسيس تاريخ نضال هذه الطبقة المسحوقة .
الخائن مالك سيف
*ماهي الذكريات التي تحتفظ بها عن تلك الايام الاولى من انتمائك الشيوعي؟
-كنا مجموعة من عمال الموانئ مجتمعين نتداول فيما بيننا مطاليب العمال وهمومهم مرتبطين حزبيا بالمسؤول محمود كرطة .. في احد الايام كنا في الاجتماع الحزبي لخلية الموانئ في بيتي الذي هو عبارة عن صريفة في منطقة الجبيلة.. حضر ذلك الاجتماع معنا (الخائن مالك سيف ) لمراقبة نشاط خلايا عمال الموانئ، كان يريد ان يعرف كيف تسير الامور في الخلايا الحزبية العمالية في الموانئ ، وكان قد تم تعليقي بالمروحة في مركز شرطة البصرة اثناء اعتقالي الاول ومورس بحقي تعذيب شديد بغية انتزاع الاعتراف عن بقية مجموعة التنظيم العمالي ،وفي مركز البصرة احضروا لمقابلتي (الخائن مالك سيف) الذي امعن النظر بي وقال لي: هل تعرفني؟ .. وكانما اراد ان يذكرني بالاجتماع الحزبي السري الذي عقد في بيتي بالجبيلة ،ولما نكرت معرفته قام مالك سيف بضربي.. وامرهم بالاستمرار في تعليقي بالمروحة السقفية .
--------
‏http://www.alsabaah.com/Artic1e--print--.aspx?ID=7721 ]
(يتبع)

#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)       Khasrow_Hamid_Othman#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات