أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح11














المزيد.....

حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح11


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5347 - 2016 / 11 / 18 - 09:57
المحور: الادب والفن
    


رحلة كلكامش الثانية
البصرة المدينة عروش الشط والخليج كما كانت تصفها سميرة حين تنطقها بألم وحسرة، البصرة وجدها كريم عروسه تحف بها نسائم نهاية الخريف وكأنها تولد من جديد، مدينة هادئة في ملامحها العائمة ولكنها تختزن الكثير من الحركة والفرح والمرح، الطريق كان شاقا وطويلا ومتعبا من كربلاء ثم النجف وأخيرا البصرة في رحلة أمتدت لعشر ساعات وطريق يكتشف فيه كم هو بلده شاسع وكبير.
الطريق نحو البصرة كم فيه من روعة الحياة ومظاهر الموت والجفاف واليباب، غابات من نخيل وقرى متناثرة وصحراء قاحلة وبعض من بدو يقطعون الطرقات بقوافل إبلهم تتهادى الهوينى، ثلة من بيوت شعر تنتصب هنا وهناك في الجزء البعيد والمنظر كأنه لوحة سريالية عن الوجود والعدم، لاحت أولى مشاهد الأقتراب من البصرة المكان والهدف، ألسنة اللهب التي تنبعث من حقول النفط... هنا البصرة هنا الجمال والتاريخ والفن والأدب، هنا كانت ثورة الزنج وشعاراتهم وخطبهم الحماسية، ومن هنا مروا القرامطة يحملون بثورة من طراز جديد، وهنا موطن الفقهاء والمتكلمين والمعتزلة .... شهادة الحرية مرت من هنا وهنا السياب والفراهيدي ورقصة البحر.
ليس من الهين على القادم على البصرة أن يفهم ما يدور هنا بكل تجلياته، المدينة الخالدة لا تشبه بقية مدن العراق ولها مذاقها الخاص، فهي صلة الوصل بين البحر والنهر والسهل والصحراء، ملتقى الثقافات وسوق عكاظ العراق، فيها روح تختلف عن كل شقيقاتها الجنوبية تتنفس التاريخ كما تتنفس التواصل مع العالم الخارجي، منها البحارة والخضارة والمراكبية وعمال النفط، إنها المدينة الساحرة التي سكنها السندباد وترك فيها أحفاد وأحفاد يلهون مع أولاد الجاحظ وسيبويه وأبو الأسود الدؤلي، ملكة جمال كل مدن الخليج وسوق أسواقها ومحط رحال تجارها وهواة الفن والأدب.
اول خطواته قادته إلى مدرسة السيدة أم سلمة في تفرعات شوارع البصرة القديمة حيث الناس تعرف بعضها بعضا، أجيال متعاقبة تتوالد داخل هذا الحي المملوء حياة وحركة وزيادة في السكان، أشارت له امرأة تبين فيما بعد أنها موظفة أن المدرسة قد تم نقلها من مكانها القديم وحلت محلها مدرسة ابتدائية للذكور، أخبرها أنه لا يقصد المدرسة القديمة بالعنوان بل بالمكان، صاحبته وهو يسير بجانبها والأطفال الذين لونهم غبار الأرض المتربة بلون يشبه سحنة وجه سميرة، وقف طويلا أما بناية المدرسة ويتأمل فصول مذكراتها وصخبها حين كانت هنا قبل ربع قرن، تبدو بناية المدرسة أشبه بعجوز متقاعدة ولكنها تصابر على اللعب مع أحفادها كي لا يذهبوا بعيدا عنها.
في دفتر الجيب الصغير الذي كان يحمله هناك ملاحظات صغيرة وأرقام وأسماء تعود لبعض الذين تعرفهم سميرة، أو من الذين يمكن أن يجد عندهم معلومة تقود إلى فكرة أو طريق ما، كل المعلومات هنا لا يمكن أن تفصح عن وجهة ما ولكنها عسى أن يستدل بها هذا السندباد الكربلائي القادم من وسط العراقي بحثا عن أميرته التي أختطفها بحر العراق المظلم، هناك أسم مميز قد يكون له أو منه منفذ يوصل إلى أكثر من طريق، الحاج حبار الخباز والد زوجها المتوفي فهو قريبها أيضا من جهة الأم، عليه الأن بعد أن أخذ قسطا من الراحة في فندق النجوم المطل على نهر العشار من جهته اليسرى والذي ورد في ذكريات سميره، كنموذج للمنزل البصري القديم والكبير والذي بوسعه أن يتحول إلى متحف تراثي يمثل معمار وجمالية البناء البيئي المتناسب بين الحس الذوقي والوظيفة الجمالية للبناء.
كل الأماكن هنا تشده بأقوى ما يتحمل الفرد إلى ذكرياته وحنينه إلى ما أفتقد، سميرة حاضرة معه في أنتقاء الأكل أو حين يتجول في ساحة أم البروم أو عندما يذهب إلى ضفة شط العرب، وهو يتأمل المراكب العابرة بين التنومة والعشار كأنها مرشده السياحي، أحيانا يسمعها تهمس له أمضي من هنا، تأمل هذا المنظر الرهيب، هذه البصرة ثغر العراق المتبسم بوجه كل القادمين إليه من هذا البحر ومن هذا الطريق يمينا حيث العمارة وشمالا حيث الناصرية، لقد كانت البصرة روح سومر ومتنفسها على العالم، من هننا ركب الأولون ليجوبوا البحار بحثا عن كل شيء جميل، أحيانا يصدق هذا الهمس ويكلمها، أين أنت الآن يا سميرة ها أنا لوحدي كسندباد ضائع فقد شراعه والمجذاف وحتى النجوم غابت فكيف الطريق إليك.
_ أرجوك يا سميرة فقط أعطيني لمحة ما أو مري طيفا لعلي أجد دليلا لهذا التيه المتعاظم.....
_تعالي لي مرة واحدة، يكفي أن تسمع صوت من تحب مرة واحدة حتى تعرف أنك ما زلت حيا..... لا تتركي حبلي بلا نهاية.
_ تأكدي أنني لن أنتهي إلى مجهول حتى لو تطلب مني أن أسلم كل عمري للجلاد مقابل أن أجدد الأبتسامة على وجهك الجميل.
_ ألا تعرفين أنني قد شرحت لك مرة أن الحياة بالنسبة لي مجرد عبود نهر أو بحر وحتى محيط.... ألا ترين تلك المجموعة من النخيل والأشجار في الجهة المقابلة... بالتأكيد أنت ترين الآن هذا المشهد.... الحياة بالنسبة لي أن أنجح في الوصول إليها وبإرادتي فقط.... هي هذه الحياة تكفي أنني أنجح بالعبور... وبحريتي الكاملة.... لا يمكن أن أعود لهذه الضفة مرة أخرى... المنطق العقلي يقول لا يمكن.... الواقع يقول كذلك... أما أن أنجح في ذلك أو النزول لعمق الشط... عمقه البعيد حيث ألحق بأسلافي... هذا هو قانون الحياة... أعرف تماما أنك تريدين مني أن أعبر وأن أنجح وأن أكون هناك منتظرا لعبورك أنت .... سأفعل قسما سأفعل حتى لو كان ذلك أخر نهاية الفصل الخاص بي من قضية الوجود.
_فقط أحتاج منك لإشارة واحدة... أشارة صغيرة كي أحمل روحي وأمض منتظرا عبورك والخلاص.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح4
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح10
- حوارية القمر والسلالة المنسية
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح3
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح9
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح2
- مدينتي ..... النائمة في بحر العسل
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح8
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح1
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح7
- الجنة ومفهوم الكهنوت الديني للفرصة المتاحة للفرد بنيلها
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح6
- محذور ...... من أن تحب
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح5
- المقدمات والنتائج في قراءة مبكرة للانتخابات الأمريكية (2)
- المقدمات والنتائج في قراءة مبكرة للانتخابات الأمريكية (1)
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح4
- وكل شيء أحصيناه ..... تراب
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح3
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح2


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح11