أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح4















المزيد.....

بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح4


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5346 - 2016 / 11 / 17 - 22:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح4


يرتبط العامل الأجتماعي وينشأ عادة من تراكم العامل النفسي وما يفرزه من ظواهر على الواقع الفعلي، هنا تبرز أهمية دراسة العوامل النفسية لفهم أجتماعية ظاهرة زيارة الأربعين خصوصا وكل الشعائر التعبدية المرتبطة من قضية أستشهاد الإمام الحسين أولا، ذكرنا في مقدمة البحث أن ظاهرة الحزن العراقي وفلسفته تقوم على إحساس تشاركي بالمظلومية التأريخية وعمق واقعها في بناء الذات، لذا فالمشاركة بالحزن له عنوان نفسي قبل أن يكون عنوان ديني، العراقي كشخصية تكوينية عاشر الحزن وتعامل معه على أنه جزء من قضية الإيمان بالقدر، فهو أصلا منح الحزن مشروعيته وتعامل معه من خلال القداسة والإيمان بقوة الغيب أولا.
هنا لا يمكننا أ نفصل بين الإنسان وواقعه حتى في التراث العراقي القديم كان للحزن قيمة عبادية وتعبدية ملتصقه بالفرد، لذا فالموروث العراقي ما قبل الإسلام بألاف السنين يحكي مقدار الجزع ومظاهره الناتجة عن الفقد، فقد ورد مثلا (اتخذ الحزن على المفقودين منذ اولى عهود التاريخ اشكالاً تتناسب ومكانة الفقيد، اضافة الى مجمل العادات والتقاليد المتبعة ازاء هذا الحدث، كل ضمن المجتمع الذي يعيش فيه ويسمح له مثل تلك الطقوس وليس ثمة ما يدل على ذلك بوضوح كظاهرة (قص الشعر)، اذ تبدو علاقة المرأة بهذه الظاهرة عريقة تمتد جذورها في اعماق التاريخ وربما شملت هذه العلاقة الرجل ايضاً، ففي الاساطير البابلية نرى جلجامش قد (نتف شعره المظفور ورماه على الارض) عندما مات صديقه انكيدو وفي نفس الملحمة نراه يقول مخاطباً صديقه وراثياً له:
سأجعل أهل اوروك يبكون عليك ويندبونك
وأنا نفسي بعد ان توسد في الثرى سأطلق شعري
وسألبس جلد الاسد وأهيم على وجهي في البراري) *منقول.
هنا من هذا النص نرى عمق أرتباط مفهوم الحزن بالفقد ونرى كيف شارك أهل أوروك جلجامش الحزن على فقد صديقه أنكيدوا، هذه الصورة التاريخية العميقة تثبت وضوح العامل النفسي الذي يجمع بين الرمز والرعية، في قضية الإمام الحسين ع كان الحدث رهيبا ومزلزلا وصادما فوق حد التصور، لذا فمن يقرأ القضية كما وردت روائيا ويتصور أحداثها على الصورة المنقولة، لا يجد نفسه إلا مندمجا تماما مع الحدث ومشاركا حتى في معايشتها روحانيا ويسقط كل ذلك على مظلوميته التأريخية، لذا لا نستغرب أننا نجد أن أكثر عشاق ومحبي الحسين هم من طبقة الفقراء والمساكين وحتى غيرهم ممن يستشعرون الظلم ويعانون منه.
قد نجد البعض ممن لا يستشعرون الظلم من كل الطبقات بل وحتى من المظلومين الذين لا يهتمون كثيرا به لا يشارك في الحدث الحسيني وقد يرى أن القضية لا تخصه أو أنها مجرد قضية تأريخية عابرة لأنه بالأصل ليس لديه قدرة على التفكير بالتخلص من الظلم ويعتبره جزء من القدر المحتم، هنا في هذه النقطة ركز أعداء الحسين عليه السلام بأن جعلوا مقولة (أن الحسين قتل بسيف جده رسول الله لأنه خرج على إمام زمانه يزيد) شعارا يراد منه فصل الإنسان المظلوم عن تأثيرات الحدث الحسيني من خلال تفريغ روح التعاطف والمشاركة الوجدانية بمخرج ديني، لذا فهم يرددون دوما (أن سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين وكلاهما سوف يدخل الجنة)، هذا التفريغ النفسي هدفه أكبر من المساواة بين الجلاد والضحية، وإنما المساواة بين الثورة والواقع الفاسد وبالتالي قبول الظلم مهما كان لأنه أصلا مجرد أجتهاد ديني مثاب عليه.
الغريب أن الدارسين يرجعون ظاهرة الحزن لدى الشيعة على الإمام الحسين في العراق خاصة كون المكان يذكر بالقضية والمسمى يثير فيهم اللواعج، وأيضا لوجوده الغالب هنا في أرض العراق، والحقيقة هذا التفسير فيه شيء من الواقعية ولكنه ليس السبب الأول وتجريد للعمق الإرثي للشخصية العراقية الطبيعية، فحتى السنة كمذهب وكل الأطياف الدينية في العراق لديها نفس الحس التاريخي بالحزن، وتتفاعل مع قضية الحسين خلافا لما في بقية المجتمعات والدول والأمم، من هنا يمكننا أن نرجع هذه الظاهرة وتأثيراتها للعامل العراقي التاريخي النفسي وتجسيدا للطبيعة العراقية التي أحتضنت الحدث وعاشته وعاشرته.
الغريب أن بعض الأصوات المحاددة للقضية وللظاهرة تفسر القضية برمتها على أنها جلد للذات العراقية التي شاركت في قتل الحسن ع، وما يجري هو نوع من التكفير عن الذنب في رؤية محرفة وغير حقيقة للواقع التاريخية وهو نوع من أنواع الدعاية المضادة لثورة الحسين، فلم يكن من قتلة الحسين ولا من جيش يزيد من هو عراقي أو من كان من الموالين، من قتل الحسين ع هو جيش السلطة الأموية ومن قادة الدولة سواء أكان عراقيا أم حجازيا أو شاميا، قتلة الحسين هم شيعة أل أبي سفيان وليس العراقي الحقيقي الذي كان وريثا لحضارة عظيمة أختاره القدر ليكون مادة الإسلام وجمجمته التي فيها جوهر الإنسانية، العراقي الحقيقي هو الذي تصوره الدعاية الأموية التاريخية أنه أما فارسي ساساني من عبدة النار أو بيزنطي متخلي عن هويته وهو مجرد تابع للنصرانية البيزنطينية، وعندما جاء الفاتحون من الجزيرة وجدوا أرضا بلا شعب فسكن الأعراب بلاد الرافدين ليكونوا أمة جديدة.
ثقافة الصحراء وفكر بني أمية الكاره لكل ما هو بدوي ألغى وجود العراق التاريخي وبشر بأن أول مدينة بنيت في العراق هي البصرة وبعدها الكوفة وتوالت المدن بالنشوء، وتناست هذه الثقافة أن بلاد السواد كانت قبل الغزو الإسلامي القادم من عمق الجزيرة أمة قائمة بذاتها حافظت على وجودها وعمرانها وثقافتها وحضارتها في صراع مرير بين أمتين، ولولا وجود العرب الذين هم مادة كل العروبة في العراق لم يكن من السهل عليهم أن ينتشر الإسلام بالسرعة التي ظهر فيها، كما ظهر في الشام العربية التي هي الجناح الأخر لعروبة العراق وعمقه الحضاري، العراقي ليس بالهمجي الذي لا يفرق بين النبل والإنسانية والحق ليساهم بقتل ابن بنت رسول الله، وحتى القول المنسوب للإمام الحسين حول مخاطبة أهل الكوفة والذين كانوا غالبيتهم في جيش ابن سعد، كانوا هؤلاء جند يزيد ولم يكونوا من العراقيين الحقيقيين أما من المستوطنين الجدد أو من زعماء الجيش والسلطة.
النتيجة التي نريد أن نصل لها في تفسير وتبرير هذا التعاطف والمشاركة في الظاهرة يعود لسببين أساسيين هما:
1. العامل النفسي التاريخي المترسب في الوعي العميق في الشخصية العراقية بصورة مؤكدة، وهذا ما لا يخفى على أحد عن مدى قوة عامل الحزن السومري على كل أوجه الحياة العراقية، في هذه الظاهرة وفي غيرها من الظواهر الأجتماعية إلا دليل على العمق الذاكروي فيها.
2. ونها ردة فعل على القمع المتوالي لكل السلطات التي حكمت العراق وحاولت أن تشوه وتمنع المشاركة تحت عناوين وأهداف ووسائل ومناهج مختلفة، ولو ترك الأمر طبيعيا لكانت الصورة قد تغيرت وتخفف الأحتقان المقابل، وربما لم نجد لها هذا الأثر المتعاظم، فكل ممنوع مرغوب وكل ما إزداد الضغط على الممنوع إزداد الفعل العكسي وتعاظم.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح10
- حوارية القمر والسلالة المنسية
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح3
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح9
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح2
- مدينتي ..... النائمة في بحر العسل
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح8
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح1
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح7
- الجنة ومفهوم الكهنوت الديني للفرصة المتاحة للفرد بنيلها
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح6
- محذور ...... من أن تحب
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح5
- المقدمات والنتائج في قراءة مبكرة للانتخابات الأمريكية (2)
- المقدمات والنتائج في قراءة مبكرة للانتخابات الأمريكية (1)
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح4
- وكل شيء أحصيناه ..... تراب
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح3
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح2
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح1


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح4