أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - أصحاب العقول الحرة وموقفهم من العروبة















المزيد.....


أصحاب العقول الحرة وموقفهم من العروبة


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5327 - 2016 / 10 / 29 - 00:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المفكرالسعودى عبدالله القصيمى (1907- 1996) سعودى الجنسية. بدأ حياته بالدراسة فى الأزهر، ولكنه لم يستمر طويلا، حيث تـمّ فصله. ويرى بعض من أرّخوا لحياته أنه ترك القاهرة وتوجـّـه إلى لبنان، بعد أنْ أصدركتابه (البروق النجدية) وبعد ذلك عاش مُـتنقلا بين القاهرة ولبنان. وقد هاجمه خصومه واتهموه بالإلحاد. كما أنه تعرّض للاغتيال مرة فى لبنان ومرة فى مصر. وسُـجن فى مصر بضغط من الحكومة اليمنية، بحجة أنّ الطلبة اليمنيين التفوا حوله وتأثروا بأفكاره. وقال البعض أنه فى نهاية حياته عكف على قراءة القرآن، بينما صديقه ومرافقه (إبراهيم عبدالرحمن) نفى ذلك وأقرّ أنّ القصيمى ظلّ متمسكــًـا بآرائه حتى لحظة وفاته.
والقصيمى له عدة مؤلفات مهمة مثل كتابه (هذه هى الأغلال) الذى قال فيه ((إنّ المسلمين (والعرب) يقفون أمام خياريْن لاثالث لهما: إما أنْ يستفيدوا من التراث العلمى للبشرية، أو أنْ يبقوا متخلفين جهلة. ولكى يتخلصوا من الركود الذى هـُـمْ فيه، عليهم أنْ يعرفوا أنه لاتوجد معرفة ضارة، ولا جهل نافع، وأنّ كل الشرور مصدرها الجهل.
والقصيمى رغم جنسيته السعودية، أى رغم أنه (كما هو مُـفترض) رضع من التراث العربى/ الإسلامى، فإنه- عندما أراد التعبير عن إرادته الحرة- تمرّد على ذاك التراث ، ورآه لايصلح للعصرالحديث ، بل إنّ نظرته شملتْ الأنبياء واللغة العربية، وخصـّـص لذلك أحد أهم كتبه (العرب ظاهرة صوتية) الصادر عن منشورات الجمل – ط عام 2000.
امتلك المؤلف جرأة الدخول إلى حقول الألغام العروبية/ الإسلامية فنصّ على ((أنه فى كل التاريخ العربى لم يحدث ولن يحدث أنْ يعلو من فوق كل منبر إلاّ الصوت الجاهل أو المنافق أو الأبله أو الفاجر)) (ص5) والسبب كما يرى أنّ العرب تبنوا إلهًا عربيًا ((وإله العرب لن يجيىء مثل آلهة غيرهم لأنهم – أى العرب – لم يجيئوا مثل غيرهم فى المزايا والنماذج . والإله العربى كالسلطان العربى كالإنسان العربى يُجزى على الهوان والاستسلام له)) (ص8)
ولأنه يمتلك عقلا حرًا وضميرًا حيًا كتب عن مصر((مصر هى أبدًا البداية لكل الكينونات العظيمة)) ثم يرسم مشهدًا مُتخيّلا فكتب ((قال وفد السماء : إنّ إسرائيل الغادرة قد تحتل القاهرة. فردّ الوفد العربى بصوت واحد : لا بأس . لا يهم لأنّ لنا مجد العبور. قال وفد السماء : وتحتل الأرض المصرية كلها . فردّ الوفد العربى : لا بأس لأنّ لنا مجد العبور. قال وفد السماء : وتأخذ إسرائيل كل الشعب المصرى ليكون أسرى وأرقاء (= عبيد) فردّ الوفد العربى : لا تنزعجوا فإنّ لنا مجد العبور)) (9، 10) فى هذه الفقرة وضع القصيمى يده على طبيعة العلاقة الشائكة بين مصر والعرب الذين لا تعنيهم (السيادة المصرية) على كامل التراب المصرى ، وبالتالى هم مع عودة إسرائيل لتحتل مصر، بل وتجعل من شعبنا المصرى (أسرى وعبيد) كما أنّ القصيمى فى هذه الفقرة تميّز بنظرة ثاقبة ، إذْ أنّ ما حذر منه منذ عدة سنوات ، يتحقق الآن ، عندما قال الشخص الذى مهمته (إرشاد) أتباعه من المسلمين لرئيس حكومة حماس ((كنتُ أتمنى أنْ تكون رئيس وزراء مصر)) ووعده بمنح الجنسية المصرية لكل أعضاء حماس (( ليكون لهم نفوذ وأولوية فى التوطين داخل سيناء)) (صحيفة روزا ليوسف 30/7/2012ص1) وهكذا يكون المفكرالقصيمى (وهو غير مصرى) حريصًا على استقلال مصر، بينما العروبيون والإسلاميون (المصريون) لا يعنيهم هذا الاستقلال لصالح المخطط الصهيو/ حماسى .
وفى تفسيره لظاهرة أنّ (العرب مجرد أصوات) كتب ((إنها لموهبة عربية أصيلة : أنْ يظلوا يفعلون بالقول ما يجب أنْ يفعلوه بالفعل)) وأضاف ساخرًا (( إنّ أسلحة كل العالم لا تستطيع أنْ تصنع شيئـًا من الانتصارات التى تصنعها ألسنة العرب)) (ص15) وبالرغم من ذلك فإنّ ((العرب يتوبون إلى أمريكا لكن لا كما يتوبون إلى الله)) (ص16) أما اللغة عند العرب فهى لا تعنى (( إلاّ الاعتقال فى التاريخ والخيمة والصحراء والبداوة . إننا غير لغويين مهما كانت ألسنتنا أطول من كل الألسنة ومهما تفوّقنا على كل البشر بكثرة الكلام . إنّ لغتنا تضعنا فى ولادة واحدة وثوب وكفن وقبر وتاريخ واحد ، لأنها تـُـوقف وتقتل وتـُهدد كل وظائف طموح الإنسان فينا)) (ص20) ويشتد به الغضب على الثقافة العربية فيتساءل ((مَنْ النحات الذى نحتك أيها الإنسان العربى ؟ لماذا جاء نحاتك بكل هذا الضعف والجهل والقبح والوقاحة والبداوة ؟)) (ص57) ثم ينتقل إلى المُعتقدات التى تلغى خصوصية الإنسان فكتب ((أليستْ العقائد تزويرًا وتشويهًا للإنسان وعدوانـًا على طهارته وبراءته ؟ أليستْ عدوانـًا على جميع تفاسيره وصيغه الإنسانية ؟ أليستْ تـُعلمه كيف يُعادى ويُبغض ويحقد ويُـقاتل ويقتل بل وتــُـشرّع له ذلك ؟)) (ص63)
وعن ثقافة (النقل) العربية كتب ((هل كان رجالنا التاريخيون الذين جاءوا يعلموننا الإيمان إلاّ ناقلين إلينا كل ما كان فى جسد التاريخ من قبح وتلوث وعجز ووباء . بل هل كانت لهم قضية أو رسالة أو نفع ؟ (ص74) ويرى أنّ النتيجة عند العرب غير مهمة بل ((إنّ الانتصار ليس هو المطلوب بل الصهيل . إنهم صاهلون)) (ص84) وترتب على ذلك أنّ ((ظاهرة العرب الكلامية فضيحة عقلية وأخلاقية وحضارية وتاريخية أى فضيحة إنسانية شاملة)) (ص122) والسبب أنّ ((قصيدة بدوية اللغة والروح والأخلاق تـُمجد البراغيث ، وتلعن وتــُحقر عبقرية من زرعوا الحضارات)) (126) ويرى أنّ الآفة مستمرة ، فالعربى الذى صوّت للمعلقات وللعنتريات والإسلاميات ، وورث كل ذلك التراث من ذلك الزمن البعيد العقيم ، هو نفس الإنسان العربى الذى يطل علينا اليوم من جميع أجهزة ووسائل ما يُسمونه الإعلام العربى أو الكتاب العربى . لم يحدث أى تغيير. لا المنطق ولا الذكاء ولا الأخلاق ولا أسلوب أو مستوى الوقاحة والقباحة والغرور(ص136)
ومن متابعته للواقع العربى كتب (( أليس المفكر العربى والحاكم العربى هما أفظع أساليب التشويه والتقبيح لكل ما فى الحياة من قيم)) (ص145) ثم يختار بعض النماذج من الشعر العربى الذى كرّس للعنصرية وللظلم فينقل للقارىء قصيدة عمربن كلثوم الذى قال (( لنا الدنيا ومن أمسى عليها / ونبطش حين نبطش قادرينا / طغاة ظالمون وما ظلمنا / ونظلم حين نظلم بادئينا / إذا بلغ الفطام لنا رضيع/ تخر له الجبابر ساجدينا)) وكتب أيضًا ((وإنا إناس لا توسط بيننا / لنا الصدر دون العالمين أو القبر)) (ص254) وآفة الذهنية العربية أيضًا أنّ العرب ((يفرضون على كل البشر أنْ يقولوا (سمعنا وأطعنا) ويرفضون بكل الإصرار والقسوة أنْ يقولوا (سمعنا وفكرنا) أو سمعناكم فلم نقتنع) أو(سمعنا فجادلنا أو لم نفهم أو رفضنا شيئــًا وأطعنا شيئــًا أو سمعنا وسوف نرى) وبالتالى فإنّ ((الأذن التى تسمع لتطيع فقط هى حتمًا أذن صوتية لا فكرية. إنها طغيان واستعباد مفتوح مباح . إنها طريق جميع اللصوص والغزاة إلى عقولنا وضمائرنا)) (ص310) لذلك فإنّ الدعوة (( إلى القراءة والسماع ليست فى التاريخ العربى إلاّ دعوة إلى أمية العقل والرؤية والضمير والأخلاق)) (ص355) وعقلية الطاعة المطلقة التى أدّتْ إلى (أمية العقل) هى التى أنتجتْ الشعر الذى خجلتْ منه المطابع وهى تنشر هذا القبح . وضرب مثالا بهذه الأبيات ((وحتى الذباب فوق أنف نبينا / نراه جمالا يُبهر العقل والقلبا / لأنــّـا رأينا ما اعتقدنا كماله / وصغناه مكتوبًا بأخلاقنا الغضبى/ لذا عزّ من شئنا له العز وحده/ لذا ذلّ من شئنا له الذل والكربا / لذا نال ما يبغى المُطيع لأمرنا / لذا نال من يعصوننا السلب والصلبا )) لهذه الدرجة يُكرّس الشعر للانحطاط الأخلاقى : المُطيع ينال كل ما (يبغى) أى كل ما يتمنى ، أما المُختلف (يُسميه الشاعر(العاصى) فليس له إلاّ السلب (السرقة) والصلب (القتل الوحشى عن طريق صلب الإنسان لعدة أيام حتى يموت) لهذا كما كتب القصيمى (( لقد أصبح العرب عارًا وهوانـًا وسبابًا لكل العالم لعنف افتضاحه. والنفط هو الذى خلق لهم مجدهم وشهرتهم . فهل وُجد خالق مثل النفط العربى ؟ )) (ص394) لذا فإنّ الإنسان العربى لم تتخلق فيه مواهب الإنسان المتحضر)) (ص405) وبعد أنْ ذكر تفاصيل الواقع العربى فى العصر الحديث ، وما شاهده من هوان وخضوع للاستعمار، بالتوازى مع قمع الشعوب كتب بمزيد من المرارة ((يا أنبياء العروبة وزعماءها ويا كتابها وخطباءها ومعلميها : اصمتوا. الصمتُ يستركم . فتبدون أقل دمامة وجهلا وعارًا وضآلة وإيذاءً للعيون والعقول . إنّ أنبل ما تفعلونه هو أنْ تصمتوا)) (ص418)
وخصّص أكثرمن فصل للشاعر المتنبى الذى سجدتْ له الثقافة العربية ودافعتْ عنه باعتباره أشعرشعراء العرب رغم أنّ المُتنبى ((كان فـُحشـًا نفسيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا ولغويًا. كان بلا ضمير وبلا رحمة أو حب أو عاطفة. كان وقاحة بقدر ما كان قباحة. وأشعاره هى ((كلمات وصولى انتهازى منافق مفضوح بلا كرامة ولا حياء . لعلّ جميع اللغات لا تجد كلمة رديئة لتكون على مقاسه. لعلّ قبحه معجز لجميع اللغات . فلن يُضيف أى قبح إليه قبحًا )) إنّ تاريخ وحياة المُتنبى انعكاس لتاريخ وحياة العرب وارتفاع شأن المُتنبى عند العرب دليل الانحطاط الثقافى والأخلاقى، بمراعاة أنّ من يقرأ حياة وشعر المُتنبى لابد أنْ يتفجرغضبًا واشمئزازًا . إنه لعار لقوم لايزالون ((حتى اليوم ، فى عصرالمواجهة العربية / الإسرائيلية يقرأون ويُنشدون أشعار المتنبى الذى كان عاهة فادحة تحوّلتْ إلى غثيان تاريخى)) فهل الشعر يصل لدرجة الانحطاط والغرور كما فعل المتنبى الذى كتب ((أى محل أرتقى/ أى عظيم أتقى/ وكل ما قد خلق الله/ وما لم يخلق/ مُحتقر فى همتى/ كشعرة مفرقى)) وفى عدائه السافرضد الشعوب ، مقابل تمجيده للملوك ، كتب قصيدة ضد حقوق الإنسان وضد كل البشرإذْ قال ((وإنما الناس بالملوك ولا / يفلح عرب ملوكهم عجم/ لا أدب عندهم ولا حسب / ولاعهود لهم ولاذمم)) واحتقاره للشعوب يتضح أكثرعندما كتب قصيدة كرّس فيها نظام العبودية. فبعد أنْ كتب عدة قصائد فى مدح (كافور) انقلب عليه بسبب مقدار المال الذى يحصل عليه مقابل المديح ، فهجاه قائلا ((لا تشتر العبد إلاّ والعصا معه/ إنّ العبيد لأنجاس مناكيد)) فى إشارة إلى أصل (كافور) الذى كان عبدًا قبل أنْ يُعتق ويتولى الحكم . فإذا كان المُتنبى اختلف مع الحاكم ، فهل هذا يُبرر له احتقار كل إنسان فرضتْ عليه الظروف الاجتماعية والسياسية أنْ يكون ضمن منظومة (العبيد) العربية. وأنه لابد من (العصا) للتأديب بل أكثر من ذلك أنّ العبيد (أنجاس مناكيد) فهل هذا شعر أم (ردح) وبذاءة وأقصى درجة من الانحطاط الأخلاقى ؟ ولأنّ المُتنبى يتسم بالانتهازية نراه وهو يغازل كافور قائلا له ((أبا المسك هل فى الكأس فضل أناله / فإنى أغنى منذ حين وتشرب/ فإنْ لم تنط بى ضيعة أو ولاية/ فجودك يكسونى وفضلك أرحب))
وكيف يوصف المُتنبى بالكبرياء فى زعم أتباعه وهو الذى قال عن كافورأيضًا ((أنا اليوم من غلمانه فى عشيرة/ لنا والد منه.. يفديه ولده)) ؟ ونقل القصيمى قصيدة للمُتنبى كلها إشادة بالبداوة فكان تعليقه ((قف أيها الهمجى الرؤية والحس والمنطق والموهبة. المُتنبى يستقبح كل أعمال الحضارة والتمدن . يرفض الاغتسال ووجود الحمّام أى يرفض أنْ يكون الجسم نظيفـًا. إنّ نموذج (الجمال) الذى اختاره المتنبى ((مخجل ومهين لكل طموح حضارى وفنى فى أى مجتمع إنسانى)) وهذا الموقف يجب ربطه بعداء المُتنبى لقيمة (الكتابة) ووقوفه إلى جانب العنف فى تبنيه الصريح للسيف فى بيته المشهور((حتى رجعتُ وأقلامى قوائل لى/ المجد للسيف.. ليس المجد للقلم)) وهذا الموقف يجب ربطه (أيضًا) بموقفه المآزر لنظام سبى أسرى الحروب ، فبعد انتصار العرب على الروم كتب (ونحن فى جذل والروم فى وجل/ والبر فى شغل والبحر فى خجل/ وكلما حلمتْ عذراء عندهمو/ فإنما حلمتْ بالسبى والإبل) وهكذا يتصوّر(وفق خياله اللا إنسانى) أنّ الأسيرات سوف تحلمن بالسبى ، فمن أين أتاه هذا التصور المريض؟ ومن أين أتاه خبر أنّ البحر يشعر بالخجل؟ لذا فإنّ القصيمى من شدة اختلافه مع هذا التراث المُعادى للبشر كتب ((موتى أيتها الأذن والعيون لئلا تسمعى أو تقرئى ما يقوله فارس الصهيل العربى)) ( من ص 471- 523)
والقصيمى صاحب العقل الحر يطرح سؤالا يتجنـّبه العرب وهو((هل جاءتْ فى اللغة العربية كلمات : علم أو علماء أو فكرأو مفكرون؟ هل استعملتْ اللغة العربية فى أى عصر من عصورها كلمة (تفكير) أو(مفكر) إلاّ تعريبًا أو تقليدًا بلا وعى ؟ إنّ كلمتىْ علم وعلماء لم يكن لهما فى التاريخ العربى القريب والبعيد إلاّ العلم بالإله وبصفاته وإعداده للجنة والنار، وتقسيمه للناس ليكون أقلهم من أهل الجنة وأكثرهم من أهل النار. هذا هو العلم العربى . وأنّ ((من أعظم علوم العرب واستعمالهم لكملة (علم) أنه لا علم إلاّ علمهم لكونهم عربًا ولكونهم مسلمين . وكذا العلم بغزواتهم وبقهرهم لكل العالم وباستيلائهم على كل بلاد الناس وعلى كل بيوتهم وأموالهم ورقابهم وكرامتهم وحرياتهم وباسترقاقهم لكل أطفالهم ونسائهم ورجالهم وإلغائهم لكل أديانهم ولكل آدابهم وحضاراتهم وقيمهم وأمجادهم)) (583- 584) ولأنّ اللغة العربية لا تعرف كلمة (العلم) وفق التعريف العلمى Science بمعنى علم أو معرفة ، لم يُنتج العرب علمًا أو معرفة أو فلسفة ، لذا كتب القصيمى ((بائسة أنت أيتها اللغة العربية. هل يستطيع كل ما فى الكون من بحار وأنهار أنْ يغسل عنك بعض هذا العار المُتراكم؟)) (ص587) وتساءل ((لماذا يجيىء دائمًا قادة المجتمعات الضعيفة والمُتخلفة أو قادة وحكام العرب أشرارًا وأغبياء وفاسدين وسفهاء؟)) (ص665) وهذا السؤال يؤدى إلى سؤال آخر((هل يمكن أنْ تتفاءل وأنت عربى وتعيش فى العالم العربى ما لم تكن حشرة عمياء ، حشرة أمية؟)) (ص712) وبالتالى فإنّ ((أمة أصوات كل من فيها لن تكون إلاّ أصواتـًا لفظية نحاسية. لن تكون فيها أية أصوات منطقية أو فكرية أو فنية أو أخلاقية أو إنسانية. يا كل طاقات الرثاء تحوّلى إلى أشمل رثاء لأمتى العربية التى لم تستطع ولا تستطيع أنْ تعرف الفرق بين التصويت والتفكير. بين التصويت والشعر. أنْ تعرف أنّ اللغة شعر وفكرلا تصويت. وأنْ تعرف أنّ التصويت ليس حضارة أو قوة أو مجدًا أو تقوى دينية أو مذهبية أو إنسانية أو صعودًا إلى القمر)) (716- 717)
000
لاحظتُ أنّ ما كتبه المفكر السعودى عبدالله القصيمى عن المُتنبى يلتقى مع المُبدعة اللبنانية رشا الأمير فى روايتها (يوم الدين) الصادرة عن دارالجديد – بيروت عام 2002، إذْ أنّ بطلة الرواية تأفـــّـفتْ وهى تقرأ ما كتبه المٌتنبى ((لاشىء أقبح من فحل له ذكر/ تقوده أمة ليس لها رحم)) ((فوهن صوتها وتحرّجتْ من أنْ يمتلىء فمها بألفاظ هذا البيت)) (ص159) ولاحظتُ أنّ الشاعر السورى الكبير نزار قبانى يختلف تمامًا مع العروبيين الذين لا يمتلكون شجاعة مراجعة الذات ، بينما فعلها نزار الذى كتب ((أنا منذ خمسن عامًا / أحاول رسم بلاد تـُسمى مجازًا بلاد العرب/ رسمتُ بلون الشرايين حينـًا / وحينـًا رسمتُ بلون الغضب/ وحين انتهى الرسم ساءلتُ نفسى/ إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب/ ففى أى مقبرة يُدفنون؟ ومن سوف يبكى عليهم؟ وليس هناك حزن/ وليس هناك من يحزنون)) وفى ديوانه (هوامش على دفتر الهزيمة) كتب ((أنعى إليكم يا أصدقائى اللغة القديمة والكتب القديمة/ أنعى إليكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة/ ومفردات العهر والهجاء والشتيمة/ أنعى لكم نهاية الفكر الذى قاد إلى الهزيمة)) وكتب أيضًا ((جلودنا ميتة الإحساس/ أرواحنا تشكو من الإفلاس/ أيامنا تدور بين الزار والشطرنج والنعاس/ هل نحن خير أمة (قد) أخرجتْ للناس؟)) وكتب (كذلك) ((تقاطعتْ فى لحمنا خناجر العروبة.. واشتبك الإسلام بالإسلام . طائرة الفانتوم تنقض على رؤوسنا .. ونحن نستقوى بزنار أبى تمام .. الحرب لا تربحها وظائف الإنشاء ولا التشابه ولا النعوت والأسماء.. مقتلنا يكمن فى لساننا .. فكم دفعنا غاليًا ضريبة الكلام؟)) وأكثرمن ذلك عندما كتب ((لا تسافر بجوازسفرعربى.. لاتسافرمرة أخرى لأوروبا.. فأوروبا كما تعلم ضاقتْ بجميع السفهاء.. لا تسافر بجواز عربى بين أحياء العرب.. فهم من أجل قرش يقتلونك.. لا تكن ضيفـًا على حاتم طى .. فهو كاذب ونصاب.. لا تسر وحدك بين أنياب العرب.. فيا صديقى رحم الله العرب)) ولاحظتُ أنّ العروبيين من المصريين يسخرون من أى كاتب يختلف معهم ، ومنهم أ. مصطفى عبدالغنى الذى كتب ((كاتب عراقى كتب فى إحدى الصحف العربية أنّ " كل ما حلّ بنا من نكسات ونكبات يعود لمن ضللونا بشعارات الوحدة العربية والقومية العربية " وتـُسهبْ المقالة فى أنّ بعض القراء بدأوا الآن يتبرّأون من كونهم عربًا فيرصد تحذير العراقيين من العرب لأنّ ((ما يقرب من ثلث الشعب العراقى غير عرب أساسًا وأنّ الثلثيْن الآخريْن أخذا يُدققان فى نسبهما عسى أنْ يعثرا على ما يُثبتْ أنهما غيرعرب)) وكان تعليق أ. مصطفى عبدالغنى ((أعرف أنّ موقف العرب كان ضعيفــًا بل ومُتخاذلا قبل سقوط بغداد بزمن طويل وأثناء السقوط وبعده)) رغم هذا الاعتراف فإنه لايزال على إيمانه بالعروبة التى تسبّبتْ فى كل هذه الكوارث فأضاف ((ولكن ما علاقة هذا كله بالتبرئة من العرب؟)) (أهرام 5 يوليو2004) وعلى العكس من الكاتب (المصرى) المُدافع عن جرائم العروبة كان الكاتب الليبى د. أبوالقاسم صميدة أكثر موضوعية فكتب (( الكارثة هى أنّ العرب لم يتخلصوا من ثقافة داحس والغبراء ولم ينسوا تقاليد حروب البسوس وسلوكيات الثأر والسلب والعراك البدائى ، فتلبستهم ثقافة ملكية الحقيقة. إنّ مقولة الرئيس الأمريكى الراحل توماس جفرسون التى كان يُردّدها : من أنّ لكل إنسان فى العالم وطنيْن أحدهما فرنسا ، هى مقولة صحيحة ويمكن تحويرها عربيًا : لكل عربى وطنان أحدهما مصر)) (أهرام 16/11/2003 ص11) وفى أرشيفى الخاص الكثير من النماذج لمفكرين شوام ومغاربة وعراقيين ولبنانيين وسودانيين وسوريين أكدوا فى كتاباتهم على ما كتبه عبدالله القصيمى فى كتابه الضخم (العرب ظاهرة صوتية) فهل يمكن أنْ يأتى يوم تنتفض فيه الشعوب العربية وتتخلص من تلك الظاهرة (الصوتية) ومن ذهنية الغزو ، والعنصرية العرقية ، للانتقال إلى (الفعل الحضارى) نحو التقدم والحرية مع باقى الشعوب المُتحضرة ؟ هل يمكن ذلك قبل لحظة النهاية – لحظة المصيرالحتمى- كما حدث مع كل الكائنات الحية التى تشبّثتْ بالثبات ورفضتْ قانون التغير فكان مصيرها الانقراض ؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل اختار (الله) شعبه أم العكس ؟
- تناقضات الديانة العبرية (2)
- هل توجد أدلة مادية على ما جاء فى العهد القديم ؟
- هل للعرب مساهمة فى العلوم الطبيعية ؟
- الصراع بين العلم والخرافة
- هل تعلم العرب شيئًا من (التفكير العلمى) ؟
- هل عاش توفيق الحكيم فى البرج العاجى ؟
- المثقف المُتأدلج والمثقف الحر
- هل يمتلك المثقف إرادته وهولصيق بالسلطة؟
- هل المصريون عرب ؟ سؤال متناقض
- مصارعة الثيران ومصارعة الإنسان للإنسان
- الليبراليون والقومية المصرية قبل يوليو1952 (1)
- دور الفن التشكيلى فى النهضة الفكرية
- أدب السيرة الذاتية فى الحضارة المصرية
- تابع الكتب التى ساهمت فى النهضة الفكرية
- الكتب التى ساعدت على النهضة الفكرية (1)
- تابع دور المجلات الثقافية قبل يوليو1952
- كيف ساهمت المجلات الثقافية فى النهضة المصرية
- دورالمرأة المصرية الثقافى قبل يوليو1952
- كيف حطمت المرأة المصرية قيود العصورالوسطى؟ (3)


المزيد.....




- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - أصحاب العقول الحرة وموقفهم من العروبة