أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: ب / 2














المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: ب / 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5318 - 2016 / 10 / 19 - 20:48
المحور: الادب والفن
    


ولكن، كيفَ وجدَ بطلا حكايتنا نفسيهما في مراكش؛ هذه المدينة، الكائنة في أقصى الجهة الغربية من بلاد الضاد؛ مدينة، لم يكن قد بلغها أيّ من الأسلاف المشرقيين الفاتحين، بدءاً بالفينيقيين ومروراً بالأمويين وانتهاءً بالعثمانيين؟.. المصادفة المحضة، هيَ مَن رمتهما كلاهما إلى مراكش. إلا أنها كانت مثل رمية كرة الحظ في عجلة الروليت، المتقلّبة أكثر من مرة قبل وقوعها أخيراً في خانة أحد الأرقام.
الظروف غير الإنسانية، التي أجبرت " خجي " على حمل ولديها " فرهاد " و" شيرين " عابرةً بهما حدودَ دولتين؛ هيَ ذاتها تقريباً، مَن أجبرتهما على حمل نفسيهما لعبور سماء قارتين. على أنهما، ثمة في أقصى شمال القارة العجوز، الغنية والمتصابية، ما عتما أن أجبرا على الرحيل إلى قارة ثالثة، سمراء وفقيرة. هكذا دُفِعَ بالشقيقين الدمشقيين إلى مكانٍ آخر تماماً، ما كان من الممكن أن يخطر لهما ببال حينَ قررا خوضَ رحلة العُمر.
ذلك كله جرى في أيام ثلاثة، متواصلة. بحيث أنّ الشقيقين وصلا إلى محطة قطارات مراكش ذات ليلة خريفية، مُترنحَيْن كالسكارى من التعب والسغب والإحباط والخيبة. كانا ثمة، في تلك الليلة الخريفية الهاربة من صيف جهنميّ، بعدَ رحلة في القطار من الدار البيضاء. في مطار هذه الأخيرة، كان رجال الشرطة قد سبقَ وتسلموا الشقيقين من أيدي شرطيين سويديين، رافقاهما بالطائرة من ستوكهولم مروراً بأكثر من محطة جوية. إتفاقاً ولا شك، فإنّ حقيبتهما الكبيرة ستكمل طريقها إلى مطار مراكش. عند ذلك، طُلبَ من صاحبيّ الحقيبة أن يلحقا بها بشكلٍ شخصيّ طالما أنهما سُجّلا كلاجئين سياسيين في المغرب. إلا أنّ هذه الأريحية، في المقابل، لم تكن لوجه الله: لقد عمد أولئك الشرطيون إلى سلب مبلغ أربعمائة دولار من الشقيقين بحجّة شراء بطاقتيّ قطار لهما!
سلسلة المصادفات، شاءتْ هذه المرة أن تنقل خطى الشقيقين إلى عَرَصَة واقعة عند الأسوار، تشكّلُ حداً بين حيّ غيليز الراقي والمدينة القديمة. هذا الحدّ، وكان رمزياً أكثر منه واقعياً، سيتعيّن عليه أن يقرر مصير رحلة العُمر: " شيرين "، لن تلبث أن تخرجَ من جلدها لكي تلتحق بأهل الرقيّ، متوَهمةً أنّ ذلك هوَ ما يضمن لها الإستقرار النفسيّ والإقتصاديّ بوَصفها مشروع كاتبة أديبة. أما " فرهاد " شقيقها ( وهوَ أنا صاحبُ هذه السيرة )، فلنقُل بأنه بقيَ متشبثاً بالإنتماء إلى المدينة القديمة، رافضاً إغراءات أهل الرقيّ، لحين أن ظهرت " دليلة " حياته. الحدث الأخير، لم يحصل على حين غرّة بطبيعة الحال. حتى ليجوز القول، أن " دليلة " تلك كانت امرأة جديرة بأسطورتها: بجسد واحد ورؤوس عدّة وأرواح ضائعة.
ولكنّ دليلتي، كانت جديرة بمراكش أيضاً؛ مدينة الأجساد المباحة، أين الأرواح تهيمُ بلا هدى بحثاً عن أرقام حظها.. مراكش، ذات الألقاب المتعددة، المُحيلة إلى تناقضاتها ومفارقاتها وربما عبثية وجودها: " مدينة النخيل "؛ المنعزلة كواحة على طرف الصحراء، تُحدق بها الجبال المتوّجة بالثلوج.. " مدينة البهجة "؛ المشترك جميع ساكنتها بمشاعر المرح والعبث بنفس حماس راقصي ساحة جامع الفنا على ايقاع موسيقى " الكَناوة " بما فيهم أولئك الغلمان المخنثون، المموَّهون بملابس النساء وبراقعهن.. " المدينة الحمراء "؛ حيث حجارتها بلون الشهوة، يتخفى خلفها مريدو الشهوة ومطاياهم إن كانَ في المواخير السرية أو في الشقق المفروشة والأوتيلات المختلفة النجوم.. " مدينة السبعة رجال "؛ أين أضرحة الأولياء تتوزعها بالتساوي أحياء المدينة القديمة، مُشْرِعةً أبوابها للفقر والغنى، للفضيلة والخطيئة، للإيمان والجحود، للجمال والبشاعة، للخير والشر.
" خدّوج "، أجازَ لها المقدورُ أن تكون أولى تجليات دليلتي. هذه الفتاة، كانت قد فتنتني بسحنتها النحاسية وقوامها الرشيق، المتفاقم الإغراء عند الردفين. في المقابل، فإنني أجزتُ لنفسي التوهّمَ بكوني قد عثرتُ فيها على الحبيبة، إعتباراً من تعرّفي عليها في تلك الليلة الخريفية الحارّة وإلى حين مغادرتي منزل أسرتها بعد ذلك بشهرين تقريباً. كان على الأشهر أن تمرّ، كي أدرك بأنني لم أكن بالنسبة لهذه الفتاة الفاتنة أكثر من طُعم تتصيّدُ من خلاله غيرةَ شخصٍ آخر. ولعلّ ذلك يشملُ غيرها، من اللواتي عبرنَ معي صراط التجربة المراكشية ـ كما عبَّرتْ عنه " الشريفة "، ذات مرة، بكلماتها المؤسية والمكشوفة في آنٍ واحد: " جميعهن، لا خدّوج وحدها، أستعملنَ وسامتك للهدف نفسه؛ سواء أكانت سوسن أو لبنى أو غزلان. أنا وحدي مَن أحبّتكَ بلا غاية، بل إنني عشقتُ شقيقتك حتى أشمّ فيها عطرَ دمك! ".
على أنّ من أعتبرت نفسها " الحبيبةَ الوحيدة "، عليها كان أن تجرح كرامتي وأن تلحق بي الأذى أكثر من هاته النسوة مُجتَمعات. لكم شُبّهت المرأةُ بالوردة، التي تجرحُ المرء بشوكها فيما هيَ تخدّره بضَوْعة عبقها، ناهيك لو كانت مُقتَطفة من بستان الشر. إلا أنني أميلُ إلى تشبيه " الشريفة " بشيءٍ لا يقلّ تقليدية، دأبَ الشعراءُ والرواة على تكراره حدّ الملالة. وأعني، تشبيه المرأة بالمدينة أو العكس. ولكنّ " الشريفة "، كانت صنوَ مراكش لناحية الشكل على الأقل: شعرها الكثيف؛ واحةُ أشجار مثمرة.. وجهها الشاحب؛ شمسُ المغيب الصفراء، المحمرّة.. بدنها الناصع؛ صحراءٌ لا نهائية من رمال بيض.. أردافها المثيرة؛ أطلسٌ مهيب، بمرتفعاته ووديانه ومغاوره.. بطنها البهيّ؛ كثيبٌ من طيّاتٍ يتداخل في ترابه فلزاتٌ ذهبية مع فضّة غباره.. وإنه هذا البطن العظيم، مَن حملَ جنينها الأول شهوراً تسعة، كنتُ خلالها أرقبه فاقدَ الصبر.. شهوراً تسعة، كانت " الشريفة " خلالها، وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، رقيقة وعذبة ولطيفة.. شهوراً تسعة، كنتُ فيها على رأيها بغاية الحنوّ والطيبة والشعور بالمسؤولية.. شهوراً تسعة، من أجل إنجاب ابنة فاتنة، شبيهة بجدّتها وسميّتها، " خجي "؛ شبيهة شكلاً، وربما مصيراً أيضاً..









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3
- الجزء الأول من الرواية: أ / 2
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1
- غرناطة الثانية
- الرواية: ملحق
- خاتمة بقلم المحقق: 6
- خاتمة بقلم المحقق: 5
- خاتمة بقلم المحقق: 4
- خاتمة بقلم المحقق: 3
- خاتمة بقلم المحقق: 2
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4


المزيد.....




- تسريح مذيع كوميدي شهير من عمله بسبب نكتة عن نتنياهو!
- هل أول أيام العيد حزين على المصريين؟.. توقعات ليلى عبداللطيف ...
- ملك الأردن يؤكد أهمية ترجمة مخرجات مؤتمر الاستجابة الإنسانية ...
- الحلقة 164 من مسلسل قيامة عثمان الحلقة 164 مترجمة المؤسس عثم ...
- Salah Addin 28 عرض مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 28 مترجمة ...
- أقوى أفلام كرتون مدبلجة .. تنزيل تردد قناة سبونج بوب نايل سا ...
- -القلب يعشق كل جميل-: أم كلثوم تغنّي فرحة الحج بلغة البسطاء ...
- ظهور خاص لبيلا حديد في كليب فنان عربي (فيديو)
- وفاة الملحن المصري الشاب أمير جادو
- -فنان العرب- يظهر في عيد ميلاده.. -روتانا- تحتفل به وآمال م ...


المزيد.....

- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: ب / 2