|
الكتابة وجع
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 5314 - 2016 / 10 / 14 - 09:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنت أكتب سابقا عزاء لنفسي، لم تكن قط موجهة للآخر، للقاريء، كانت هلوسة ذاتية، وكان أكثر ما يعجبني في القراءة قراءة ما يسمونهم بالهواة، في الجرائد الوطنية بالمغرب، كانت تعجبني أكثر صفحات الهواة، وكان نمطا معينا من الكتابة يجلبني أكثر، أحب الكتابة الساخرة واللاذعة، وكنت أجد فيها متعتي، ربما كانت كتابة الهواة تناسب فكري أيضا كقارئ هاوي، لكن عندما بدأت أكتب، عندما انتقلت من مستوى العزاء لنفسي إلى مستويات أخرى في الطموح، الطموح في أن تشارك محتوى كتاباتك مع الآخر، بدا الأمر نكهة مختلفة، في التسعينات تجاوزا، عندما تنشر لك جريدة حزبية مقالا صغيرا ولو في أكثر صفحاتها تهميشا، تشعر بإحساس عارم جدا، لقد ارتقيت إلى مستوى هامش الحزبي وإن ادعى أنه يمثل الطبقة الكادحة، إن الإحساس العارم الذي يختلجك في البدء هو ان الناطقون باسم الكادحين، بغريزة نمطية جدا، يخضعونك لمستوى معين من التقسيم الإجتماعي: أن تكون عاملا، أنت لست في مستوى التعبير على نزعتك الإجتماعية، العامل الكادح في مجتمعاتنا هو عامل لم ينضج لغويا للتعبير عن نفسه، وحتى إن نضج، فكونه عامل لا يستحق أن يكتب في جريدة تمثل لسان الكادحين، يمكنني أن أضع الآن اسم أي جريدة وستجدون هذا القول منسجم مع ما أقول، إن النخبة التي يسمونها طليعة الطبقة العاملة، في مجتمعاتنا الميؤوس منها أصلا، كانت تضع مقياسا برجوازيا للثقافة وتحتكر تملكها في نسبة معينة منهم فقط: في الإتحاد الإشتراكي مثلا، كان المراسل أحمد بيضي، بكل مرونته الذاتية اول من نشر لي نصا في الجريدة الناطقة بلسان حزبه اعتمادا على وساطاته، بمعنى آخر، كان أول نص نشرته بجريدة الإتحاد الإشتراكي بالمغرب اعتمد نشره على علاقة زبونية، مع أني أعترف مسبقا أن نية بيضي لم تكن بهذا النمط الزبوني: كان له وزنه النسبي كمراسل واستعمله، كانت مصداقيته كطليعة نخبوية هي من سمح بنشر النص..، بالنسبة لي كان فخرا صادقا ان تلج صفحة المهمشين في جريدة نخبوية تحت سقف الهواة، أو أي خرافة أخرى في التقسيم الإجتماعي في مخيلة الطليعة الثورية، في جرائد أخرى من نفس التحالف الطبقي، وقع لي نفس الحظ بشكل مختلف تماما، في جريدة أنوال، كانت تشرف على صفحة ابداع الهواة امرأة تقدمية، كنت حينها عاملا بمناجم جبل عوام، وكان أحد الرفاق من المعتقلين السياسيين قد حضني على أن أحضر له بعض نصوصي التي تتكلم عن العمال لنشرها بالجريدة، سافر إلى العاصمة والتقى السيدة وقدم لها تلك النصوص، قبل ذلك، كانت لي فكرة ناصعة حول المراة، أعتبرها أم الثقافات كما أعتبرها أكثر صرامة في التعامل من الرجل، ثم أن تكون امرأة تقدمية فكان الأمر يعني بالنسبة لي الكثير، يعني بشكل ما، بطبيعتها الأنوثية، أن تكون أكثر إحاطة بالهامش من الرجال التقدميون، للأسف كانت المشرفة تلك، على إبداعات الشباب، سجينة شهادتها المدرسية، قالت لرفيقي المعتقل بعد زيارة أخرى للعاصمة، بعد أن لم تنشر ولو نص صغير لي: “ كيف لعامل منجمي، أن ننشر له مع صفحات يكتب فيها الكبار ...” أخجل الآن أن أضع اسمها في هذا المنشور المرهون لموقع إلكتروني تجاوز ثقافة التهميش بسنة ضوئية. كانت أغلب الجرائد اليسارية قد نشرت لي الكثير من نصوصي بعد أن تفجر الوضع في مناجم جبل عوام بعد اعتصام كبير في عمق المنجم بأكثر من ثمانمائة متر تحت سقف الأرض حيث تعرضنا لاحتواء رجال المخزن (رجال الأمن) في حصار غريب كاد ينهكنا موتا، حينها لم يكن ثمة من مصدر يتكلم عن معاناتنا داخل الإعتصام وتحت الحصار، بعد أسبوع من الإعتصام، استطعنا تسريب أوراق تتكلم عن يوميات مغارة الموت، كانت يوميات تعبر عن هواجسنا نحن المعتصمين تحت الأرض، كانت قصص تلقائية تتكلم عنا نحن المعتصمين، نحن الذين توصلنا إلى قناعة تامة: كسر الإعتصام يعني العيش في السجن، الصمود فيه، يعني المساومة على أرواحنا ونجاح مهمتنا النضالية... عندما أنهينا الإعتصام، طبعا اطلعت على كل ما نشر من يومياتنا التي بعضها تصدر عناوين الجرائد، بعض نصوصي كتبت في أول صفحة أو في الصفحة الأخيرة وهذا بالنسبة لي كان نجاحا كبيرا كسر خرافة أن تكتب في صفحات الكبار: صفحات "الطليعة الثورية".. بفضل النيت، تجاوزنا ثقافة التهميش، في النيت يمكنك ان تكتب بالدارجة المغربية، بالأمازيغية بالكوردية، باللغات المحلية بأي رمز، يمكن لافكارك أن تماهي أفكار القديسين دون ان يشكل ذلك عائقا نفسيا كما في الثمانينات أو تسعينات القرن الماضي.. لكن، مع ذلك، هناك مشكلة فائقة، الآن، كلما راجعت نصا نشرته سابقا كلما حل بنفسي حزن عميق، كل مقالاتي السابقة تحتمل أو بعبارة أخرى تحتوي اخطاء فادحة لدرجة أخجل أن أعيد قراءة مقال لي سابق، حتى تلك المقالات التي حملت لي زهوا معنويا، سخرت فيها بكل إطناب من خصومي في الفكر، انتشيت من ارقام زائري صفحتي، لكن، وهذه هي الحقيقة التي لا يعترف بها كائن من كائناتنا، بفضل التراكم العرفي، حين نراجع مقالاتنا، كتاباتنا نكتشف اخطاءنا وهي اخطاء كبيرة جدا، في كل مقالاتي، في كل تحليااتي، في كل قراءاتي لموضوات معينة،ارتكبت أخطاء فادحة بشكل يتطلب مني أن أقوم بجرد عام املا في تصحيحها. إن أكبر شيء أتمناه من قاريء هو أن يسمح لي بأني في لحظة معينة دون قصد، بسبب نزوة الإنتشاء، بسبب زهوة آنية في أني اعتقدت أني امتلكت الحقيقة، أخضعته لمعرفة خاطئة، كثير ما تعتبر اللغة وعاء، أكثر من ذلك، الإنسان أيضا وعاء، كل وعاء ينفر بما فاض فيه، ربما الحالة الإنسانية أيضا هكذا مع المعرفة. بسبب إعادة قراءة لبعض مقالاتي بسبب الخدمة الرائعة التي يمتلكها الفايسبوك حين يذكرك في اليوم والتاريخ بنشرك لموضوع ما، حين أقرأ ذلك الموضوع، أخجل من نفسي: قد أكون مصابا فيه ، في كثير من تجلياته، لكن في الحقيقة أكتشف أخطائي الكبيرة فيه وهذا لا يعني النقص فيما يتعلق بالنقد من نيلي من عدو ما، يعني الأمر ببساطة، إني استغفلته في امور ماواستغفل بها هو أيضا حين لم يكتشف خلفيتها، ساهته او أبهرته وشربها. مثلا في مقال لي حول" دور الآلة في إنتاج فائض القيمة" كان ردا على الشيخ فؤاد النمري"، في المقال كانت لي أخطاء فادحة حول موضوع العمل الضروري انعكس على تقييمي لنفعية الآلة، إن الآلة نفعية بالفعل، لا تنتج فائض قيمة، لكن تنتج جزءا هو تضمين العمل الجديد بجزء من قيمة استعمالها، تضيف قيمة ما غير مرئية كقيمة المحراث الخشبي للعمل في الحرث، أعترف أن نزعتي في المقال ساخرة أكثر من أن تكون عمل قيم. وهذه النزعة نابعة من سخرية الشيخ فؤاد نفسه، كانت رد فعل، لكن هذا لا يعني أني أعطي مصداقية لمقالات الشيخ الساخرة، فهي أيضا ردة فعل إيديولوجية ينتصر بها بالسخرية على مناقضيه، لعلني الآن بإدراكي الأمر أكثر شيخوخة من فؤاد النمري. أعتذر لقرائي شخصيا سأعيد النظر في كل مقالاتي كدليل على تصحيح أفكاري . الكتابة بالنسبة لي الآن وجع وليست عزاء كما كانت عندي سابقا، وهذا هو التحول.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المكر السياسي للإيديولوجية القومية العربية
-
دائرة المشردين (2)
-
ديكتاتورية الطبقة العامل في جبل عوام
-
حور عين في الحياة الدنيوية
-
حين يصبح الإعجاز كارثة على أصحابه
-
الحقيقة ليست أكثر من مجرد عملية حفر
-
أفغنة القضاء المغربي
-
دائرة المشردين
-
الإسلام بين الهمجية والتهذيب
-
-بويفيذاحن-
-
وصية شاشا ورمزيتها السياسية
-
المثلية الدينية
-
اليسار وإشكالية الديموقراطية
-
المظلة
-
العلمانية بين النضج المدني وغيابه
-
حول الأزمنة البنيوية عند مهدي عامل
-
خواطر مبعثرة
-
حكامنا خنازير
-
القومية من منظور مختلف
-
خواطر ملبدة
المزيد.....
-
إطلاق استوديوهات -الحصن- في السعودية بحضور نخبة من صناع الفن
...
-
هاريس في آخر خطاب لها قبيل الانتخابات: -كل صوت مهم-
-
-اعبث واكتشف ما سيحدث-.. المدعي العام بفيلادلفيا يصدر تحذيرً
...
-
مباشر: الأمريكيون يصوتون لاختيار رئيسهم أو رئيستهم في اقتراع
...
-
كامالا هاريس أو دونالد ترامب... لمن سيمنح الأمريكيون مفاتيح
...
-
السيسي يستقبل البرهان في القاهرة.. وهذا ما بحثه الطرفان
-
بلينكن يناقش مع الرئيس الإثيوبي تنفيذ اتفاق السلام في تيغراي
...
-
دليل مبسط لفهم مختلف مراحل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 20
...
-
الجيش الإسرائيلي يداهم بلدات عدة في الضفة الغربية، ومقتل فلس
...
-
الأرجنتين تفتتح أكبر معرض للقنب في أمريكا الجنوبية.. فيه عين
...
المزيد.....
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
المزيد.....
|