أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الصراع في رواية -الحفيدة الأمريكية-















المزيد.....

الصراع في رواية -الحفيدة الأمريكية-


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5294 - 2016 / 9 / 24 - 03:09
المحور: الادب والفن
    


الصراع
من جمالية هذه الرواية تناولها لحالة صراع، صراع النفس بين ما تحمله من أخلاق وبين الواقع المعاش، بين الأفكار المتشكلة وبين مفهوم العصر، بين الواجب والحاجة، بين العراق وأمريكيا، بين الماضي والحاضر، بين الخير والشر، فالرواية مترعة بالصراع، وهذه احدى جمالية النص الادبي، فالراوية تكتفي بسرد المشهد ولنا، وتريدنا نحن أن نقف/ننحاز للطرف نريده، هي تسرد الاحداث، وعلينا أن نختار الموقف الذي نراه منسابا.
حالة الصراع لازمت "زينة" الأمريكية، التي تسعى لتأكيد انتماءها لهذا البلد الذي سيمنحها الجنسية الأهم في العالم، والذي سيحسن من دخلها المادي، ويجعلها تترك حياة العوز والحرمان، فهذ القرار الذي يعني مشاركتها في الحرب/تحرير بلدها الأم، وأيضا ابتعادها عن أسرتها التي تحب، كل هذا جعل من الفتاة تمر بحالة من الاضطراب وحالة عدم الاستقرار النفسي، فكانت بهذا الشكل، "إنه فرصتي لرد الجميل للبلد الذي احتضنني منذ أول الصبا وفتح لي ولأسرتي صدره، لكن بدايتي في ديترويت لم تكن مشجعة، أصابني "الهوم سيك" وكنت أبكي كل ليلة قبل النوم. كل ليلة وطوال ثلاثة أشهر" ص93، هل أرادت الراوية أن تقول بأن هناك ـ في العقل الباطن عند "زينة" ـ حدس جعلها تشعر بأن ما تقدم عليه ليس بحميد ويحمل الشر لها ولبلدها العراق؟
تركيز الراوية على إنسانية "زينة" أعطا الرواية بعد عالميا إنسانيا وفي ذات الوقت وطنيا عراقيا، فها هي زينة تحدثنا عن شراسة وعنف وقذارة الدور الذي يقوم به جيش الاحتلال : "في الليالي، كان علي أن أشارك في الدوريات وفي مداهمة البيوت التي نشك بأنها تؤوي إرهابيين/ ليال طويلة مثقلة بالترقب والصراخ والتوسلات والنحيب والنظريات الحادة الأمضى من السكاكين، ...هناك من يتباهى بأنه يصنع التاريخ، ونحن كنا نصنع مستقبلا جديدا لهذا البلد الذي يحتضن عظام أجدادي وكان يوما، حاضني" ص98، مشهد لا يتقبله أي إنسان، فعمل المحتل في وقت الليل، وقت النوم والراحة للمواطنين يعد بحد ذاته إرهاب وتعدي على الوطني العراقي فهو يحمل/يعطي مفهوم الثقل والضغط على المواطن العراقي، وبعد أن أضافت الراوية مشاهد الصراخ والتوسلات جعلت فعل المحتل فعل سلبي، غير إنساني، وبهذا تكون الراوية قد أوضحت لنا لماذا تمر بحالة الصراع، فهي كإنسانية ترفض هذه الأعمال البشعة ولا توافق عليها، من هنا كانت حالة الصراع تأخذ أشكال متعددة، مرة تحاول أن تقنع نفسها بأن ما تقوم به يخدم بلدها الأم ـ العراق ـ ومرة تحاول أن تبرر مشاركتها مع جيش الاحتلال، فهي في النهاية تمارس دورها كجندية فيه، لكنها لم تنجح في هذا الأمر، كما أنها لم تتخلى عن دورها مع جيش الاحتلال.
مشهد آخر أرق "زينة" وجعلها تنتفض إنسانيا قبل أن تنتفض كعراقية صورة المدرس الذي تم اقتحام منزله "...وفي عيني صورة المدرس الذي يلتصق خده بالأرض، يداري كرامته الجريحة في بيته وأمام امرأته وأطفاله... وفوق هذا يطلب المعذرة منا" ص110، إذن لمشاعر الإنسانية أيضا تلعب دورا في رفض ما يقوم به المحتل، فما بالنا إذا كانت هناك عوامل وطنية وقومية وثقافية عند "زينة"؟
بداية وجود الصراع بين عراقية "زينة" وامريكيتها كانت من خلال التهكم والسخرية التي أقدم عليها الجنود وهم يقلدون بسخرية العراقيين وهم يحيون مرسم عاشوراء التي قتل فيها الحسين بن علي، فهي المسيحية، لا تقتنع ولا تهتم بهذا الشكل من الطقوس الدينية، لكن طريقة التهكم والسخرية جعلتها تنتفض وتحتج على هذه الأمر، "لكن ضحكاتهم استفزتني رغم أن الدين لم يكن ديني، لنقل أن وعيي تشكل على أصوات مؤذية. لذلك تصرفت مثل أي متطرف غيور على عقيدة. .. لم تكن صوتي هو الذي يخرج من بين شفتي لعله صوت أبي المذيع أو صوت طاووس، أو المؤلفة التي تتقمص وتقلد نبرتي" ص120، ردة الفعل من "زينة" كانت نتيجة مسألتين الأولى كشخص محايد ينزعج من سخافة هذا التقليد والمقلد، وثانيا المشهد جعلها تشعر بأنهم الجنود يهينون شعبها، وطنها، وهذا الجمع بين المشاعر الشخصية والوطنية كان يتصاعد وينموا حتى غلب الجانب الوطني والقومي على لجانب الشخصي أو الإنساني، لكن بدايته كانت من خلال "زينة" الإنسانية المنتمية لوطنها الجديد، أمريكيا، ولكن طريقة تعامل هذا الجيش مع الآخر ـ العراقي ـ الذي حاولت أن تتعامل معه بحيادية وتجرد ـ دفعها سلوك الجيش وتعامله لتنمي وتتقدم من هذا الإنسان/الشعب الذي يتعرض لعمليات قمع وقتل وحشي، ومن ثم تتوغل أكثر نحو الاتجاه الصحيح، نحو العراق، الذي تثقفت بثقافته من خلال الأب والأم ومن خلال اللهجة العراقية التي لم تتكلم بغيرها في المنزل، فهذه اللغة جعلتها تشعر بأن من يتعرض للعنف وللقتل هو شعبها وليس شعب آخر، وأن من تتعامل معه وتخدمه هو العدو، وليس صديق أو حليف وهو لا ينتمي لها وهي لا تنتمي له.
هذه المشاعر احد الدوافع التي جعلت "زينة" تجد وتجتهد أكثر نحو اللقاء مع جدتها، فرغم العاطفة والحب الذي تحمله لجدتها إلا أن الظروف كانت تساعدها للإسراع في اتمام هذا اللقاء وتوطيد علاقتها بها، "...تعبت من المخططات البوليسية للخروج من المعسكر، من التحايل على التعليمات المشددة للجنود وللمترجمين بالأخص...لكنني أريد أن أشبع من جدتي رحمة، أمكث معها بدون جنود في الغرفة المجاورة، أسمع تاريخ عائلتي تقطره في وعيي كما تقطر طاووس ماء الورد، تحكي وأنا أصغي وأحفظ. وعندما تتعب من الكلام تتنهد بعمق وتنظر نحو كمن ينظر معجزة. هل كان المطلوب مني أن أقف وأهتف بسقوط أمريكا؟" ص126، حجم الضغط وعدم وجود من يستمع لها/يفهم مشاعرها جعلها تسرع للقاء الجدة، فهي يريد من هذا اللقاء أن تهدئ نفسها، أن ترتاح مما تمارسه وتشاهده من وحشية يوميا، وفي ذات الوقت تريد أن تتعرف أكثر على العراق، عراقها الذي عرفته من أمها وأباها.
لكن حضورها إلى العراق في هذا الظرف الصعب، لم يكن ليمر على الجدة دون أن تبحث عن الأسباب الحقيقية وراء حضورها في وقت احتلاله، وهذا ما جعل "زينة" تبحث عن مبرر/حجة لوجودها في العراق، "أتمتع بلعبة حجب مهمتي في الجيش عن مهمين وعن جيراني. أتظاهر بأنني مغتربة عراقية استاقت للوطن والأهل" ص127، هذا الأمر كان يؤكد حالة النفسية الصعبة التي تمر بها "زينة" فهي بحاجة إلى ونيس/رفيق/أم/أهل/أصدقاء تستطيع أن تفضي لهم ما تشعر به، تفرغ عندهم قسوة الظروف التي تمر بها، من هنا وجدناها تسرع أكثر في لقاء هؤلاء الأهل.
في القاء الأول مع الأهل كانت زينة تواجه حقيقة غائبة عنها، حقيقة وجود علاقة استثنائية بين الجدة وجيرانها، رغم اختلاف الدين بيهم ورغم اختلاف العمر، فهم يعيشون بهذا الشكل، "أنا غريبة حتى عن جدتي، أم أمي، إن حيدر ومهيمن وطاووس أقرب إليها مني لأنهم ظلوا مثلها، عراقيين خلصا، ذهب ليرة، لا تشوب وطنيتهم جنسية أخرى، يندفع الدم إلى شرايينهم حين يذكر اسم العراق، كوكب دري فذ في المجرات، يغنون لبغداد بانخطاف دراويش يدورون حول أنفسهم وأصواتهم غاثرة من التهجد، كأنهم مأخوذون إلى نقطة قصية، أرواحهم شاخصة إليها، مدينة السلام، المدورة، الزوراء، موطن ألف ليلة، بغداااد قلعة الأسود" ص131، من خلال هذا المشهد تم تفجير العراقية في نفس "زينة"، جعلها تعرف ما معنى العراق، وما يعنيه العراق للعراقي، فهو حب رباني سماوي ، أرضي، إنساني لا يمكن أن ينتهي أبدا، بل على العكس هو حي، وحاضر، وفاعل، ومؤثر، ويعاد تشكيل عند من ضعفوا أو أصابهم مرض النسيان، فهو العلاج والشفاء للكل، فأي عراقي لا يمكن أن يشفى بدون العراق، بدون بغداد، هذه المدينة العملاقة، التي أخذت تجدد حضارة السومريين والاكاديين والبابليين والآشوريين، فهي مدينة غير عادية، فيها يشعر/يجد العراقي مكانه/حضوره/فاعليته/تاريخه، فهي وتاريخ العراق والعراقي صنوان.
إذا كانت هناك عواطف/أفكار تدفع "بزينة" نحو العراق، فقد كانت أيضا هناك عوامل في لاتجاه الآخر تساعدها في هذا الأمر، طريقة تعامل العراقيين مع المحتل، فهم يقامون، لا يستسلمون لهذا المحتل بسهولة، فوجود خسائر بشرية عند الاحتلال يجعله يتصرف بطريقة أكثر وحشية، طريقة مهينة للعراقي، ومن كان منهم يقع في الأسر كان يتعرض لطرق قذرة وسافلة.
"زينة" يثار فيها الصراع بين دورها كجندية أمريكية من جهة ، وبين عراقيتها وشعبها الذي يتعرض لممارسات همجية من المحتل من جهة ثانية. "يحتقن أنفي عندما أرى على الشاشة جنديا يسقط مفتديا علم بلاده. يجاهد لكي لا يلامس قماشه الأرض....من أتى بهذه القحبة التي تسحب السجين مثل كلب وراءها.. من أتلى بها إلى جيشنا؟... تخيلت أن المجندة ليندسي تربط أبي من رقبته بحزام من أحزمة الطلاب وتجره وهو عار، تصاعد الصديد إلى حلقي وأنفي كيف سأنظر في وجه بابا؟ ص154، وجود حالة الاضطراب وعدم الاتزان تعطي الاحداث حيوية وتجعل المتلقي يدخل/ينفعل مع النص، فها هي "زينة" تحدثنا عن مشاعرها المضطربة والمتناقضة عندما دخلت العراق مع قوات الاحتلال، "كنت أريد أن أتباهي أمامهم بأنني منهم، سليلة منطقتهم، أتكلم لغتهم بلهجتهم، وبأن جدي هو عقيد الركن يوسف الشاغور الذي كان، في أربعينيات القرن الماضي مساعد لمدير التجنيد في الموصل.... مثل الممثلين البارعين في التقليد، القدرة على التقمص وتغيير الشخصيات وعلى أن أكون ابنتهم وعدوتهم في آن، وأن يكونوا هم، في الوقت عينه، أهلي وخصومي" ص15، حمل هذا المشهد حالة التضاد بين عراقية وأمريكية "زينة" فهي تنتمي إلى هذا المكان، وأهلها فيه هنا، لكنها في ذات الوقت جاءت كمحتل، يسهم في تدمير العراق وتشريد شعبه/ا، وهذا الأمر يشير إلى عدم اكتمال/نضوج فكرة المشاركة مع هذا الاحتلال، أو لوجود ذاكرة خصبة وأرث ثقافي يحول دوام الانسجام مع ما تقوم به.
تحاول "زينة" أن تقنع نفسها بأن ما تقوم به لصالح العراق والشعب العراقي، فتحدثنا عن تخيلها/أحلامها/فكرتها عن الجيش الأمريكي الذي جاء ليعمر ويبني العراق، فتقول: "إنني ذاهبة في مهمة وطنية، جندية أتقدم لمساعدة حكومتي وشعبي وجيشي، جيشنا الأمريكي الذي سيعمل على إسقاط صدام وتحرير شعب ذاق المر.... مساكين أهل العراق، لن يصدقوا أعينهم حين ستفتح على الحرية. حتى الشيخ العجوز منهم سيعود ولدا صغيرا وهو يرتشف حليب الديمقراطية ويتذوق طعم الحياة كما عشها أنا هنا" ص18، محاولة اقناع الذات بأن ما تقدم عليه هو خير ويخدم العراق وأمريكيا في ذات الوقت، وأن هذه المشاركة تعد عملا نبيلا وإنسانيا ووطنيا، فلا ضرر من هذه المشاركة، فهي من سيعيد للشعب العراقي الحرية الديمقراطية التي افتقدها على مدار حكم صدام!.
لكن بعد أن تشاهد "زينة" قصف بغداد والخراب الذي لحق بها، تأكدت بأنا تقدم على أمر في غاية السوء، فعل يتناقض مع عراقيتها وإنسانيتها وأمريكتها، هي تعمل الشر وتقتها شعبها وتدمر بلدها العراق، "ورغم حماستي للحرب اكتشفت أنني أتألم ألما من نوع غريب يصعب تعريفه، هل أنا منافقة، أمريكية بوجهين؟ أم عراقية في سبات مؤجل مثل الجواسيس النائمين المزروعين في أرض العدو من سنوات؟ لماذا أشعر بالإشفاق على الضحايا، وكأنني تأثرت بالأم تيريزا، كنت أنكمش وأنا اشاهد بغداد تقصف وترتفع فيها أعمدة الدخان بعد الغارات الأمريكية، كأنني أرى نفسي وأنا أحرق شعري بولاعة سجائر أمي أو أخز جلدي بمقص أظافري، أو أصفع خدي الأسير بكفي اليمنى.
لماذا أعجز عن الجلوس في مقعدي لخمس دقائق؟ أقول للأخرى التي هي أنا إن هناك أطفالا يفزعون وأبرياء يموتون بلا ذنب في بغداد، أقول لها إن الأطفال يمكن أن يكونوا أبناء رفيقاتك في لدراسة، والأبرياء قد يكونوا أولاد عمك وبنات خالتك، والجثة المتفحمة على مدخل مستشفى الكرخ قد تكون لسهيل، أبن الست لميعة" ص23و24، الراوية تركز تسلط الضوء على مشاهد القتل والدمار، وفي ذات الوقت أثر هذا المشهد على "زينة" فهي العراقية التي يتكلم أهليها في البيت باللهجة العراقية، والتي تحمل الثقافة العراقية، فكيف لها أن تبقى ساكنة بدون حراك اتجاه ما تشاهده من قتل شعبها وتدمير وطنها.
لكنها هنا لم تكن عراقية بل جندية أمريكية، فكيف السبيل للتوفيق بين عراقيتها وأمريكيتها؟ هل يمكنها أن تنحاز لطرف بعينة، وتحسم الأمر بالنسبة للطرف الثاني؟.
الراوية تجعل هذا الصراع مستديم، بلا نهاية، وكأنه صراع الإله العراقي "تموزي " مع الموت، لا ينتهي أبدا، هذه أحدى أهم الأفكار التي تطرحها الرواية، وكأنها بهذا التأنيب/تعذيب/جلد الذات تمارس ما كان يمارسه اجدادها العراقيين القدماء عندما كان يغيب/يذهب "الإله "تموزي" إلى العالم السفلي، فهذا الألم/جلد الذات يعد أهم سمة عند العراقيين، فها هم الآن وبعد أكثر من خمسة آلاف عام يمارسون هذا الأمر، ويندبون غياب الإله "تموزي" الذي أخذ/استبدل بشكل "الحسين بن علي" لكن فعل تعذيب الذات ما زال على حالة، كما هو لم يتغير أو يتبدل، فهل هناك شعب على الأرض يؤكد حضوره ووجوده على وطنه كما هو حال العراقي؟
الوطن/العراق يبقى مستيقظا/حاضرا/فاعلا /متقدا لا يخبو، فهو كالهواء للعراقي، لا يستطيع أن يكون بدونه، هذا ما كان "لزينة" حينما شمت رائحة العراق، "في تلك اللحظة، مع رائحة الطوز النافذة، شمتت العراق وكأن البلد كله تجمع في أنفي... وميزت عبقه الذي أعرف ولفح هوائه الساخن على الوجوه، وكانت نادية المصرية ترتعش ورلى تسعل وكأنها ستموت. مددت يدي أضرب على ظهرها وكأنني مسؤولة عما يصيبها، هذا بلدي ورلى ضيفتي، راحتها واجبي." ص40و41، العراقية تطغى على كل شيء، فها هي "زينة" تتحدث عن عراقيتها، وتعامل زميلاتها المجندات مع المحتل بحرص المضيف على أكرام وراحة الضيف، فهي هنا عراقية خالصة، تخلت ـ لو مؤقتا ـ عن امريكيتها، هواء العراق الساخن اللافح ايقظ فيها العراقية، وموت امريكيتها.


عراقية "زينة" كانت تسيطر عليها، وكأنها لم تأتي كجندية أمريكية، بل كمواطنة عراقية لتخدم بلدها، ولكي تعيد ذكرياتها الجميلة فيه، "تماسكت في مواجهة جيش الحنين، ...كانت صورة طفولتي تنثال على وجهي مثل زخة مطر حار يكوي ولا ينعش . أتفرج ببلاهة السياح على الأعرابيات حاملات السلال فوق الرؤوس وهن يتوقفن للفرجة على موكبنا" ص48، اعتقد بأنه لا يوجد شعب في العالم كالشعب العراقي، الذي يبقى العراق حيا فيه، فهما كالجسد والروح، لا أهمية أحدهما دون وجود الآخر، هذا ما أرادت الراوية أن تخبرنا به، فالعراق/العراقية هما روح العراقي،


إذن بهذا يتم تقدم "زينة" من عراقيتها وانسحابها ـ فكريا/عقائدا ـ من امريكيا، فهي عراقية، وستسير بعد هذه المشاهدة نحو العراق والعرقيين.
وهذا ما حدثت به مهيمن قائلة: "...أنا عراقية الأصل والمولد، ولا يمكن أن يكرهوني أهل البلد الذين يشبهونني في سمرتي، وأشبههم في الملامح واللغة والدم الفور" ص159، التقدم نحو العراق والعراقية أصبح أكثر وضوحا عند "زينة" فرغم استمرار عملها مع المحتل نجدها تتقدم أكثر من وطنها وأبهاءه.
تعود "زينة" إلى أمريكيا تقضي أجازتها من الحرب في العراق، ثم تعود إليه لكن هذه العودة كانت قد جعلت الصراع أكثر و ضوح، فنجد "طاووس" جارة وصديقة الجدة تخاطبها بهذا الشكل، " "كلب أبو بيتين" هكذا وصفت طاووس حالتي بعد عودتي من ديترويت، لا أنا قادرة على استرجاع حياتي السابقة ولا على التآلف مع حياتي في الخضراء" ص162، العراقية أخذت مفعولها في نفس "زينة" بحيث أصبح نفسيا تتصارع مع الأمريكية، وهذا الأمر لم يكن واضحا تماما لها في السابق، كانت تفكر بما تقوم به، لكنها هنا ـ بعد أن تراكمت تلك الأعمال والمشاهد والأفكار في ذاكرتها ـ جعلت حالتها النفسية ترفض وتحارب الأمريكية فيها، من هنا قالت عن ذاتها: " عدت إلى بغداد بعد بضعة أشهر من الضياع النفسي في ديترويت" ص163، فحالة الاضطراب هي حالة صحية، تصيب الذين يستخدمون ضميرهم ويحكمونه فيما يقومون به، وهي وجدت بأنها لا يمكن أن تنسجم مع أعمال الاحتلال، ولهذا وجدنها بهذه الظاهرة الصحية، التي تشير إلى ضميرها/إلى عراقيتها الحية.
تركز الراوية على ما تمر به "زينة" من عملية ألم المخاض يشير إلى أن هناك مولود سيخرج إلى الحياة، فتقول على لسانها: "ولم أكن معطوبة في جسدي لكن مواضع في ذاكرتي كانت تؤلمني" ص164، لكن ما هذا المولد؟، وهل يستحق كل هذا الألم؟ تجيبنا "زينة" بهذه العبارة: "شلت يمني إذا نسيتك يا بغداد" ص195، التي تنهي فيها الرواية، فهل هناك أبلغ وأعمق من هذا القول؟.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراقي المهجر في رواية -الحفيدة الأمريكية-
- العراقي في رواية -الحفيدة الأمريكية- أنعام كجه جي
- نضوج الفكرة وتألق اللغة في - هكذا ينتصر الحب على الحرب- شذى ...
- المتألق محمد شحرور
- الانسجام في ديوان -نوبات شعرية- مالك فايز المصري
- النبوءة في قصيدة -لأجل الغياب.. الذي أنا فيه- فرات إسبير
- احداث أيلول في رواية -المحاصرون- فيصل الحوراني
- الألوان في قصيدة -حالات البحار العاشق- عبد الناصر صالح
- الفكر الديني في قصيدة -في حضرة القدس- همام حج محمد
- الجنون في عالم مجنون في قصص -الخراب- نصري الصايغ
- لسرد الفارغ والشكل العادي في رواية -دنيانا... مهرجان الأيام ...
- التأنيث في قصيدة -غريب على الخليج- بدر شاكر السياب
- البياض والسواد في ديوان -رفيق السالمي يسقي غابة البرتقال- مح ...
- قوة السرد في مجموعة -قبل أن نرحل- عبد الغني سلامة
- اللفظ والمعنى عند همام حاج محمد في قصيدة - ما أطيب اللقيا بل ...
- الشاعر في ديوان -شرفات الكلام- علي الخليلي
- التناص في قصيدة -هيت لك- حبيب الشريدة
- الطفولة في مجموعة -أنثى المارشميللو- نور محمد
- التأنيث في ديوان -معجم بك- محمد حلمي الريشة
- الأدب الروائي في ديوان -أولئك اصحابي- حميد سعيد


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الصراع في رواية -الحفيدة الأمريكية-