أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - -بورقيبة- و الثورة















المزيد.....

-بورقيبة- و الثورة


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5280 - 2016 / 9 / 9 - 09:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يجوز توصيف الحالة السياسية في تونس اليوم بكونها عديمة الروح؟ الروح بما هي أخلاقية سياسية و بما هي تعبير عن روح الشعب الواقعي و ليس المتخيل. كلما تـقدمنا أكثر كلما تكشفت عديد المواقف السياسية عن افتـقادها للروح و الفكر و الأصالة الفكرية. كأن جل ما قامت به الثورة هو تعرية الوجوه عن فقرها الذي كانت الدكتاتورية تحجبه كما كانت تحجب الشعب عن نفسه..
الحركة الدستورية الوطنية التي قارعت الاستعمار الفرنسي ثم حكمت البلاد، لم تدعي أنها تملك فكرا سياسيا شموليا أي إيديولوجية. حددت جملة من الأهداف تمركزت حول مقولة الوطن التونسي. كانت تتبع الواقع و ما يتطلبه و كانت متأثرة أساسا بالفلسفة السياسية الفرنسية.
الحركة الدستورية جعلت من مطلب "برلمان تونسي" قضية وطنية و معركة ضد المستعمر أزهقت فيها أرواح شهداء (9 افريل 1938) لأصالة المطلب البرلماني الديمقراطي التحرري كتعبير عن سيادة الشعب. هذا المطلب الديمقراطي الذي صاغ نفسه كمضمون فكري سياسي استـشهادي في معركة التحرر ضد الاستعمار، تم الانقلاب عليه بعد الاستـقلال حين حكمت هذه الحركة البلاد. كان هذا المطلب الديمقراطي هو عمق النضال السياسي ضد السلطة و ان اكتسى محمولات أخرى بعيدة عن توصيفاته، إلى غاية الثورة الشعبية في سنة 2011، حيث قـفز المطلب الديمقراطي إلى السطح كمطلب أساسي و ضروري و اولوي..
***
كان الرئيس "حبيب بورقيبة" بمشروعه التحديثي قد بنى رؤاه حول ما أطلق عليه عنوان "الأمة التونسية". من الواضح هنا الوعي الواضح و المحدد بالعنوان السياسي الذي يشتغل عليه. و الحقيقة أن هذا العنوان كان من المفترض ان تـتم دراسته و تحليله من بقية الفاعلين السياسيين بينما في الواقع لم يحظى بأي دراسة فكرية، و بقي بورقيبيا خالصا في الخطاب و الممارسة.
كان بورقيبة سباقا و فطنا جدا و شديد الذكاء و الدهاء باعتراف أعدائه قبل أصدقائه. هذا العنوان لم يفرضه على الواقع بقدر ما جعل ما في الواقع التونسي ما يعبر عنه فعليا. لذلك تمت تسمية السياسة البورقيبية بالبراغماتية. فما حقيقة هذه البراغماتية؟
يبدو ان حقيقـتها الأساسية هو تحديد مجال الرؤيا في الداخل التونسي حاضرا و تاريخا و مستـقبلا. فتاريخيا تونس قرطاج أسستها امرأة فينيقية اسمها "عليسة". تونس كذلك هي الكاهنة الملكة البربرية التي حاربت جيوش عقبة ابن نافع الذي أتى غازيا بالسيف بنزعة أموية شوفينية فتم التحدي له بكل قوة. بعد ذلك حين تمت الدعوة إلى الدين الجديد باللين انفتحت القلوب له كما انفتحت إلى اللغة العربية. تونس كذلك هي عقد الصداق القيرواني الذي فيه تكون العصمة للمرأة ان أراد الزوج الزواج بثانية بحيث يحق للأولى خلعه. تونس كذلك هي الفقيه "الطاهر الحداد" صاحب الكتاب المشهور "امرأتنا في الشريعة و المجتمع"، و الذي قدم فيه تأويلا للقرآن توصل من خلاله إلى إنكار تعدد الزوجات، و هو الكتاب الذي تسبب له في الطرد من جامع الزيتونة و النبذ. تونس كذلك هي الشيخ جعيط ( أب المفكر التونسي الكبير هشام جعيط) و الشيخ الطاهر بن عاشور صاحب "الإسلام و التنوير" و غيرهما ممن صاغوا مشروع مجلة الأحوال الشخصية التي حررت المرأة التونسية..
تونس كذلك هي الأهالي اللذين شيدوا عديد المدارس في فترة الاستعمار الفرنسي لتعليم الأبناء. تونس الشعب الذي يحب تعليم أبنائه.
تونس الشعب الذي يحب الحياة.. لذلك جعل بورقيبة أولى أولوياته هو الاهتمام بالصحة العمومية و سياسة تحديد النسل و بناء المستـشفيات و المستوصفات العمومية. و جعل بورقيبة التعليم المعاصر الموحد أولى الأولويات و هو بذلك قد عبر عن روح الشعب. و فرض بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية لان المرأة التونسية هي أساس المجتمع، فهي التي تـشتغل في الحقول و هي صاحبة السلطة في بيتها، و قام بنزع حجابها كتعبير عما تريده و يريده المجتمع ضمنا دون ان يتجرأ على الاعتراف بذلك بصفة علنية.. كان بورقيبة يعلم ان المعركة الأساسية تتجه نحو تـثوير الداخل و ايقاضه من انحطاطه و سباته و نفاقيته و ازدواجيته...
مشروع الأمة التونسية تضمن إقرار العربية لغة الدولة و الإسلام دينها. من الممكن ان يكون بورقيبة حاملا لمشروع خلق تونس أوربية و لكنه لم يفرض المسالة ذاك انه يدرك حدود السياسي. حدوده في التعبير عن روح الشعب. شعب عربي مسلم لكنه يتطلع إلى التميز و الحداثة لأجل ذلك كان تلميذ الثانوية يقبل بشغف على مادة الفلسفة، و تونس هي الوحيدة في البلدان العربية التي تدرس فيها مادة الفلسفة في الثانوية. كما ان دور الثـقافة و المكتبات العمومية المنتـشرة في كل المدن التونسية أسهمت في تـنمية شغف المطالعة الحرة للأفكار و الآداب، و تونس إضافة إلى دور الشباب هي المتـفردة في البلدان العربية. و انا شخصيا حين قمت بسفري في بلدان المشرق العربي و التي تعتبر رائدة في التعليم و الحداثة مثل العراق و سوريا لم أجد ما يماثل السياسة البورقيبة في دور الشباب و الثـقافة و المكتبات العمومية..
من الممكن ان يكون بورقيبة عروبيا إسلاميا و لكنه بنظرة مستـقبلية تـثويرية تاريخيا و اجتماعيا و حضاريا. نظرة مستـقبلية لمضمون واقعي جديد و على ذاك الأساس تكون تونس امة بمفهوم النموذج الجديد الذي أراده للأمة العربية الإسلامية الجديدة. تونس المستـقلة عن الواقع الحالي من اجل خلق واقع جديد يقوم على تـثوير الداخل و التجاوز للقبلية و العشائرية لأجل المدنية و الحداثة و ما تتطلبه من علم و مهارة و نظام و حرية للمرأة و الجسد و العقل. لا ننسى انه قد تكلم عن العروبة و انه يشترط فيها خلق نموذج جديد يقوم على تـنوير العقول و تحريرها من أثـقال التاريخ و تعليمها لأجل استيعاب العصر الحديث و العيش فيه جسدا و روحا في عملية تجاوز عوامل انحطاطها الذاتية و بناء قوتها في بناء إنسان جديد قوي فاعل بمنطق عصره. نذكر هنا الكلمة التي ألقاها في قاعة "البالماريوم" أمام مجموعة من الطلبة التونسيين اجتمع بهم الرئيس الليبي "معمر القذافي". كان يحدثهم عن الوحدة العربية و التحدي و التصدي فقاطعه بورقيبة قائلا:" تـتحداهم بماذا؟ بعقول فارغة؟ المادة الشخمة هي الأساس.. يجب تربية العقول أولا بعد ذلك يأتي التحدي و الاقـتدار لوحده و تأتي الوحدة العربية ان أراد العرب الوحدة فعلا؟ الشعارات و الصخب لا تصنع شيئا.."
***
كان "بورقيبة" يفكر و يعمل في إطار الوطن التونسي. أما المعارضات التي تكونت كأنساق فكرية فكلها مستوردة للإيديولوجيات من خارج تونس محاولة إلباسها للجسد التونسي عبر آليات التلفيق المختلفة. الشيوعية و العروربية الوحدوية و الاسلاموية. كلها لم تجد موطئ قدم فعلي في الواقع و مؤثر و قادر على الانتـشار الواسع و افتكاك السلطة. ايديولوجيات ضخمة توهمك بالروح فيها و لكنها عجزت عن ان تكون الروح التونسية. بل ان من أهم أسباب عدم انتـشارها هو ازدواجية الحاملين لها بين التونسة فيهم و الايديولوجية.
برغم ان الشيوعية عرفت انتـشارا واسعا في الجامعة في الستينات و السبعينات من القرن العشرين، إلا أنها ضلت ذات فعل احتجاجي في الواقع و هي لازالت إلى اليوم كذلك. لم تصنع المبادرة الوطنية و لم تفاجئ الواقع و إنما جل عملها كان يجد صداه أساسا عند أروقة البوليس السياسي المتابع الفعلي و الدائم لأنشطتهم. لذلك بقدر ما كان البوليس عدوا بقدر ما كان صديقا. و يعود السبب الأساسي في ذلك إلى كون العمل السياسي تركز حول الطالب الجامعي، و برغم الإيمان بالبروليتاريا و الفلاحين إلا أنهم ضلوا عاجزين إلى اليوم عن إيجاد الخطاب الذي يفهمه الفلاح و العامل باستـثـناء بعض الحالات الشاذة التي لا يمكن اعتمادها في التوصيف العام للمشهد السياسي. تم الاعتماد على عنصر الطالب الجامعي الذي ما ان يتحصل على الشهادة الجامعية حتى يلتحق بالوظيفة في إحدى أجهزة الدولة. الدولة التي لم يتم تحديد مفاهيم واضحة و نضالات واضحة ترسم خطوطا فاصلة بين الدولة و السلطة السياسية. في الحقيقة لم يوجد اشتغال على مفهوم السلطة و إيجاد مفهوم جديد لها حول آلياتها و قمعها و احتكارها إلا في السنوات الأخيرة أي من أواخر التسعينات إلى الآن.
فحين تـقررت الرئاسة مدى الحياة للرئيس "بورقيبة" كان من المفترض ان تصاغ مفاهيم سياسية حول السلطة و بالتالي النضال لأجل سلطة ديمقراطية يتم فيها التداول السلمي على السلطة و تحديد مددها و تـقسيم السلطات و غيرها. تلك الترسانة من المفاهيم الدستورية الديمقراطية في حينه لم تكن مطلبا سياسيا للمعارضة. كانت المعارضة تؤمن و تصيغ خطابها و مواقـفها السياسية على أساس مقولة الطليعة الثورية التي تؤسس لدكتاتوريتها و التي تصاغ كتعبير أوحد عن الشعب. و طبعا فهو الشعب الموهوم في مخيلتهم السياسية و ليس الشعب الواقعي العائش على الأرض..
و في أواسط الثمانينات عرفت الحركة الاسلاموية انتـشارا، و لكنه كان مصطنعا بتـشجيع من الوزير الأول آنذاك "محمد مزالي"، و تسهيلات من السلطة السياسية لمحاربة اليسار المسيطر على الجامعة التونسية. انتـشر التيار الإسلامي في فترة ضعف الدولة اقتصاديا و سياسيا. فقد أصبح بورقيبة عجوزا، و عزلته الحاشية عن الشعب، و غدا صنما مزعجا يفرض نفسه على الشعب كل مساء قبل نشرة الأخبار و في مقدمتها الطويلة. كان الشعب على موعد دائم مع مشاهد سباحة الزعيم الهرم. الزعيم الضعيف و الدولة الضعيفة و الشعب في حالة قلق على المستـقبل.
واقع الأزمة و التأزم و التعفن السياسي و الأخلاقي السياسي هو الحالة المثلى لانتـشار الطائفية الإسلامية و لكل إيديولوجية دينية. و بسرعة مهولة لا تـنم عن غباء سياسي بقدر ما تؤشر إلى غياب أي فكر سياسي، كشف الإسلاميون عن مخزون العنف الذي يشكل ركيزة إيديولوجية أساسية يربطونها بالعنف المقدس. و لكن برغم ملئهم للفضاء العام من حيث التوتر و الانشغال بهم، فإنهم كانوا يتحركون كادوات وقتية اشتغلت بهم السلطة القادمة. الجنرال "زين العابدين بن علي" من رحم النظام يظهر كمنـقـذ من الأزمة السياسية و الاقـتصادية. هذا الرئيس الذي استعملهم فتك بهم فتكا حتى انه كاد يمحوهم من خارطة الزمن..
أما التيار العروبي فهو الآخر استورد التجربة الناصرية برغم عدم تملكها لفكر سياسي و إنما لممارسة و خطابات و أهازيج شعرية و أغاني عبد الحليم حافظ و غيره. المحاولة التـنظيرية لـ"عصمت سيف الدولة" لم تكن إلا ركاكة فكروية فيها سطو على إيديولوجية البعث في مقولة الوحدة و الحرية و الاشتراكية مع تشويه هذه المقولات و مكننـتها خطيا و إفقاد روحها الديالكتيكية. كل ذلك (زيادة على البلادة الفكرية و الأسلوبية) كان لأجل البناء المصطنع لما اسماه بإقليم القاعدة كشرط لبناء دولة الوحدة. أي محاولة مفضوحة في فجاجتها ليس في لوي عنق الواقع فقط بل في البهتان التـنظيري البائس لأجل تكريس مصر عبد الناصر تبتلع الدول العربية باسم الوحدة القومية و الأمجاد العربية و تحرير فلسطين..
و الحق يقال ان الزعيم بورقيبة كان محقا في احتقار هذه الحالة من العبث و الفوضى الفكرية و السياسية، بل انه كان صادقا إلى ابعد الحدود في الاستهزاء بشعارات الوحدة العربية و تحرير فلسطين التي تـنـفخها أبواق الدعاية الناصرية. و على كل فلم يصمت بورقيبة و إنما عبر عن العقم الكبير الذي يتضمنه ذاك الخطاب و ذاك التوجه السياسي.
و برغم الحب الذي يكنه التونسيون لجمال عبد الناصر، إلا انه في الأخير يرتكن إلى عقلانية الزعيم بورقيبة الذي حقـق رغبة الشعب في التعليم و الصحة و الحرية من المستعمر و تحرير المرأة.
أما البعث العربي لـ"ميشيل عفلق" فانه كان أكثر عقلانية في تونس. لم يظهر كحزب أو تيار سياسي و إنما كمجموعة من المبشرين الوافدين من سوريا، و اللذين عملوا على نشر الإيديولوجية ليس بمنطوقها الضيق و إنما في أبعادها الفكرية المختلفة. كانوا مدرسين و كتاب و شعراء تمكنوا من نشر أفكارهم و تسريب عنوان "البعث" في مختلف الاتجاهات السياسية و أهمها الماوية و ما سمي بحركة "البرسبكتيف". أما الفعل السياسي فقد ابتدأ في السبعينات في إطار العمل النقابي. و مع بداية الثمانينات كانت لحظة تركزه كحزب هي لحظة البدء في انحسار انتـشاره ان لم نقل أنها لحظة إجهاضه كمشروع فكري منفتح و إجهاضه كذلك كتيار سياسي فاعل في المشهد السياسي التونسي. فبرغم ان حرب 1991 أشعلت الشارع التونسي و أخرجت الآلاف إلى الشوارع تعبيرا عن نصرة العراق، إلا ان جماعة البعث لم تتمكن حتى من مضاعفة زادها البشري نتاج عقمها التـنظيمي و تحجرها الإيديولوجي المتحول من الفكر و التعاطي الفكري إلى تبني الصدامية الصنمية و تحويل البعث إلى مجرد لسان دفاع عنها..
***
الأممية الشيوعية السوفياتية. العروبة الناصرية و الصدامية و الاسدية. الأمة الإسلامية الاخوانية الخمينية الوهابية. كلها ظهرت كترسانات عملاقة تحجب الجسد التونسي و لكن في دائرة أوهامهم فقط.
إلا ان المشهد لم يكن بهذا التوصيف إلا على المستوى السياسي الحزبي. أما على مستوى الأفكار فلا يمكن أبدا نكران تسرب بعض الأفكار اليسارية التي كانت تعبر عن روح الشعب. أهمها على الإطلاق هو روحية التمرد على السلطة و ان كانت تعبر عن نفسها حتى في أشكال في ظاهرها متماهية مع السلطة. السلطة نفسها لم تكن لتخلو يوما من اليساريين بل ان جل الإدارات التونسية بما فيها البوليس السياسي كان في بعضه يحمل أفكارا يسارية. ان فكرة التضامن و التعاون و اعتبار الدولة هي الشعب هي من ضمن الأفكار الشعبية العامة. و لا ننسى كذلك ان النقابيـين الفاعلين الأساسيـين في عديد المحطات السياسية الكبرى و الثورة هم يساريون. أي ان اليسار قريب من الشعب حين لا يظهر بتمترساته الايديولجية المعروفة. بل ان بورقيبة نفسه يساري مثلما قالت ابنته في إحدى تصريحاتها. كما انه يجدر بنا ان نذكر ان بناء القطاع العام و سياسة التعاضد و التعاونيات و أراضي الدولة الفلاحية كلها أفكار يسارية طبقها بورقيبة في فترة بناء الدولة عن طريق "احمد بن صالح"..
كما ان العروبة العقلانية المتـفاعلة مع الفرادة التونسية و المنطلقة من التـفاعل مع الواقع التونسي في صياغة عروبة جديدة قائمة على الفلسفة و المنطق و العقلانية عبرت و تعبر عن الروح التونسية كذلك.
إلا الاتجاه الإسلامي فانه لا يعبر عن تطلعات الروح التونسية بقدر ما يعبر عن أزمتها و مأزقها.
و بقدر ما تـنـفـتح هذه المقاربة على أمل إيجاد بناء فكري جديد يعبر فعليا عن روح الشعب و آماله و تطلعاته و فرادته و تميزه و مستـقبله المنفتح، بقدر ما تـتجه بعفوية نحو الإقرار ببورقيبة كزعيم تأسيسي لتونس الجديدة، برغم ما يظهر من تـناقضات ظاهرية. تلك التـناقضات التي تظهر كأحداث و صراعات سياسية وقعت، و لكن حين نتعمق في اتجاه المضمون الروحي فإننا نجد نقاطا مشتركة.
هذه النقاط لأجل إبرازها يجب تـنحية الماحدث من الحسبان أولا. و يجب الإقرار بعبقرية الرجل المتأتية أساسا من انهماكه في التـقاط مراكز الضوء بين ثـنايا الروح التونسية و التي كان يغطيها واقع العتمة و الظلام. و نحن لسنا بحاجة إلى الإسلاميـين لنهتدي إلى جعل آية "لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" إحدى العناوين من تراثنا في اتجاهنا لبناء المستـقبل..
في الوقت الذي كانت فيه الأمة التونسية البورقيبية يتم وصمها بالعمالة و الخيانة و الكفر و الخروج عن الملة و الدين و التاريخ المجيد من العنترية، كان "بورقيبة" يكلم الشعب متباكيا أحيانا لأنه يعلم ان هذا الشعب رحيم و يتمتع بسيكولوجية أخلاقية مرتـفعة من الشفقة. كلماته البسيطة و العميقة كانت وحدها تلهب حماسة الشعب و محبته لزعيمه و بلده. الشعب الذي خرج منتـفضا في ثورة عارمة و المسماة بثورة الخبز في جانفي 1984، ما ان طلع عليه الزعيم بورقيبة محدثا إياه بأسلوبه الأبوي التونسي ذاك (خاطيني. لا علم لي. يزيدو في الخبز و ما يقولوليش. يحبو يجوعوا الشعب..) حتى انقلب الشعب من الغضب إلى الابتهاج...
هذا الزعيم العظامي المتعاظم. جعل من نفسه عدد واحد في أول بطاقة تعريف تونسية. أراد ان يقول ان تونس ابتدأت منه، و انه الواحد المتجسد في كل الأعداد الموالية.. هل كان يرى في نفسه ذو مهمة رسولية؟ هل كان يرى الواحد ليس تونسيا فقط و إنما تونسيا عربيا و ربما عالميا. الواحد المتجسد لانهائيا في بقية الأعداد الموالية. هل الثورة التونسية عربية و عالمية؟ هل هي ثورة بقدر ما هي ثورة حرية الشعوب و تحملها لمسئوليتها في بناء مصيرها، ام هي استئـناف مشروع الحداثة البورقيبي التـنويري ضد الجهل و المرض و الطائفية و العقلية القبلية البدوية و الانانية الضيقة؟ هل الثورة استئناف للمشروع البورقيبي مع إقصاء السلطة القمعية الواحدية الدكتاتورية؟



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -يلزمنا ناقفو لتونس- رئيس الحكومة الجديد يستحضر شعار -شكري ب ...
- في الالحاد الاسلامي
- الفردوس المفقود المأمول
- رئيس الجمهورية التونسية يسحب البساط من الجميع
- الصادقون و الكاذبون
- هل تتجه تونس نحو سلطة الشعب؟
- تركيا نحو الانهيار
- سؤال بسيط: هل انت مؤمن فعلا؟
- -أردوغان- يفلت من العقاب
- أبي الغائب الحاضر و الإمام الغائب
- فتاة -هرقل-
- تقدمية المثقف الستيني
- الرئيس يلعب بالنار
- -العصفورية-. ملحمة العرب المعاصرة
- أقانيم الجهالة بين القديم و الجديد
- الإحتفال المأتم لحركة النهضة التونسية
- أشبال العراق ينتفضون
- هل بالامكان ايجاد اسلام جديد؟
- السلطة الوضيعة
- المفقدود سياسيا في تونس


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - -بورقيبة- و الثورة