أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - المفقدود سياسيا في تونس















المزيد.....

المفقدود سياسيا في تونس


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5141 - 2016 / 4 / 23 - 18:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المشكلة ليست في أن ننأى بأنفسنا عن الخطأ، و إنما في ان لا تـشتـغل آليات التـفكير العقلاني في تحديد الأخطاء و الارتـقاء من خلالها إلى تـفكير أرقى في مسار الروح. حين ينجح العقل في تجاوز الخطأ فان الخطأ بدوره يغدو حقيقة بمعنى كونه لحظة ضرورية للارتـقاء إلى الأعلى و الأرفع المتجاوز . و إن كل غباء مأتاه ليس في عـدم التـفكير فقط و إنما في تـثبيت الوعي أو الفكرة و بالتالي الدخول في دائرة العبثية الواقعية و الاجدوى. ان تلك العملية ما هي إلا أصنمة للوعي و تحجير للأفكار و انحباس للذات عن الفعل في الواقع. لذلك فان الاشتغال النظري ضروري جدا، و لعل المهزلة الكبرى التي تمكنت الإيديولوجية المتصلبة الميتة سريريا من إنتاجها هي مقولة ان الخطأ في التطبيق و ليس في النظري.
معلوم ان التطبيقات هي بدورها ليست الأساس النظري الذي تولدت عنه، و إنما هي تأويل معين. هذا التأويل هو اشتغال نظري كذلك. و الحال ان المسالة بـرمتها هي الصفعة المدوية التي تـلـقتها جميع الأحزاب السياسية بقيام الثورة خارج عباءاتهم. إنهم يتـلهـفـون و يتـقـافـزون إما لاحتكار الثورة أو الادعاء أنهم هم صانعـوها أو في اضعف الحالات هم المعبرون عنها. الصفعة التي ينتجها الواقع الآن ان أي كان من الهيكليات السياسية لم يرتـقي بعـد إلى تمثيل الثورة و التعبير عنها. لو وجد هذا الهيكل السياسي لاكتـسح البلد. أما الواقع الذي لا يخفى على أي امرئ لا يتعامى بفعل اللجام الذي يمنع عـينيه من التـنـقـل بحرية بين المناظر، فانه يعرب عن كفره بالسياسي الحالي الموجود. ذاك ان الوضع السياسي برمته يشهد عـقما لا مثيل له.
و ليس من ابتداع للتهجمات حين نصف حكما عاما يصف السياسيـين بالانتهازيـين و أنهم يتكلمون بمختـلف الأسماء و الكلمات لا لغاية إلا السلطة و الثروة. و لعله من عجائب اللغة العربية أن تكون الثورة و الثروة ذات اشتـقاق واحد و كأنهما يعبران عن نـفس الفكرة. فالثورة من اجل الثروة كما ان الثروة تـنـتج ثورة. لكن الثروة هنا ليست مادية فقط و إنما معنوية. أي تحقق يقظة فكرية عامة إضافة إلى تنامي معين للحالة الاقتصادية مما من شانه ان يخلق ثورة. فالثورة البلشفية مثلا سبقتها عملية استـنهاض ثـقافي كبير تمثل في إنتاج الرواية و المسرح، إضافة إلى استـنهاض القيصرية لمفهوم بناء روسيا حديثة و لعل أبرزهم القيصر "ايفان الرهيب" الذي بنا السفن و خلق بنية الإنتاج الصناعي الروسي. أي ان توقد روح الارتـقاء هي التي تـنـتج ثورة و ما الثورة إلا رؤية مخالفة للسلطة القائمة في الارتـقاء بالوطن.
و في تونس مثـلما ذكر الكاتب التونسي "سالم بن حسين"، فان التـنمية الاقـتصادية التي أنجزها النظام السابق كانت من أهم عوامل الثورة. جاءت الثورة لتعبر عن ارتـفاع الحالة الروحية العامة للشعب مقارنة بالسلطة التي غـدت متخـلفة عنه.
السؤال الذي من المفترض ان نطرحه هو عن كنه هذه الحالة الروحية أو الوعي الجديد العام الكلي. هل الوعي العام يـريد دكتاتورية البروليتاريا و الماركسية اللينينية و الديمقراطية الشعبية التي تحصر النـقـد داخل الحزب و بشروط معينة و في حدود معينة ، أي بصورة أخرى لا ديمقراطية و لا حرية و لا نقد و لا هم يحزنون؟؟
هل الوعي العام يريد ارتـداء الجبة و إطلاق اللحية و حجب النساء، و هل تساءل عن الهوية ليطلب هوية إسلامية أو عربية إسلامية. هل هذا الوعي يريد خلافة إسلامية أو دولة عربية واحدة؟
هل الوعي العام يريد إرجاع بورقيبة إلى الحكم و حمله على الأكتاف و إعادة تماثيله إلى الساحات؟
هل هذا الوعي العام يريد ان تكون تونس مثل سويسرا أو بلجيكا ؟
لماذا تـدفـق آلاف الشباب الذي بدوره كان عنصرا فاعلا في الانـتـفاضة أو الثورة على أوربا في ما يسمى بالهجرة غير الشرعية مباشرة اثر إزاحة بن علي، و ضعف الدولة و انحسار البوليس عن الفضاء العام؟ هل هو خوف من الآتي أم هو انتهاز الفرصة لمعانـقـة الحلم و تحـقيقه في الواقع و الذي هو العيش في الجنة الأرضية أوربا؟ أوربا هذه الآلهة اليونانية رائعة الجمال. هذا المعطى الفني الخلاب..
لنـتـساءل أي من هذه الأسئلة إلحاحا و انـتـشارا في العقول. أليس من الواضح ان التونسيـين قد بلغوا مرحلة من الوعي التي أجازوا فيها لأنفسهم ان يكونوا أوربا؟ أليس من اتـفاق عام مخاتـل و منافـق أحيانا و مراوغ و صريح أحيانا أخرى و هو أن نكون مثل أوربا؟ فمن الحكومة إلى ابسط عامل في النجارة أو الحدادة فأوربا هي النموذج الذي يحتـذى. ان النموذج مثلما يحتـذى في جزئية معينة فانه كذلك في جزئية أخرى، و بالتالي فان الوعي العام متمثل لأوربا و يريد أن يكونها ككل.
جماعة النهضة الإسلامية في المجلس التأسيسي كانوا إذا أرادوا إحراج بقية الأطراف فإنهم يقولون ان في أوربا أحزابا مسيحية، و ان الديمقراطية البريطانية كذا و كذا، و غيرها من الاستـشهادات التي بـقـدر ما تعبر عن الاستعمال السياسي المراوغ بـقـدر ما تعبر كذلك عن تمثل أوربا كنموذج و ان كانت الايديولجية الرسمية التي تـؤسس للقبـيلة الحـزبـية في أدبياتها تعتبر ان أوربا ديار كفر..
و الآن ما نشهده من فضائح فساد، و شراسة أمنية بين الحين و الآخر، و نموذج سلطوي لا يعطي صورة المتـقـشف الوظيفي في خدمة الدولة، و إدارة متخلفة و معرقلة، و قوانين بائسة لازالت سارية و التي تـنـتهك حرية الأشخاص، و خوف حكومي من الموسيقى في الشارع، و جعل قضية الشاذين جنسيا قضية وطنية تسيطر على منابر الإعلام، و عدم وجود خطاب مكثف. اليس كل هذا متناقضا مع الكل المراد تجسيده في الواقع؟
و لكن بالنسبة لهيكلية سياسية معارضة، فانه ليس الأجدى لها أن تلاحق هذه الملفات الجزئية بقدر الاهتمام ببناء نظري جديد يكون مرتبطا بالروح الكلية التونسية التي وصفناها. فالمسالة تتطلب فكرا سياسيا منـفتحا يستوعب اللحظة الكلية برمتها. حينئذ فان صورة السياسي المنافق المخاتل المخادع من اجل السلطة ستـنمحي.
هناك مقولة أساسية هي الحرية. الحرية بكل تـشكلاتها و محمولاتها. الحرية في إطار سياسي أي شكل و منهج حكم. هذه الحرية لا تعني تـقسيم الشعب بين بروليتاريا غير موجودة في تونس الآن بالتوصيف الماركسي و بورجوازية غير موجودة و بالتالي نظرية عـقيمة تـتحامل على نـفـسها و على الواقع و لا يحرك قواعـدها سوى الحـقـد الطبقي المقـدس لـديهم. نظرية للتونسيـين جميعا كأحرار لهم نزعة ان يجعلوا من تونس مثل "سويسرا".
لا يقتصر الأمر على بعض الحلول الاقـتصادية، و التـزيي بالاحتجاجات الشعبية لا يجدي نفعا لأنه يجعل منك في مرمى المحرض على الشغب. يستلزم الأمر قبل كل شيء النظر بجـدية إلى روعة ان يوجد هيكل سياسي من المثـقـفين، و ان يكون مسيـرهم هو حكم الحكماء و أشباه الفلاسفة للبلاد. هذا ما يستدعي فعـليا الارتـقاء بالوعي نحو اللحظة التاريخية بمعارفها الجديدة و نظرياتها الجديدة. إن الأمر يستدعي حركة إبداعية فكرية سياسية و ليس عملا سياسيا غـريـزيا قطيعيا اقصائيا. و حين تصف نفسك بالوضوح فالرجاء أن تكون واضحا بالفعل و ليس مجرد ادعاء..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النوايا السياسية السيئة
- -القصة الخفية للثورة التونسية-
- كيف نكون الله؟
- البعث العراقي الى اين؟
- يسارية الاحرف الاربع
- رد على مقال يتهافت على الرسول محمد
- هل مازالت فلسطين القضية المركزية؟
- للأرض أنثى الأنوار
- النفاق الاوربي في التعاطي مع الارهاب
- الشعور الديني بين الإغتراب و الإنسجام
- عبثية إرادة قتل الله
- سقوط البعث
- سوريا الى اين ؟
- المرأة التونسية تقدم الجديد لليوم العالمي للمرأة
- قتل -الاسلام او القتل- في تونس
- بين الإهانة للمقاومة و مقاومة الإهانة
- -ميشيل عفلق- و الثورة العربية
- الله و الإيروس
- فقدان المناعة السياسية في تونس
- أي نار لأدخنة تونس


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - المفقدود سياسيا في تونس