أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - كيف نكون الله؟















المزيد.....

كيف نكون الله؟


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5130 - 2016 / 4 / 11 - 02:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفلسفة منذ "سقراط" الذي حكم عليه المجمع الوثـني اليوناني بتجرع السم و الى اليوم اي مسيرة ما يتجاوز الالفي عام، هي بشكل واضح في حالة عداء مع السلطة، السلطة بما هي تكريس للواقع القائم. فالفلسفة هي التـفكير في اظهار ابتـذال الموجود لغاية وجود عقلي حقيقي تكون الحياة الانسانية جديرة به. من هنا الصقت بها على الدوام تهمة الزندقة و الالحاد. فسقراط تهمته افساد الشباب. التهمة الحقيقية طبعا هي افساد القـناعة العامة بالوضع القائم.
فأي وضع قائم هو بالضرورة ما هو إلا انتاج لعلاقات سيطرة مقبولة. هذه السيطرة ليست مادية او قانونية او اقتصادية. انها في جوهرها و بالأساس سيطرة على العقول التي ترضى بالوضع القائم و تعتبره لصالحها برغم كونه في غير صالحها و ذلك نتاج عدم انفتاح العقل على تصورات اخرى مستـقبلية. اكثر ما يخيف الانسان هو المجهول.
ألم يقف ابو سفيان على قبر حمزة و قال : "لقد حاربناك في امر عاد إلينا". لكنه عاد اليهم بشكل اكثر تطورا و اكثر منافع معنويا و ماديا. فشتان بين وضعية بني امية في مكة او بين العرب قبل الإسلام و بين وضعهم بعده حيث اسسوا اول دولة اسلامية هي إمبراطورية و الفارق شاسع جدا سواء من حيث السلطة الفعلية الدكتاتورية التي اصبحوا يمتلكونها بينما كانوا قبل الاسلام سلطة محدودة بإطار التعددية القبائلية و العشائرية في نظام شبه جمهوري، او من حيث ممتلكاتهم التي اصبحت مهولة ليس في نطاق بعض الإبل و انما اراضي و ضيعات و اموال طائلة من العراق و فارس و مصر و المغرب العربي. لقد كانوا اشد من حارب الرسول محمد و اتباعه و اصبحوا اكثر المستـفيدين من الثورة التي هي فكرية اساسا و حاملها الجوهري عقلي اي لغوي و هو القرآن.
و المعنى هنا ان العقل لو ارشدهم من قبل الى الصورة المستـقـبلية التي تـتمخض عن الثورة المحمدية لما كانوا قد حاربوه. انه قصر التـفكير و الخوف من المجهول. لكن في نفس الوقت لولا مقاومتهم الشرسة للدين الجديد لما اسست تلك الثورة نفسها بقوة و عمق. فكل ثورة بقدر المها و تضحياتها بقدر انغراسها في الارض. البذرة تموت في الارض لتـنـتج شجرة فوقها.
فانظر الى ما قاله سبينوزا الفيلسوف الهولندي اليهودي الذي تم طرده من المجمع اليهودي باعتباره كافرا:
" الانسان يكون في حالة عبودية مادام خاضعا للمؤثرات و الاسباب الخارجية. و هذا يسري في الواقع على كل شيء متـناه. و لكن بقدر ما يستطيع الانسان تحقيق الوحدة مع الله، لا يعود خاضعا لهذه المؤثرات، لان الكون في مجموعه لا يخضع لتحكم شيء".
و بما ان عقل الانسان عند "سبينوزا" هو جزء من العقل الكلي، فان الحرية المطلقة تـتحقـق بعد الموت بالنسبة للعقول التي تمرنت من نشدان المطلق بالمعرفة. لذلك تم طرده من الدين اليهودي. لان اي دين يتحول الى وضع قائم تـتحكم فيه هياكل معينة و يستـفيد منه طبقات معينة و يدخل في الدنيوي بما هو سلطوي و مالي و ثروة و مصالح، فانه يغدو بوقا يدعو الى الله بينما هو في الحقيقة يدعو الى تـثبـيت المصالح و المنافع القائمة التي تحكم نسجها بفضل المفاهيم الدينية التي يحرسها رجال الدين باسم حراسة وجه الله في الارض. و حين يتحول الله من اطلاقيته و حمايته هو للبشر الى كون بعض البشر يحمونه فانه في الحقيقة يموت في القلوب و لا يعيش إلا على ضفاف الالسنة التي ما هي جلد الطبل الذي يحدث صوتا نتاج متن فارغ. اي هنا انك امام المؤمنين الامؤمنين. فاليس غريبا ان يتحول الله الى حجاب على راس امرأة او نقاب او جبة شيخ او لحية او صومعة؟
و حين يخرق الفيلسوف المفاهيم الحسية نحو المفاهيم العقلية فانه بذلك يهدم اسس الوضع القائم. فأن يتأسس اللذوي الاخروي على عشق الحرية المطلقة بالعقل و تطور العقل بالمعرفة الحرة بما هي مستـقلة عن الخضوع للمؤثرات الخارجية اي ما يطرحه عليك الوعي العام او السلطة او الحاجات المادية، فانك تسير في خط ان تكون نفسك بحق لأنه ان تكون نفسك هو ان تتحد بالله. الاتحاد بالله لا يمكن ابدا ان يكون بعقل فارغ متكلس بهيمي لأنه لا يكون عقلا بذلك، و انما بعقل مفكر شغوف على المعرفة الحرة بحرية.
تخيل ان تكون نسبة غالبة من المجتمع تسير على هذا الخط. تخيل فكر سياسي يسير على هذا المنوال الحر اي دون حسابات ضيقة عقيمة. تخيل اعلاما حرا بحق و ليس خاضعا للمال و لشبكات الفساد و الافساد. تخيل رجال اعمال مبدعين يفكرون بهذه الطريقة الحرة بحيث يفعلون ما يعشقون و بالتالي يبدعون في اطار ايمان بالكلي الذي هو الله و ايمان حقيقي بالكلي بما هو وطن. تخيل ان ينزع الجميع نحو تجاوز الوضع القائم نحو وضع جديد على اساس المعرفة و على اساس البحث الحر و المستـقل عن المخاوف و المتحد بالضرورة مع الجمال و الخير و الحقيقة.. انها مقولات فلسفية. صحيح و لكنها ليست مقولات مثلما يروج عن الفلسفة انها بعيدة عن الواقع، و لكنها مقولات تتجه الى بناء واقع حقيقي عقلي منسجم. واقع راسخ و صلب و قوي. اي اذا اردنا اخذ مثال عيني. دولة المانيا. برغم الدمار الشديد الذي لحق بها في الحرب العالمية الثانية إلا انها اليوم اكثر قوة في العالم رسوخا و صلابة. ذاك ان المانيا هي بلد الفلسفة.
و ما هي الفلسفة. انها الروح الحر العائـش. و انها تـتحقـق كواقع على اساس ما قاله "سبينوزا" مثلا:
" ان المرء بتوافقه اكثر فأكثر مع الكل، يكتسب قدرا مناظرا من الحرية. ذلك لان الحرية هي بعينها الاستـقلال، او التحكم الذاتي، و هو لا يصدق إلا على الله. و على هذا النحو نستطيع ان نحرر انفسنا من الخوف".
و بالتالي لا يمكن ابدا ان نبني دولة الحرية و المجتمع الحر و التـقـدمية و الازدهار و الجمال و الحضارة إلا اذا حررنا انفـسنا من الخوف. خوفنا من المجهول. خوف احدنا من الآخر. الخوف من العالم. هذا الخوف يزول بامتلاكنا لأنفـسنا الذي هو نتاج المعرفة و الوعي الحر الذي هو اتحاد بالكل. الكل كوطن في وجهه الملموس و الكل الذي هو الله الواحد الاحد كجوهر لانهائي مفارق عنا و هو نحن في نفس الوقت. نحن الجماعية و نحن الفردية. ألم يقل ربك في قرآنه ان الله اقرب اليك من حبل الوريد؟



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعث العراقي الى اين؟
- يسارية الاحرف الاربع
- رد على مقال يتهافت على الرسول محمد
- هل مازالت فلسطين القضية المركزية؟
- للأرض أنثى الأنوار
- النفاق الاوربي في التعاطي مع الارهاب
- الشعور الديني بين الإغتراب و الإنسجام
- عبثية إرادة قتل الله
- سقوط البعث
- سوريا الى اين ؟
- المرأة التونسية تقدم الجديد لليوم العالمي للمرأة
- قتل -الاسلام او القتل- في تونس
- بين الإهانة للمقاومة و مقاومة الإهانة
- -ميشيل عفلق- و الثورة العربية
- الله و الإيروس
- فقدان المناعة السياسية في تونس
- أي نار لأدخنة تونس
- مجتمع الاصنام
- بين أبي و إبني
- بين -غاندي- و -شكري بالعيد-


المزيد.....




- إطلالتان أنيقتان لسكارليت جوهانسون خلال الترويج لفيلمها الجد ...
- 3 خيارات عسكرية محتملة قد يدرسها ترامب لضرب إيران.. ما هي وم ...
- فوقها جبل.. رسوم لفهم مدى تعقيد تحصينات منشأة فوردو بإيران و ...
- خامنئي يعيّن قائدا جديدا للقوات البرية بالحرس الثوري.. ماذا ...
- مصر.. السيسي يوافق على قرار البنك الأوروبي توسيع عملياته في ...
- بقائي لغروسي: خنت معاهدة حظر الانتشار النووي
- انطلاق أولى قوافل المساعدات العراقية إلى إيران (صور)
- مصر تحذر من تداعيات خطيرة للتصعيد بين إيران وإسرائيل
- أوباما يحذر من حكم استبدادي في الولايات المتحدة
- -روساتوم- تحذر من عواقب ضرب محطة -بوشهر- النووية الإيرانية


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - كيف نكون الله؟