رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5275 - 2016 / 9 / 4 - 12:10
المحور:
الادب والفن
الجنون في عالم مجنون
في قصص "الخراب"
نصري الصايغ
هذا الكتاب له مكانة خاصة عندي، فقد قرأته قبل أكثر من ثلاثين عاما، وعندما أعرته لأحد الأصدقاء ولم يعيده لي شعرت بأني فقد شيء هاما جدا، وبعد عملية بحث طويلة جدا استطعت الحصول على ثلاث نسخ منه، قدمت منها نسختين هديا للأصدقاء واحتفظت بنسخة لي، والتي اعدت قرأتها أكثر من مرة، فهو كتاب استثنائي يتحدث عن عالم العبث والجنون في عالم غير سوي، حيث يقتل الأخ أخاه، والعدو يحتل ثاني عاصمة عربية بعد القدس، وحكامنا في لهو ومتاع وحلا مما يجري، فهم يعيشون في عالم آخر وليس في المنطقة العربية.
تتكون المجموعة من "النهايات" التي تتحدث عن الشاعر مجنون، بمشاهد أقرب إلى الفانتازيا وتتجاوز المنطق، ومن "البدايات" التي تتحدث عن الوضع في لبنان أثناء الحرب الأهلية فيه،
في مثل هذا الوضع لا يمكن أن يكون للعقل السوي مكانا، ففي العالم المجنون لا بد من مواجهته بالجنون، بعين الأسلوب والطريقة التي يسير فيها، "نصري الصايغ" يتمرد على العقل والمنطق ويقدم لنا قصص مجنونه، فنجن اليد تتمرد على صاحبها وتتركه بلا يد، "ترك يده على الطاولة وحدها ووضع يده الثانية في جيب سترته وقبض بأصابعه عليها، مرت أصابعه فوق الجلد فلم تتحسس يده" ص11، يتعمد الكاتب أن يتحدث عن الشاعر وليس أي شخص آخر في هذه النهايات، لكي يعمق فكرة الجنون والتمرد التي يتسم بها هؤلاء الشعراء، فهم روح المجتمع ووسيلة كشف وتعرية الزيف في المجتمع.
يحدثنا في "الكلمات المتقاطعة" عن الشاعر الذي يبع نفسه للنظام فيكون بهذه الكيفية، "...: كان شاعرا كبيرا.
قال آخر: هذه نهاية الشعراء، الجنون أو الانتحار
وقال ثالث: لم يستطيعوا قتل جسده، لكنهم خربوه.
قالت واحدة: إنه قاتل محترف، يعرف كيف يقتل نفسه دون شفقة" ص14، بهذا الشكل اليائس يقدم لنا الكاتب صورة من يبيع نفسه للآخر، لكن الشاعر دائما يقدمنا إلى الأمام ويجعلنا نتجاوز العادي والمألوف، حتى في حالة الانكسار يتمرد على ذاته ويتقدم من جديد نحو الفضاء، من هنا نجده يتجاوز حالة الانكسار التي مر بها ويتقدم بها الشكل: "فسمع من الطرف الآخر صوتا يطلب منه "الكلمات المتقاطعة"
أقفل الهاتف، وأمسك بالورقة التي رسم عليها المربعات ومزقها بيديه ونتفها بأسنانه، ثم رماها من النافذة.
بعد قليل أخذ ورقة بيضاء ، وكتب عليها:
"إني استقيل"
ومضى إلى الشارع يبحث عن قبضة من هواء" ص16و17، احترام الشعراء يكون بهذا الشكل، فهم نبلاء حتى لو انكسروا، تراجعوا، فهم باستمرار يتقدموننا ويعلموننا كيف نكون.
وفي البدايات يتحدث عن الاستاذ المبدع الذي كان بهذا الوصف: "يومها انسحب بهدوء اكاديمي، وقال: الامانة تفرض على أن أضيء لا أن امسك السكين، ثم أن الفكر، رحلة طويلة، ومن اعتنق واحدة منها ، أحرقه نورها، فالحقيقة تشبه المذبح" ص95 كان هذا الرد من الاستاذ على الطلاب الذي قالوا عنه بأنه يتفق مع أرسطو عندما تكلم عنه، ثم قالوا عنه افلاطون عندما تحدث عنه، فكان هذا جوابه لهم.
المجموعة من منشورات مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانية 1990.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟