|
هدوء اللغة في ديوان -السروة آنستي- عيسى الرومي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5210 - 2016 / 7 / 1 - 05:26
المحور:
الادب والفن
هدوء اللغة في ديوان "السروة آنستي" عيسى الرومي في وضع متوتر وصاخب يقدم علينا الشاعر "عيسى الرومي" بهذا الديوان الذي يعد تمرد على الواقع، فليس من السهل على من يعيش ويشاهد الاحتلال وافعاله أن يتجاهل/يتجاوز/يقفز إلى عالم آخر، بعيد عن القتل والخراب والتشرد، أعتقد أهم ما يحسب لهذا الديوان اللغة الناعمة التي تمتع المتلقي وتبعده ـ بطريقة غير مباشرة ـ عن الاصوات الصاخبة التي تحيط بنا، إن كنت من فلسطين أو العراق أو سورية أو ليبيا أو اليمن، فكل هذه البلدان عزيزة علينا، ونحبها ونحرص عليها كما نحرص على وطننا فلسطين. المرأة والطبيعة، والغناء والكتابة، والتوجه إلى الخاق، كلها عناصر تخفف من وطأة الحال على الشاعر، وتجعله متزنا، هادئا، يستطع أن يكتب همومه بعيدا عن المباشرة أو الخطاب الدعائي أو الصوت العالي الصاخب، وهذا التناول من الشاعر لا بد أن ينعكس على المتلقي الذي لا بد أن يتأثر ايجابيا بلغة وفكرة النص. شاعرنا يستخدم بعض هذه العناصر، فيحدثنا عن المرأة بهذا الشكل: "...تأخرت عنك قليلا أسيدة الكائنات، جميعا فعذرا! علوت. وما كان غير الضياء حقولا وما كان غيره قنطرة واخضرار هنا وهناك حتى كأن السماوات مخضوضرة" ص10، التوجه إلى المرأة لا بد أن يرح المتلقي، فهي من تأخذه إلى عالم غير هذا العالم، وتمنحه اشياء لا يجدها إلا عندها فقط، كما أن اعطاءها صفات الطبيعة والكون يجعل/يوحي لكلا من المرأة والطبيعة بأنهما كيان واحد، أو شكلين بروح واحدة، وهذا الجمع يعد احدى سمات الديوان الذي نجد فيه العديد من هذا التزاوج والتوحد بين المرأة والطبيعية. ويقول في مقطع آخر: " تنامين وحدك وليل ليل وعيناك ليل يضيء الخلود/ وصمتك رائحة الأقحوان إذا ما انتشى بالضحى والصهيل وإني أتيت إليك أقول تنامين وحدك!" ص21، ايضا نجد العلاقة الجمعية بين المرأة الطبيعة والكون، فاستخدام لفظ "الضحى" في هذا المقطع وقبله لفظ "الضياء"، يشير إلى تعلق الشاعر بالآفق، بالفضاء الرحب والواضح والواسع، وهنا تجتمع ثلاثة عناصر تساهم في انتقال الشاعر والمتلقي من عالم القسوة إلى عالم آخر، عالم عليهما أن يسعيا إيه بكل جهد. فهو يستحق ذلك. وإذا ما أخذنا لفظ "السروة" المؤنث يتأكد لنا حالة التأثير التي تتركها الأنثى في الشاعر، وأيضا الطبيعة التي تنبت فيها هذه الانثى. العنصر الآخر الذي يرح/نا من الواقع هو الإيمان والتوجه إلى الخاق، وهذا الأمر وجدناه في أكثر من موضع في النص، منها: "...فسبحان من أظهره! ترابي! وأجبره ثم بين يدي خيره! وسبحان من عجله! ومن أخره!" ص17، هنا اشارة واضحة إلى أهمية وحيوية فكرة الإيمان في تخليصنا مما نحن فيه، وتحويلنا من السلبية إلى الايجابية. والتأثير الديني كان حاضرا في هذا المقطع: "في الجهة الرابعة الشاعر يحمل جثته، جثتها جثتها ليست في الأحياء وليست في الأموات. ويهجس: لو أن لي غرابا يهديني! فأتاه غراب، أبيض، يبحث في القلب.... غراب! وانكسرت سروته" ص86 و87، رغم قسوة المشهد وما فيه من الفاظ قاسية "جثه، جثتها" إلا أن الشاعر يستخدم قصة دينية تخفف من حده التوتر عند المتلقي، قصة هابيل وقابيل والغراب، وكأنه يدعونا إلى التريث/التفكير/تهدئة الحال، لأن ما سيحدث سيكون قاسيا على طرفي النزاع، بهذا الشكل يقدم لنا الشاعر دعوته لتجاوز الخلاف والعفو والصفح، والتعامل بروية وهدوء مع أي خلاف. الدعوة/الفكرة الدينية لم تقتصر على الدين الإسلامي وحسب، بل نجد الشاعر يستخدم الفكر الديني المسيحي للحد/لإيقاف مشهد القتل والخراب الحاصل فيقول: "السروة في يوم الميلاد تضاء وأسمعها تصرخ: إني أصلب والأنوار مسامير في جسدي وصليبي كون مفتوح أسمعها، ثانية، تصرخ: يحتفلون بيوم الميلاد، ولا يحتفلون بيوم الصلب!" ص59، ينقلنا الشاعر إلى أكبر وأعظم عملية قتل حدثت في التاريخ، قتل/صلب المسيح، وكأنه بهذا الصلب يجعلنا نعيد تفكيرنا بعظمة الجريمة التي تقترف بحق الابرياء، المظلومين، وضرورة أن نقف معهم ونرفع عنهم الظلم الذي لحق بهم، وجاء التركيز/الدعوة على ضرورة الاحتفال بالصلب وليس بالميلاد، جاء منسجما مع الواقع المؤلم الذي تعيشه المنطقة العربية، وكتأكيد على تفشى واستفحال الخراب والموت والظلم، وهنا دعوة ـ غير مباشرة من الشاعر لتوقف هذا الأمر والتقدم إلى الأمام نحو الحياة، نحو الميلاد الذي سيكون بالتأكد بعد يقيننا بخطأ اقتراف الصلب/الظلم. هناك تأثر بالقرآن الكريم يظهر لنا من خلال ما جاء في الديوان من خلال سرد قصة هابيل وقابيل والغراب، ونجد أيضا تأثر بألفاظ من خلال هذا المقطع: "..وعاد إلى سريته الأولى" ص40 "...سرا وعلانية" ص49، وهذا يبين تأثر الشاعر بالقرآن ودعوته للمتلقي للنهل من ذلك الكتاب الحكيم. التوحد بين الرجل والأنثى، بين الرجل والطبيعة، بين الشاعر وهي، جاء في أكثر من مقطع: "نام الشاعر والسروة! نام، وقوفا... في الحلم السروة صارت آنسة والشاعر سروتها" ص71 "سهر الشاعر والسروة قبل دخول النوم بخمس ثوان صار الشاعر سروته والسروة صارت شاعرها" ص73، التوحد والتماهي بين هو وهي، بين الطبيعة والأنثى والشاعر، كلها تخدم فكرة التقدم من المرأة والطبيعة وأهمية هذا التقدم في خروج/نا مما نحن فيه، ويعطي هذا الاستخدام فكرة ضرورة التلاقي مع فكرة/دعوة الشاعر الذي أكد لنا من خلال توحده/تماهيه مع الطبيعة/المرأة على ضرورة الابتعاد عن "صلب" المظلومين/الآخرين. هناك قصة شعرية في المقطع 16، صفحة 53 -55، تبين قدرة الشاعر على السرد، فهذا المقطع يكاد أن يكون قصة للأطفال، تلائم منطقهم وتقدم لهم فكرة نبيلة، وتنمي فيهم الخيال والتفكير الايجابي. الديوان من منشورات فضاءات، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2016
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاختزال والتكثيف في مجموعة - نقوش في الذاكرة- شريف سمحان
-
الجغرافيا في ديوان -ليلة الخروج من الأندلس- نزيه خير
-
عطيل فلسطين في رواية -السفر إلى الجنة- وفاء عمران
-
حقيقة التاريخ في رواية -مسك الكفاية- باسم الخندقجي
-
الحرية والأمومة في مسرحية -المدعوة- فرانسوا دو كوريل
-
الطرح السياسي في رواية -فرسان الحرية- هشام عبد الرازق
-
حب المرأة في رواية -يافا- نبال قندس
-
تغير خرائط سايس بيكو
-
بحث تاريخي في كتاب -توازن النقائض- سليمان بشير
-
ثلاثة شخصيات ولغة واحد في رواية -عرافو السواد- داليا طه
-
التناسق والانسجام في مسرحية -وجهة سفر-
-
السخط في ديوان - الساعة الناقصة- فايز مقدسي
-
المرأة والرجل في رواية -امرأة للفصول الخمسة- ليلى الأطرش
-
الارهاب والفساد في رواية -ذاكرة الماء- واسيني الأعرج
-
انتصار المرأة في رواية -الحضارة أمي- إدريس الشرايبي
-
التجربة في رواية -المرآة مسيرة شمس- هديل الحساوي
-
تعدد القراءات في ديوان -عشق- حمودة الشايجي
-
السيرة المحفزة للمعرفة -رام الله التي هناك- محمود شقير
-
الكويت تنقذ جمهور القراء
-
-في اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية- ساطع الحصري
المزيد.....
-
كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
-
نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
-
صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
-
اللحظة التي تغير كل شيء
-
أبرزها قانون النفط والغاز ومراعاة التمثيل: ماذا يريد الكورد
...
-
-أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق
...
-
إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس
...
-
بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب
...
-
حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع
...
-
الأنثى البريئة
المزيد.....
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
المزيد.....
|