أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رائد الحواري - بحث تاريخي في كتاب -توازن النقائض- سليمان بشير















المزيد.....

بحث تاريخي في كتاب -توازن النقائض- سليمان بشير


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5191 - 2016 / 6 / 12 - 04:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بحث تاريخي في كتاب
"توازن النقائض"
سليمان بشير
ليس من السهل تناول تفاصيل التناقضات داخل المجتمع العربي الإسلامي، ولذلك لتشعباتها وتداخلاتها، لكن هذا الكتاب يجيب على العديد من التساؤلات التي كانت لا تجد اجوبة، أو كانت غامضة علينا، فيبدأ بالحديث عن تشكيل الممالك والدول حول منابع المياه، فيحدثنا عن مملكة الأنباط وكيف استطاعت تلك المملكة أن تزدهر في ظل وجود قوى عظمى محيطة بها، ثم ينتقل إلى مملكة تدمر التي استطاعت تهيمن على مناطق شاسعة من سوريا الطبيعية، وكيف عمل الرومان على القضاء عليها.
ثم ينقلنا إلى الحديث عن انعكاس الطبيعة على تفكير المجتمعات في المنطقة، وعلاقة الطبيعة بمسألة التقويم الشمسي والقمري، فالتقويم الشمسي كان يعمل به في المجتمعات الزراعية، حيث أنها تعتمد على أشهر محددة من السنة للقيام بالأعمال الفلاحة، بينما التقويم القمري عمل به في المجتمعات الرعوية، الصحراوية، حتى أن ذلك انعكس على الإلهة التي عبدتها تلك المجتمعات: "...حين تميل المجتمعات الفلاحية لعبادة الشمس التي تنضج الثمار وتأتي بالخصب والحصاد فإن المجتمعات الرعوية المتنقلة في الصحراء تحت الشمس المحرقة تعبد القمر والنجوم والينابيع والأشجار، ... لذلك فإننا نجد أن المجتمعات الرعوية تسير عادة حسب التقويم القمري وليس الشمسي كما في المجتمعات الفلاحية" ص 56، اعتقد بأن مثل هذا التفسير يبين قدرة الباحث على الخروج من المسلمات التاريخية التي فرضت على المتلقي، فهو يتجاوز تلك (الحقائق) ويقدم لنا رؤية جديدة معتمدة على العقل والتحليل.
ولسنا هنا في مجال الحديث عن صواب أو خطأ هذا التفسير إلا أنه يحسب للباحث الذي استند في تحليله على شواهد من تاريخ المنطقة، خاصة تاريخ الجزيرة العربية، ومنطقة مكة تحديدا، التي عبدت الإله هبل على أنه إله القمر." ص56
الجغرافيا ودورها في تشكيل المجتمع المكي
بعد هذا الحديث ينقلنا الكاتب إلى المجتمع المكي وكيف كانت القبائل تتقاسم الوظائف الاجتماعية والدينية والحربية فيها، وكيف لعب الموقع الجغرافي على تقوية مكانتها في ظل وجود معسكرين متخاصمين، "...أن الامبراطوريات المحيطة بالجزيرة كانت تقوم بحملات احتلال مباشرة لتك المراكز في حالة اختلال ذلك التوازن بالشكل الذي يهدد مصالحها، غير أن موقع مكة الجغرافي بعيدا عن متناول يد تلك الامبراطوريات حال دون قيام تلك الأخيرة بحسم مسألة التوازن في مصالحها ومكن مكة من المحافظة على شيء من الاستقلال النسبي في ظل بقاء ذلك التوازن" ص73، بهذا التحليل الذي يتحدث عن الفرس والروم، وطبيعة وجودهما في المنطقة، والطرق التي استخدماها في المحافظة على مصالهما، فكلا المعسكرين كان له حلفاء يعملون على تأمين مصالحه التجارية والحربية في المنطقة، فستخدم الفرس نفوذهم في اليمن وفي البحرين، بينما كان الرومان يستخدمون المناذرة في الصحراء السورية لتحقيق الحماية للمدن وللقوافل التجارية، كل هذا جعل من مكة منطقة مستقلة، وكأن الباحث يقول لنا بأننا في المنطقة العربية إذا ما ابتعدنا عن مصالح الآخرين نستطيع أن نحقق مصالحنا ونطور ذاتنا، وتاريخ المنطقة يشهد بذلك، فعندما كانت لممالك العربية تعمل لحساب الفرس والروم لم يكن للعرب، لشعوب المنطقة مكان فاعل، بل كانوا تبع للآخرين، وهذا ما جعل مكة تكون هي الباب الذي سيفتح للعرب ولشعوب المنطقة التحرر من هيمنة الآخرين.
ايران ومصالحها في المنطقة
وبما أن الحديث عن مصالح الآخرين قد فتح، فلا بأس من تناول ما يجري حاليا على الأرض في سورية والعراق، فعمليا بعد أن تم القضاء على الحكم الوطني في العراق من قبل الاحتلال الامريكي، والذي مهد لدخول وتغلغل النفوذ الايراني فيه، جعل منه تابع ومسير حسب مصالح إيران القومية، وليس حسب مصالح الشعب العراقي، فعملية التصفية والتهجير والتشريد، وتفريغ الأرض من السكان الذين لا يؤيدون ما تقوم به ايران في العراق، يعد ابادة جماعية، وعملية تغير ديمغرافي للعراق، فكلنا يعلم أن التعددية والتنوع يعد احدى سمات العراق في المنطقة، لكن إيران عملت على تغير هذه التنوع والتعدد وجعلته يحمل نوعا/لونا واحدا فقط، وهذا النوع /اللون يخدم مصالحها ويسير ويعمل حسب رغبات حكامها.
واستكمالا للحديث عن التاريخ وعلاقته بما يجري الأن في العراق نذكر بأن انهيار الحكم الوطني في بابل أيام حكم نبونئيد على يد الفرس جعل المنطقة بأسرها تخضع للحكم الفارسي وأن يستفحل فيها، بحيث كان هو السيد لأكثر من ألف عام، إلى أن جاء العرب من جديد وأعادوا الحكم الوطني للعراق، فهل نحن الأن في عصر الانهزامات الوطنية والقومية وبروز عصر الهيمنة والسيطرة غير الوطنية والقومية؟، اعتقد إذا لم نتقدم من جديد من مصالحنا القومية والوطنية فسنكون في مهب الريح.
إذن بروز مكة كقوية مستقلة عن مراكز القوى "الفرس والروم" جعل منها قوة وطنية قومية يمكنها أن تعمل حسب مصالحها وليس حسب مصالح الآخرين، وكتأكيد على وجود الحس لقومي عن سكان المنطقة وعدم قبولهم الخنوع لمصالح القوى العظمى يحدثنا الباحث عن معركة "ذي قار التي يقال أنها وقعت في أوائل القرن السابع والتي انهزمت فيها جيوش الفرس وحلفائهم أمام القبائل العربية" ص 75.
ويثر الباحث مسألة في غاية الأهمية عندما يبرز ما قامت به مكة/المدينة من انقلاب على القوى العظمى فيها، وعدم تطابقه مع مبدأ الصراع الطبقي الذي طرحه ماركس، فبقول: "..حول أيديولوجية أي مجتمع يشكل الدين الإسلامي يا ترى، هل هو أيديولوجية المجتمع التجاري المكي؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فما هو مكان العصبية القلبية فيه. وما موقفه من مسألة التمايز الطبقي؟ هل هو دين المساواة والاشتراكية؟ هل هو دين العقلاني؟ وما هو مكان التأمل اللاعقلاني والغيبي فيه؟" ص 76، أعتقد تكمن أهمية أي بحث في طرحة للأسئلة، والإجابة عن أسئلة مطروحة، وهنا يتفق هذا البحث مع تلك المسألة، الاجابة عن اسئلة وطرح اسئلة، وكأن الكاتب لا يتفق تماما مع طرح "حسين مروة" في كتبة "النزعات المادية في الحضارة العربية الإسلامية" ويقول بأن هناك مسائل أخرى يجب أخذها بالحسبان، غير تلك المعتمدة على الصراع الطبقي فقط.
الخلاف والنزاع بعد موت الرسول (ص)
بداية النزاعات على السلطة بدأت من موت الرسول (ص) واستمرت إلى نهاية الحكم العثماني وانهاء مسألة الخلافة الإسلامية بشكل كامل، فعلي بن أبي طالب والهاشميون "لم يبايعوا أبو بكر إلا بعد مضي ستة اشهر حين توفت فاطمة بنت الرسول وزوجة ابن عمه علي" ص101، وهذا يشير إلى أن هناك قناعة كانت موجودة عند علي بأحقه بالخلافة من الآخرين، ويستشهد الباحث بما جاء قاله المسعودي: "ولما بويع أبو بكر في يوم السقيفة وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة، خرج علي فقال: أفسدت علينا أمورنا، ولم تستشر ولم ترع لنا حقا. فقال أبو بكر: بلى، ولكني خشيت الفتنة" ص101، بهذه الفاتحة نكون أمام المعضلة التي واجهت الخلافة الإسلامية، فعلي يطالب بها، ويعتبرها حقا له وليس لسواه، ولكنه كان يراعي المصالحة العامة، ولم يجعل ذلك الحق محل نزاع وخلاف، بل فضل الصبر وعدم إثارة النزاعات داخل الخلافة حفاظا على وحدة العرب والمسلمين، وعندما حاول أبو سفيان، المشهور بحبه للسلطة، إثارة مطالبة علي بالخلافة والإحداث الشرخ داخل المجتمع العربي الإسلامي وجدنا علي يتخدر هذا الموقف: "لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول: أني لا أرى عجاجة لا يطفئها إلا دم، يا آل عبد مناف (الذين منهم بنو هاشم وبنو أمية) فيم أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الاذلان علي والعباس؟ ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟ ثم قال لعلي: أبسط يدك أبايعك. فول الله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا.. فزجره علي وقال: والله أنك ما أردت بهذا إلا الفتنة، وأنك والله طالما بغيت بالإسلام شرا. لا حاجة لنا في نصحك" ص103، بهذه الأخلاق والحنكة كان الأمام علي، فهو صاحب حق، ويتغاضى عن حقه في سبيل المصلحة العليا للدولة، للمسلمين، على النقيض من معاوية وعمرو بن العاص اللذين عملا على احدث شرخ وقسمة ونزاع وحرب بين العرب في سبيل السلطة.
دوافع الفتوحات خارج الجزيرة العربية
وبعد أن تم تسكين الموقف في مكة، أخذت الأمور في الجزيرة العربية تضطرب وتأخذ منحى آخر، فتعددت المطالبات بالخلافة، حتى أننا نجد من يدعي النبوة، وأنه صاحب الحق في الخلافة ممن هم في مكة، "ومن هؤلاء الأنبياء الكذبة الأسود بن كعب عوف العنسي زعيم عنس الذي ظهر في اليمن وسمى نفسه رحمان اليمن فتبعته قبائلها، بالإضافة إلى طلحة الأسدي ومسيلمة الكذاب فقد ظهر ذو التاج لقيط بن مالك الذي اتبعته قبائل الازد في عمان أيضا، كما ادعت النبوة سجاح بنت أوس (وقيل بنت الحرث) بن سويد وهي من بنيب حنظلة من تميم وكنيتها أم صادر، وتبعتها قوم من تميم وقوم أخوالها من بني تغلب، وكانت نهايتها أن قدمت على مسيلمة وهو بحجر من اليمامة فآمنت به وتزوجته" ص177، بهذا الكلام يتأكد لنا بأن طبيعة المجتمع القبلي في الجزيرة العربية مازالت فاعلة ومؤثرة في المجتمع، فعقلية القبلية هي المسيطرة والمهيمنة على العديد منهم، ولم يأخذ مفهوم الإسلام الموحد والمساوي بين الأفراد مكانته في نفوس تلك القبائل، من هنا وجدناها ترتد عن الإسلام وتتبع رؤساءها وشيوخها، مما جعل المركز في المدينة يأخذ قرار بضرورة إنهاء هذه الردة، وتقديم نافذة لها تستطيع من خلالها أن تنشغل عن مطالبتها بالسلطة، وأن تجد نفسها في مكان مقبول، فكانت الفتوحات الإسلامية للعراق وبلاد الشام ومصر، كمتنفس للضغط الذي شكلته القبائل على المركز في المدينة.
ويوضح لنا الباحث هذا الأمر قائلا: "انطلاقا من مبدأ حفظ التوازن عن طريق توسيع حلقة التنافس والصراع، فقد حتم أن يؤدي إعادة توحيد الجزيرة العربية إلى وجود طاقة عسكرية هائلة نتجت عن توقف الغارات القبلية وأخذت تبحث لها عن منفذ خارج الجزيرة العربية، لذلك من الممكن القول أن الفتوحات الإسلامية شكلت امتدادا تاريخيا لموجات الهجرة والغزو القبليين خارج حدود الجزيرة العربية، وهذه المرة بشكل منظم في إطار الجهاد والدعوة الإسلامية.... ومن الناحية الأخرى فإن الفتوحات الإسلامية لم تكن بالنسبة لتلك القبائل سوى استمرارا للغزوات التي كانت تشنها على أطراف الجزيرة وإسلامها أعطى تلك الغزوات طابع الفتح الشرعي فقط" ص 119، اعتقد بأن هذا التفسير الأقرب للعقل والمنطق، فهو يوضح طبيعة القبائل التي تبحث عن غزو جديد، وغنائم جديدة، ومكان للرعي وخضرة، أكثر مما تبحث عن فكرة نشر عقيدة جديدة، أو أن تلك العقلية القبلية توحدت مع فكرة نشر عقيدة جديدة، فكان لها النجاح في الوصول إلى أماكن جديدة وتثبيت أقدامها فيها، من خلال الدين الجديد.
تركيبة الجيوش العربية
لا يكتفي الباحث بهذا التحليل بل يقرنه ويؤكده بالواقع التاريخي للطبيعة تشكيل الجيوش العربية فيقول: "...ما روي عن أبي بكر أنه كان يستقبل وفود القبائل التي أتت إليه مسلمة ويعقد لها ألويتها ويسيرها إلى حدود العراق، ويقول البلاذري: "وأمر الأمراء أن يعقدوا لكل قبيلة لواء يكون فيهم" لذلك فإننا نرى أن أكثر أمراء الفتح الإسلامي على حدود العراق في تلك الفترة كانوا من زعماء القبائل التي كانت تغير على السواد قبل الإسلام" ص120، بهذا التوثيق يؤكد الباحث استنتاجه عن طبيعة ودوافع الفتح العربي للعراق تحديدا، فهو يحمل شيئا من نفسية وطبيعة العقلية القبلية التي لا تمكنها أن تستقر في مكان، وتبحث عن الغزو بشكل دائم.
بسرد لنا الكاتب ما قاله المغيرة بن شعبة لرستم الفارسي عندما سأله: "أنبوني ما جاء بكم من بلادكم، فأنا لا نرى لكم عددا ولا عدة، فقال له المغيرة: كنا قوما في شقاء وضلالة، فبعث الله فينا نبيا فهدانا الله به ورزقنا على يديه، فكان فيما رزقنا حبة زعموا أنها تنبت في هذه الأرض. فلما أكلنا منها وأطعمنا أهلنا قالوا: لا صبر لنا حتى تنزلونا هذه البلاد فنأكل هذه الحبة" ص122، الجمع بين فكرة الدين والخير الجديد في الأرض كانا هما الدافع وراء الفتح العربي، ولم يكن لأحدهما أن ينجح دون الآخر، وهذا القول أصدق قول قاله أحد قادة الفتح العربي، فهو ليس دينيا وحسب، بل هو دنيوي أيضا، ويحمل دوافع الخير الجديد، والخلاص من البؤس والشقاء الذي عاشه العربي في السابق.

الخلاف بين علي وعثمان
ما يجب أن ننتهي منه هو الخلاف الذي نشأ بين عثمان وعلي، وهنا المقصود ليس التغاضي عما حدث والهروب إلى الأمام، بل التوقف عند هذه الخلاف وتوضيح طبيعته والأسباب التي أدت إليه، لكي نكون عقلانيين وموضوعيين، ولكي نحسم مسألة ما زلنا ندفع ثمنها حتى هذه الساعة، إلا تكفي تلك الحرب التي بدأت منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة وما زالت مشتعلة حتى الآن وندفع ثمنها كل يوم، دماء ورجال وأوطان، أن ننهي أمرها إلى الأبد، وأن نضع القول الفصل فيها، وأن نصارح أنفسنا بأن هناك من كان منسجم مع مبادئه وهناك من يبحث عن السلطة، وأن الصورة الزاهية للدولة الإسلامية ما هي إلا مجرد وهم، وأن والوقائع والأحداث تشير إلى التباين بين السلوك الدولة والفكر الإسلامي، وأن علاقة الأفراد تختلف عن علاقة الدول.
الخلاف كان في بدايته على تقاسم المال، الثروة، "الصراعات على مستوى بطون قريش وحول حق الهاشميين في الخلافة بغياب تيار أبي بكر وعمر الوسطيين وعلى مستوى مظاهر البذخ التي نتجت عن تكدس أموال الأمصار في مكة والمدينة كوجه آخر لمركزة السلطة فيهما.
فكان أول المعترضين على هذه التكدس للأموال أبو ذر الغفاري، الذي رفض أن تستخدم كلمة "مال الله" بكل كلمة "مال المسلمين" مما دفع عثمان للقول له: "ما أكثر أذاك لي. غيب وجهك عني فقد آذيتني" ص 158، وبعد أن تم نفي أبي ذر عن المدينة ومات في منفاه، وخروج علي وأخاه عقل وابن عمه عبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر ذهبوا لتشيع أبي ذر وكان عثمان قد منع الناس من ذلك، ولما حاول مروان بن الحكم منعهم من ذلك ضرب علي ناقته بالسوط. ثم أن عليا قال عندما بلغه غضب عثمان "غضب الخيل على اللجم" ولما لامه عثمان على ذلك قال علي: "وأما أنا فو الله لئن شتمتني لاشتمك أنت بمثلها بما لا أكذب ولا أقول إلا حقا. فقال عثمان: ولم لا اشتمك إذا شتمته؟ فو الله ما أنت عندي بأفضل منه. فغضب علي بن أبي طالب وقال: ألي تقول هذا القول وبمروان تعدلني؟ فأنا والله أفضل منك وأبي أفضل من أبيك وأمي أفضل من أمك وهذه نبلي قد نثلتها وهلم فأقبل بنبلك. فغضب عثمان وأحمر وجهه فقام ودخل داره" ص 159، من لا يعترف بأن هناك خلاف حول المال وتقسيمه، يكن كمن يضع رأسه في الرمال، فالخلاف في الأصل كان حول توزيع الأموال، فعلي وجدناه يتحاشى الخوض في مسألة الخلافة وأحقيته بها عندما زجر أبو سفيان، لكنه هنا نجده يقف أمام الخليفة عثمان، ويفاتحه بضرورة احترام المعارضين لسياسة توزيع الأموال غير العادلة التي يتبعها عثمان، خاصة تلك المتعلقة بأهله من بني أمية.
ومن مظاهر السخط على ولاة عثمان ما قله الأشتر "مالك بن الحارث النخعي: "أتجعل ما أفاء الله علينا بظلال سيوفنا ومراكز رماحنا بستانا لك ولقومك" ص162، فهذه اشارة أخر تؤكد بأن توزيع المال كان أحد أهم عناصر الخلاف النزاع بين المتخاصمين على السلطة، وهنا نشير إلى توافق هذه السرد التاريخي مع نظرية الصراع الطبقي، التي تقول بأن الصراع المادي يتقدم على الصراع الفكري، وأن الصراع الفكري ما هو إلا ناتج عن الصراع المادي.
علي رجل دين ومعاوية رجل سياسة
وبعد مقتل عثمان ومطالبة معاوية بدمه، وهو يعلم علم اليقين بأن قول كلمة حق أراد بها باطل، ومبايعة علي خليفة للمسليين، وجدناه يقف موقف متشدد من عمال عثمان في الأمصال، حتى أنه رفض نصيحة أبن عمه عبد الله بن العباس حين طالبه بعدم عزلهم ،خاصة معاوية، " وأنا أشير عليك إلا ترد عمال عثمان عامك هذا فأكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم فإن بايعوا لك وأطمأن أمرك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت. فقلت له: والله لا أداهن في ديني ولا أعطي الرياء في أمري، قال: فأن كنت قد أبيت فانزع من شئت وترك معاوية فأن له جرأة وهو في أهل الشام مسموع منه ولك حجة في اثباته فقد كان عمر ولاه الشام كلها. فقلت له: لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبدا" ص 164، بهذا يتأكد لنا بأن علي لم يكن يتقن فن السياسة، وكان لا يفرق بين اصدار الحكم الشرعي/الديني/المبدئي/الأخلاقي والظروف السياسية، فهو رجل تربى على المصارحة والمجاهرة بما يجول في نفسه، فهو لا يعرف الدهاء أو الرياء أو المداهنة، يقول ما يؤمن به، ويعمل به، فهو رجل منسجم تماما بين ما يفكر به ويقوله ويعمله، من هنا وجدناه يفشل في العمل كرجل دولة، رجل سياسة، فالتربية التي نشأ عليها لم تكن تربية سياسية، بل تربية اخلاقية دينية، من هنا نجح كرجل دين/ كأمام للأمة، وفشل كرجل دولة، سياسي، على النقيض من خصمه معاوية، الذي تربى تربية سياسية، فنجح فيها، وأخفق كرجل ديني، أمام للأمة، فغالبية أعماله كانت تهدف للحفاظ على الحكم وتوريث ابنه أو بني قومه الخلافة، فكان له ما أراد
الكتاب بدون دار نشر، القدس 1978، وهو مجموعة محاضرات



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة شخصيات ولغة واحد في رواية -عرافو السواد- داليا طه
- التناسق والانسجام في مسرحية -وجهة سفر-
- السخط في ديوان - الساعة الناقصة- فايز مقدسي
- المرأة والرجل في رواية -امرأة للفصول الخمسة- ليلى الأطرش
- الارهاب والفساد في رواية -ذاكرة الماء- واسيني الأعرج
- انتصار المرأة في رواية -الحضارة أمي- إدريس الشرايبي
- التجربة في رواية -المرآة مسيرة شمس- هديل الحساوي
- تعدد القراءات في ديوان -عشق- حمودة الشايجي
- السيرة المحفزة للمعرفة -رام الله التي هناك- محمود شقير
- الكويت تنقذ جمهور القراء
- -في اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية- ساطع الحصري
- المعرفة بالشعر في ديوان -وسائد حجرية- مازن دويكات
- البداية المتسرعة في مجموعة -خارج الصورة- محمد المقادمة
- العنوان مفتاح المضمون في ديوان -ضجر الذئب- يوسف أبو لوز
- تأثير النت
- التراث الديني والشعبي في رواية -ملاك القرصة الأخيرة- سعيد نو ...
- توضيح حول كتاب -الحرب الأهلية في صدر الإسلام- عمر أبو النصر
- فرح
- تجاوز المألوف في ديوان -أحلام السنونوة- علاء الدين كاتبة
- عبث الفعل في ديوان -مقفى بالرماة- محمد لافي


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رائد الحواري - بحث تاريخي في كتاب -توازن النقائض- سليمان بشير