أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الشديدي - سانتا لوسيا والشعر الأسود الفاحم














المزيد.....

سانتا لوسيا والشعر الأسود الفاحم


سعد الشديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1404 - 2005 / 12 / 19 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


نهارات الشتاء الأسكندنافي معتمةٌ تتخللها الوحشة القاسية. تبحث فيها عن حزمة ضوء دافئةٍ فيضنيك البحث. ولكن الثلج الذي يتساقط في نهاية نوفمبر يكلل اغصان اشجار الأكاسيا العارية ويتجمعُ يماماً ابيض على اسطح المنازل المسقوفة بالقرميد النبيذي، فيضئ الدنيا بعد ان اظلمت.
هذا العام تأخر الثلج جداً. انتظرناه مرغمين. مارسنا طقوس الديانات الوثنية، تلك التي مارسها قبلنا سحرة الفايكنغ ليتحدوا مع الطبيعة الأم ويقنعوها بأن ترسل لنا ملائكة الثلج البيضاء النيّرة تصفق بأجنحتها على عالمٍ أظلمت طرقاته وغاباته. فأستجابت لنا الطبيعة أخيراً، ونزل الثلج من عليائه. بوقارٍ وبساطة لا متناهبة. فأشرقت لوجههِ شوارع مدن الشمال وطفقنا نسمع أصوات ضحكات الأطفال وضوضاءهم وهم يمارسون لعبتهم المفضلة: حرب كرات الثلج.
كل عام يتساقط التلج. وكل عام يلعب الأطفال في الشوارع وطرق الغابات الضيقة. وكلّ عام تدقّ سانت لوسيا الأبواب. حاملةً شموعها في بحرٍ من النور الغامر الذي يكلل شعرها الأسود، فيتصاعد وهجاً رغم ظلمات الشتاء ونهاراته القصيرة، ويكشفُ عن وجهٍ المرأة.. الأم... الآلهة... العاشقة... الشهيدة.
الظلمةُ وسانتا لوسيا ثنائيُ لا يفترق، ولا يمكن ان يفعل ذلك، في التقويم السويدي. فما ان يدخل الفصل البارد حتى تصحو القديسة من موتها الأزلي. تجمع الصبايا والفتيان حولها وتحمل شموعها وطبقاً من الكعك البني اللذيذ وكؤوساً من شرابٍ ساخنٍ معطرٍ بقطع القرنفل الزكيّ ممزوجاً بالزبيبِ واللوز. تدقّ الباب، ولا تنصرفَ حتى يُفتح. يتقدم من في البيت اليها واحداً بعد الآخر يأخذون بصمت قطعة الكعك ويشربون الكأس الساخن بينما تتصاعد أناشيد عيد الميلاد وأغاني السويديين الذين توارثوها عبر القرون. أهيَّ اغانيَّ أمْ تمائم تطرد شرور الأرواح القلقة العالقةِ بين الأرضِ والسماء؟
انها سانتا لوسيا، المرأة القادمة من الجنوب، المرتدية البياض. المتبوعة ابداً بجوقة المغنيين من الصبايا والفتيان.
الصبايا يرتدين الفساتين البيضاء الطويلة وعلى الخصور الفتّية تتدلى اشرطةٌ حمراء قانية معقودةٌ بعناية لتتدلى الى اليمين. واكاليل لامعة من الورق الأحمر والأبيض تزين الرؤوس والشعر الذي تجمعت عليه نتف الثلج فصار مثل عرفِ حصان سماوي جامح. أما الفتيان الذين لا يكادُ احدٌ يراهم رغم وجودهم في الجوقة فيحملون نجوماً فضية اللون ويقفون في مؤخرة السرب. ربما لأن سانتا لوسيا ترفضُ ان تقاسم يومها مع أحدٍ سوى بنات جنسها. المرأة.. الدفأ، تريد من الرجلَ ان يتنحى جانباً في هذا الفجر الرماديّ. أن يغني دون أن يسمعه أحد. أن يكون نجماً صغيراً في مجرتها المكتنزنة بالصوت واللون والرائحة.
هذا العام فاتني ان اقف خلف الباب منتظراً قدوم القديسة. كنت غارقاً في بغداد. في أخبارها وتفاصيل شوارعها وحملاتها الأنتخابية. ربما قرعت بابي وبقيت متسمرة مننظرةً ان افتح لها واتناول بصمت قطعة الكعك وأرشف قدح الشراب الساخن. هذا العام كانت بغداد ممتدةً في ظلالِ العوسجِ الذي أَنساني أن أمرأة الدفأ ستجئ فجراً وأن عليّ ان اصحو ككل عام لألوح لها مستعيداً حرارة الأنسان في المسام والشرايين. هل نسيتُ أم تناسيت؟؟
هل كنت منتظراً مجئ سانتا لوسيا الى شوارع بغداد الخالية من البشر والحياة بدل شوارع ستوكهولم التي تكدّس الثلج على أرصفتها؟ أعرف انها لن تجرأ على النزول بموكبها المقدّس الى ضفة دجلة. فقد يختبأ قنّاصٌ في غابة النخيل التي بدأ الموت الأصفر بغزوها شيئاً فشيئاً. وقد تقف سيارة مفخخة خلف احد الأبواب وتنفجر لتبعثر الشموع وتغتال الشعر الأسود الفاحم الذي يرتخي على كتفين أضاءهما الكبرياء.
هذا العام تبدلت الدنيا بعض الشئ... ككلّ عام. شئ واحد بقيّ على حاله: نظرة سانتا لوسيا الحالمة التي تذيب الثلج وتبعثُ الدفأ في اوصال العالم. عفواً... وشئ آخر: سماء بغداد.. التي ما زالت سوداء، كما كانت، حتى هذه اللحظة.



#سعد_الشديدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجنون يحكي .. وعاقل يسمع
- البوري رقم 2
- الأسلاميون والفخ الأمريكي
- وأبيع ريّا في المزاد
- ألمرجعية ولعبة السياسة
- مذكرات لقلق مصاب بأنفلونزا الطيور
- الصحافة الوطنية العراقية في خدمة الأرهاب؟!
- ريّا تعودُ اليومَ من موتِها
- الجامعة العربية تأتي متأخرة كالعادة
- رمضان العراقيين.. هلال بلون الدمّ
- شمس الدين: الحقيقة والأسطورة
- صورة دافئة من ألبوم عراقي
- كتيبة أمريكية تصممّ العلَم العراقي الجديد؟
- عثمان الأعظمي.. ألكاظمي.. العراقي
- تصبحون على أمان
- أغاني بابلية للموت العراقي
- دستور العراق.. أبو طبر جديد؟؟؟
- عراقنا المغدور ما بين الحجاب والسفور
- تصريحات الحكيم.. عشرة عصافير بحجر واحدة
- هل تدعم إيران الإرهاب السلفي في العراق؟


المزيد.....




- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...
- طبول الـ-ستيل بان-.. موسيقى برميل الزيت التي أدهشت البريطاني ...
- بين الذاكرة وما لم يروَ عن الثورة والانقسامات المجتمعية.. أي ...
- كيف نجح فيلم -فانتاستيك فور- في إعادة عالم -مارفل- إلى سكة ا ...
- مهرجان تورونتو يتراجع عن استبعاد فيلم إسرائيلي حول هجوم 7 أك ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الشديدي - سانتا لوسيا والشعر الأسود الفاحم