أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان غازي الرفاعي - النفس والجسد















المزيد.....

النفس والجسد


عدنان غازي الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 5175 - 2016 / 5 / 27 - 15:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


.. لنعد إلى النفس الإنسانيّة كذاتٍ تنتمي إلى عالم الوجود المخلوق غير المحسوس ، والتي تكون – حين وجودها خارج الجسد – غير خاضعةٍ لقوانين المكان والزمان ..
.. لقد بيّن القرآن الكريم أنّه حين الموت وفي المنام ، تكون الأنفس البشريّة خارج أجسادها المادّيّة ، لأنّ الله تعالى يكون قد توفَّاها ، وبالتالي استرجعها فأخرجها من العالم المحسوس المحكوم لقوانين المكان والزمان ، إلى عالم ما فوق المادّة والمكان والزمان ..
(( الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكَّرون )) [ الزمر : 42 ]
.. واضحٌ في هذه الآية الكريمة أنّ النفس البشريّة يتوفّاها الله تعالى في منامها ، وحين موتها ، فيسترجعها من عالم المادّة والمكان والزمان الذي تُسجن فيه في قفص الجسد ، إلى عالم ما فوق المادّة والمكان والزمان الذي أتت منه قبل حلولها في الجسد .. وواضحٌ في هذه الآية أنّ النفس التي لم تمتْ يُرسلها الله تعالى في جسدها حين اليقظة ، وفي هذا بيانٌ صريحٌ أنّ النفسَ هي الوعي والذات ، وهي الكيان المُمتَحَن في هذه الدنيا ، عبر سكنها في الجسد الحيِّ ..
فأصل الإنسان هو النفس المجرّدة عن عالم المادّة والمكان والزمان ، والتي تدخل عالم المادّة والمكان والزمان ، وتخضع لقوانينه عبر الجسد المادّي الحيِّ .. ولذلك فالخطاب القرآني الموجّه للإنسان ، هو خطابٌ موجّه – في الأصل – إلى النفس ، فالإنسانُ نفسٌ تُمتحنُ في وعاء الجسد ..
(( وهو الذي يتوفّاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمّى )) [ الأنعام : 60 ]
إنّنا نرى أنّ الخطابَ موجّهٌ إلى النفس الساكنة في الجسد .. فكلمة (( يتوفّاكم )) هي – كما نرى – خطابٌ للإنسان كنفسٍ مجرّدةٍ عن الجسد .. والصورة القرآنيّة التالية تُشير إلى هذه الحقيقة ..
(( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون ....... )) [ الأنعام : 93 ]
فالنفس الإنسانيّة هي الذات المُمتحنة في هذه الدنيا ، وهي التي ستُحاسَب في الآخرة
(( يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نفسها )) [ النحل : 111 ]
وقد بيّنا في النظريّة الثانية ( القدر ) أنّ الإنسان المُمتَحَن في الحياة الدنيا ، مكوَّنٌ من عنصرين هما النفس والجسد ..
الإنسان = نفس + جسد
.. إنّ النفس البشريّة هي التي تحسّ بالألم واللذّة ، وبوّاباتها إلى هذه الأحاسيس في عالم المادّة والمكان والزمان هي عناصر الجسد الحيّ .. وحينما تُغادر الجسدَ ، فإنّ لأحاسيسها بوّاباتٍ أُخرى غير هذه البوّابات الماديّة ، لأنّها تكون قد انتقلت إلى عالمٍ آخر غير مادّي ..
فأثناء أحلامنا في النوم نحسّ باللذّة والألم ، على الرغم من أنّ الجسد لم يتعرّض لأيِّ مؤثِّرٍ مادّيٍّ يؤدّي إلى تلك الأحاسيس .. وحين خضوعنا للتخدير الجراحي ، لا نحسّ بالألم على الرغم من تعرّض أجسادنا للعمل الجراحي ، وسبب ذلك أنّ أنفسنا كانت أثناء التخدير خارجَ أجسادنا ، وحين عودتها إلى هذه الأجساد بعد زوال تأثير مادّة التخدير ، يبدأ إحساس أنفسنا بالألم ..
.. إنّ ما نُريد قولَه هو أنّ النفسَ في المنام ترى دون آليّة العين الضوئيّة ، وتسمع دون آليّة الأذن السمعيّة ، وَ ....... ، وما نريد قولَه أيضاً أنّ تعرّض الآليّات الماديّة لأحاسيسنا ( أعضاء جسدنا ) للعمليّات الجراحيّة أثناء للتخدير ، لا يُرافقه ألمٌ ، لأنَّ أنفسَنا التي تحسّ بالألم تكون خارجَ أجسادِنا .. وكلُّ ذلك أدلّةٌ عقليّةٌ على أنّ النفسَ جوهرٌ غير مادّي ، وتتفاعل مع عالم المادّة والحسِّ عبر الجسد الحيِّ الذي تسكنه ..
.. وممّا يؤكِّد أنّ النفس مجرّدةٌ عن المادّة ، هو أنّنا أثناء النوم لا نحسّ بالزمان ولا بالمكان ..
.. إنّ الجسدَ الحيَّ بحياته ونبضه وحركة مكوّناته الداخليّة ، ليس أكثر من وعاءٍ للنفس ، وآليّةٍ ماديّةٍ لأحاسيسها في الدنيا .. والجسد يعمل – عبر الحركات الإراديّة – بأمر هذه النفس ، ويستجيب لشهواتها ورغباتها .. بالمقابل فإنّ النفسَ عندما تحلُّ في الجسد تُصبح محكومةً لإطار المادّة والمكان والزمان الذي ينتمي إليه الجسد .. فالعلاقة بين النفس والجسد تشبه – إلى درجةٍ ما – العلاقة بين السائل والوعاء الذي يحوي هذا السائل ، ففي حين أنّ السائل هو الذي يُعطي الوعاءَ قيمته الوظيفيّة ، فإنّ الوعاء يفرض على السائل شكلَه وتكوينَه داخل هذا الوعاء ..
.. ونحن لا ننكر – أبداً – العلاقة بين النفس والجسد ، فأثناء النوم تعود النفس إلى الجسد عند عتبة محدّدة من التأثير على هذا الجسد .. والتخدير الجراحي الذي يؤدِّي إلى إخراج النفس من الجسد ، هو مادّة نضعها في هذا الجسد ..
.. ولكنّ هذا لا يُلغي الانفصال التامّ بين النفس والجسد ، اللذين ينتميان إلى عالمين متمايزين ، لكلٍّ منهما خصوصيّته الخاصّة به ، هما عالم ما فوق المادّة والمكان والزمان ، وعالم المادّة والمكان والزمان ..

.. الزوجيّة بين النفس والجسد نراها تتجلّى في إدراكنا للأمور والأشياء في حياتنا ، عبر زوجين مختلفين من الإدراك ..
[ 1 ] – هناك مسائل نتصوّرها ككليّاتٍ مجرّدةٍ ، دون أن نستطيع تصوّر نقيضها ، ولا بأيِّ شكلٍ من الأشكال .. فعقلنا الذي يتصوّر الاثنين ( كرقمٍ مجرّدٍ عن أيّ جزئيّة مادّيّة ) أكبرَ من الواحد ، لا يمكنه تصوّر نقيض ذلك وهو أنّ الواحد أكبر من الاثنين ، وذلك في ساحة الكليّات المجرّدة عن الجزئيّات المادّيّة ..
.. هذا التصوّر يتبع – في النهاية – للنفس المجرّدة عن عالم الجزئيّات .. ولا يمكننا تصوّر هاتين المسألتين المتناقضتين إلاّ إذا أنزلناهما إلى عالم الجزئيّات ( عالم المادّة والمكان والزمان ) .. فالتفّاحة الكبيرة أكبر من تفّاحتين صغيرتين ..
.. ومن هذه الساحة ( ساحة الكليّات المجرّدة عن الجزئيّات المادّيّة ) التي تنتمي إليها النفس المجرّدة ، تنبع الإرادة التي يملكها الإنسان .. وقد رأينا في النظريّة الثانية ( القَدَر ) كيف أنّ تعلّق الإرادة بالنفس المجرّدة عن عالم المادّة والمكان والزمان ، يتجلّى في كتاب الله تعالى عبر عدم تعلّق مسألتين متناقضتين بإرادةٍ واحدة ..
.. أمّا إذا كانت المسألتان غير متناقضتين ، فمن الممكن عطفهما على إرادةٍ واحدة ..
.. وهكذا .. فالعقل المجرّد والإرادة ، يتبعان للنفس المجرّدة عن الجسد وعن عالم الجزئيّات المتناقضة ..
[ 2 ] – الجزئيّات المادّيّة نستطيع تصوّرَها وتصوّرَ نقيضِها في الوقت ذاته .. فتصوّرنا أنّ انخفاض درجة الحرارة يؤدّي إلى تقلّص أقطار الجسم ، لا يمنع من تصوّرنا نقيض ذلك ، وهو أنّ انخفاض درجة الحرارة يؤدّي إلى تمدّد أقطار الجسم ، فنحن نعلم أنّ الماء في الدرجة ( +4 ) مئويّة ، تبدأ أقطار جسمه بالتمدّد مع انخفاض درجة الحرارة ..
هذا التصوّرُ الذي يحمل المتناقضات في الوقت ذاته ، يتبع في النهاية إلى تفاعل النفس المجرّدة ( بعد حلولها في الجسد المادّيِّ الذي ينتمي إلى عالم المتناقضات ) مع عالم الجزئيّات الذي يحوي المتناقضات ، وهو ذاته التصوّر الذي أنزلناه من ساحة الكليّات المجرّدة إلى ساحة الجزئيّات المتناقضة ، حينما تصوّرنا التفّاحة الكبيرة أكبر من تفّاحتين صغيرتين ، بعد عجز تصوّرنا العقلي المجرّد في ساحة الكليّات عن تصوّر الواحد أكبر من الاثنين ..
وساحةُ الجزئيّات المتناقضة هذه هي – كما رأينا في النظريّة الثانية ( القدر ) – ذاتها ساحة المشيئة .. فقد رأينا كيف أنّه – في القرآن الكريم – من الممكن ارتباط المشيئة الواحدة بمسألتين متناقضتين ..
.. ولذلك عرّفنا المشيئة بأنّها : تفاعل الإرادة النابعة من النفس المجرّدة (( والتي تنتمي إلى ساحة الكليّات المجرّدة عن الجزئيّات المتناقضة )) مع الأسباب ( الجزئيّات المتناقضة ) في عالم المادّة والمكان والزمان ( عالم الجزئيّات ) .. وبالتالي فحمل المشيئة للمتناقضات في الوقت ذاته ، يتبع لعالم الأسباب ( عالم الجزئيّات ) الذي هو ساحة تفاعل هذه المشيئة ..
من كتاب : قصّة الوجود
من كتاب : قصّة الوجود



#عدنان_غازي_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يصح أن نقول أن الله تبارك وتعالى شيء ؟
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن ( 16)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن ( 14)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن ( 15)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (13)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (12)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (10)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (11)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (9)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (8)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (7)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (5 ) (الصابئون والص ...
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (5 )
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (6 )
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (4 )
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (3 )
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (2 )
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (1 )
- أكذوبة فرض الدين على الاخرين بالقوة (وقاتلوهم حتى لاتكون فتن ...
- دحض شبهة ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) .


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان غازي الرفاعي - النفس والجسد