عدنان غازي الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 10:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
. لنتابع الإبحار في أعماق كتاب الله تعالى ، من خلال نصٍّ جديد من النصوص التي توهَّم أعداء كتاب الله تعالى أنَّه مخالفٌ لقواعد اللغة .. .. وهذه الأمور اللغوية - لمن أراد الاستزادة - موجودة في بحث لي على موقعي ، بعنوان : [[ لمسات بيانية من كتاب الله تعالى ]] ، وموجودة أيضاً على موقعي بعنوان : [[ الردّ على شبهة وجود أخطاء لغويّة في القرآن الكريم ]] ..
.. اليوم سنقف عند قوله تعالى ..
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئــــونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }المائدة 69
.. هنا قال المشكِّكون بكتاب الله تعالى ، كان من المفترض أن ترد كلمة الصابئون منصوبة كما في الأية 62 من سورة البقرة
إنّ الذينَ آمنـوا والذين هادوا والنصارى والصابئين منْ آمنَ بالله واليوم الآخر وعمل صالحـا فلهم أجرُهم عندَ ربهم ـ[ 62 : البقـرة ]
==============================================================================
نبدأ اولا بقراءة السياق المحيط بالأية 62 من سورة البقرة
يقول الله تعالى :
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) )(((((((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)))))))) (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) [ البقرة / 58 : 64 ٍ]]
.. في هذا النص نرى أن السياق المحيط به يتحدث عن أحداث حدثت مع بني إسرائيل ومماحكتهم لموسى عليه السلام ... فهي تصور الأعمال التي قاموا بها والمخالفة للأوامر والنواهي .. لذلك نرى أنَّ العبارة السابقة مباشرة للآية الكريمة التي نريد دراستها تصور لنا هذه الحقيقة
ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) [ البقرة / 61 : 62 ]
.. فالمسألة مسألُة عمل ومماحكة ، وفي مسألة العمل نرى أن الصابئين شأنهم شأن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ، لذلك يدخلون في اسم (إنّ) ....((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ))....فكما نعلم كون المسألة داخلة في اسم (إنّ) أقوى من كونها مبتدأ دون الدخول في اسم ((اإنّ )) وهذا معلوم كون ((اإنّ)) تفيد التأكيد , فالمبتدأ وخبره حينما تدخل عليها (ان)) تزداد الدلالات قوة وتأثيــرا.. .. والصابئون هنا من حيث العمل يقعون في إطارٍ واحد مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى, لذلك يجمعون في اسم ((إنّ)) وبالتالي نراها منصوبة
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) [ البقرة / 61 : 62 ]
الان للنظر الى النص التالي في ســـورة المائدة
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) [ المائدة 65 / 70 ]
.. في هذا النص الكريم نرى أنَّ المسألة تتعلَّق بالعمل من زاوية الانتماء والتعلّق بالمنهج السماوي ، بمعنى العمل وفق مقتضيات المنهج السماوي ، والآية السابقة مباشرة للآية التي نحن بصدد دراستها تؤكِّد هذه الحقيقة ..
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
ولمّا كان تعلُّق الصابئين والنصارى بالأعمال الموجودة في المنهج السماوي أقل من ((الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا))) كون الصابئين والنصارى لا توجد عندهم الكثير من أحكام الشريعة السماوية كما هو حال (((الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا)) فان الصابئين والنصارى لم يردوا في هذا السياق القراني تحت اسم (((إنّ))) ...فكما قلنا ورود المسألة تحت اسم ((إنّ)) أقوى من ورودها مبتدأً دون اسم ((إنّ))) لذلك نرى أن العبارة القرأنية (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى))) هي ابتداء جديد مستقل عن اسم (إنّ)
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة
.. من هنا نرى الحكمة الإلهية العظيمة واعجازا في ورود كلمتي (((وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى))) مرفوعتين ، وليستا منصوبتين كما هو حال (( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا )) لأن العمل بالشريعة السماوية كأحكام مسطَّرة بين أيدي البشر هي أعلى عند (( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ) ولذلك نصبت العبارتان (( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا )) كاسم لإنَّ ، بينما (((وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى))) نرى أنَّ تعلُّقَهم بالعمل الشرعي الموجود بين أيدي البشر أقلُّ من الذين آمنوا والذين هادوا ، لذلك رفعتا على الابتداء ، ولم تؤكَّدا بإن .. ويأتي خبر إنَّ للجميع ، ليتعلَّق بالذين آمنوا والذين هادوا كخبر لاسم إنَّ ، وبالصابئين والنصارى كخبر لمبتدأ ..
.. وهذه المسألة شبيهة بالمسألة المحمولة بقوله تعالى ..
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله [ التوبة / 3 ]
.. فبالتأكيد براءة الله تعالى من المشركين هي براءة مطلقة ، وهي بالتأكيد أعلى من براءة رسوله من المشركين ، لذلك نرى أنَّ براءة الله تعالى - هنا - من المشركين جاءت مؤكدة ب (أن) (( أن الله بريء من المشركين))) بينما جاءت كلمة : ((ورسوله)) مبتدأً يقدر خبره ، بمعنى : ورسوُله بريءٌ من المشركين
#عدنان_غازي_الرفاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟