أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - قميص أحمر-بحر أزرق















المزيد.....

قميص أحمر-بحر أزرق


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 5078 - 2016 / 2 / 18 - 16:35
المحور: الادب والفن
    


قميص أحمر ،بحر أزرق
قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي
قبلَ الليلةِ الأخيرةِ في فندقِ السلطانِ محمد الخامس كانَ البحرُ يصطخبُ في رؤوسِنا جميعاً هيبةً وتعظيماً وهذا شأن كل عظيم، لوحةُ البحرِ فوقَ رأسيْ الطفلين الجالسين على الأريكة أمامي مباشرةً وفي رأسي حيث كنت مسترخياً على الكرسي المقابل وأمهم نائمة، غابَ البحرُ الذي في اللوحةِ عن قوسِ نظرهم وكان صاخباً كما رآهُ الرسامُ لكنه يبدو ذا زرقةٍ رائعةٍ في التلفازالذي اتخذ زاوية الغرفة مكاناً وراح يتدفق إلى عيني الطفلين ، أمامي على الأرض تمتد سجادة زرقاء ، الأزرق طاغٍ في المكان، مربعاتٌ من ورق الحائط المزغرف بالأسود على مساحةٍ زرقاء،باب الغرفة محاطٌ بإطارٍ من الكَرانيت الأزرق، أذعنَ البحرُ الذي فوق رؤوس الأطفال إلى جبروت الإطار الخشبي المصبوغ بلون القهوة ، فلم يتجاوز حدودَه، كلُّ شيءٍ أزرق حتى وجوه الأطفال، الأزرق يصفع العين أنى اتجهتْ ، جلودنا ازرقّتْ جرّاءَ بردٍ لم نعتدهُ، أمواجَ البحر تتلاطم تضربُ جنبات السفينة وأشرعتها البيض تنتفخ بالهواء مثل بطون الحُبالى ، تشعر برهبة البحر وجبروته حين ترى إلى السفينة وقد نشبت أظفار الموج بها من كل جانب لكنّ العين عندما تتابع الموجات وهي تتكسر على إطار اللوحة تشعر بالطمأنينة فتميل إلى فكرة أن الرسام قد بالغ في تصوير قسوة الأمواج وجبروت البحر وعندما يفعل الإطار ذلك يبدو طريق الهروب متاحا إلى العالم الآخر المترامي خلف البحر الذي دحرهُ إطارٌ من خشبٍ قاتم ، كان الأطفالُ الذين لم يروا البحر بعد فرحين بلقائه قبل أن يناموا قال الولد ذو التسعة أعوام:
- سأسبح في البحر مثل البط ، قالت البنت ذات الخمس سنين :
- أنا لا أجيد السباحة
وهكذا كان البحر،ليس أكثر من رغبة طفل في سباحةٍ على شاطئٍ رملي، رافقنا في الفندق على الجدار فوق رؤوسنا وفي عيوننا وعلى شفاهنا، البحرُ يستحوذ عليَّ مثل ساحرٍ جعل النوم يهوّم على عيني واستمر الليلُ ينتشرُ في رأسيَ النائمِ مرسلاً فيه البحرالمديد وكنا هناك، حضر صاحب الزورق مثل عفريت المصباح وحدد الموعد، كل شيءٍ مريب حين يتحرك في الليل، الليلُ يعرف مخلوقاته سمعتهُ يقول :
-تخففوا من الأحمال ولا تجلبوا معكم إلا أوراقكم ، حقيبة صغيرة واحدة لا غير ، إلبسوا كل ماتستطيعون من ملابس ثقيلة ، برد البحر شديد في الليل ،لازالت لوحة البحر في الفندق تتجولُ في خيالي وفي وقتٍ ما تحرك كل شيء في اللوحة ،انبثق البحر واختفى الجدارفدلفنا جميعا إلى البحر ، اهتزت الأرض التي بمحاذاة البحرفي عينيّ، ربما كنا في الزورق و من المحتمل أن تحصل هزات أرضية في هذه الأصقاع،الزورقُ بضعةُ أمتار من البلاستك المنفوخ، بحر إيجة يمتد أمام النظر كائناً أسودَ مهولاً ، لم يكذب الرسام ، البحر صاخبٌ في النهار وفي الليل هادئٌ وسيبحر زورقنا المنفوخ رهواً فوق ماء إيجة، الليلُ والنهار يتناوبان في رأسي ، كانت أمواج البحر الخضر تلتطم نهاراً فيصدها إطار اللوحة ومن بين ضجيج الأمواج أسمع الرسام ينشج ،ربما ابتلع بحرُ لوحتهِ حبيباً فأحزنه ، شعرتُ ببلل دموعه أو ربما كان ذلك صوت الفرشاة ورذاذ البحر المتطايرمنها فلربما كان يواصل رسمها وكنا فيها دون علمهِ ، في وسط البحر كان الظلام دامسا لا يحده حد وليس له إطار، الصمت أطبق على الجميع حتى سائق الزورق لا تسمع غير حشرجة المحرك القابع في مؤخرة الزورق بينما كانت سفينة اللوحة تترنح بدا الزورق المنفوخ أمامها مثل مراهق يتطاول على كهل مفتول العضل، موحشٌ هوالبحر يملأ النفوس بالريب والترقب ، كنا نتكومُ ملتصقين ببعضنا وكأننا نسلك الطريق خلسةً خوفا من شيءٍ ما، الآن فهمت لمَ يعلقون صورا للبحر في الفنادق ربما لاسترضائه فهو غاضبٌ على الدوام ربما كانت تمائمَ لتجنب غضبه ،علاقة قديمة بين الإنسان والبحر، تتواشجُ تحت تهديد متجدد، الذاهبون الذين لا يعودون كثرٌ والناجون العائدون قلةٌ ومع ذلك أولئك ينزلون إلى البر ليضمدوا جراحهم، سرعان ما ينسون صخبهُ ثم يعودون كرة أخرى وكأنهم مخدرون، هم يعرفون تماما إن الذاهب ليس كالعائد ، صورة أخرى للبحر وهو هادئ، لحظة من فضلك أيها البحر لا تتحرك لألتقط لك صورةً فلحظات هدوءك نادرة،في فندق محمد الخامس اللوحة التي على الجدار، البحرُ فيها هائجٌ ، ربما كانت فرصةً أن يرسمه الرسام هادئا ولم يفعل ،في الحقيقة ليست هناك فرصة غيرها، البحر هائجٌ على الدوام ، هيجانه تحت هدوءه كقاطع طريقٍ يُخفي سلاحه تحت جلبابه وعندما استمرت أضلاع المربع المائل إلى الدكنة بالإنزياح حتى تلاشت وغمر البحرُ الجدارَ، غادرتُ الزمان والمكان في ثقبٍ لولبي ، لستُ في مكان ما كما لو أن أحدا لا يحسن وضع مؤخرته على الكرسي ليسقط في الفراغ ، ومن قعر الثقب اللولبي شعرتُ بحزنٍ شديد هل هناك ثمة سببٍ للحزن ، ألم نسعَ إلى ما نحن فيه هروبا من؟ ... والآن هل علينا أن نهرب ونهرب؟، هروبٌ يسلمنا إلى هروبٍ ، الآن إلى أين نهرب أيها البحر وأنت تحيط بنا، كنتَ وقوراً في لوحة الفندق ننظر إليك بعجب ، تمنينا أن نراك حيث لا إطار يحدك كما تخيلناك نحنُ الساكنون على ذيل الشطّ لم نر الماء إلا ضحضاحاً واهناً نخوضُ فيه بلا خوف لابدّ للدهشةِ أن تؤثثَ وجوهنا عندما نرى بحراً غاضباً، هذا هو البحر ورغم صخبه الماثل ورغم ما وضع الرسام من زبدٍ أبيض فوق رؤوس الأمواج ليمنحها بعض الوقار بيد أنها تبدو نزقةً ذات عرامةٍ واضحةٍ، العيونُ تصطدم دائما بإطار أسود أو بني داكن لم يكن هناك من فراغ ، وكنا نعرف إلى أين ترتد الأبصاروكنت أرى إلى الأطفال وأمهم والزرقةُ تغزو وجوههم وشفاههم، وهم عائمون على وجه الماء مثل أسماكٍ ميتةٍ ، الموج يأخذهم بعيدا ، أمهم فضلت أن لا ترى شيئا ، غطست بسرعة ، الماء يبدو مثل زيت غامق وثقيل ، تثقل أقدامي ، شيءٌ ما يسحبني إلى الأسفل ، ربما أمهم التي غاصت إلى العمق قبلي ، آآآآآه آآآآآه ، أنا أختنق ،
فتحتُ عيني كان الظلامُ دامساً وشيئا فشيئا رأيت اللوحةَ ما زالت معلقةً ، الأطفال نائمون وهم متقرفصون،أمهم تغرق ...تغرق في النوم .
في الصباح الباكرعلى الساحل قال سائق الزورق هذا بحر إيجة سنصل بعد ثلاثة أيام إذا وفقنا الله ، كان الهلع لا زال يعشعش في أعماقي إثر كابوس الليلة البارحة و اللوحة قد انسلّت إلى رأسي وذائقة ماء البحر المالح لازالت على لساني ، الأطفال وأمهم يرتجفون من البرد تسائلتُ: إلى أين نحنُ ذاهبون؟ وكان الجواب في داخلي ذا لونٍ قاتمٍ يمتد في المجهول، أبلغت سائق الزورق أنني عدلتُ عن الهجرة لظرفٍ طارئ وعليه أن يعيد إليَ مالي، رفض ذلك بشدة بحجة أن المال صار في جيوب أخرى ، استدرنا وعدنا إلى الفندق، كان التلفاز يبث صورة لغرقى متناثرين على رمل الشاطئ وكان كل شيء أزرق ماعدا قميص طفلٍ غريقٍ أحمر يكسر زرقة البحر، قبّلتُ طفليّ بفرح أحصيت ما بقي لي من نقود وكانت تكفي للعودة .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاتسأل الدار -قصيدة
- حلول - قصة قصيرة
- خيبة
- مرثية الليالي - قصيدة
- توجس - قصة قصيرة
- أمنيات - قصيدة
- صليل السلسلة -قصيدة
- ظنون- قصة قصيرة
- الحلمُ شرقاً -قصة قصيرة
- ستأتي يوما وأرحب بك
- العثور على بنجامين بقلم: عبد الفتاح المطلبي |
- خيط الأحلام الرفيع -قصة قصيرة
- يقظة - قصيدة
- حرب صغيرة - قصة قصيرة
- صحوة القلب
- خطأ فوق العادة - قصة قصيرة
- رفرفة - قصيدة
- فِخاخ
- إرث قديم - قصة قصيرة
- هُتاف -قصيدة


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - قميص أحمر-بحر أزرق