أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - درهم














المزيد.....

درهم


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5070 - 2016 / 2 / 9 - 03:33
المحور: الادب والفن
    


يُدعى " موحا "، سحنته سمراء وحزينة ـ كنبيّ من سلالة اسماعيل.
كلّ مساءٍ، كان يجتاز على قدميه المسافة الطويلة نوعاً، الفاصلة بين مكان عمله ومنزله. عند نهاية الدرب المنفتح على ساحة مسجد " الكتبية "، كان يجدُ المتسوّلَ العجوزَ على نفس الوضعيّة: متكوّماً على أعضائه النحيلة، ثمة على عتبة إحدى الفيلات، مكتسٍ ببرنسٍ بنيّ اللون. كلتا يديه، كانت تبدو آنئذٍ متقوّسة مع جسده. كأنما هيَ وضعيّةُ من يبغي الإستسلامَ لنسيم المساء، الربيعيّ.
" موحا "، لم يكن لديه أصدقاء تقريباً في هذه الحاضرة، الغريبة. أحياناً، يكون المقهى مكاناً مناسباً للقاء أحد زملاء العمل. بيْدَ أنّ من يعدّها خطيبته، كانت معتادة على معاتبته بسبب هكذا لقاءات: " دراهمك، التي تشقى لتحصل عليها، هيَ أغلى من صداقة أولئك الفتيَة المرائين! "، كانت تقول له مُعَبّسةً سحنتها الحلوة. إنه يفهمُ، بدَوره، سببَ حنقها على من تدعوهم بـ " المرائين ": كانت تشتغل معهم في ذات الفندق، قبل أن يطردها القائم على العمل. هذا الأخير، جَعَلَ يُماطل أشهراً ستة في موضوع صرف راتبها. فلما طالبته أخيراً، فإنه أجابها بحزم: " البخشيش، المتحصّل من الزبائن، هوَ راتبك الوحيد عندي! ".
هوَ ذا يقتربُ من تلك الفيلا، الغارقة أسوارها في أفياء الأشجار والعرائش. المتسوّل العجوز، لم يكن بمكانه. تابع " موحا " سيرَهُ، وهوَ يفكّر مُشفقاً في أمر الرجل. الدرهم، المُعدّ للمَنح، عادَ إذاك إلى جيبه. وإذا بأحدهم ينده عليه في نفس الوهلة: " خويا، خويا..! ". كان أحد بوابي مبنى الإقامة الباذخة، المنزوية في الزنقة المتفرّعة عن الدرب. البواب المتوسط العُمر، القاتم البشرة، تقدّم إذاً من فتانا ليقول له بنبرة من يطرحُ لغزاً: " سيّدي يرغب بالتكلم معك ". على دهشته، فإن " موحا " تركَ الرجلَ يقوده إلى داخل مبنى الإقامة. مرّ عندئذٍ بالمطعم البار، الملحق بالمبنى، والمتبدّية واجهته الأنيقة وهيَ حافلة بالزبائن النصارى وأغلبهم يحتسي الشرابَ المحرّم. ما أن أضحى على باب المكتب، حتى تراءى لعينيه وجهٌ مألوف.
" تفضّل واجلس، يا بنيّ..! "، قال له الرجلُ الجالسُ وراء المكتب فيما كان يُومئ للمستخدم بإشارة الإنصراف. " موحا "، بقيَ متسمّراً في مكانه وكأنه ما يفتأ يهوّم في لجة حُلم. أجل، لقد كان لحظتئذٍ بمواجهة المتسوّل العجوز. جلسَ أخيراً، ثمّ راحَ يُنصت للآخر مشتتَ الذهن: " كنتُ أمضي ساعاتٍ، مقتعداً قدّام باب مسكني. لحُسن الحظ، فإنك الوحيدُ من كان يعتقد بأنني متسوّل "، قال الرجل المتلبّس بهندام الوجاهة مُطلقاً ضحكة مقتضبة. ثمّ أردفَ بنفس اللهجة المتساهلة " لن أخفيكَ، أنني مررتُ في تلك الأيام بأزمة نفسية عاصفة. امرأة ابني الوحيد، كانت تنكّد عليّ شيخوختي الهادئة، التي استسلمتُ لها تاركاً مصالحي كلها بيَد رجلها. عندما تصبحُ أنتَ أباً، ستختبر شخصياً معنى أن تتخلى عن بضعة من لحمك ودمك ".
في اليوم التالي، مضى " موحا " مع خطيبته إلى مبنى الإقامة كي تستلم عملها الجديد. كان يقبض بيده على ذات الدرهم، الذي أعاده إليه من كان يعتقد أنه متسوّل. كلماتُ هذا الأخير، كانت قد أعقبتْ ذلك الموقف المستطير: " درهمكَ مباركٌ، وأريدك أن تحتفظ به. لقد أعادني إلى الحياة؛ أنا من كنتُ قد رغبت بمفارقتها قبل الأوان ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 14
- خفيفاً كعصفور
- سيرَة أُخرى 13
- أقوال غير مأثورة 2
- شريحة لحم
- إغراءُ أغادير 5
- إغراءُ أغادير 4
- إغراءُ أغادير 3
- إغراءُ أغادير 2
- إغراءُ أغادير
- سيرَة أُخرى 12
- الجيفة
- قصتان
- سيرَة أُخرى 11
- سيرَة أُخرى 10
- ثلاث قصص
- أثينا
- سيرَة أُخرى 9
- المُخلّص
- سيرَة أُخرى 8


المزيد.....




- مثقفون مغاربة يطلقون صرخة تضامن ضد تجويع غزة وتهجير أهاليها ...
- مركز جينوفيت يحتفل بتخريج دورة اللغة العبرية – المصطلحات الط ...
- -وقائع سنوات الجمر- الذي وثّق كفاح الجزائريين من أجل الحرية ...
- مصر.. وفاة الأديب صنع الله إبراهيم عن عمر يناهز 88 عاما
- -وداعًا مؤرخ اللحظة الإنسانية-.. وفاة الأديب المصري صنع الله ...
- الحنين والهوية.. لماذا يعود الفيلم السعودي إلى الماضي؟
- -المتمرد- يطوي آخر صفحاته.. رحيل الكاتب صنع الله إبراهيم
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن 88 عاما
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عاما
- وزارة الثقافة المصرية تعلن وفاة -أحد أعمدة السرد العربي المع ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - درهم