نوح في الأنبياء

محمد السباهي
(Mohamed Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 5061 - 2016 / 1 / 31 - 18:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أطول الأنبياء عمراً هو نبي الله (نوح). قال تعالى: ((ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما)) العنكبوت (14). وأقل الأنبياء اتباعاً، أيضاً، هو نبي الله نوح قال تعالى: ((وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)) هود (40).

اختلفت الرويات في عدد الذين أمنوا مع نوح. المُقل قال: (كانوا سبعة: نوح، وثلاث كنائن له، وثلاثة بنين). كما عن سفيان عن الأعمش. والمكثر كما عن ابن عباس يقول: (كان في سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جُرْهُم).

السؤال هنا:
أين تكمن العلة والخلل؟ لماذا لم يتمكن نوح من كسب الاتباع طيلة هذه المدة؟ هل الخلل في قوم نوح أم الخلل في نوح والوسيلة التي كان يتبعها في التبليغ؟

مما لا شك فيه أن هناك كانت مؤسسة كهنوتية ترفض الانصياع واتباع نوح. (( قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)). نوح .

إذا توجد هنا مؤسسة تعمل بالضد من دعوة نوح. ونحن نذهب لوجود مؤسسة كهنوتية وليس (فرد) لعدم تصور وجود مجايل لنوح طيلة هذه الفترة (تسعة قرون). لكن هل كان (نوح) يملك الوسيلة الناجحة في دعوته القادرة على كسب الاتباع؟ قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)النحل/ 125 وقال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران/ 159 .

الواضح أن نبي الله نوح لم يكن يمتلك (أدوات) الداعية ولم يمتلك الوسيلة التي تؤثر في المتلقي. قال تعالى على لسان نوح: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) نوح.

نلحظ من قومه (الفرار) كلما شاهدوه وليس فقط رفض الاستماع. وهذا الفرار مرحلة متقدمة من الرفض. ثم تصل الأمورإلى الذروة. حيث نلحظ عدم المبالاة بما يقول: (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ)! لكن كل هذا لماذا؟
الجواب:
يقيناً الخلل في نوح فهو غير مؤهل لمثل هذا الأمر. بدلالة كثرة الدعاء على قومه هذا أولا: قال تعالى على لسان نوح وقبل اليأس من قومه:( وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا) نوح/ (24). ونلحظ الدعاء على قومه بعد رفض دعوته: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا). (27) نوح

عجيب هذا الأمر من نبي من الأنبياء أولي العزم. لكن هذا الأمر غير مستبعد فلقد دعا موسى على المصريين حيث قال: ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( 88 ) يونس
ثم كيف عرف نوح أنهم لن (يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)؟! ألم يقول لنا: إن المؤمن في صلب الكافر والكافر في صلب المؤمن؟ وقضية (كنتم نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة) يمكن نقضها بأبي لهب وجعفر الكذاب وغيرهم كثير ممن خرج عن جادة الحق وهم من النسل المطهر.

والأمر الثاني الذي يؤشر على فشل نبي الله نوح في إيصال رسالته. هو رفض ابنه وزوجه الإيمان به! قال تعالى: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) هود/42 وقال تعالى: (( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) التحريم/10

ثم نلحظ ما هو أخطر من هذا هو عدم الانصياع والفهم لأوامر الله تعالى. فالحق تعالى قال له: (وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ). وولد نوح كان ممن سبق عليه القول بدلالة رفضه الصعود إلى السفينة رغم اصرار نوح على ذلك. ثم نلحظ هنا مقدمة مطوية وهي: إن هناك من رفض الدعوة وهو معدود من أهل نوح ظاهراً. وقد توجه الخطاب إلى نوح بهذا بدلالة (من سبق عليه القول) فهنا قول واضح لكن نوح يراجع في أمر ابنه على رغم كفره وسبق القول عليه، ويدعو على قومه وفيهم العالم والجاهل والقاصر والمقصر!.

قال تعالى على لسان نوح: (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) هود/45 ثم يزداد طلب نوح في تخليص ابنه وليس (ولده) حتى يقترب من مرتبة (الجهالة): (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) هود/46

وفي مسرح قصة نوح هل يمكن التغافل عن (الأنا) المتربعة على عرش الخطاب؟ قال تعالى: ((قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي ) نوح/21 ويبدو من جواب قومه إنه ((ربما)) قال لهم أمر كشف عن الجواب: (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا)هود/27 هل قال لهم مثلا إنه (ملك) او (إله)؟ هذا ما لاندريه وأن كان رد قومه يُفصح على ماهو أكبر من كونه (نبي مرسل).

#محمد_السباهي (هاشتاغ)       Mohamed_Ali#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل