أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(9)















المزيد.....

استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(9)


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 5060 - 2016 / 1 / 30 - 14:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره(الميزان)الحلقة(9)
المبحث الثامن
العذاب والخلود
يقول الطباطبائي: مسألة انقطاع العذاب والخلود ممّا اختلف فيه أنظار الباحثين من حيث النظر العقليّ ومن جهة الظواهر اللفظيّة.
والّذي يمكن أن يقال: أمّا من جهة الظواهر، فالكتاب نصّ في الخلود، قال تعالى: ( وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) الآية والسنّة من طرق أئمّة أهل البيت مستفيضة فيه، وقد ورد من غير طريقهم أخبار في الانقطاع ونفى الخلود، وهي مطروحة بمخالفة الكتاب.
وأمّا من جهة العقل فقد ذكرنا فيما تقدّم من البحث في ذيل قوله تعالى: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا ) البقرة - 48، أنّ الاستدلال على خصوصيّات ما جاء به الشرع في المعاد بالمقدّمات الكلّيّة العقليّة غير مقدور لنا لأنّ العقل لا ينال الجزئيّات، والسبيل فيه تصديق ما جاء به النبيّ الصادق من طريق الوحي للبرهان على صدقه.
وأمّا النعمة والعذاب العقليّان الطارئان على النفس من جهة تجرّدها وتخلّقها بأخلاق وملكات فاضلة أو رديّة أو اكتسائها وتلبّسها بأحوال حسنة جميلة أو قبيحة فقد عرفت أنّ هذه الأحوال والملكات تظهر للنفس بما لها من صورة القبح أو الحسن فتنعّم بما هي حسنة منها إن كانت ذاتها سعيدة وتعذّب بما هي قبيحة مشوّهة منها، سواء كانت ذاتها سعيدة أو شقيّة.
وأنّ ما كانت من هذه الصور صوراً غير راسخة للنفس وغير ملائمة لذاتها فإنّها ستزول لأنّ القسر لا يكون دائميّاً ولا أكثريّاً، وهذه النفس هي النفس السعيدة ذاتاً وعليها هيآت شقيّة رديّة ممكنة الزوال عنها كالنفس المؤمنة المجرمة، وهذا كلّه ظاهر.
وأمّا الهيئات الرديّة الّتي رسخت في النفس حتّى صارت صوراً أو كالصور الجديدة تعطي للشئ نوعيّة جديدة كالإنسان البخيل الّذي صار البخل صورة لإنسانيّتة كما صار النطق لحيوانيّته الصائرة به نوعاً جديداً تحت الحيوان فالإنسان البخيل أيضاً نوع جديد تحت الإنسان، فمن المعلوم أنّ هذا النوع نوع مجرّد في نفسه دائميّ الوجود، وجميع ما كان يصدر عنه بالقسر حال عدم الرسوخ فيعذّب به ويذوق وبال أمره فهي تصدر عن هذا النوع بإذن الله من غير قسر إلّا أنّها لما كانت صادرة عن نوعيّته من غير قسر فهي دائمة من غير زوال بخلاف ما لو كانت حاصلة بالقسر، ومثل هذا الإنسان المعذّب بلوازم ملكاته من وجه مثل من إبتلى بمرض الماليخوليا أو الكابوس المستمرّ فإنّه لا يزال يصدر عن قوّة تخيّله صور هائلة أو مشوّهة يعذّب بها وهو نفسه هو الّذي يوجدها من غير قسر قاسر ولو لم تكن ملائمة لطبعه المريض ما أوجدها فهو وإن لم تكن متألّماً من حيث إنتهاء الصدور إليه نفسه لكنّه معذّب بها من حيث أنّ العذاب ما يفرّ منه الإنسان إذا لم يبتل به بعد ويحبّ التخلّص عنه إذا ابتلى به وهذا الحدّ يصدّق على الاُمور المشوّهة والصور غير الجميلة الّتي تستقبل الإنسان الشقيّ في دار آخرته، فقد بان أنّ العذاب خالد غير منقطع عن الإنسان الشقيّ الّذي لذاته شقوة لازمة.
وقد استشكل هيهنا بإشكالات واضحة السقوط بيّنة الفساد: مثل أنّ الله سبحانه ذو رحمة واسعة غير متناهية فكيف يسع رحمته أن يخلق من مصيره إلى عذاب خالد لا يقوم له شئ ؟
ومثل أنّ العذاب إنّما يكون عذاباً إذا لم يلائم الطبع فيكون قسراً ولا معنى للقسر الدائم فكيف يصحّ وجود عذاب دائم ؟.
ومثل أنّ العبد لم يذنب إلّا ذنباً منقطع الآخر فكيف يجازى بعذاب دائم؟.
ومثل أنّ أهل الشقاء لا يقصر خدمتهم لنظام التكوين عن خدمات أهل السعادة ولولاهم لم تتحقّق سعادة لسعيد فما هو الموجب لوقوعهم في عذاب مخلّد ؟.
ومثل أنّ العذاب للمتخلّف عن أوامر الله ونواهيه انتقام ولا يكون الانتقام إلّا لجبر النقص الّذي أورده العاصي الظالم على المنتقم المقتدر، ولا يجوز ذلك على الله تعالى فهو الغنيّ المطلق فكيف يجوز منه العذاب وخاصّة العذاب المخلّد ؟.
فهذه وأمثالها وجوه من الإشكال أوردوها على خلود العذاب وعدم انقطاعه. وأنت بالإحاطة بما بيّنّاه من معنى خلود العذاب تعرف أنّها ساقطة من رأس، فإنّ العذاب الخالد أثر وخاصّة لصورة الشقاء الّذي لزمت الإنسان الشقيّ فتصوّر ذاته بها بعد تماميّة الاستعداد الشديد الّذي حصل في ذاته القابلة لها بواسطة الأحوال العارضة لها المنتهية إلى اختياره، واشتداد الاستعداد التامّ هو الّذي يوجب في جميع الحوادث إفاضة الصورة المناسبة لسنخ الاستعداد، فكما لا يجوز السؤال عن علّة تحقّق الأفعال الإنسانيّة بعد ورود الصورة الإنسانيّة على المادّة لوجود العلّة الّتي هي الصورة الإنسانيّة كذلك لا معنى للسؤال عن لمّيّة ترتّب آثار الشقاء اللّازم، ومنها العذاب المخلّد بعد تحقّق صورة الشقاء اللّازم، المنتهية إلى الاختيار فإنّها آثارها وخواصّها فبطلت السؤالات جميعاً، فهذا هو الجواب الإجماليّ عنها.
يقول الطباطبائي :
وأمّا تفصيلاً: فالجواب عن الأوّل: أنّ الرحمة فيه تعالى ليس بمعنى رقّة القلب والإشفاق والتأثّر الباطنيّ فإنّها تستلزم المادّة - تعالى عن ذلك -، بل معناها العطيّة والإفاضة لما يناسب الاستعداد التامّ الحاصل في القابل، فإنّ المستعدّ بالاستعداد التامّ الشديد يحبّ ما يستعدّ له ويطلبه ويسأله بلسان استعداده فيفاض عليه ما يطلبه ويسأله، والرحمة رحمتان: رحمة عامّة، وهي إعطاء ما يستعدّ له الشئ ويشتاقه في صراط الوجود والكينونة، ورحمة خاصّة، وهي إعطاء ما يستعد له الشئ في صراط الهداية إلى التوحيد وسعادة القرب وإعطاء صورة الشقاء اللّازم الّذي أثره العذاب الدائم للإنسان المستعدّ له باستعداده الشديد لا ينافي الرحمة العامّة بل هو منها، وأمّا الرحمة الخاصّة فلا معنى لشمولها لمن هو خارج عن صراطها، فقول القائل: إنّ العذاب الدائم ينافي الرحمة إن أراد به الرحمة العامّة فليس كذلك بل هو من الرحمة العامّة، وإن أراد به الرحمة الخاصّة فليس كذلك لكونه ليس مورداً لها. على أنّ الإشكال لو تمّ لجرى في العذاب المنقطع أيضاً حتّى أنواع العذاب الدنيويّ، وهو ظاهر.
والجواب عن الثاني: أنّه ينبغي أن يحرّر معنى عدم ملائمة الطبع فإنّه تارة بمعنى عدم السنخيّة بين الموضوع والأثر الموجود عنده وهو الفعل القسريّ الّذي يصدر عن قسر القاسر ويقابله الأثر الملائم الّذي يصدر عن طبع الشئ إذا اقترن به آفات ثمّ رسخت فيه فصارت صورة في الشئ وعاد الشئ يطلبه بهذا الوجود وهو في عين الحال لا يحبّه كما مثّلنا فيه من مثال الماليخوليائي فهذه الآثار ملائمة لذاته من حيث صدورها عن طبعه الشقيّ الخبيث والآثار الصادرة عن الطباع ملائمة، وهي بعينها عذاب لصدق حدّ العذاب عليها لكون الشئ لا يرتضيها فهي غير مرضيّة من حيث الذوق والوجدان في عين كونها مرضيّة من حيث الصدور.
والجواب عن الثالث: أنّ العذاب في الحقيقة ترتّب أثر غير مرضيّ على موضوعه الثّابت حقيقة، وهو صورة الشقاء فهذا الأثر معلول الصورة الحاصلة بعد تحقّق علل معدّة، وهي المخالفات المحدودة، وليس معلولاً لتلك العلل المعدّة المحدودة حتّى يلزم تأثير المتناهي أثراً غير متناه وهو محال. ونظيره أنّ عللاً معدّة ومقرّبات معدودة محدودة أوجبت أن تتصوّر المادّة بالصورة الإنسانيّة فيصير إنساناً يصدر عنه آثار الإنسانيّة المعلولة للصورة المذكورة. ولا معنى لأن يسأل ويقال: إنّ الآثار الإنسانيّة الصادرة عن الإنسان بعد الموت صدوراً دائميّاً سرمديّاً لحصول معدّات محدودة مقطوعة الأمر للمادّة فكيف صارت مجموع منقطع الآخر من العلل سبباً لصدور الآثار المذكورة وبقائها مع الإنسان دائماً لأنّ علّتها الفاعلة - وهي الصورة الإنسانيّة - موجودة معها دائماً على الفرض، فكما لا معنى لهذا السؤال لا معنى لذلك أيضاً.
والجواب عن الرابع: أنّ الخدمة والعبوديّة أيضاً مثل الرحمة على قسمين: عبوديّة عامّة، وهو الخضوع والانفعال الوجوديّ لمبدء الوجود، وعبوديّة خاصّة وهو الخضوع والانقياد في صراط الهداية إلى التوحيد، ولكلّ من القسمين جزاءٌ يناسبه وأثر يترتّب عليه ويخصه من الرّحمة، فالعبوديّة العامّة في نظام التكوين جزاؤه الرحمة العامّة، والنعمة الدائمة والعذاب الدائم كلاهما من الرحمة العامّة، والعبوديّة الخاصّة جزاؤها الرحمة الخاصّة، وهي النعمة والجنّة وهو ظاهر، على أنّ هذا الإشكال لو تمّ لورد في مورد العذاب المنقطع الاُخروي بل الدنيويّ أيضاً.
والجواب عن الخامس: أنّ العذاب الدائم مستند إلى صورة الشقاء الّذي في الإنسان كما عرفت، وإلى الله سبحانه بالمعنى الّذي يقال: في كلّ موجود: إنّه مستند إليه تعالى لا بمعنى الانتقام وتشفّي الصدر المستحيل عليه تعالى: نعم الانتقام بمعنى الجزاء الشاقّ والأثر السيّئ الّذي يجزي به المولى عبده في مقابل تعدّيه عن طور العبوديّة، وخروجه عن ساحة الانقياد إلى عرصة التمرّد والمخالفة ممّا يصدّق فيه تعالى لكن لا يستلزم كون العذاب انتقاماً بهذا المعنى إشكالاً ألبتّة.
على أنّ هذا الإشكال أيضاً لو تمّ لورد في مورد العذاب الموقّت المنقطع في الآخرة بل في الدنيا أيضاً.(راجع: ج1ص408-416)



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(8)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية؛ الحلقة(7)
- الجلبي ما قتلوا وما صلبوه ولكن شبه لهم
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية الحلقة(6)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(5)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(4)
- صخم وجهك وكول آني حداد
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان)الحلقة(3)
- حسقيل قوجمان صوت يهودي عراقي مدوي
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(1)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(2)
- ميزانية مصابة بالشلل
- حششوا حتى يأتيكم اليقين
- الا يتدبرون العراق ام على...؟
- حكومة مظرطة
- سبع سنوات غير كافية ايها القضاء
- اعطوني وزيراً مثل حسقيل؟ !
- تزوير العملة...وماذا بعد؟
- من يعالج اسناننا بعد اليوم ؟
- حرمة بالبرلمان ترفض التقسيم !


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(9)