أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - استدلالات الطباطبائي الفلسفية؛ الحلقة(7)















المزيد.....

استدلالات الطباطبائي الفلسفية؛ الحلقة(7)


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 5057 - 2016 / 1 / 27 - 12:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره(الميزان)الحلقة(7)
المبحث الخامس
النفس
تعريف النفس: النفس لغويا لها أكثر من تعريف فهي تعني الروح أو الدم أو الجسد أو الحسد ونفس الشيء بمعنى عينه. يوجد اختلاف في الثقافات وحتى في نفس علم النفس، وقال بعض العلماء بأنها ذلك النشاط الذي يميز الكائن الحي ويسيطر على حركاته. فسرها البعض بأنها القوة الخفية التي يحيا بها الإنسان. وعرفها فريق بأنها وظيفة العقل والجهاز العصبي أو محرك أوجه نشاط الإنسان المعرفية والانفعالية والسلوكية والعقلية. وهناك رأي لغوي في محيط المحيط أن كلمة نفس مذكر ومؤنث في نفس الوقت فكلمة نفس المذكرة تعني الإنسان كاملا جسدا وروحا أما نفس المؤنثة فهي الروح وزبدة القول هي أن النفس لم يعرف لها تعريف دقيق ما هي ولا أين توجد لا يوجد يقين عنها، ولكن أرجح الظن أنها اتصال بين الجسد والروح.( راجع الموسوعة الحرة ؛ الموسوعة الفلسقية تأليف لجنة من علماء السوفيات ص 499 بيروت دار الطليعة بيروت ترجمة يوسف كرم).
وقد قسم افلاطون النفس البشرية الى ثلاثة اقسام :
1- النفس العاقلة: ومركزها العقل والتفكير والمنطق .
2- النفس الغضبية: ومركزها العقل والتفكير والمنطق .
3- النفس الشهوانية: ومركزها البطن. (راجع: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية ص 15 دار القلم بيروت) .
والنفس عند أرسطو جوهر، و لكنها جوهر ذو أنواع مختلفة، فلا بد أن نعرف النفس من أي أنواع الجوهر هي عند أرسطو. (راجع: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية ص 175 دار القلم بيروت . يوسف ابو الحجاج ، ارسطو ص 81 مكتبة جزيرة الورد بيروت) .
وباختصار شديد إن قسمًا من أقسام الجوهر هو المادة، و هي ما لا تكون بذاتها شيئًا معينًا، وإنما لها قوة تقبل الأشياء فحسب، وقسم آخر من الجوهر هو الصورة التي تعطي للمادة فِعلِيتها وتجعلها شيئًا معينًا، والقسم الثالث من الجوهر هو تركيب يجمع بين المادة والصورة، وهذا ما يطلق عليه أرسطو اسم الجوهر الأول، ويرى أنه أجدر بحمل اسم الجوهر، وهذا الجوهر هو الجسم نفسه، والنفس عند أرسطو هي النوع الثاني من أنواع الجوهر. بناء على ذلك؛ فالنفس صورة تتحقق في المادة وتمنحه الفعلية، وتخلق نوعًا خاصًا من أنواع الجسم، يقول أرسطو: ( النفس جوهر بالضرورة، أي أنها صورة للجسم الطبيعي الآلي الحي بالقوة )، ويقول: ( النفس جوهر بمعنى الصورة، أي أنها ماهية جسم ذي كيفية معينة ).(راجع المصدر السابق).
وهناك اقوال كثيرة جدا، في الفنس، وطبيعة النفس، وماهية النفس وسلوكية النفس، وغيرها من الاقوال، للفلاسفة والمختصين في هذا الشأن اعرضنا عن ذكرها او الاشارة لها.
اما الطباطبائي فيتساءل: هل النفس مجرّدة عن المادّة ؟ (ونعني بالنفس ما يحكى عنه كلّ واحد منّا بقوله، أنا، وبتجرّدها عدم كونها أمراً مادّيّاً ذا انقسام وزمان ومكان).
ثم يجيب على ذلك بقوله : إنّا لا نشكّ في أنّا نجد من أنفسنا مشاهدة معنى نحكي عنه: بأنا، ولا نشكّ أنّ كلّ إنسان هو مثلنا في هذه المشاهدة الّتي لا نغفل عنه حيناً من أحيان حياتنا وشعورنا، وليس هو شيئاً من أعضائنا، وأجزاء بدننا الّتي نشعر بها بالحسّ أو بنحو من الاستدلال كأعضائنا الظاهرة المحسوسة بالحواس الظاهرة من البصر واللمس ونحو ذلك، وأعضائنا الباطنة الّتي عرفناها بالحسّ والتجربة، فإنّا ربّما نغفل عن كلّ واحد منها وعن كلّ مجموع منها حتّى عن مجموعها التامّ الّذي نسمّيه بالبدن، ولا نغفل قطّ عن المشهود الّذي نعبّر عنه: بأنا، فهو غير البدن وغير أجزائه.
وأيضاً لو كان هو البدن أو شيئاً من أعضائه أو أجزائه: أو خاصّة من الخواصّ الموجودة فيها - وهى جميعاً مادّيّة، ومن حكم المادّة التغير التّدريجيّ وقبول الانقسام والتجزّي - لكان مادّيّاً متغيّراً وقابلاً للانقسام وليس كذلك فإنّ كلّ أحد إذا رجع إلى هذه المشاهدة النفسانيّة اللّازمة لنفسه، وذكر ما كان يجده من هذه المشاهدة منذ أوّل شعوره بنفسه وجده معنى مشهوداً واحداً باقياً على حاله من غير أدنى تعدّد وتغيّر، كما يجد بدنه وأجزاء بدنه، والخواصّ الموجودة معها متغيّرة متبدّلة من كلّ جهة، في مادّتها وشكلها، وسائر أحوالها وصورها، وكذا وجده معنى بسيطاً غير قابل للانقسام والتجزّي، كما يجد البدن، وأجزائه وخواصّه - وكلّ مادّة وأمر مادّيّ كذلك - فليست النفس هي البدن، ولا جزءً من أجزائه، ولا خاصّة من خواصّه، سواء أدركناه بشئ من الحواسّ أو بنحو من الاستدلال، أو لم ندرك، فإنّها جميعاً مادّيّة كيفما فرضت، ومن حكم المادّة التغيّر، وقبول الانقسام، والمفروض أن ليس في مشهودنا المسمّى بالنفس شئ من هذه الأحكام فليست النفس بمادّيّة بوجه.
وأيضاً هذا الّذي نشاهده نشاهده أمراً واحداً بسيطاً ليس فيه كثرة من الأجزاء ولا خليط من خارج بل هو واحد صرف فكلّ إنسان يشاهد ذلك من نفسه ويرى أنّه هو وليس بغيره فهذا المشهود أمرٌ مستقلّ في نفسه، لا ينطبق عليه حدّ المادّة ولا يوجد فيه شئٌ من أحكامها اللازمة: فهو جوهرٌ مجرّدٌ عن المادّة، متعلّق بالبدن نحو تعلّق يوجب اتّحاداً ما له بالبدن وهو التعلّق التدبيريّ وهو المطلوب.
وقد أنكر تجرّد النفس جميع المادّيّين، وجمع من الإلهيّين من المتكلّمين، والظاهريّين من المحدّثين، واستدلّوا على ذلك، وردّوا ما ذكر من البرهان بما لا يخلو عن تكلّف من غير طائل.
قال المادّيّون(والكلام للطباطبائي): إنّ الأبحاث العلميّة على تقدّمها وبلوغها اليوم إلى غاية الدقّة في فحصها وتجسّسها لم تجد خاصّة من الخواصّ البدنيّة إلّا وجدت علّتها المادّيّه، ولم تجد أثراً روحيّاً لا يقبل الانطباق على قوانين المادّة حتّى تحكم بسببها بوجود روح مجرّدة.
قالوا(اي الماديون): وسلسلة الأعصاب تؤدّي الإدراكات إلى العضو المركزيّ وهو الجزء الدماغيّ على التوالي وفي نهاية السّرعة، ففيه مجموعة متّحدة ذات وضع واحد لا يتميّز أجزائها ولا يدرك بطلان بعضها، وقيام الآخر مقامه، وهذا الواحد المتحصّل هو نفسنا الّتي نشاهدها، ونحكي عنها بأنا، فالّذي نرى أنّه غير جميع أعضائنا صحيح إلّا أنّه لا يثبت أنّه غير البدن وغير خواصّه، بل هو مجموعة متّحدة من جهة التوالي والتوارد لا نغفل عنه، فإنّ لازم الغفلة عنه على ما تبيّن بطلان الأعصاب ووقوفها عن أفعالها وهو الموت، والّذي نرى أنّه ثابتٌ، صحيح لكنّه لا من جهة ثباته وعدم تغيّره في نفسه بل الأمر مشتبه على المشاهدة من جهة توالي الواردات الإدراكيّة وسرعة ورودها، كالحوض الّذي يرد عليه الماء من جانب ويخرج من جانب بما يساويه وهو مملوٌّ دائماً، فما فيه من الماء يجده الحسّ واحداً ثابتاً، وهو بحسب الواقع لا واحدٌ ولا ثابت، وكذا يجد عكس الإنسان أو الشجر أو غيرهما فيه واحداً ثابتاً وليس واحداً ثابتاً بل هو كثيرٌ متغيّر تدريجاً بالجريان التّدريجيّ الّذي لأجزاء الماء فيه، وعلى هذا النحو وجود الثبات والوحدة والشخصيّة الّتي نرى في النفس.
قالوا: فالنفس الّتي يقام البرهان على تجرّدها من طريق المشاهدة الباطنيّة هي في الحقيقة مجموعة من خواصّ طبيعيّة، وهي الإدراكات العصبيّة الّتي هي نتائج حاصلة من التّأثير والتّأثّر المتقابلين بين جزء المادّة الخارجيّة، وجزء المركّب العصبيّ، ووحدتها وحدة اجتماعيّة لا وحدة واقعيّة حقيقيّة.
قال الطباطبائي: أمّا قولهم: إنّ الأبحاث العلميّة المبتنية على الحسّ والتجربة لم تظفر في سيرها الدقيق بالروح، ولا وجدت حكماً من الأحكام غير قابل التعليل إلّا بها فهو كلام حقّ لا ريب فيه لكنّه لا ينتج انتفاء النفس المجرّدة الّتي أقيم البرهان على وجودها، فإنّ العلوم الطبيعيّة الباحثة عن أحكام الطبيعة وخواصّ المادّة إنّما تقدر على تحصيل خواصّ موضوعها الّذي هو المادّة، وإثبات ما هو من سنخها، وكذا الخواصّ والأدوات المادّيّة الّتي نستعملها لتتميم التجارب المادّيّ إنّما لها أن تحكم في الأمور المادّيّة، وأمّا ما وراء المادّة والطبيعة، فليس لها أن تحكم فيها نفياً ولا إثباتاً، وغاية ما يشعر البحث المادّيّ به هو عدم الوجدان، وعدم الوجدان غير عدم الوجود، وليس من شأنه كما عرفت أن يجد ما بين المادّة الّتي هي موضوعها، ولا بين أحكام المادّة وخواصّها الّتي هي نتائج بحثها أمراً مجرّداً خارجاً عن سنخ المادّة وحكم الطبيعة.
والّذي جرّأهم على هذا النفي زعمهم أنّ المثبتين لهذه النفس المجرّدة إنّما أثبتوها لعثورهم إلى أحكام حيويّة من وظائف الأعضاء ولم يقدروا على تعليلها العلميّ، فأثبتوا النفس المجرّدة لتكون موضوعاً مبدئاً لهذه الأفاعيل، فلمّا حصل العلم اليوم على عللها الطبيعيّة لم يبق وجهٌ للقول بها، نظير هذا الزّعم ما زعموه في باب إثبات الصانع.
وهو اشتباه فاسدٌ فإنّ المثبتين لوجود هذه النفس لم يثبتوها لذلك ولم يسندوا بعض الأفاعيل البدنيّة إلى البدن فيما علله ظاهرةٌ، وبعضها إلى النفس فيما علله مجهولة، بل أسندوا الجميع إلى العلل البدنيّة بلا واسطة وإلى النفس بواسطتها، وإنّما اسندوا إلى النفس ما لا يمكن إسناده إلى البدن ألبتّة وهو علم الإنسان بنفسه ومشاهدته ذاته كما مرّ.
وأمّا قولهم: إنّ الإنّيّة المشهودة للإنسان على صفة الوحدة هي عدّة من الإدراكات العصبيّة الواردة على المركز على التوالي وفي نهاية السرعة - ولها وحدة اجتماعيّة - فكلام لا محصّل له ولا ينطبق عليه الشهود النّفسانيّ ألبتّة، وكأنّهم ذهلوا عن شهودهم النفسانيّ فعدلوا عنه إلى ورود المشهودات الحسّيّة إلى الدماغ واشتغلوا بالبحث عمّا يلزم ذلك من الآثار التالية وليت شعري إذا فرض أنّ هناك أموراً كثيرة بحسب الواقع لا وحدة لها ألبتّة، وهذه الاُمور الكثيرة الّتي هي الإدراكات اُمورٌ مادّيّة ليس ورائها شئٌ آخر إلّا نفسها، وأنّ الأمر المشهود الّذي هو النفس الواحدة هو عين هذه الإدراكات الكثيرة، فمن أين حصل هذا الواحد الّذي لا نشاهد غيره ؟ ومن أين حصلت هذه الوحدة المشهودة فيها عياناً ؟ والّذي ذكروه من وحدتها الاجتماعيّة كلامُ أشبه بالهزل منه بالجدّ فإنّ الواحد الاجتماعيّ هو كثيرٌ في الواقع من غير وحدة وإنّما وحدتها في الحسّ أو الخيال كالدار الواحدة والخطّ الواحد مثلاً، لا في نفسه، والمفروض في محلّ كلامنا أنّ الإدراكات والشعورات الكثيرة في نفسها هي شعورٌ واحد عند نفسها فلازم قولهم إنّ هذه الإدراكات في نفسها كثيرة لا ترجع إلى وحدة أصلاً، وهي بعينها شعور واحد نفسانيّ واقعاً، وليس هناك أمر آخر له هذه الإدراكات الكثيرة فيدركها على نعت الوحدة كما يدرك الحاسّة أو الخيال المحسوسات أو المتخيّلات الكثيرة المجتمعة على وصف الوحدة الاجتماعيّة، فإنّ المفروض أنّ مجموع الإدراكات الكثيرة في نفسها نفس الإدراك النفسانيّ الواحد في نفسه. ولو قيل: إنّ المدرك هيهنا الجزء الدماغيّ يدرك الإدراكات الكثيرة على نعت الوحدة كان الإشكال بحاله، فإنّ المفروض أنّ إدراك الجزء الدماغيّ نفس هذه الإدراكات الكثيرة المتعاقبة بعينها، لا أنّ للجزء الدماغيّ قوّة إدراك تتعلّق بهذه الإدراكات كتعلّق القوى الحسّيّة بمعلوماتها الخارجيّة وانتزاعها منها صوراً حسّيّة، فافهم ذلك.
والكلام في كيفيّة حصول الثبات والبساطة في هذا المشهود الّذي هو متغيّر متجزّ في نفسه كالكلام في حصول وحدته.
مع أنّ هذا الفرض أيضاً - أعني أن يكون الإدراكات الكثيرة المتوالية المتعاقبة مشعورة بشعور دماغيّ على نعت الوحدة - نفسه فرض غير صحيح. فما شأن الدماغ والقوّة الّتي فيه، والشعور الّذي لها، والمعلوم الّذي عندها، وهي جميعاً أمورٌ مادّيّة، ومن شأن المادّة والمادّيّ الكثرة، والتغيّر، وقبول الانقسام، وليس في هذه الصورة العلميّة شئ من هذه الأوصاف والنعوت، وليس غير المادّة والمادّيّ هناك شئ؟
وقولهم: إنّ الأمر يشتبه على الحسّ أو القوّة المدركة، فيدرك الكثير المتجزّي المتغيّر واحداً بسيطاً ثابتاً غلطٌ واضح، فإنّ الغلط والاشتباه من الاُمور النسبيّة الّتي تحصل بالمقايسة والنسبة، لا من الاُمور النفسيّة، مثال ذلك أنّا نشاهد الأجرام العظيمة السماويّة صغيرة كالنقاط البيض، ونغلط في مشاهدتنا هذه، على ما تبيّنه البراهين العلميّة، وكثيرٌ من مشاهدات حواسّنا إلّا أنّ هذه الأغلاط إنّما تحصل وتوجد إذا قايسنا ما عند الحسّ ممّا في الخارج من واقع هذه المشهودات، وأمّا ما عند الحسّ في نفسه فهو أمرٌ واقعيّ كنقطة بيضآء لا معنى لكونه غلطاً ألبتّة.
والأمر فيما نحن فيه من هذا القبيل فإنّ حواسّنا وقوانا المدركة إذا وجدت الأمور الكثيرة المتغيّرة المتجزيّة على صفة الوحدة والثبات والبساطة كانت القوى المدركة غالطة في إدراكها مشتبهة في معلومها بالقياس إلى المعلوم الّذي في الخارج. وأمّا هذه الصورة العلميّة الموجودة عند القوّة فهي واحدة ثابتة بسيطة في نفسها ألبتّة، ولا يمكن أن يقال للأمر الّذي هذا شأنه: إنّه مادّيّ لفقده أوصاف المادّة العامّة.
فقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الحجّة الّتي أوردها المادّيّون من طريق الحسّ والتجربة إنّما ينتج عدم الوجدان، وقد وقعوا في المغالطة بأخذ عدم الوجود (وهو مدّعاهم) مكان عدم الوجدان، وما صوّروه لتقرير الشهود النفسانيّ المثبت لوجود أمر واحد بسيط ثابت تصويرٌ فاسد لا يوافق، لا الاُصول المادّيّة المسلّمة بالحسّ والتجربة، ولا واقع الأمر الّذي هو عليه في نفسه.
وأمّا ما افترضه الباحثون في علم النفس الجديد في أمر النفس وهو أنّه الحالة المتّحدة الحاصلة من تفاعل الحالات الروحيّة، من الإدراك والإرادة والرضا والحبّ وغيرها المنتجة لحالة متّحدة مؤلّفة فلا كلام لنا فيه، فإنّ لكلّ باحث أن يفترض موضوعاً ويضعه موضوعاً لبحثه، وإنّما الكلام فيه من حيث وجوده وعدمه في الخارج والواقع مع قطع النظر عن فرض الفارض وعدمه، وهو البحث الفلسفيّ كما هو ظاهر على الخبير بجهات البحث.
وقال قوم آخرون من نفاة تجرّد النفس من الملّيّين: إنّ الّذي يتحصّل من الاُمور المربوطة بحياة الإنسان كالتشريح والفيزيولوجي أنّ هذه الخواصّ الروحيّة الحيويّة تستند إلى جراثيم الحياة والسلولات الّتي هي الاُصول في حياة الإنسان وسائر الحيوان وتتعلّق بها، فالروح خاصّة وأثرٌ مخصوص فيها لكلّ واحد منها أرواح متعدّدة فالّذي يسمّيه الإنسان روحاً لنفسه ويحكي عنه بأنا مجموعة متكوّنة من أرواح غير محصورة على نعت الاتّحاد والاجتماع. ومن المعلوم أنّ هذه الكيفيّات الحيويّة والخواصّ الروحيّة تبطل بموت الجراثيم والسلّولات وتفسد بفسادها فلا معنى للروح الواحدة المجرّدة الباقية بعد فناء التركيب البدنيّ غاية الأمر أنّ الاُصول المادّيّة المكتشفة بالبحث العلميّ لما لم تف بكشف رموز الحياة كان لنا أن نقول: إنّ العلل الطّبيعيّة لا تفي بإيجاد الروح فهي معلولة لموجود آخر وراء الطبيعة، وأمّا الاستدلال على تجرّد النفس من جهة العقل محضاً فشئ لا يقبله ولا يصغي إليه العلوم اليوم لعدم اعتمادها على غير الحسّ والتجربة، هذا.
قال الطباطبائي: وأنت خبيرٌ بأنّ جميع ما أوردناه على حجّة المادّيّين واردٌ على هذه الحجّة المختلقة من غير فرق ونزيدها أنّها مخدوشة أوّلاً: بأنّ عدم وفاء الأصول العلميّة المكتشفة إلى اليوم ببيان حقيقة الروح والحياة لا ينتج عدم وفائها أبداً ولا عدم انتهاء هذه الخواصّ إلى العلل المادّيّة في نفس الأمر على جهل منّا، فهل هذا إلّا مغالطة وضع فيها العلم بالعدم مكان عدم العلم؟.
وثانياً: بأنّ استناد بعض حوادث العالم - وهي الحوادث المادّيّة - إلى المادّة، وبعضها الآخر وهي الحوادث الحيويّة إلى أمر وراء المادّة - وهو الصانع - قولٌ بأصلين في الإيجاد، ولا يرتضيه المادّيّ ولا الإلهيّ، وجميع أدلّة التوحيد يبطله.
وهنا إشكالات اُخر أوردوها على تجرّد النفس مذكورة في الكتب الفلسفيّة والكلاميّة غير أنّ جميعها ناشئة عن عدم التأمّل والإمعان فيما مرّ من البرهان، وعدم التثبّت في تعقّل الغرض منه، ولذلك أضربنا عن إيرادها، والكلام عليها. فمن أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى مظانّها، والله الهادي .(راجع: الميزان ص364-370)



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجلبي ما قتلوا وما صلبوه ولكن شبه لهم
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية الحلقة(6)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(5)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(4)
- صخم وجهك وكول آني حداد
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان)الحلقة(3)
- حسقيل قوجمان صوت يهودي عراقي مدوي
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(1)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(2)
- ميزانية مصابة بالشلل
- حششوا حتى يأتيكم اليقين
- الا يتدبرون العراق ام على...؟
- حكومة مظرطة
- سبع سنوات غير كافية ايها القضاء
- اعطوني وزيراً مثل حسقيل؟ !
- تزوير العملة...وماذا بعد؟
- من يعالج اسناننا بعد اليوم ؟
- حرمة بالبرلمان ترفض التقسيم !
- يهود العراق وحلم العودة
- من اسرار التحليل النفسي (3) الكتابة تعالج الضعوطات النفسية


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - استدلالات الطباطبائي الفلسفية؛ الحلقة(7)