أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - يوم قال الناس إن اليأس سيد المكان














المزيد.....

يوم قال الناس إن اليأس سيد المكان


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 5040 - 2016 / 1 / 10 - 23:57
المحور: الادب والفن
    


وكان يوماً، كأنّ جنّيّاً عالقاً في ضبابِ البدايةِ، يشعلُ الحروبَ كلعبةِ أطفالٍ لم يعد ممكناً السيطرة عليها.

أشجارٌ خائفةٌ وبنايات كأنّها فكرةٌ في رأسِ راقصٍ قديم، بحارٌ تلوكُ موجَها كنبتةٍ مرّةٍ لا تصلحُ لشيء، هواءٌ أرعبَتهُ الرحلةُ الطويلةُ بين الصحراءِ والغابةِ، كلُّ شيءٍ بلا بدايةٍ أو احتمال نهايةٍ، وكانَ دوارُ الأمكنةِ مصلوباً في الهواء، لا أحدٌ يتكلّمُ، لا أحدٌ يسمعُ.

يومها، قالَ الناسُ إنّ اليأسَ سيّدُ المكانِ، وقالوا إنها الحربُ التي لا جيوشَ فيها، لكنّ قتلاها يتوزعّون على الشوارع والمفارقِ كريشِ وِسادةٍ في الريح، وقالوا سنموتُ قبلَ أن نحرّرَ ممتلكاتنا القليلة في وصايا، وكان تمريناً ليومِ قيامةٍ لم ترتّبه الملائكة، والنارُ نصيبُ الجميعِ، فالنارُ لا تحاسِبُ ولا تنتقي، ولا شيءَ يحمي من فضولِ الموتِ حين يبدأ في تذوّقِ الأرواحِ في كرومِ الحياة، قال الناسُ ما قالوا، ولم يغير ما قالوه شيئاً، وظلّت الأجسادُ مكانَها، ميتةً أو نائمة.

يومها، قال الناسُ أدعيةً من جمرٍ، رأوا سماءً بنفسجيةً دون أن يأتي الشتاءُ، أفزعَتْهُم البرودةُ، رفعوا أيديهم مشاعل، أخذوا شكلَ تمثالِ جنديٍّ مهزوم، صار البكاءُ أغاني فضّةٍ وهلوساتٍ تسقطُ عن أشجارِ الروحِ تماماً مثلَ نقطةِ ماءٍ غادرت أمها الغيمة، وأفرغت أرواحهم من ديناميتها شعلةً شعلةً، وانطفأوا في النهاية قبل أن تطفئهم الغاراتُ، أما الأطفالُ في أحضانِ آبائهم الباردة، فكانوا يغمضون أعينهم ليتوقعوا شكل البرقِ من صوتِه، لكن لم يبقَ في ذاكرتهم بعد يومين اثنين إلا صراخُ أمهاتهم وآبائهم وهم يبحثون في الهواء عن مكان الجدار الذي كان هنا قبل قليل، أحدهم، ذلك الذي وجدَ مسبحةَ جدّه مختلطةً ببقايا تبغه البرّي، قال إنه لم يبقَ من ذلك الزمن إلا دعاء جدّه الأخير معلّقاً في الهواء كبلبلٍ فقدَ صوتَه.

يومها، قالَ الناسُ كلاماً بأجسادهم، لم يفهم الحصانُ، المربوطُ في شجرة الجمّيز الوحيدة على طرف المخيم، لماذا لم يعد الأولادُ يفرحونَ لصهيله المرمري، ولم يفهم لماذا عليه أن يجري في مكانه، وأن يقطع ألف ميلٍ وهو يدورُ حولَ شجرةٍ عاجزةٍ عن الهروبِ من خوفِها، عبّأ المكان بألفِ صهلةٍ اختلفت كلُّ واحدةٍ عن أختِها كما تختلفُ الجميزةُ عن البرتقالة، وفي نهاية المأساةِ، لم يَمُتْ حصانُ القصيدةِ كما تمنّى، بل فقدَ صوتَهُ وقدرته على الجري في سهولِ الذاكرة، يومها قال الناسُ كلاماً مختلفاً، وأوغلوا في التفاسيرِ حتى أنهم نسوا لمن يعودُ الحصانُ ولمن يعود الحقلُ، وظلّ المحراثُ معلّقاً إلى أن تزوّجَهُ الصدأُ.

وقالَ الناسُ بعد ذلك بعقودٍ، إنهم لو كانوا يعرفون الفرقَ بينَ الرحيلِ والمكوثِ، لما قالوا شيئاً، وقالوا أيضاً إنهم كانوا سيوفرون أدعيتهم القليلة والساذجة لأيامٍ أشد قسوةً، وقالوا، وقالوا، إلى أن جفّ القولُ على السطوحِ التي من طين، في الحناجر التي من دخانٍ وبكاءٍ مخنوق، تبعثروا من جديدٍ على أسوارِ المدن، غيّروا أسماءهم ولغتهم، غيّروا أشكال وجوههم في المرايا، ولم يغيروها حينَ ينامون فرادى مصابين بالكآبةِ.

سيغرقُ الجنّيُّ في وهمِهِ كعابدِ صنمٍ قديم...
سيقولُ الناسُ يومَها، إنّ الحياة سيدةُ الأمكنة، سيسيرون يداً بيدٍ على ضفةٍ ستنشأُ من تضافرِ الغيمِ والدّمع، سيضحكون حين يعودُ صهيلُ الحصانِ ليسحر الصغارَ ويعلّمهم حدودَ الصوت، ستطيرُ اليماماتُ من حقلٍ إلى حقلٍ حاملةً كلامَ السنابلِ وألوانَ الفراشاتِ كحكاياتٍ لا تُصدَّقُ، سيقولُ الناسُ يومَها أنّ لا حاجةَ للقولِ، وينتهون إلى منازلهم الفقيرةِ في المساء، وستبدو أكثر فخامةً من دعاءٍ مستجاب.



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا جلالة الملك
- موجة حزينة وخجولة
- عشر نساء
- الذئب الذي عاش وحيدا
- حين رأيناك
- دلنا على جثتك كي نصدق موتك
- دع الريشةَ وتعال
- دو ري مي فا
- غزة، الولد الذي سيترك وحيداً بعد أن تنتهي الحرب...
- عندما تنتهي الحرب
- التعب/ الثعلب
- ستبكين أكثر
- في الطريق إلى هناك
- أيُّها الطائرُ الغريبْ
- لماذا تضحك وأنت ميتٌ جوعاً؟
- لا أريدُ شيئاً من هذا العالم...
- مملكة جرجيريا قصة للأطفال
- ربَّما يَحْدُثُ شيءٌ كهذا...
- كلبٌ أعمى
- أقلُّ من بلادٍ قليلةٍ وأقلّْ


المزيد.....




- تحت الركام
- ألعاب -الفسيفسائي- السردية.. رواية بوليسية في روايات عدة
- لبنان.. مبادرة تحول سينما -كوليزيه- التاريخية إلى مسرح وطني ...
- MAJID TV “تثبيت تردد قناة ماجد 2024” .. نزلها في خطوة واحدة ...
- الروائية ليلى سليماني: الرواية كذبة تحكي الحقيقة
- -الرجل الذي حبل-كتاب جديد للباحث والأنتروبولوجي التونسي محمد ...
- شارك في -صمت الحملان- و-أبولو 13?.. وفاة المخرج والمنتج الأم ...
- تحميل ومشاهدة فيلم السرب 2024 لـ أحمد السقا كامل على موقع اي ...
- حصريا حـ 33 .. مسلسل المتوحش الحلقة 33 Yabani مترجمة للعربية ...
- شاهد حـ 69 كامله مترجمة .. مسلسل طائر الرفراف الحلقة 69 بجود ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - يوم قال الناس إن اليأس سيد المكان