أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - دع الريشةَ وتعال















المزيد.....

دع الريشةَ وتعال


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 4600 - 2014 / 10 / 11 - 20:04
المحور: الادب والفن
    


إلى محمود العبادي

دعِ الريشةَ، وتعالَ لنأكلَ شيئاً عندَ مَن تحب، نعم ذلك الذي يصنع لحماً كثير التوابل، ويعلّقُ سورةَ الإخلاصِ فوقَ مفرمةِ اللحمِ بخطِّ ولدٍ صغير، ضحكنا حينَ اقترحتَ عليه أن تكتبها بخطك الجميل، وضحكنا أكثر حين وافق، وشعرنا بالسعادةِ حين اعتبرَ الوجبةَ ثمناً للكلمات، قلت لي: الفن أحياناً يجعلك تأكل اللحم، لا الخبز فقط...

دعِ الريشةَ وتعالَ لنمشي على غير هدى، في سوق الزاوية، لا أعرف لماذا كانت بائعاتُ الفجلِ يبتسمن لك مجرد أن تطلّ، ويعطينكَ الأشياء بالسعر الذي كنت تطلبه، حتى بائع الترمس ذاك، ألقى حفنةً في يدك وقال: والله ما هي راجعة... لماذا؟

دعِ الريشة ولنكن جدّيين قليلاً،
ـ لماذا لم تلحن الكلمات إلى الآن؟
ـ لحنتها منذ سنة ونصف، لكن فيها جملةً لا تعجبني لذلك لم أسمعك إياها...
ـ لعنة الله عليك كلما هزت ريشة أوتار عود
كنت تضحك فقط، وتقول هيا بنا...

دع الريشة وتعال لنسوق البحر إلى رمله، تجري وتجري وتجري، وتلملم الصدف عن الرمل، عينك الوحيدة تلتقط ما لا نلتقط، وتترك الشاطئ حزيناً بعد أن تفتح صوتك، لم يسمعك أحد يمشي على الشاطئ إلا وقف، لم يسمعك أحد يسبح إلا خرج من الماء، لكني إلى الآن لم أعرف كيف كانت ذاكرتك تنتقي، كنت تنسى كل الكلام معظم الوقت، لكن لم يحدث مطلقاً أن نسيتَ نغمةً في مقطوعة موسيقية حتى أنّكَ عدّلتَ نغمةً في سيمفونية لبيتهوفن، وحين اختلفنا وفحصنا الكاسيت القديم، وجدنا فيه قطعاً بمقدار ملليمتر واحد.

دعِ الريشةَ وتعالَ إلى كوخ البوصِ في بيت خالد عبد الله، حين كنا نتركُ الشواءَ ونلتهم ما تفعله بيديك
تضع قليلاً من كل شيء مع أعشابٍ تلتقطها من بين السبل، فتصنعُ وجبةً إلهيةً وتسرق أذواقنا في جيبك
ثم يتغير مزاجك حين يمرّ جندي، فتتكربسُ الأغاني على بابِ صوتك، وترفض الخروج، رغم رجاءاتنا الذليلة، وأنت تضحك وتقول: تعرفون أن الغناء مزاج، المرة الوحيدة التي أجبرناك فيها على الغناء، حين قال لك أخي بعد حفلة الشواء: أتينا بك إلى هنا، أكلنا، وشربنا، والليلة صيفية بقمر مكتمل، ونجلس في حقل سنابل خضراء، وأنت لا تريد أن تغني؟ لديك ثلاث دقائق لتغني وإلا أقسم بأولادي أنني سأحفر حفرة وأدفنك مع صوتك هنا...
غنيتَ يومها كما لم تغنِّ من قبل...
فقال أخي: طبعاً كنتُ أمزح، كنتُ سأدفنك أنت، وأبقي رأسك خارج الحفرة لتظل تغني.

دع الريشة حرةً، لا تستمع إليّ، كم ريشة عودٍ أضعتَ؟ مليون ربما؟ ليست مبالغة... اقترحتُ عليكَ أن تربط الريشةَ بخيطٍ في العودِ حتى لا تضيع، ولم تضع بعد ذلك أبداً، وذات يوم، قلتَ لي: حلمتُ بالريشةِ تبكي تريد حريتها، واشتكت لك مني وقالت: لا تستمع لاقتراحات صديقك فيما يخص الريشات، وكتبتَ قصةً قصيرة عن ريشتكَ، أذهلتنا جميعاً.

دع الريشةَ وتعالَ لآخذك إلى طبيب العيون، عينك اليمنى لا ترى، أعرفُ أن جندياً طاردك في الانتفاضة الأولى، وأن سلكاً شائكاً أصاب عينك وأنت تقفز السياج، ذهبتَ إلى الطبيب فضحك، وقال: حالتك هذه كان يجب أن تأتيني قبل أن يمر أسبوع، وتأتيني بعد خمس سنوات؟، خرجتَ وقلت: الآن فهمت لماذا خلق الله لنا زوجاً من العينين، حتى ترى بواحدة حين تنام الأخرى.

دع الريشة، وقل لي، كيف حملتَ زيراً مملوءاً بالرمل لا يمكن لثلاثة رجال حمله؟ فاجأتني: سأحضر لك شتلة ريحان... قلت لك على الهاتف: أنا لست في البيت، ضعها على الباب، وحين عدت إلى البيت وجدت شجرة ريحان أمام الباب، لم أستطع إدخالها حتى استعنت بالبواب، قالت زوجتي يومها: هذه شجرة لنجلس تحتها، لا لنشمها...

دع الريشةَ وحاول أن تحسّن ذاكرتك
ـ هذا اسمه حسين يا محمود، ألف مرة قلت لك ذلك
ـ يا أخي إن ملامحه لا تعلق في الذاكرة، قل له أن يغير ملامحه لأتذكره

دع الريشة وتعال، واحمل حمقك الأبدي حين تتنازل عن كل شيء ببساطة، حين ذهبت وزرتَ الشيخ إمام في منزله في خوش قدم، التي يلفظها المصريون حوش آدم، وأحزنك أن عوده يصدر صوت زقزقة من قدم الخشب، فأهديتَهُ عوداً فخماً في زيارتك التالية، ولم يجد الشيخ إمام سوى عوده القديم ليهديك إياه، وسألتك: وأين هو العود، إنه كنز، قلت لي: مش عارف مين أخدو والا يمكن انا نسيتو في مكان، فشتمتك شتيمة لا أستطيع كتابتها هنا.

دع الريشةَ وتعالَ لنبكي على علاء كاتبة، وعلم الدين شاهين الذي كنت تعبد جماله، كان صغيراً وجميلاً مثل قط، وحين كنت ترفض أن تغني، كنا نتآمر ونجعل علم الدين يطلب منك أن تغني: الحلوة الحلواية تعبوا زنودها، وكنت تغني...

دعِ الريشةَ وتعالَ لنضحك ممن يسرقون ألحانك ويسمعونك إياها لتقول رأيك فيها، ما زال ذلك الرجل مقتنعاً أنه أجمل لحن صنعه في حياته لأنك قلت له ذلك، وحين خرجنا وسألتك: كيف تقول له هذا وأنت تعرف أن اللحن لك ومسجل على كاسيت أيضاً منذ سنوات، قلتَ ببساطة: خليه ينبسط على حالو...

دع الريشةَ، وقل لي: كيف احتملت أن تعمل على البدالة في تلفزيون فلسطين؟ وكيف احتملت أن تكون خارج قسم الموسيقى في التلفزيون؟ ولماذا لم أسمعك تشتم أحداً طوال هذا الوقت؟

دع الريشةَ وتعالَ كي نسجل الأغاني في الاستوديو، أعرف أنه لا مزاج لديك، كما معظم الوقت، لا تطلب مني أن أغير الكلمات، تلك العادة السيئة التي كانت تلازمك، تعال لنسجل كتبتك ع صوت الريح، ميل زهرو وبوس كفي، آه يمة، على إيدو هدو النجمات، صاحي يا قلبي، ميلي يا سمرة ميلي، من كحل الليل، يا ستي يا ستيتة، يا حلم يا مدفي التلج، جوات الجنينة، طاير على موج الفرح، بلادي يا عرق الريحان، فتح صبحك عالمية، حسون غرد سكت، مال الشجر عالشجر، بحلم يطلعلي جناحات، يا سمانا يا زرقة، نيمتك في العلية، عروستي يا ام الجدايل، قيمو الغول، البرغوث البني، طاق طاق طاقية، تهليلة ميلاد الأميرة، الجنيات السبعة، تمنينا وتحنينا، عيب الشوم عللي بيخاف، تعبانة من الكلمة، إنزل يا ضو الشموسة، مين اللي يتحدانا، على صوت الشبابة، غنوا، يا ربي تمطر يا رب، يا مطر مع السلامة، صرصر، جينا وجبنا معانا العود... تعال...

دع الريشةَ وتعال لنكلم الأطفال، لم أر شخصاً في حياتي يفهمه الأطفال في أقل من لحظة، ويصبحون أصدقاءه إلى الأبد، مثلك، كلهم كانوا ينادونك: محمود، أمهاتهم يقلن: عيب يا ماما، اسمو عمو محمود أو أستاذ محمود، كان الأطفال يضحكون، ويقولون: قلنا له أستاذ محمود فشد شعرنا كأننا ارتكبنا خطأً لا يغتفر وقال: تعيدوهاش...

دع الريشة وتعال لنغيظ جمال أبو القمصان في الجاليري، ونصنع أغنية في أقل من عشر دقائق، ليرفض أن يدفع لنا ما اتفقنا عليه، ويقول: إضحكوا علية شوية، قولوا لي إنكم سهرتم ليلتين وأنتم تؤلفون وتلحنون، وأنت تنظر إليه وتغني:
يا عصفوري عالشباك
غني وانا بغني معاك
ولما تغني الفرح يطل
وتطلع وردة من الأشواك
يبتسم جمال بلؤم وطيبة، ويقول: مشكلتي معك يا عبادي إني ما بقدر أقاومك لما تضحك...

دع الريشة وتعال، وغني لناصر المزين ضاع شادي... وستفتش عنها يا ولدي... ودعه يقول: يا غراب البين والطم عالشجر، كم مرة صرخ عليك ناصر وقال لك: لو أن لي صوتك وقدرتك على التلحين لكنت الآن أشهر مطرب في العالم، وكنت ترد ببرود: لسة العمر طويل على ايش مستعجل يا أبو محمود...

دع الريشة وتعال لنلتقي عبد المنعم عدوان، لتتجادلا في الموسيقى، في أغنية يصنعها الجميع، أنا وأنت وسيف الدين شاهين ونعيم الخطيب، كان وزنها سهلاً، وبيتك كان يجعل الشعر أكثر طواعية:
زرعو الورد
في صدر الأرض
بلّو جناحاتو مية
خيل ترمح
ورد مفتح
فوق خدود الصبية

دع الريشة وتعال، لنذهب إلى عثمان حسين، ونغني له الأغنية التي ألفناها حين تأخر على حفلة عيد ميلاده، ألفناها لكي نغيظه، وحين غنيتها له قال: جميل جداً، متى ستسجلونها وتهدوني نسخة منها؟

دع الريشة وتعال لتلقي السلام الأخير على أصدقائك جميعاً، على خالد شاهين ووليد اللوح وناصر المزين ونعيم الخطيب وجمال أبو القمصان وناصر رباح وعثمان حسين وهشام أبو عساكر ويوسف القدرة وإيناس السقا وأيمن أبو عبده ومحمود الشاعر وأسعد الصفطاوي ومحمد الشيخ يوسف وأحمد بعلوشة ورائد شنيورة وعشرات الأسماء الأخرى التي عشقت كل نغمة تخرج من فمك...

لا تستمع إليّ، وخذ الريشة معك، فالملائكةُ في السماء كانت دائماً في انتظارك لتغني هناك، بعد أن حسدت الأرض عليك...
نم يا صديقي قليلاً... فقد أتعبتك الحياة أكثر من قدرة شخص واحد على التحمل، ولا تنزعج من طلبات السماء الكثيرة، فهي أيضاً تحب الغناء...

الثاني والعشرون من أيلول 2014



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دو ري مي فا
- غزة، الولد الذي سيترك وحيداً بعد أن تنتهي الحرب...
- عندما تنتهي الحرب
- التعب/ الثعلب
- ستبكين أكثر
- في الطريق إلى هناك
- أيُّها الطائرُ الغريبْ
- لماذا تضحك وأنت ميتٌ جوعاً؟
- لا أريدُ شيئاً من هذا العالم...
- مملكة جرجيريا قصة للأطفال
- ربَّما يَحْدُثُ شيءٌ كهذا...
- كلبٌ أعمى
- أقلُّ من بلادٍ قليلةٍ وأقلّْ
- على من سأبكي أولاً؟ قصة قصيرة
- وجاء في كتابِ البلاد
- محمد عساف: أذهب بعيداً حيث يحلق البلبل
- خالد يطلق العصافير قصة للأطفال
- مثل كركزانٍ حزين
- غْزِيْزْلِة وخْنِيْنِص قصة للأطفال
- أنا من سرقتُ الخيلَ


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - دع الريشةَ وتعال