أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - مثل كركزانٍ حزين














المزيد.....

مثل كركزانٍ حزين


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 4068 - 2013 / 4 / 20 - 22:18
المحور: الادب والفن
    


رقصتَ، رقصتُ، اندلعَ الأفقُ كشهوةِ نجمٍ بعيد إلى هبوطِ قريب، رأينا تجلّياً لا تقيسُهُ العاطفة، برقاً أزرق، تعابير بنفسجية تنحني على الرمل كأمٍّ على سرير ابنها، غيوماً زهريةً تعبّئ النهرَ وتعينُهُ على المضيِّ كموظّفٍ عيَّنَتْهُ السماءُ لتُشهِدَ الأرضَ على جمالِها، عبأنا أرواحَنا بموسيقى الكونِ، لم يكن من مكانٍ باقٍ في قدرتنا على الرؤيا حين نزَّ الفجرُ من ثقوبِ الليل، الرقصُ أعادَ خلقَنا، فوُلدنا منفيَّينِ، بطقوسٍ تتجدّدُ وورداتٍ دائمة النضارةٍ في مرمى العين.

رأيتُكَ، لم يخبرني أحد بذلك، بجناحين فضيّين، وصرخة يابسة بسببها زمَّمتَ عينيكَ في تعبيرٍ يأخذ شكلَ الألم في اللوحات الكلاسيكيّة، كنتَ لا تزال في الطريقِ إلى السماء، وجناحاكَ يخفقان ببطءِ مَنْ لا يعرف إلى أين سيذهبْ، لم تكن مكترثاً للقبكَ الجديد كشهيدٍ أخير، وكل الوقت كنتَ تنظرُ إلى الأسفل كمن يودّعُ أمّهُ متوقّعاً غياباً طويلاً، وحينَ سألتُكَ قبلَ أن تختفي بلحظاتٍ خلفَ الغيومِ السوداء التي اقتربَتْ بشكلٍ مزعجٍ من الأرضِ قلتَ: أريدُ أن أحفظَ هذه الأرض غيباً، فلا يمكنني تصوّر عالَمٍ أكثر جمالاً، حتى وإن كنتُ ذاهباً إلى الجنة، وفي اللحظة التي اختفيتَ فيها بجناحيكَ الفضيّين، ظهر في الأفقِ سربُ حساسين، كأنكَ تفكّكَتَ إلى عصافيرٍ وماء، أما أنا، فنظرتُ إلى الأرضِ مثلكَ تماماً، محاولاً أن أصطادَ فكرتك.

أومأتَ كشعاعٍ بنفسجيٍّ طارئ: لي أفقُ يشبه فيلماً على شاشة سينما، أراه ولا أستطيع العبورَ إليه، خسفتني دهشةٌ من كلماتِكَ التي لا صوفيّةَ في مفرداتِها، ضحكتَ: الصوفيَّةُ لا تُتَرجمُ ولا تُقالُ، الصوفيةُ رقصةُ والرقصُ كلامُ الجسدِ مع الليلِ، لا معنا.

عُدتَ مخبوزاً كرقاقةِ قمحٍ بالحرّيةِ والعسل، نساء جميلاتٌ في أقبية المدينة أحببنكَ، استبدلن النبيذ بأحلام معتقة على رفوف المطابخ، وأحببنكَ، عشنَ حياةً بليدةً وأحببنكَ، دسنَ على شوكٍ يفصل بين الحلم والحقيقة، وأحببنكَ، جميعهنّ عرفن أنهن فقط حين يحببنك بهذا الوجدِ الذي يخلو من جسدٍ وروحٍ وبرزخٍ، كأنه حبٌّ معلّقٌ في الهواء، حينها فقط، يمكنهن احتمال الحياة.

قلتَ: تكفيني ابتسامةُ أمي، لا أريدُ الحفلَ بموسيقاه الصاخبة، تكفيني وردة الحنونِ، لا أريدُ غاباتٍ من البنفسجِ على ضفّةِ نهر، تكفيني جرعةٌ من ماء المطر، لا أريدُ غيمةً على يدي، يكفيني ولدٌ يضحكُ من حكايتي، لا أريدُ أن تعرفني بقية اللغات، يكفيني ضوءُ الشمس قبل الفجر بقليل، لا أريدُ أضواءً بألوانٍ لا أعرفها، تكفيني لمسةُ جدّتي في مكانِ الوجعِ، لا أريدُ طبّ المدن، يكفيني فنجانُ قهوةٍ على حطبِ البرتقال، لا أريدُ خدمةً بابتسامةٍ مدفوعةِ الأجرِ، يكفيني ملحُ البحرِ حينَ يعبّئ الهواء، لا أريدُ حدائقَ لا أعرفُ آخرها، يكفيني وطنٌ، لا أريدُ جغرافيا، يكفيني أن أعرفَ أحبتي القليلين، لا أريدُ جمهوراً من أرقامٍ، وأنا لملمتُ صداقتي معكَ في كيسٍ من خرافة، واستسلمتُ لوظيفتي: أن أكون راويَ جنونِكَ.

وسألتكَ ببلاهة المرتاحين على أسرّة المعرفة: لماذا متَّ وقد أينعت الحياة في راحتيك غزلاناً وطيناً خصباً، فأسنَدْتَ غيمةً هابطةً براحتيكَ وبكيت، وانتشرتَ كعطرٍ في الهواء، وكأنّكَ تقول: حين نموت لأجل البلاد، نموتُ كي نثير الأسئلة، لا لكي نصنع الإجابةَ جاهزةً لمن يعيشون جاهزين كلعبةِ السبعة أحجار، وعدتَ وبدَّلتَ عطرك بالموسيقى، وخفقتَ قرب الشمس مثل كركزانٍ حزين، لم ألمح إلا بعد أن غادرتَ أن عينيكَ كانتا كل الوقت معلقتين ببيت صغير أمامه ظبية وكلب رعاة، كانت الآلة تقضمه قطعةً قطعةً، ولهذا كانت الغيمة التي أسندتها بيديك تهبطُ إلى الأرض لتصب في مجاري الدمع، رفعتها لأنك لم تكن تريد دمعاً، ولم تمت من أجل هذا.

كلّ فجرٍ، أراكَ تعيدُ يدكَ إلى جيبكَ كتلميذ يخبّئُ رسالةَ امرأةٍ حينَ فاجأهُ المدرّسُ، وكلَّ فجرٍ كنتُ أعيدُ الحكايةَ بصوتٍ مسموعٍ كي لا أنسى، وصدّقني: ما عدتُ أعرفُ أينا الحكاية، وأينا من يرويها.

السابع عشر من نيسان 2013



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غْزِيْزْلِة وخْنِيْنِص قصة للأطفال
- أنا من سرقتُ الخيلَ
- سامر العيساوي، لم أرَ من قبلُ جيشاً في نظرةِ عين...
- استشهد ميسرة أبو حمدية، ماذا عن الآخرين؟
- أنا مَنْ قالوا لكِ عنْهُ
- أجل، ستناغيك الوردة
- فيما كنتُ بذرة موسيقى
- تدمر دمشق تدمر
- يا صاحب المقام
- وليد يريد أن يكون قائد سفينة قصة للأطفال
- كيف حالُكَ؟
- الرصاص المكتوب
- لم يأتِ أحد
- هذا الفراغ، هذا الامتلاء
- أريد أن أكون حراً وجائعاً...
- ذاكرة رجل آخر قصة قصيرة
- يا الدمشقيُّ!!!
- كسيّدٍ غيرِ مهذَّبٍ هو الحنين
- الإساءة للرسول، الإساءة للعالم
- ما يحدث في فلسطين لم يحدث بعد


المزيد.....




- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - مثل كركزانٍ حزين