أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - لم يأتِ أحد














المزيد.....

لم يأتِ أحد


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3898 - 2012 / 11 / 1 - 23:07
المحور: الادب والفن
    


غزةُ وليدةٌ، أنجبتها أمها وحيدةً على الرمل، استعارت أكاليل الغناء من ملائكةٍ مروا هناك مصادفةً، أحاطت جسد الوليدة بالنايات، وغسّلتها بالزيتِ المقدّسِ ومسّدت ذراعيها بالقبلات، مشّطت شعرها القليل بأصابعها، وانتظرت على ممر القوافلِ مليونَ سنةٍ، ولم يأتِ أحد.

غزة طفلة، زوّقت السقف من أجل ميلادها، أحصت الشموع ألف مرة، غطت المائدة المهترئة بأوراق هدايا كي لا تراها صديقاتها، استعارت آنية من جاراتها كي تعجب المعلّمة التي سترافق ابنتها إلى الحفل كما وعدت، غطت الشق في جدار البيت القديم بألوان مدرسية، ارتدت فستانها الذي كانت تنظر إليه في الخزانة كل ثلاث دقائق، فكت جدائلها لتبدو أجمل بشعرها المتطاير، لمّعت حذاءها، ربطت شريطاً أحمر حول الفتحة في جوربها الأبيض، رفعت صوت الموسيقى كي تناسب جو الحفلات، وحدها ظلت هناك، ولم يأت أحد.

غزة، تفرك عينيها بالياسمين هذا الصباح، وترتدي قرطاً بلون البحر، وفستاناً للعيد بزركشاتٍ شجرية وملمس مخملي، تتهيأ لزيارة أولادها، أعدت الحلوى ككل عيد، الشاي والقهوة وعصير البرتقال على الطاولة أيضاً، والخبز البيتي بجوار أطباق اللبنة والزيت والزيتون الذي لم يتخلل إلى النهاية بعد، صينية الفاكهة، الشبابيك مفتوحة، والأرض مرشوشة بالعطر والحيطان منمقة بالحنّاء، غزة تنتظر، ولم يأت أحد.

غزة تعتني بحديقتها، لا يجوز أن يأتي العاشق ويرى العشب مهروس تحت أقدام الغرباء، أو يرى وردةً تذوي على غصنها، بللت التراب بماءٍ معطّرٍ بالأدعية، شذبت كل غصنٍ ناشزٍ عن أمّه، رتّبت حجارة السورِ بفنيّةِ امرأة محبة، رتبت قنوات الماء الصغيرة بين الأحواض، نظفت النعناع والحبق ورقة ورقة، وضعت كومة سكّر في زاوية الحديقة كي تلهي النمل عن جذور النبتات الضعيفة، أعطت الدعسوقات [أم سليمان] الحريّةَ في المكان، الفراشات تعاطفن معها وملأن الهواء بالألوان، نفّضت أعشاش العصافير، وجلست مقابل الباب، ولم يأت أحد.

غزة تجهز أغنياتها للعرس، تدعو الجميع، تقطف برتقالاتها بعناية عن الشجر، "اللوج" جاهز للمدعوين، شاشتها البيضاء، ثوبها المطرز بحرير "مونس"، حزامها المرصع بالزغاريد، ورقصتها العجيبة المرافقة ليدين تلوحان في الهواء كمن يقطف أقماراً، شراب الليمون في القدر الكبيرة وأوراق الليمون اللامعة تسبح على سطحه، الزينة معلقة بشكل قطري، ورود وخراخيش أطفال، علب الملبس المملوءة بأدعية قديمة، كل شيء جاهز، ولم يأت أحد.

غزة تهيئُ تابوتاً من خشب المندلينا
تعدّ جنازتها قرب البحر تلضمُ الفصول كمسبحةٍ في عنقِها
ودون دعوةٍ يأتي الجميعُ
ولم يتأخر أحد.

الحادي والثلاثون من تشرين أول 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا الفراغ، هذا الامتلاء
- أريد أن أكون حراً وجائعاً...
- ذاكرة رجل آخر قصة قصيرة
- يا الدمشقيُّ!!!
- كسيّدٍ غيرِ مهذَّبٍ هو الحنين
- الإساءة للرسول، الإساءة للعالم
- ما يحدث في فلسطين لم يحدث بعد
- ضياع الحلم الفلسطيني
- معرض أزمات الشرق الأوسط
- مُتْ، فنحن لا نجيد التعامل مع الأحياء
- الفن والمحاكمة الأخلاقية
- علِّموا أبناءَكُم
- حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً
- ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة
- يُعيدُ الشّارعَ إلى وَعْيِهِ
- السُّقُوْطُ كقِطْعَةِ لَيْلْ
- امرأةُ اللاشيء، امرأةُ كلِّ شيء
- يوماً، ستعودُ المدينةُ إلى وردِها
- ما قالَهُ ابنُ عمروٍ* لحِصانِهِ جوارَ النَّهرِ
- وبي حزنٌ قديمْ


المزيد.....




- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - لم يأتِ أحد