أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد جمعة - الإساءة للرسول، الإساءة للعالم















المزيد.....

الإساءة للرسول، الإساءة للعالم


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 01:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في تاريخ البشرية رموز كثيرة، لها احترامها لما قدمته للعالم على كل المستويات، ولكن هناك رموز لها هالة قدسية أكثر رسوخاً من بقية الرموز، وهي الرموز الدينية، وتزداد هذه الرموز قداسةً كلما ارتفعت مكانتها في سلم الديانات، إلى أن تصل إلى الرمز الأكثر قداسة في كل ديانة: رسول هذه الديانة، الذي أتى بها من الأصل، وبفضله انتشرت، وهو الذي يكون في وقت حضوره قد شرح تفاصيلها التي لم يشرحها الكتاب الذي أتى به هذا النبي من كلام الله، ولذا، فإنه يحظى بالتقديس الأعظم نتيجة صلته بالله، فهذه ميزة لا تتوفر للبشر في كل عصر، وبالتالي فإن من تحدث معه هذه المعجزة، يكون أقرب للتقديس من غيره.

لا أكتب هذا المقال لأدافع عن النبي الكريم محمد بن عبد الله، فهو ليس بحاجة إلى دفاعي الضعيف أمام مسبات تسيء إلى تاريخ الإنسانية أكثر مما تسيء إليه، هو الذي كان متسامحاً مع أعدائه أكثر مما كانوا متسامحين مع أنفسهم، ولكني أكتب لأذهب في اتجاه الأخلاق الإنسانية، تلك التي ترفض النيل من الرموز التي يتبعها عدد كبير من الناس، لما تمثله هذه الرموز على المستوى الإنساني والحضاري.

في رواية شيفرة ديفنشي، يكتشف بطل الرواية في نهايتها أن المسيح كان له إبنه من مريم المجدلية، ويكتشف الدليل القاطع على ذلك، ويعرف المكان الذي يوجد فيه هذا الدليل، لكنه بشكل عبقري وإنساني معاً يقرر ألا يكشف هذا السر قائلاً: لماذا أفسد إيمان الملايين الذين يشعرون بالراحة لمثل هذه الفكرة، وفعلاً تنتهي الرواية دون أن يكشف ما اكتشفه.

وفي معرض الحديث عن الفيلم المسيء للنبي محمد، وهي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، فمن قبل صنعت أفلام عديدة تسيء إلى الإسلام، وكُتبت روايات وتم إنتاج رسومات كثيرة تتهجم على روح الدين الإسلامي، وهذا الفيلم يعد امتداداً لتلك الظاهرة، فلماذا نشأت هذه الظاهرة من الأساس؟ ولماذا يحاولون تشويه أحد الديانات الرئيسية الثلاث في العالم؟ ولماذا من الأصل تتم التعبئة الدينية في كل دين ضد الديانة الأخرى؟ فهل فعلا الحقد المتولد في الديانات على الديانات الأخرى له ما يبرره؟ وهل يكفي مثلاً أن نقول إن المسيحية متسامحة كي يسلك المسيحيون سلوكاً متسامحاً؟ وهل يكفي أن نقول إن الإسلام يحترم الديانات الأخرى ليقوم المسلمون باحترام الديانات الأخرى؟

الفيلم الأخير الذي تعرض للنبي محمد، لم يكن فيلماً مبنياً على وجهة نظر، بل كان فيلماً حاقداً بشكل واضح، يسخر من النبي المسلم ومن طريقته في أداء الرسالة، ومن تعدد زوجاته، بل إن الرسالة هي اختلاق من الأساس كما يشير الفيلم، وكذلك يوصي أتباعه بأخذ كل ما هو ليس مسلم وبيع الأولاد والنساء اللواتي يزدن عن حاجتهم في الأسواق، فهل هذا فعل إسلامي حقاً؟

أريد العودة قليلاً إلى العهد القديم، التوراة، وماذا يقول رب الجنود في سفر صموئيل: "هكذا يقولُ ربُّ الجنودِ: إني قد افتقدتُ ما عمِلَ عماليقُ بإسرائيلَ حينَ وقفَ له في الطريقِ عند صعودِهِ مِنْ مصرَ، فالآنَ اذهبْ واضرِبْ عماليقَ وحرِّمُوا كلَّ ما له ولا تعفُ عنهمْ بل اقتلْ رجُلاً وامرأةً وطفلاً ورضيعاً بَقَرَاً وغنماً جملاً وحماراً" التوراة، سفر صموئيل الأول الإصحاح الخامس عشر، ماذا يمكن أن نسمي هذا؟ بالطبع لا أريد أن أشرح ما هو واضح من الإصحاح السابق، وهل يقارن هذا بأقسى آية تدعو إلى القتال في القرآن الكريم؟. وبالمقابل، أين يقع هذا من تحذير النبي لصحابته وهم ذاهبون إلى الحرب: لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة، ولا تروّعوا آمناً، ولا تقطعوا شجرة...

وهل يقارن زواج النبي محمد بما فعله داوود بنسائه ومحظياته اللواتي اختلف فيهن العدّ لكن أقلّ عدد ذكر عنهن كان سبعمئة، وليس ثلاثة عشر كما قيل عن النبي، وهذا مذكور في التوارة نفسها، نعم إنها التوراة التاريخية التي وضعها أحبار اليهود بعد وفاة موسى بثمانية قرون حسب اعتراف مؤرخيهم الجدد، ولكن هذا أدعى لأن يكون هذا التاريخ مصفى من الأخطاء التي ارتكبها أنبياء بني إسرائيل، لكن يبدو أن هذا يشكل فخراً لهم وإلا لما كانوا أوردوه في توراةٍ وضعت بعد وفاةِ نبيهم.

شيء آخر مهم، على الغرب نفسه الالتفات إليه، لماذا يعترف الإسلام بجميع الديانات، وبحق أصحابها في ممارسة شعائرهم، وذلك في أساس الدين الإسلامي، ولا يحدثني أحد عن سلوكيات هنا وهناك، فيما لا تعترف الديانات الأخرى بحق الإسلام في الوجود؟ لماذا عليّ أن أؤمن بديانات قتلت أنبياءها جميعاً تقريباً حسبما يقول أتباعها عن أنفسهم، فيما لا يؤمنون هم بحقي في الوجود من الأساس؟

في كتاب عالم النفس النمساوي كارل غوستاف يونغ "الأصول الوثنية في الديانة المسيحية" يوضح يونغ كم الممارسات التي دخلت إلى الديانة المسيحية من خارجها، بما فيها خشبة الصليب التي يصلي لها المسيحيون وقد صلب نبيهم افتراضياً عليها، ويوضح كذلك كيف دخلت شجرة عيد الميلاد إلى صلب طقوس الديانة المسيحية، في الوقت الذي يدّعي متشددو هذه الديانة أن هذا كله حدث مع المسيح نفسه، فمن يصدق نفسه في هذا، كيف يمكن له أن يصدق الآخرين؟


لكن العرب والمسلمين أنفسهم عليهم الانتباه إلى أن فكرة الإساءة إلى النبي والإسلام لا تحتاج إلى فيلم واضح كهذا، ففي معظم أفلام هوليود تقدم صورة نمطية عن العربي والمسلم فيما لا نرد نحن بأي طريقة غير السباب والشتائم، بل ولم يعجبنا حين قدم المخرج الأمريكي سبيلبرغ فيلم مملكة السماء، وقدم صلاح الدين الأيوبي بتلك الصورة التاريخية الرائعة، فقلنا: صلاح الدين كان أفضل من ذلك، ولم يعجبنا كذلك الفيلم الذي قدمه دينزل واشنطن عن حياة مالكوم إكس الذي نشر الإسلام في أمريكا فترة الستينيات، وبالمقابل لم ننتج فيلماً يحظى باحترام العالم، وفيلم الرسالة ومسلسل عمر بن الخطاب، وإن كانا يشكلان عملين مهمين، إلا أن التاريخ الطويل والمال المتدفق في العالم العربي والإسلامي يسمح في تصوري بعمل الكثير والكثير ليتم خدمة الفكرة الإسلامية بدلاً من السماح لأفلامهم فقط بغزو العقل الأوروبي والأمريكي، فمن يتبنى نظرةً واحدة، لا يمكن لومه حين لا يشاهد النصف الآخر من وجهة النظر كي يقارن ويقرر.

وأعود إلى الفيلم، وعلاقته بالديمقراطية وحرية الرأي، هذه الثيمة التي تشهرها المنظومات الغربية في وجوهنا كلما صدر عمل يسيء إلينا كعرب، فإذا كانت الديمقراطية تعني أن نسيء إلى كل من لا نحبهم، أو حتى إلى أعدائنا، فدعوني أتساءل: أليس من الديمقراطية الحديث عن الهولوكوست؟ أليس من الديمقراطية الحديث عن علاقة اليهود بقتل المسيح؟ أليس من الديمقراطية الحديث عن مقتل راشيل كوري؟ أليس من الديمقراطية الحديث عن الأسلحة النووية في إسرائيل وأمريكا؟ أليست ديمقراطيةً أن نفتح ملف العصور الوسطى والحروب الصليبية؟ أليس من الديمقراطية مراجعة السلوك اليهودي في أوروبا خلال القرون الثلاثة الأخيرة قبل نقل مشكلتهم إلى فلسطين؟ أليس من الديمقراطية مناقشة علاقة الصهيونية باليهودية؟ أليس من الديمقراطية مناقشة تفاصيل الحادي عشر من سبتمبر؟ أم هي ديمقراطية القوي وعدم قدرة الضعيف على الدفاع عن نفسه؟

يمكن للسلطات في أمريكا والغرب أن تسمح تحت بند الديمقراطية باستمرار مثل هذه الأعمال التي تسيء إلى مشاعر المسلمين ورموزهم، ولكن ليس عليها أن تسأل بعد ذلك عن سبب الكراهية التي تتعمق تجاهها من قبل العرب والمسلمين، فسؤال مثل هذا سيكون ساذجاً ويشبه سؤال: ما الذي أغضبك حين اغتصبتُ أمك؟

الرابع عشر من أيلول 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما يحدث في فلسطين لم يحدث بعد
- ضياع الحلم الفلسطيني
- معرض أزمات الشرق الأوسط
- مُتْ، فنحن لا نجيد التعامل مع الأحياء
- الفن والمحاكمة الأخلاقية
- علِّموا أبناءَكُم
- حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً
- ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة
- يُعيدُ الشّارعَ إلى وَعْيِهِ
- السُّقُوْطُ كقِطْعَةِ لَيْلْ
- امرأةُ اللاشيء، امرأةُ كلِّ شيء
- يوماً، ستعودُ المدينةُ إلى وردِها
- ما قالَهُ ابنُ عمروٍ* لحِصانِهِ جوارَ النَّهرِ
- وبي حزنٌ قديمْ
- وَرَأَيْتُهَا
- مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة
- ما لا يعرفه أطفال غزة
- توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة
- يوقظُني حلمُكِ من نومي
- إعتذار شخصي لهناء شلبي


المزيد.....




- إيران تستهدف مستشفى سوروكا في تل أبيب.. وإسرائيل ترد بتصعيد ...
- قبل إعلان ترامب عن مهلة لإيران.. مصادر تكشف لـCNN عن تحركات ...
- تحليل لـCNN: هل يستطيع الكونغرس منع ترامب من ضرب إيران؟
- -كتائب حزب الله- العراقية تتوعد ترامب إذا ضرب إيران: ستخسر ك ...
- صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل للتحذير من هجوم صاروخي إيراني ...
- غروسي: إيران لم تكن تصنع قنبلة نووية عند بدء الهجوم.. لا تنس ...
- 34 شهيدا في غزة منذ فجر اليوم أغلبهم من المجوعين
- الرئيس الأوكراني يعيّن قائدا جديدا للقوات البرية
- شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ ...
- وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد جمعة - الإساءة للرسول، الإساءة للعالم