أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة














المزيد.....

ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3716 - 2012 / 5 / 3 - 14:17
المحور: الادب والفن
    


بذهولٍ وقفَ على رأسِ الجرفِ، ينظرُ إلى جسدِ الفرسِ الذي تحطَّمَ على الصخورِ المسنَّنَةِ أسفلَ الوادي، دمعتان كبيرتان تنحدِران من عينيه، والوقتُ صارَ غُباراً، انتحرت الفرسُ البيضاء!!!

وُلِدَتْ من ذاكرةِ فرس، فالأحصنة تولدُ في ذاكرات أمهاتها أولاً، لذا تقف على أقدامها بمجرد أن تولد، لأن كل ما يسبق ذلك تكون قد عاشته في ذاكرة أمهاتنا ثم في أرحامها بعد ذلك.

عالمها مدجج بالأحراش والشجر، أشعلوا النار في ثلاث جهات والمصيدةُ في الرابعة، عَلِمَتْ أنها مصيدة، لكنها لم تملك خياراً، وبيعتْ كما تباعُ الأفراسُ دائماً بعدَ صيدِها، المروَّضةُ أغلى ثمناً، لكنَّ من اشتراها رغبَ من الأصلِ في فرسٍ بيضاء غير مروّضة، صنعَ لها اسطبلاً جميلاً، ولم يحاول ترويضَها، إلا أنه حاولَ التقرُّبَ منها دائماً، إلى أن صارتْ تمشي جوارَهُ دونَ سرجٍ أو لجام، أحبَّ حريَّتَها وأحبَّت رقَّتَهُ وسعادَتَه حين يراها تركضُ في السهول القريبة، تعتلي السفوحَ وتهبطُ مثل شلالِ غيمٍ بعرفِها غير المقصوص، وهي تمطُّ رقبتَها إلى الأمامِ كأنها على وشكِ الطيران، يراها فيمتلئُ قلبَهُ بالفرح، وهذا كلّه لم يكن يعادلُ فرحته حين تعودُ إليه، فقد جرَّبَ أكثرَ من مرةٍ أن يتركها حرَّةً، فكانت تمارسُ جنونَها وعنفوانها مع الفضاء، لكنّها تعودُ إليه في النهاية.

كان اتفاقاً غير مكتوب بين عينيه وعينيها الواسعتين، أن يعطيها حريَّتها، وأن تعطيه هذا الفرح الكبير، وأخذت الشهور تمرُّ كلعبةٍ في يدِ ساحرٍ متمكِّن، وبدا أن الأبدَ توقَّفَ عند قدمِ السهلِ الذي ينتهي بسلسة الهضابِ تلك محدودةً بالأوديةِ حولَها، لقد بدت السعادةُ التي خفقَ بها قلبه سعادةً لا تنتهي، ولن تنتهي.

يومَها، انطلَقَتْ كعادَتِها، اعتلت الغيمَ، صادَرت الأمكنةَ تحتَ حوافِرِها التي لم تكن تلمس الأرض، علَّبَت الوقتَ وهي تنضحُ عرقاً وتعدو، ظلّتْ تعدو وتعدو وتعدو، أفراسٌ كثيرةٌ على عينِ الماءِ تلك، حمراء وبيضاء وسوداء ورمادية، ركضت جميعها في سباقٍ محمومٍ مع المتعةِ، وقفت على قوائمها الخلفية، تعانقت، لمست أجسادَ بعضِها بأجسادِها، كان يوماً لم تعِشْهُ في حياتِها، تمرّغت على العشبِ، واستحمَّتْ في الماءِ الباردِ كي تزيلَ أعقابَ العرقِ عن جلدِها المخمليّ، تحوَّلتْ روحاً شفافةً يتخلَّلُها الهواءُ والنّور، ومضى الوقتُ دونَ أن تشعر.

انفضّ الطقسُ العظيمُ، نفضتْ قوائمها وشاهدَت انسحابَ الضوءِ بطيئاً في الأفق، تذكّرت صاحبها، أخذتْ تعدو عائدةً كأمٍّ تصارعُ الزمنَ كي تنقذ ابنها، جَرَتْ كما لم تجرِ من قبل، كانت السهولُ تنطوي تحتَ أرجلِها كفكرةٍ أكثرَ مما تكونُ مسافةً، وحينَ لَمَحَتْهُ من بعيدْ واقفاً في مكانِهِ الذي اعتادَ أن ينتظرها فيه، نسيتْ لهاثها وزادت في السرعةِ، كانَ وجهُهُ مختلفاً عن الأمسِ، أبطأت من سرعتِها حين اقتربت، وأمالت رأسها وأخذت تقتربُ منه ببطءٍ منتظرةً قطعة السُّكَّر، كان يعقدُ يديه وراءَ ظهرِهِ، لم يفتحهما كما العادة، وحينَ أصبحت في متناولِهِ، فكّ عقدَةَ يديه، ولسَعَتْها ضربةُ السّوطِ بين كتفيها.

تراجعَتْ خطوتين إلى الوراء، وقبلَ أن يهوي السوطُ مرةً أخرى على جلدِها المرمريّ، رأى دمعتين تسقطان من عينيها، أدارتْ ظهرها له، دقّت قدمَها في الأرضِ، وركضَت، ركَضتْ حتى صارَ الفضاءُ صراخاً، صهيلُها وحمحمتُها يشقّان المسافة بينه وبينها فيما هو يحاولُ جاهداً أن يلحقَ بها، ناداها بكلّ الأسماء التي تحبُّها، لم تتوقف عن الركضِ إلا أعلى الجرف، وهناك، هناك فقط، استدارت، ونظرت إليه، وأكملت ركضَها إلى القاع.

الثلاثون من نيسان 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يُعيدُ الشّارعَ إلى وَعْيِهِ
- السُّقُوْطُ كقِطْعَةِ لَيْلْ
- امرأةُ اللاشيء، امرأةُ كلِّ شيء
- يوماً، ستعودُ المدينةُ إلى وردِها
- ما قالَهُ ابنُ عمروٍ* لحِصانِهِ جوارَ النَّهرِ
- وبي حزنٌ قديمْ
- وَرَأَيْتُهَا
- مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة
- ما لا يعرفه أطفال غزة
- توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة
- يوقظُني حلمُكِ من نومي
- إعتذار شخصي لهناء شلبي
- كانت المرأة سيدة العالم، لذا وجبت إزاحتها
- من ذا يمكنه أن يعدَّ الحنين؟
- خضر عدنان، رجل مقابل دولة
- ما زلتُ على عتبةِ البيتِ
- رؤيا مجدليّة أو خيالاتها آخر الفجرِ قبل الصليب
- كان ياما كان، بلد جوات دكان
- [ريتّا] وزجاجةُ الفَرَحْ قصة للأطفال
- قال لي


المزيد.....




- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة