أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - تدمر دمشق تدمر














المزيد.....

تدمر دمشق تدمر


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3950 - 2012 / 12 / 23 - 23:05
المحور: الادب والفن
    


تدمر ـ دمشق ـ تدمر*


يا رفيقَ الصحراء، أحمل عني حزنَ المدنِ كي أعطيكَ لقباً لم يحلم به الرسل!
دعنا في الطريقِ إلى دمشقَ نغتسلُ بالحكاياتِ كي نقصَّ هذا المللَ الأنيقَ عن ظهورِ جِمالنا.
دعنا نزرعُ الشجرَ بين هؤلاء القتلى على الطرقات الخاوية، ونسمي باسم كلّ شهيدٍ شجرةً علّ روحُهُ تهدأُ، الروحُ تقلقُ إلى الأبد حين لا تعرفُ لماذا قتلوا صاحبَها، دعنا نجرّبُ الغناءَ في طريقِ العودةِ، كي تسيلَ الأوقاتُ الجامدةُ وتعثرَ على راوٍ أمينٍ لا يزيّفُ خطواتِنا من تدمرَ إلى دمشقَ ومن دمشقَ إلى تدمرْ.

أخفِ هذه القلادة التي أعطتك إياها الملكةُ حين أرشدتَها إلى قاتلِ نصفِها، ولا تلاطف لصّاً أظهَرَتْهُ الحضارةُ مثلَ سيّدِ قبيلةٍ معزّزٍ باللغة، واحفظ ذاكرتكَ في قِربةِ ماءٍ فالذاكرةُ في الحياةِ كالماءِ في الصحراء، ولا تلعن الليلَ حينَ يحلُّ، فهو فعلُ الطبيعةِ، ما يستحقُّ اللعنَ فعلٌ بشريٌّ يا رفيقَ الصحراء، فكلُّ ما أتى من خارجِ النفسِ لا سلطةَ للنفس عليه، خَيارُكَ أن تحبّه أو ترفضَ مجيئهُ، وإن استطعتَ قتلَ الخارجينَ عن ذمّةِ الحياةِ فافعل، فمن لا يحبُّ الحياةَ لن يحبَّ أن يحبّها سواه.

ستنتفضُ روما على جرحِها، وتردمَ تدمر تحتَ إبطِ الخوفِ، لن يسمحَ الجارُ الفاتكُ لجارِهِ الودود أن يُفسِدَ أولادَهُ ويكونَ مثالاً للتمرّدِ، ستموتُ السيوفُ وتنتصرُ الحضارةُ، لكنّ هذا لن يكونَ إلا على جثثٍ كثيرةٍ تكفي لتصنع جسراً بين ضفتي دجلة العظيم، ليست نبوءةً تلك، لكني أقرأ الغدَ كما قرأتُ الأمسَ، سأجرّبُ أن أحفظَ تدمر والزبّاءُ في خاصرةِ حصانيَ العربي، ستموتُ الملكةُ، لكنها ستعيشُ معي إلى الأبد، ليسَ أبدي وحدي يا رفيقيَ المتذمّر من حرارةِ الرؤيا، بل أبد الوقت.

سنمرُّ ألف مرةٍ من تدمرَ إلى دمشق، وألف مثلها من دمشق إلى تدمر، وأعلمُ يقيناً أن الموتَ سيدركنا يوماً بينهما، لا في دمشق ولا في تدمر، وأعلمُ أن زمانين كاملين يفصلان المدينتين والحضارتين والفكرتين، لكننا نقطع الوقتَ كما ترى، كما نقطع المسافةَ، فلا سلطة للحدودِ على الفكرةِ، رأيتَ هذا بعينِ روحكَ حينَ تحسَّستَ نواصي الخيلِ في بغداد التي لم تنشأ بعد، سألتَني عن أمرٍ يدوّخُ العرّافينَ فأجبتُك: عليكَ أن تعرفَ الفرقَ بينَ العرّافين وبين من يرونَ بأعين قلوبهم، تماماً كالفرقِ بين من يعبدُ صنماً وبين من يعبد الله.

تذكّر احتفالاتِ تدمر بأعراسِها، تذكّر ملوكها وملكاتها، عبيدها وكهنتها، عشائرها وأحلافها، نخيلها وقنواتها، أبارها وأحواضها، تذكر مسارحها وأقواسها ومعابدها، تذكر قلاعها وينابيعها وأسبلتها، تذكر مدافنها وحماماتها وأسوارها، تَذَكّرْ أناملَ الخزّافين، أباريقهم وجرارهم، تذكّر أصوات الشعراء، مدائحهم وهجاءاتهم، تذكّر مطارق الحدّادين وأصواتَ الرنين، تذكّر بهجةَ الزُّرّاعِ بأولِ ثمارِ أشجارِهمْ، تذكّر إلى أن تفيضَ الذكرى عن حدودِ جِلدِكَ.

في الطريقِ من تدمرَ إلى دمشق، من دمشق إلى تدمر، رافقتنا دائماً حورياتُ الأمنيات، كنّ يحقّقن الأمنياتِ قبلَ أن تخطرَ على قلوبنا، وحين توقَّفَتْ الحورياتُ عن السيرِ في ظلّ قافلتنا، صارَ الموتُ في الطريقِ بين دمشق وتدمر مرافقاً لسيرِ الشمسِ، ولا نجم يدلّ على وقتِ قدومِهِ.
يا لدمشق
يا لتدمر
يا للمسافة التي لم يعد أحد يجرؤ على قطعِها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تدمر إحدى أهم المدن الأثرية عالمياً، وتعني المعجزة، أو البلد التي لا تقهر، تقع في وسط سوريا وتتبع لمحافظة حمص، كانت عاصمة مملكة تدمر وهي اليوم مدينة سياحية. تبعد 215 كيلومتر شمال شرق دمشق.

الثاني والعشرون من كانون أول 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا صاحب المقام
- وليد يريد أن يكون قائد سفينة قصة للأطفال
- كيف حالُكَ؟
- الرصاص المكتوب
- لم يأتِ أحد
- هذا الفراغ، هذا الامتلاء
- أريد أن أكون حراً وجائعاً...
- ذاكرة رجل آخر قصة قصيرة
- يا الدمشقيُّ!!!
- كسيّدٍ غيرِ مهذَّبٍ هو الحنين
- الإساءة للرسول، الإساءة للعالم
- ما يحدث في فلسطين لم يحدث بعد
- ضياع الحلم الفلسطيني
- معرض أزمات الشرق الأوسط
- مُتْ، فنحن لا نجيد التعامل مع الأحياء
- الفن والمحاكمة الأخلاقية
- علِّموا أبناءَكُم
- حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً
- ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة
- يُعيدُ الشّارعَ إلى وَعْيِهِ


المزيد.....




- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - تدمر دمشق تدمر