أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - من أجل حريةالصحفيين














المزيد.....

من أجل حريةالصحفيين


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5030 - 2015 / 12 / 31 - 15:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شغل السجن حيزا كبيرا من حياتي واقتطع منها عددا غير قليل من أقربائي بدءا بوالدي الذي اعتقل ثلاث سنوات من عام 1953 حتى1956، ثم أخوالي، ثم أصدقائي، إلي أن وجدتني في ضيافة معتقل القلعة في فبراير 1968 لمشاركتي في المظاهرات الطلابية التي اندفعت تحتج على عدم محاسبة المسئولين عن نكسة 67. واستمرت استضافتي نحو ثلاثة أعوام قضيتها بين جدران زنازين القلعة وطرة والقناطر. وكان غياب والدي عنا ونحن صغار أول ما أثار في نفسي أسئلة العدل والظلم بعمق حتى لو كانت ساذجة. وفي كل مرة كان يعتقل فيها قريب أو صديق كنت أشعر أنني أقضى معه سنواته وراء القضبان. لهذا أحسب أنني اعتقلت لزمن طويل جدا، حين كنت محبوسا،وحين كنت حرا بينما الآخرون في السجن. وجعلتني سنوات الحبس أعدل – لزمن- عن الإبداع الأدبي، بظن أنه لا قيمة للكلمة أو الشعر أو القصة أيا كانت في معركة صراع بالقبضات. ومازلت أذكر إلي الآن المرة الأولى التي زرت فيها والدي في المعتقل ولم أكن قد تجاوزت الثامنة. أذكر أنني مضيت مع أمي في رحلة شاقة متهيبا طوال الطريق سعادتي التي أترقبها عند رؤية والدي الذي لم أره من قبل، وأننا جلسنا أنا وأمي على دكة خشبية في حجرة مأمور السجن، ثم ظهر أبي فجأة عند فتحة باب الحجرة ومعصم يده مقيد إلي معصم يد حارس عجوز، وما إن رآنا والدي حتى ضحك بقوة ناظرا إلي وأومأ برأسه يشير إلي الحارس العجوز قائلا:"انظر! لقد قمت بسجن هذا الرجل لأنه شقي!". وأزاحنى قليلا من على طرف الدكة وجلس بجواري وابتسم. أدركت أنه يجتهد ليهبنا الأمل والحرية في قبضة السجن واليأس. ولم أدرك ما هو الحبس إلا عندما طوتني أربعة جدران كالحة إلا من أسماء مجهولين عبروا من هنا ونقشوها بأطراف المسامير على الجدار. وبمرور الوقت أحسست بأن الاعتقال أشبه ما يكون بالإمساك بالحياة داخل الموت: الصمت والسكون والاحساس بالعزلة والخوف من التعذيب والموت. الفعل الوحيد المسموح لك به في الحبس هو أن تدوس أيامك وحياتك ذهابا وإيابا داخل زنزانة حجرية وعليك أن تواصل قتل نفسك لكي تشعر أنك حي! لقد اخترعوا لتعذيب الإنسان ما يسمى" محاكاة الغرق"، أما السجن فإنه محاكاة الموت أنت فيها الممثل والموضوع والمشاهد. لذلك طالما روادتني أمنية أن أرى حديد القضبان يمسي جزءا من حديد المصانع، وأحجارها وهي تغدو لبنة في جدار مدرسة. وكل ما أتمناه الآن مع مطلع العام الجديد ألا أرى داخل السجون أحدا من زملائي الصحفيين المعتقلين والذين بلغ عددهم أكثر من ستين صحفيا، ما بين محكوم عليه ومحبوس احتياطيًّا ومحتجز، بحسب ما رصدته لجنة الحريات بنقابة الصحفيين المصريين، منهم سبعة يعانون من حالة صحية متدهورة. عدد كبير منهم تم إلقاء القبض عليه أثناء تأديته عمله. أتمنى أن يهل العام الجديد وقد خرج الجميع، وعادوا إلي أعمالهم وأطفالهم، لأن كل معتقل رأي أو فكر هو قطعة منتزعة من حريتنا. أتمنى مع مطلع العام الجديد أن تكون حياتنا محاكاة للحياة، ومحاكاة للحرية، ومحاكاة للجمال، ليس بها طفل واحد تصبغ السجون بلونها القاتم ذكرياته المبكرة.
*****
د. أحمد الخميسي . كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم اللغة العربية .. هل أننا نقول ما لانفهمه ؟
- من يربح الستة عشر مليار جنيه ؟
- إدوار الخراط .. يغيب المغني وتبقى الأغنية
- حقيقة سفيتلانا ألكسيفتش وجائزة نوبل
- أشرف فياض .. إعدام شاعر
- بيت سيد درويش حظيرة ماعز !
- طه حسين .. العاشق ابن البلد
- الشرم وباريس تخويف أوروبا
- في ذكرى ميلاد والدي
- التعليم المصري يضع صفرا لتوفيق الحكيم !
- حافة ذاكرة
- ملاحظات كاتب قصة - الأدب واللغة -
- وداعا .. جمال الغيطاني
- روح الضباب - قصة قصيرة
- تعميد الوحدة الوطنية في حرب أكتوبر
- السينما زمن الطربوش
- الفارس الذي أنقذ كاريوكا !
- المثقفون حائرون يتساءلون من يكون وزيرها ؟
- السوري العظيم .. خالد الأسعد
- ألف عام وعام عربي روسي


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - من أجل حريةالصحفيين