أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - موسيقا المفرقعات














المزيد.....

موسيقا المفرقعات


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4906 - 2015 / 8 / 24 - 17:10
المحور: الادب والفن
    


في طريق عودتي إلى المنزل مساء البارحة وقد تأخر الوقت قليلاً مرّ من جانبي رجل خمسينيّ العمر، ألمانيّ السحنة، اسرائيليّ المنبت .. مرّ من جانبي منتشياً من خمرة عطلة نهاية الاسبوع، بين شفتيه سيكارة تحترق وفي مؤخرته منصة إطلاق .. مرّ من جانبي دون أن تستحي مؤخرته الوقحة من إطلاق القذائف والعبث بهدوء الليل .. شظاياها اقتربت مني، ابتسمتُ غضباً وحاولت الردّ على هجماته في الوقت والمكان المناسبين، لكني وأنا السوري المستحي أبداً لم أستطع إلى ذلك سبيلاً ..

حين يتجشَّأ الألماني المهذّب بوجود الآخرين بعد أو خلال وجبة طعام أو شراب تحمّر وجنتاه قليلاً .. يستحي محرَجاً ثم يعتذر .. أما حين يقود السيارة وتركب إلى جانبه في أحد صباحات الشتاءات الباردة والنوافذ مقفلة وأنتما في طريقكما على الأوتوستراد إلى مكان العمل البعيد .. فإنه قد يصدر صوتاً قوياً واحداً يشبه الانفجار .. أو يصدر أصواتاً متتالية تشبه أصوات المفرقعات في أعياد ميلاد رأس السنة .. أو لعله يطلق مفرقعات سرعان ما تنطفئ قبل تتويجها بلذة الضجيج ليبقى خيط الرائحة سيد الموقف وقد تشبث جيداً بأرجاء المكان ..

حين يطلق الألماني المهذّب مفرقعاته هذه فإنه لا يعتذر بل يضحك، يهز رأسه بطرب، يعدل قعدته/مؤخرته خلف المقود ليفتح بذلك منافذ تهوية حرصاً على مشاعر جلد مقعد القيادة وشركات التأمين .. وأنت السوري المستحي أبداً لا تملك إلا أن تخجل منه، تحترم مفرقعاته، تحبس أنفاسك، تسبح في عالم روائحه المدنية، تداعب ربطة عنقك، تمسكها برفق، تشم عطرها بعمق، تحلم برائحة القهوة التي تنتظرك قبل بدء العمل وتنشغل بذكرياتك ..

في الشرق تخجل العائلة من المفرقعات الأولى للطفل الأنثى، تحتقرها، تلومها، ترفع صوت المذياع طلباً للسترة، وتبدأ بإعطاء نصائح الوقاية منعاً لتكرار الحدث .. لكنها تحتفل بالمفرقعات الأولى للطفل الذكر، يطربون لأصواتها، يسجلون في دفاتر مذكراتهم تاريخ إطلاقها، يقطرون روائحها ويجمعونها في زجاجات ملونة، يضعونها على رف أنيق في غرفة الضيوف، يستنشقونها بين الحين والآخر، يتباهون برائحة الذكورة أمام الضيوف ..

في بسنادا، في مساءاتها الصيفية الطويلة، تجتمع بعض الفتية الذكور المراهقين، يلعبون الورق، يتضاحكون، يطبخون الشاي الأسود ويغلونه جيداً مع السدادات الفلينية التي حصلوا عليها من خمارات القرية .. وإذ ينتهي اللعب والاقتتال مع بعضهم ويختمر الفلين في البطون فتنتفخ .. يبدأ حينها موسم التحدي، موسم التبّاري في إطلاق المفرقعات من المؤخرات البسندلية، ثم تبدأ عملية تهذيب الأصوات والتحكم بجودتها وموسيقاها .. وإذا ارتخت البطون يبدؤون بمضغ الفلين النيء ويعودون للمباراة من جديد ..

بعد أن اطلق شقيقها ذكر العائلة العنان لمفرقعاته أثناء اجتماع العائلة على طعام الغداء .. وبعد أن سمعت كلمات الإطراء والإعجاب بموسيقا مفرقعاته واهتزازتها وبقايا روائحها وخاصةً المديح على لسان جدها الذي طالما أحبته .. وبعد أن رأت بأم عينها الليرات الخمس التي حصل عليها كمكافأة على جودة الفعل البطولي .. قررت في سريرتها أن تسمعهم بدورها موسيقاها الأنثوية ..

في ذاك اليوم جلست على عتبة البيت الرطبة ساعات طويلة حتى شعرت بالهواء الذي يملأ بطنها الصغير، وصل الضيوف وفي مقدمتهم جدها، استعجلتها أمها، دخلت غرفة الطعام، أخذت مكانها المخصص حول الطاولة، الجد المتباهي بذكورة أحفاده تصدّر طاولة الطعام، نظرت إلى وجه جدها بعينيها البريئتين، تخيلته يقف بجسده الضخم يرفع يديه إلى السماء، يستنشق عبق مفرقعاتها، يميل بجسده طرباً لأصواتها، ينظر بزهو إلى وجه حفيدته، يخطو باتجاهها، يرفعها بذراعيه عالياً، يقبل وجنتيها، يشم رائحة مؤخرتها الصغيرة، ويقول لها: جميل ما فعلتيه، أفرحني حقاً .. ثم يعيدها برفق إلى كرسيها الصغير، يمد يده إلى جيب سترته ويضع في يدها ليرات المكافأة ..

تستيقظ من حلمها على ضجيج الملاعق والصحون، الفقاعات الغازية تملأ بطنها، تبتسم، تتحسس بطنها الصغير، تضغط عليه برفق، تهرب من مؤخرتها موسيقا لطيفة، نغمها رقيق، عالية بعض الشيء، موسيقا حيادية الرائحة، تتوقف الأم عن سكب الطعام في صحن الجد!! ..

تزقزق عيناها إذ ينهض الجد من جلسته، ينطفئ بريقهما إذ ينتفض الجد في وقفته، يرفع يديه للسماء عالياً، ينظر لوجه حفيدته بعينين غاضبتين، يصرخ في وجه ابنته، أمها: ألا تخجلوا من هذه التربية، ما هذا العيب؟ وعلى المائدة! .. عليكم أن تستحوا .. لن أدخل بيتكم هذا بعد اليوم .. من تحت الطاولة حيث اختبأت خوفاً .. رأت قدماه الكبيرتان الرافضتان تغادرا غرفة الطعام .. ومنذ ذاك التاريخ اختفت قدرتها العجيبة على تأليف وتلحين موسيقا المفرقعات ..



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خبرات جنسية قرغيزية بسندلية
- مسامير الرئيس
- الطالب الألماني الأحمر
- معلمة الكيمياء
- نصية عرق بسندلية
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -38-
- فول مالح .. مالح يا فول
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -37-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -36-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -35-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -34-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -33-
- غري إكسيت و غري إمبو
- الغَضَارَة البسندلية
- جنزير من ذهب
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -32-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -31-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -30-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -29-
- أيكون اسمها العنقاء؟


المزيد.....




- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - موسيقا المفرقعات