أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع الثائر-5- رجال الدين















المزيد.....

يسوع الثائر-5- رجال الدين


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4902 - 2015 / 8 / 20 - 22:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما ابتدأ يسوع بنشر رسالته، كان رجال الدين أول الذين اصطدم بهم. كان الفارق كبيرا بين الفريقين لدرجة أنه كان من المستحيل ان يلتقي الطرفان. كانت فلسطين آنذاك ولاية رومانية يقودها ملوك دمى ينفذون سياسة القيصر المحتل، أمثال السلالة الهيرودوسية. من الجانب الآخر، كان رجال الدين يشكلون الدرع الواقي لسياسة ذوبان الثقافة اليهودية في بحر الثقافة الهلينية الرومانية التي اكتسحت العالم آنذاك. لذلك كان لا بد لرجال الدين الذين تمثلوا في الحكم بشخص رئيس الكهنة وسبعين من خيرة رجال الدين الذين اطلق عليهم تسمية "السنهدرين" آنذاك من الانخراط في لعبة السياسة والدين من أجل الحفاظ على هوية الامّة. شكّل مجيء المسيح تهديدا لحالة الامر الواقع مما خلق شعورا بالارتباك في الوسط اليهودي، وكان ذلك كافيا لدفع رجال الدين للتخلص من يسوع والسعي الدؤوب لقتله.

كان ادعاء يسوع بأنه المسيح الشرارة الاولى في الحرب بينه وبين رجال الدين. كان الفريسيون ينتظرون مسيحا يأتي من الوسط الذي يمثلونه هم. فلا بد للمسيح، من وجهة نظرهم، أن يكوم مثلهم: رجلا عالما بالشريعة اليهودية، يفهمها على طريقتهم ويطبقها حسب فهمهم لها. كذلك لا بد للمسيح المنتظر أن يكون ملكا ورجل حرب على غرار داوود الملك يشن معارك ضد الرومان الغزاة ويخرج منها منتصرا. هذا الملك، وبحسب فهم الفريسيين، كان لا بد له أن يحكم الارض كافة ويخضعها. عندما ظهر يسوع على المسرح، لم تنطبق عليه أي من المعايير التي حددها له رجال الدين. فهو، أي يسوع، لم يأت من الوسط الفريسيّ. بل، ولكي تزداد الامور سوءًا، كان المسيح ناصريا، نسبة الى مدينة الناصرة في الجليل وهي الرقعة الجغرافية التي كانت تحتل مرتبة أدنى في المواطنة والثقافة والهوية اليهودية. أضف إلى ذلك أن يسوع لم يسع للانتساب الى نادي النخبة من رجال الدين، بل اخترق هذه النخبة مستمدا شرعيته من الطبقة الدنيا في المجتمع ألا وهي الشعب. لم يرق لرجال الدين أن يكون يسوع صديقا للمحتقرين والمجرمين والزناة والخطاة مما دفعهم لإعلان حرب ضده انتهت بصلبه.

إن كانت هوية يسوع الناصري، الجليلي، لم ترق للنخبة اليهودية، إلا أن تعاليمه كانت بالنسبة لهم الدافع الرئيس لإعلان الحرب ضده. فالحالة اليسوعية أدت الى خلط الاوراق وقلب المعايير الاجتماعية والثقافية والدينية رأسا على عقب. كان من المستحيل أن يلتقي المشروعان اليسوعي والديني اليهودي على خط واحد، لذلك كان لا بد من إزاحة الواحد كيما يستمر الآخر. وبما أن المشروع اليسوعي استند على مواجهة الظلم والظلام بالمحاججة والاقناع والاعتراض السلمي كان لا بد على الطرف الآخر من حمل السيف. شن الفريسيون حربهم لضحد تعاليم يسوع المخالفة للشريعة، بحسب رأيهم، خاصة فيما يتعلق بيوم السبت. كان السبت مقدسا عند اليهود وكان على كل يهودي أن يمتنع عن العمل في هذا اليوم. لكن الفريسيين حرّموا ليس فقط العمل في يوم السبت إنما كل ما يرتبط بالعمل من قريب او بعيد. مثلا كان يمنع على المرء النظر في المرآة يوم السبت خشية ان يرى احدهم شعرة بيضاء في رأسه ويقع تحت إغراء نتفها. يمكن لأحدهم اقتياد حماره الى النهر كي يستقي، لكن لا يحق له وضع السرج على ظهره. لا يسمح لأحد سلق بيضة يوم السبت بالطرق الطبيعية مثل وضعها في وعاء ساخن ولا حتى بلفّها بقماشة ودفنها في الرمل تحت حر الشمس القاتلة. إن كان النور مشتعلا يوم السبت لا يحق لأحد إطفاءه والعكس صحيح. لا يحق لسيدة ارتداء مجوهراتها يوم السبت إذ أن هذا العمل يعد بمثابة حمل غرض يزن بعض الشيء. يحق لرجل ان يبصق على الصخر يوم السبت، لكن البصق على التراب ممنوع إذ ان البصاق يختلط بالتراب ويتحول طينا وصناعة الطين تعد عملا.

عندما يفهم المرء تعاليم الفريسيين بخصوص يوم السبت يمكن فهم رفضهم للمسيح بسهولة. فيسوع كان يجول بين الناس ويشفيهم كل يوم بما في ذلك يوم السبت. وبما ان شفاء الناس يعد عملا طبيا اعترض الفريسيون على خرق يسوع للسبت. في المرة الاولى التي اعترض فيها الفريسيون على يسوع، كان المسيح وتلاميذه جياعا وسط حقل من القمح. قام التلاميذ بقطف القمح وفركه كيما يأكلونه فلم يرق ذلك للفريسيين الذين رأوا في هذا العمل حصادا. أما في المرة الثانية، كان يسوع في الهيكل وتقابل مع رجل كانت يده يابسة. قام يسوع بشفائه مما عرّضه لنقمة رجال الدين الذين رأوا في هذا المشهد استشفاء أو ممارسة طبية. نقرأ في الانجيل أن يسوع "كان يعلم في أحد المجامع في السبت، وإذ امرأة كان بها روح ضعف منذ ثمانية عشرة سنة، وكانت منحنية ولم تقدر ان تنتصب البتة. فلما رآها يسوع دعاها وقال لها "يا امرأة، إنك محلولة من ضعفك." ووضع عليها يديه، ففي الحال استقامت ومجدت الله. فأجاب رئيس المجمع وهو مغتاظ لان يسوع أبرأ في السبت، وقال للجمع "هي ستة أيام ينبغي فيها العمل، ففي هذه ائتوا واستشفوا، وليس في يوم السبت". فأجاب الرب وقال "يا مرائي! ألا يحل كل واحد منكم في السبت ثوره او حماره من المذود ويمضي به ويسقيه؟ وهذه هي ابنة ابراهيم، قد ربطها الشيطان ثمانية عشرة سنة، أما كان ينبغي أن تحل من هذا الرباط في يوم السبت؟" وإذ قال هذا أخجل جميع الذين كانوا يعاندونه، وفرح كل الجمع بجميع الاعمال المجيدة الكائنة منه. (لوقا 13: 10-17).

إذا كان يوم السبت السبب الرئيس في اندلاع الحرب بين يسوع والفريسيين وكانت هذه الحرب قائمة على تفسير كل طرف منهما لما يجب او لا يجب عمله يوم السبت. حرّم اليهود أي عمل من شأنه أن يأخذ طابعا مهنيا او حرفيا مثل تحضير الطعام او الاستشفاء، أما نظرة يسوع للسبت كانت مختلفة كليا وهو القائل لليهود "إنما السبت صنع للإنسان وليس الانسان للسبت". كان يسوع يؤمن بضرورة الاستراحة من العمل يوم السبت لتقديس النفس وراحة الجسد. إلا أنه رأى في هذا اليوم فرصة لتحرير الانسان روحيا وجسديا. فمن حق المريض أن يشفى يوم السبت كما أنه من حق الجائع الاكل يوم السبت حتى ولو اضطره الامر لاقتلاع سنابل القمح. قدّس الفريسيون السبت، أما يسوع فقد رأى في السبت فرصة ليرحم أولئك الذين كانو بحاجة للرحمة أكانو عميانا، عرجا، أو خطاة يستلزم خلاصهم غسل الروح وتحريرها.
(يتبع في المقال القادم)



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنها الحياة 2
- لبنان يا قطعة سما
- يسوع الثائر-4- من هو يسوع؟
- يسوع الثائر 3 مارتن لوثر كينغ والمسيح
- إنها الحياة 1
- يسوع الثائر 2 غاندي والمسيح
- أرجوكم،لا تكسروا زجاج السيارة!
- أتعهد بأن أحبك حتى الموت
- يسوع الثائر 1 تعريف الثورة
- قصة حب
- قاضٍ ومتهم
- يسوع المفكّر 8 - العدالة الاجتماعية
- أين أبي؟
- دفاعا عن الاسلاميين
- يسوع المفكّر 7- العدالة الاجتماعية
- يسوع المفكّر 6 - حوار فلسفي
- وداعا يا ورد
- يسوع المفكّر 5 - لقاء على حافة البئر
- يسوع المفكّر 4 - الانسان
- حبّة مانغو على رأس الرئيس


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع الثائر-5- رجال الدين