يسوع الثائر 1 تعريف الثورة

طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4862 - 2015 / 7 / 10 - 02:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

غالبا ما تكون الثورة نتيجة حتمية للظلم ودافعا ومحركا لإحلال العدالة الاجتماعية المفقودة. عرف العالم ثورات كثيرة خلال تاريخه الطويل وقد تكون ثورة سبارتكوس الاشهر في التاريخ القديم. ولد سبارتكوس حرا في مقاطعة اليونان في القرن الاول قبل الميلاد. خدم جنديا في الجيش الروماني في مقدونية على ارجح الظن قبل ان يتخلف عن الخدمة العسكرية ويهرب. تم القبض عليه وبيع عبدا (Gladiator) مصارعا في حلبات الموت الروماني . تمكن سبارتكوس من الهرب مع سبعين من رفاقه. أسس جيشا من العبيد عديده عشرات الآلاف وهزم الجيش الروماني في معارك عدة قبل ان يهزمه القائد كراسوس ويقضي على حلمه بالحرية. قضى سبارتكوس في المعركة ولم يتم التعرف على جثته.

قد تكون الثورة الفرنسية من أوائل الثورات في العالم التي حملت قضية العدالة الاجتماعية. ولدت الثورة الفرنسية من رحم الظلم الذي طال الشعب بعد سنين من الحروب الدامية التي أنهكت الخزينة الفرنسية، خاصة ما يعرف منها بحرب السنوات السبعة في أواخر القرن الثامن عشر. حاولت الحكومة إصلاح خلل العجز المالي من خلال فرض ضرائب باهظة على الشعب، لكن سنوات الجفاف التي تلت فرض الضرائب ألهبت مشاعر الطبقة الدنيا التي كانت تعاني من الجوع فيما الارستقراطية السياسية والدينية تنعم بخيرات البلاد. تخبطت الثورة الفرنسية على امواج الدماء التي جرت بين مؤيد ومعارض وبين من يطالب بالحرية ومن لا مصلحة له بالحرية الى ان نتج عنها أخيرا جمهورية شعارها "أخوة، حرية، مساواة". من نتائج الثورة الفرنسية أنها مهدت الطريق للديمقراطيات الحديثة وحقوق الانسان، كما أنها قضت على النظام الاقطاعي والملكي وامتيازات النبلاء ورجال الدين.

لا شك ان الثورة الاميركية تعد إحدى أهم الثورات في العالم الحديث. تعود بدايات هذه الثورة الى العام 1775 عندما رفعت السلطات البريطانية الضرائب على سكان المستعمرات. انتفض الشعب الذي رأى في رفع الضرائب ظلما اجتماعيا وتمييزا عنصريا. فالشعب غير ممثل في البرلمان ولا ينعم بالامتيازات ذاتها التي ينعم بها الرعايا البريطانيون. تحولت الثورة الى صراع عالمي بعدما دخلت فرنسا الحرب الى جانب الثوار بهدف الثأر من البريطانيين الذين كانوا خصما تاريخيا لها. أسفرت الثورة عن جلاء الانكليز عن الاراضي الاميريكية. من نتائج الثورة الاميريكية انها ارست قواعد ثابتة للحرية، الاستقلال ومواجهة الظلم إلا أنه كان على الشعب الاميريكي ان ينتظر سنوات طويلة قبل أن يسمح لسكان البلاد الاصليين وللمرأة بالمشاركة في الانتخابات وللقضاء على العبودية.

لا تختلف الثورة البولشفية الروسية عن غيرها من الثورات إذ أنها هي أيضا وليدة الظلم الاجتماعي الذي لحق بالشعب من جراء تسلط الطبقات الحاكمة. ابتدأ سخط الشعب الروسي بالظهور إثر زج القيصر نيقولاس الثاني أحد عشر مليون جنديا وفلاحا روسيا في الحرب العالمية الاولى. كانت الخسائر فادحة مما هيّأ لنشوء ثورة شباط (فبراير) التي أطاحت بالقيصر وأقرت مكانه حكما مؤقتا قوامه مجموعة من الصرافين الاثرياء، الرأسماليين، الصناعيين والمحامين. عجزت الحكومة المؤقتة عن إدارة البلاد كما أنها لم تستجب لمطالب الفلاحين بإعطائهم أراض زراعية وبسحب القوات الروسية من الحرب. أتاح الفساد المستشري في البلاد الفرصة للبولشفيين بالانقضاض على الحكومة المؤقتة واستبدالها بالحكم السوفياتي. وجدت الافكار البولشفية المستوحاة من كارل ماركس قبولا واسعا لدى الشعب الروسي. أخيرا استمال السوفيات الفلاحين الذين يكونون الشريحة الكبرى من الشعب من خلال توزيع ارض لهم للعمل فيها. لعبت الشيوعية دورا كبيرا في سياسة القرن العشرين، وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر القرن الماضي، إلا أنها لا تزال تؤثر فكريا وسياسيا واجتماعيا في الكثير من بقاع الارض.

لا شك أن الثورة الفرنسية، الاميركية و البولشفية ليست الوحيدة بين الثورات التي صارعت الظلم وقلبت الموازين على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري. خذ على سبيل المثال ثورة الشباب الاتراك التي مهدت الطريق لوصول مصطفى كمال اتاتورك الذي يعتبر أب الدولة التركية الحديثة الى الحكم والى اصلاح النظام العثماني المهترئ في مطلع القرن الماضي. ومن الثورات الاخرى التي طبعت بصماتها على التاريخ الحديث نذكر الثورة الكوبية، الثورة الصينية، الانتفاضة الفلسطينية، والثورة الايرانية.

لا شك ان القاسم المشترك بين كل هذه الثورات يتمثل بقمع الاقلية الارستقراطية للأكثرية الشعبية، رفض الاكثرية للنظام السياسي او الديني القائم، انقلاب على المواثيق والمعاهدات والتقاليد والاعراف، المطالبة بقسط أكبر من الحرية وبنسبة أعلى من الازدهار والوفرة، كما إقرار العدالة الاجتماعية.

إن كانت كل الثورات التي ذكرناها آنفا تحمل طابع العنف، إلا أن العصر الحديث كان شاهدا على بعض الثورات التي حققت المطالب ذاتها بقدر أقل من العنف. هنا يطرح السؤال نفسه " هل من وجود فعلي لثورة سلمية وهل تستطيع الثورة السلمية ان تحقق أهدافها بعيدا عن العنف؟ سوف نحاول الاجابة عن هذا السؤال في العدد المقبل ان شاء الله.

#طوني_سماحة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات