أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع المفكّر 4 - الانسان















المزيد.....

يسوع المفكّر 4 - الانسان


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4794 - 2015 / 5 / 2 - 20:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هيّن وحملي خفيف." (متى 11: 28-30). كلمات قليلة وجهها يسوع لمستمعيه و تحمل بعدين. البعد الأول يتمثل في شخص المسيح ورسالته والبعد الثاني يتمثل في المتلقي ويحدد الصفات المطلوبة التي تؤهل المستمع للتجاوب مع رسالة يسوع.

تمثل البعد الاول في الدور الذي أعطاه يسوع لنفسه. فهو مركز الدائرة (تعالوا إليّ) وبيده الحلول (وأنا أريحكم). أما البعد الثاني فشكّل كيان المستمع الذي لا بد له كيما ينجذب للدائرة أن يكون بالدرجة الاولى متعبا وثقيل الاحمال. وكل من تابع حياة المسيح على صفحات الانجيل يدرك ان مستوى خطاب يسوع كان روحيا. فالاحمال الثقيلة هي نتيجة معاناة الانسان مع الخطيئة وتبعاتها بما تسببت لبني البشر من آلام وجراح ودموع، فيما الخلاص يتمثل بولادة جديدة للإنسان الذي تحرر من سلطان الشر والفساد.

لم تلق كلمات ذاك الذي وصف نفسه بالوديع والمتواضع القلب آذانا صاغية لدى أحبار الامة، كما رأينا في المقال السابق، لأن رؤياهم للأمور ومصالحهم المتمثلة بالسلطة (الملك ورؤساء الكهنة) والمال (الأغنياء) والمتعة (زنى هيرودوس وزواجه من زوجة أخيه) والجاه (الفريسيون الذين يجلسون في المقاعد الاولى) والدين (الفريسيون الذين يعطون الصدقات علنا ويطيلون الصلاة كيما يحصلوا على ثناء الناس لهم) لم تتقاطع مع دعوة يسوع للتحرر من الكبرياء وقيود المال وضبط شهوة الجسد من جنس ولذات وحب الشهرة والسعي الدؤوب للسلطة ومن ثم التوبة وعمل الصدقة والصلاة في الخفاء. إذا ليس من الغريب أن نرى أن الشريحة الكبرى التي تجاوبت مع يسوع كانت من طبقات الشعب الدنيا. لكن لا بد لنا من الذكر أيضا أن أعدادا كبرى من أفراد هذه الشريحة تخلوا عن يسوع لما أدركوا أن مشروعه كان روحيا بالدرجة الاولى، كما أنه لن ينتهي به الامر على عرش هيرودوس بل على خشبة الصليب. إذا من هم أولئك الذين تجاوبوا مع يسوع وهل أعطاهم المسيح الراحة التي وعد بها؟

"متى وزكا" رجلان ذكر الانجيل اسميهما رابطا إياهما بمهنتيهما حتى بعدما تخليا عنها ألا وهي "العشار". توازي كلمة العشار في زمن المسيح كلمة العميل في يومنا الحاضر. كان كلا الرجلان يعملان بجمع الضرائب من أبناء جلدتهما لصالح الروماني المحتل. كان العشار يحاول جمع العدد الاكبر من المال إذ أن ربحه يتوقف على العمولة التي يجنيها من عمله. كان العشار ينعم بمستوى جيد من المعيشة والثراء فيما اليهودي العادي يرزج تحت وطأة الفقر والكبت السياسي. لذلك كان العامة يكرهون هذه الفئة من الناس كرها كبيرا. كان العشارون يُعدّون بالمئات وربما بالآلاف في عهد المسيح، إلا أن الذين تجاوبوا مع يسوع كانوا قلة قليلة ذكر منهم الانجيل شخصين فقط: متى وزكا. متى هو كاتب الانجيل الذي يحمل اسمه (انجيل متى) والذي احتفظ لنفسه بصفة العشار بعدما استجاب لدعوة يسوع كشهادة منه بفضل من حرره من طاولة الصيرفة وظلمه الناس وللدلالة على ماضيه الاسود. عندما أولم لاوي (الاسم الآخر لمتى) للمسيح، تذمر الكتبة والفريسيون متهمين يسوع بالانحدار الى مستوى العشارين والخطاة، إلا أن المسيح أجاب "لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى. لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة الى التوبة" (متى 9 ولوقا 5). أما العشار الثاني والذي لا يقل أهمية عن الاول هو زكا. سمع زكا عن رسالة يسوع وأحبها واشتاق لرؤية صاحبها. وذات يوم أدرك زكا ان يسوع قادم لزيارة أريحا، وإذ كانت الجموع الكثيرة تفصل بينه (وهو الرجل القصير القامة) وبين المسيح، قرر زكا الصعود الى أعلى جميزة كيما يتسنى له أن يرى ذاك الذي سمع عنه الكثير. "ولما رآه يسوع دعاه وقال له: يا زكا، أسرع وانزل، لأنه ينبغي اليوم أن أمكث في بيتك. فأسرع ونزل وقبله فرحا. فلما رأى الجميع ذلك تذمروا قائلين:إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب:ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف. فقال له يسوع " اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضا ابن ابراهيم، لأن ابن الانسان (يسوع) قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك". (لوقا 19).

أطلق يسوع على زكا تسمية ابن ابراهيم والتي هي الكناية التي كان اليهود يفتخرون بها للدلالة على تفوق نسبهم. ومن خلال هذه التسمية لزكا، أعاد يسوع تصويب الامور في اتجاهها الصحيح كيما يقول لليهود أنهم ليس بأي حال من الاحوال أفضل من هذا الرجل الذي كان ساقطا وقد تاب عن خطاياه وقرر التعويض أضعافا على من أصابه منهم ظلم. ثمة امرأة اخرى تنتمي للطبقات الدنيا أطلق عليها يسوع التمسية ذاتها (ابنة ابراهيم). كانت هذه المرأة مصابة بضعف منذ ثمانية عشرة سنة وكانت منحنية القامة لا تسطيع الانتصاب البتة. "فلما رآها يسوع دعاها وقال لها: يا امرأة، إنك محلولة من ضعفك ووضع عليها يديه، ففي الحال استقامت ومجدت الله. فأجاب رئيس المجمع وهو مغتاظ لأن يسوع أبرأ في السبت، وقال للجمع، هي ستة أيام ينبغي فيها العمل، ففي هذه ائتوا واستشفوا، وليس في يوم السبت. فأجابه الرب وقال: يا مرائي، ألا يحل كل واحد منكم في السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضي به ويسقيه، وهذه وهي ابنة ابراهيم، قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة، أما كان ينبغي أن تحل من هذا الرباط في يوم السبت؟" (لوقا 13: 11- 16).

لقد دعى يسوع الكثيرين، أما الذين استجابوا فكانوا قلة منهم مثل متى وزكا والمرأة المنحنية. كان كل واحد من أولئك إما ساقطا كمتى وزكا أو منبوذا كالمرأة المنحنية، وفي الحالات الثلاثة كان هناك ثمة تذمر نحو يسوع من قبل المجتمع لتقرّب يسوع منهم. لكن المسيح الذي وضع نصب عينيه همّ الانسان في الدرجة الاولى تخطى التقسيم الاجتماعي وتعامل مع كل واحد منهم بصفته "ابن او ابنة ابراهيم". فرسالة يسوع كما أشرنا سابقا لا تهدف لخدمة مصالح أولئك الذين يتربعون في أعلى الهرم الاجتماعي، إنما تسعى لخلاص كل إنسان بغض النظر عن طبقته الاجتماعية. وعد يسوع أتباعه بأن يريحهم، وفي المفهوم البشري غالبا ما تكون الراحة نتيجة حتمية لجمع المال والتمتع بأطايب الحياة، لكن المفاجأة كانت أن متى ارتاح عندما تخلى عن طاولة الصيرفة التي كانت تجني له أرباحا طائلة، كيما يلبي دعوة المسيح. كذلك أيضا زكا أعطى نصف امواله للفقراء ووعد بالتعويض أضعافا أربعة لكل من وشى به كيما يحصل على الراحة التي وعد بها المسيح بالتوبة من الخطايا. لقد تقابل كل من زكا ومتى مع المسيح وهما محملان بشعور الرفض والنبذ من المجتمع ووجع الضمير بسبب عملهما المنحط، وانتهى بهما الامر انسانين جديدين غفرت لهما خطاياهما. أما المرأة الضعيفة، شأنها شأن زكا العشار، فلقد وقف المسيح الى جانبها في وجه التمييز الطبقي الذي طالها من أحبار الامة. فالمسيح وبالرغم من فساد زكا وضعف المرأة رفض أن يرى في أي منهما سوى "ابن أو ابنة ابراهيم".



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حبّة مانغو على رأس الرئيس
- يا أبتاه، أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون
- يسوع المفكّر 3- الانسان
- يسوع المفكّر 2- الكلمة
- يسوع المفكّر 1 مقدمة
- لماذا نحن متخلفون؟
- مات الصنم، يحيا الصنم
- من أحرق سليمان، صباح، وروعة؟
- رسالة موت موقعة بالدم إلى أمّة الصليب
- تأملات في الحرب والسلام
- صخرة الموت هي صخرة الحياة
- هنيئا لكِ يا بيلا (Bella)
- التعزية بالكفار خيانة وليست من الدين
- أنا شارلي
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الاخير
- الجنة برسم البيع
- يا طفل المزود
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-12- تحديات الزواج
- الله أكبر
- صرخة مظلوم


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل المنتخب الوطني لكرة قدم الصالات ...
- “نزلها لطفلك” تردد قناة طيور بيبي الجديد Toyor Baby بأعلى جو ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مصر.. هيئة البث الإسرائيلية تكشف اسم رجل الأعمال اليهودي الم ...
- كهنة مؤيدون لحق اللجوء يصفون حزب الاتحاد المسيحي بأنه -غير م ...
- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع المفكّر 4 - الانسان