أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طوني سماحة - يا طفل المزود














المزيد.....

يا طفل المزود


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 22:36
المحور: الادب والفن
    


"المجد لله في العلى وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة". كلمات ترنمت بها الملائكة عندما ولد الطفل الصغير في بيت لحم. كلمات رددها الرعاة وهم يحملون الخبر السار لمريم ويوسف الحائرين. كلمات سمعتها الابقار والاغنام وهي تنظر الطفل الصغير في مزود الاسطبل دون ان تفهم معناها. كلمات دفء وأمل وفرح في تلك الليلة الباردة. كلمات سمعها الطفل الصغير فأضحكته وانتقلت الضحكة عن شفتيه الصغيرتين لتضيء قلب أمه وأبيه المنهكين.

لكن سرعان ما تبدد دفء تلك الليلة الدهرية وسرت قشعريرة الموت في الليالي التاليات. سرعان ما جرّد هيرودوس الملك سيفه وأرسل خيالته وعساكره ليقضي على أطفال بيت لحم. وعمل السيف عمله، فسالت الدماء وعلى عويل الامهات وذُرفت دمعة الآباء وخنقت الغصة صوت الأخوة والاخوات وتحولت أغنية الملائكة من "المجد لله في العلى وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة" الى "المجد لهيرودوس في اورشليم وعلى الارض الدماء وفي الناس الدموع والغصات والاحزان والآلام."

ليتني يا طفل المزود بقيت طفلا أقرأ حكاية المغارة بعيون الاطفال وأعيش بين صفحات الكتاب فأسمع أغنيات الملائكة وأشارك الرعاة دهشتهم ومريم ويوسف فرحهما والغنم والبقر ذهولهم في إسطبل مجهول في قرية بعيدة. ليتني بقيت مسجونا بين صفحات الكتب كيما تبقى مذبحة هيرودوس لأطفال بيت لحم حبرا على ورق. لكنني كبرت وصرت شابا ورجلا دون أن أدرك أنني كلما خرجت من عالم الصغار كلما ازداد العالم حولي قساوة وكلما أصبح هيرودوس حقيقة وليس قصة من نسج الخيال.

هل تعلم يا طفل المزود أن هيرودوس وإن مات إلا أنه لم يمت. بل ها هو هيرودوس يحيا فينا وبيننا يرفض التخلي عن ملكه. يرفض أن ينازعه أحد على السلط،ة وهو ما زال حتى اليوم يخاف من الاطفال حتى أن سيفه ما زال مسلطا عليهم. هيرودوس ما زال اليوم يذبح الاطفال، يسفك دمهم، يرهبهم، يرعبهم وما زال بعد كل مذبحة يجلس مع عظمائه يسكر حتى الثمل. لا، ليس من الضروري أن يشرب هيرودوس الخمر كيما يسكر، لا بل ها هو حرّم الخمر كيما يبقى تقيا، لكنه اكتشف أن دماء الأطفال والنساء تسكره أكثر من الخمر كثيرا.

هيرودوس لم يعد آدوميا عبريا، بل اكتسب خبرة في عصر العولمة. فبإمكانه أن يكون شيشانيا أو أفغانيا، عربيا أو أفريقيا، أسود اللون وأبيضه، شرقيا أو غربيا، ولا تتعجب إن قلت لك أنه بإمكانه أن يكون أوروبيا أو أستراليا. يتكلم هيرودوس اليوم العربية والاردو والروسية والانكليزية. هيرودوس العصر يدين بالاسلام، لكنه وخلال العصور والازمنة لم يتردد بإعلان مسيحيته ويهوديته ووثنيته. وكما قطع هيرودوس الابن رأس يوحنا المعمدان كيما يتوقف عن تبكيته على زواجه من امرأة أخيه، كذلك هيرودوس العصور المتلاحقة وهيرودوس الحالي يحلل لنفسه اغتصاب أي امرأة تعجبه. يكفي أن يكفّر زوجها كيما يقتله ويحصل عليها آمة وجارية. لكن هيرودوس يبقى في نظر نفسه تقيا لا يمارس الزنى!!!

هل تذكر يا طفل المزود كيف هجّرك هيرودوس من بيتك وقريتك الى مصر. ثمة هيرودوس يحيا في وسطنا. دخل الصيف الماضي على مدينة تدعى الموصل. لا لم يأت هذه المدينة حاملا كتابا أو بانيا لمدرسة أو معالجا لمرضاها أو مطعما لجائعيها، بل أتاها بشرع الله، فهجّر من أهلها من هجّر ويتّم من يتّم ورمّل من رمّل وسفك دم كل من عارضه أكان من ملته أو لم يكن. لقد كتب حرف النون على بيوت سكانها كيما يسلبهم وهو لا يتورع عن قطع يد السارق. يرجم الزانية في وضح النهار وهو لا يتورع عن استرقاق النساء واغتصابهن. يتحدث عن شرع الله ويبيع الناس في اسواق الرقيق. يتكلم عن العدل ويصلب كل من يقف في طريقه.

أتيتنا يا طفل المزود حاملا الينا رسالة السلام، لكن وللأسف هيرودوس لا يفهم لغة السلام، لا يتكلمها ولا يكتبها. هو فقط يفهم لغة السيف والدماء، لغة سبي النساء وقتل الاطفال وذبح الرجال. تعال ايها الطفل. عد الينا مرة اخرى. لكن عد الينا قاضيا، عد الينا ملكا. عد الينا معلما. فنحن وعلى الرغم من مدارسنا وجامعاتنا ما زلنا أميين. وعلى الرغم من كثرة المآكل في بيوتنا ما زلنا جائعين. وعلى الرغم من كثرة كنائسنا ما زلنا خطاة. وعلى الرغم من تقدم الطب ما زلنا مرضى. وعلى الرغم من أننا نعيش في عصر العلوم إلا أننا لا نزال عميانا. إن أنت أيها الطفل لم تعد الينا كيما نتقذنا، سوف نستمر في ذبح بعضنا البعض كيما نقضي على أنفسنا.

أنا لا أبالغ يا طفل المزود، نحن لسنا بحاجة لملوك مثل هيرودوس كي يكونوا حكاما علينا. بل يكفينا شرفا ان يكون الحاكم علينا طفلا مثلك.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-12- تحديات الزواج
- الله أكبر
- صرخة مظلوم
- دون كيشوت التركي
- سيّدي يسوع
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-11- الجنس والزواج
- هل التنصير جريمة؟
- الزواج في المسيحية بين النظرية والتطبيق- الجزء العاشر- دور ا ...
- هاتي يديكِ
- بين إيبولا وداعش
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء التاسع-دور ا ...
- إن كنت حبيبي... علّمني قطع الرؤوس
- عنصرية أم كبرياء؟
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثامن
- عبادة الصليب شرك عقابه الذبح
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء السابع
- أريد جارية شقراء، زرقاء العينين، طويلة القامة، روسية الجنسية ...
- يونس البلجيكي...يهجر مقاعد الدراسة
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزءالسادس
- نساء برسم البيع


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طوني سماحة - يا طفل المزود