أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - طوني سماحة - سيّدي يسوع














المزيد.....

سيّدي يسوع


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4635 - 2014 / 11 / 16 - 11:27
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


سيّدي يسوع،
ألفان ونيّف من السنوات يفصلنني عنك. فعيناي لم ترينك يوما، كما أنني لم أجلس أبدا عند قدميك مستمعا لك، و لم أرافقك إطلاقا على هضاب أورشليم أو على ضفاف بحيرة طبريا. كل ما أعرفه عنك أتاني من خلال كتيبات أطلقوا عليها اسم الانجيل، وكان ذلك كافيا كيما أقع بحبك.

يدّعي البعض أنك شخصية خرافية. يقول غيرهم أنك رجل صالح ونبي. ويزعم آخرون أنك شخصية تاريخية تم تحويرها على مدى الازمنة فتناولتها الاقلام ورسمتها كما خطرت على بال كتّابها، فيما يؤكد غيرهم أنك هو هو ابن الله الحي الذي قدم الى العالم كيما يفدي الناس من خطاياهم. سيّدي، ما عاد يعنيني ما يقولون، بل دعني أؤكد لك أنك لو لم تكن حقيقة لآمنتُ بالكذبة. فبعض الأكاذيب تستحق التصديق بينما هناك حقائق لا تغدو كونها أكذوبة كبيرة.

سيّدي يسوع،
عرفتك وأنا طفل. لكن الطفل الذي نما فيّ كيما يصبح فيما بعد رجلا بقي غريبا عن عالم الكبار وأحب أن يراك دائما بعيون الأطفال. ولسوف أبقى أراك بعيون الاطفال حتى و إن خطت التجاعيد أثلاما على وجهي أو غيّر الشيب لون شعري. سيّدي، أنا لم أتبعك لأنك ملك جلست يوما على عرش عاجي وحكمت ممالك بصولجان القوة. بل أنا أحببتك وأنت فقير تسير منهكا على دروب فلسطين التي غطاها الغبار كيما تجد أعمى تفتح عينيه أو أخرس تطلق الكلمات على شفتيه. لم أبهر بك لأن موائدك زخرت بأطايب الارض وأفخر خمورها، بل أحببتك وأنت تسير تحت شمس بلادنا الحارقة جائعا عطشانا، فإن وجدت عطشانا مثلك رويته بيديك المباركتين، وإن لحقت بك الجموع الجائعة أطعمتها خبزا وسمكا، فيما جعبتك خلت من رغيف خبز واحد. لم أعجب بك لأنك نافست أفلاطون وأرسطو على عروش الفلسفة والمعرفة، بل لأنك فتحت القلوب على نور الشمس قبل أن تفتح عيون العميان على واقع قد يكون أكثر ظلمة من واقعهم الذي عاشوه وهم عميان.

ما همَّ سيّدي إن كنتُ أؤمن بخرافة؟ فالخرافة علمتني أن أحب عدوي وأن أبارك من يلعنني وأن أطعم الجائع وأروي العطشان. علمتني الخرافة أن أسير ميلين مع من يطلب مني أن أسير معه ميلا واحدا، وأن أعطي معطفي هدية لمن يطلب مني الرداء. علمتني الخرافة أن أبكي لبكاء الحزانى وأن أفرح لفرح الفارحين. علمتني الخرافة أن السعادة ليست في عبوديتي للمال والانانية، ولا في سبي النساء، ولا في إشباع شهواتي وغرائزي، ولا بأي مكسب آخر، بل في ارتقائي الى عالم الروح والصلاح. علمتني الخرافة ان احطم قيود العالم وان أفتح ابواب سجني وان انطلق للحرية التي تفتح لي أبواب السماء. علمتني الخرافة أن أرمي الحجر من يدي قبل أن أرجم الزانية به. فأنا قد زنيت بالفكر والفعل عمدا فيما قد تكون هذه السيدة قد زنت لأن ثمة أبا أو زوجا رمياها على قارعة الطريق كيما تأتيهما بالمال. علمتني الخرافة أن الله أب قبل أن يكون ديّانا، وأنه محبة قبل أن يكون قاضيا، فيداه ممدودتان لي كيما أعود لأحضانه مهما انحدرت بي الدروب الى اودية الضلال. علمتني الخرافة أنك الراعي وأني الخروف الذي إن ضلّ الطريق يوما، تبحثُ عنه فوق قمم الجبال وفي أعماق الاودية كيما تعود به الى حظيرة الامان. علمتني الخرافة انك لا ترغب بي مقاتلا في صفوفك كيما آتيك بالغنائم فيزداد ثراءُك، بل ترغب بي تماما كما أنا، بضعفي ونقصي، بدمامة وجهي وجهلي، بفقري وخطاياي، كيما تعطيني حياة ابدية لا يستطيع أحد أن يأخذها مني. علمتني الخرافة أن الانسان، أي إنسان، هو أخ لي وابن لله بغض النظر عن فقره أو غناه أو عن مكانته في هرم التركيبة الاجتماعية او الثقافية او السياسية.

سيّدي يسوع،
الرجل الذي فيّ يطمع بمزيد من النجاح والثروة والسلطة. ومن ذا الذي يجهل ان تحقيق كل ذلك قد لا يتم إلا بالدوس على جماجم الضعفاء واحلام الاطفال وسرقة القوت من أفواه الجياع؟ لكن الطفل الذي فيّ لا يريد شيئا سواك. و ها هو الطفل الذي فيّ يضحك لوجهك البريء، يمسك بيديك ويمشي معك كيما يكون شاهدا على قيامة الموتى وإشباع الجياع وشفاء المرضى. يجلس الطفل الذي فيّ عند قدميك ليستمتع بحكاية فلس الارملة والابن الضال والسامري الصالح. يغلب الحماس الطفل الذي فيّ عندما يراك وانت الوديع تحمل السوط وتقلب موائد الصيارفة في الهيكل. يندهش الطفل الذي فيّ وهو يراك تمشي على الماء وتسكت العاصفة بكلمة منك. يعتري الذهول الطفل الذي فيّ وهو يراك تقيم لعازر من الاموات. ويبكي الطفل الذي فيّ عندما يخونك أبناء جلدتك، فيسلمونك للرومان كيما يضفروا إكليل شوك على رأسك وينزعواعنك ثيابك ويجلدونك ومن ثم يرفعونك على الصليب ويسمرونك بين لصين وانت الذي شفيت ابناءهم وحررت بناتهم واطعمت جياعهم.

سيّدي يسوع،
إن كنت حقيقة فما أروع الحقيقة، وإن كنت شخصية رسمتها يد فنان، دعني أقول لك أن الشخصية الخيالية خرجت من صفحات الكتب مثل مارد جبار لتصبح حقيقة، فتركت بصماتها على صفحات السنين وفي مخيلة القرون وذاكرة الألفيات. شخصيتك، سيّدي، بدلت القساوة في قلوب الكثير من المجرمين، وأوقعت الحجارة من أيادي الكثيرين الذين يدعون البر، وأسقطت الاقنعة عن وجوه الكثير من المرائين، ووضعت الصدق على شفاه الكاذبين، والاهم من كل ذلك انها علمت قساة القلوب مبادئ الحب والرحمة.

سيّدي،
أنا لن أحبك إلا كما أنت، حقيقة كنت أم خيالا. سأحبك فقيرا، معلما، شافيا للمرضى، مطعما للجياع، مقيما للموتى، موبخا للظالم، ومحررا للمظلوم. فالفقر معك غنى أكثر من ثروات العالم، والذل معك حرية، والضعف فيك قوة، والجوع معك شبع، وفي صليبك ينابيع حب تفجرت منذ ألفي عاما وها هي لم تنضب حتى اليوم ولا أظنها تنضب ذات يوم. سيّدي، ألفان ونيف من السنوات يفصلنني عنك، لكنك في الالفية الثالثة أقرب إلي من أمي التي أرضعتني الحليب ومن أبي الذي أحاطني بذراعيه، بل ها أنت أقرب إليّ من نفسي.





#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-11- الجنس والزواج
- هل التنصير جريمة؟
- الزواج في المسيحية بين النظرية والتطبيق- الجزء العاشر- دور ا ...
- هاتي يديكِ
- بين إيبولا وداعش
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء التاسع-دور ا ...
- إن كنت حبيبي... علّمني قطع الرؤوس
- عنصرية أم كبرياء؟
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثامن
- عبادة الصليب شرك عقابه الذبح
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء السابع
- أريد جارية شقراء، زرقاء العينين، طويلة القامة، روسية الجنسية ...
- يونس البلجيكي...يهجر مقاعد الدراسة
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزءالسادس
- نساء برسم البيع
- روبن وليامز، بسمة لطيفة و رحيل مأساوي
- عندما نعلّم أطفالنا قطع الرؤوس
- حكاية بطة
- و بعد النون يأتي دور الألِف
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الخامس


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - طوني سماحة - سيّدي يسوع