أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - طوني سماحة - عبادة الصليب شرك عقابه الذبح














المزيد.....

عبادة الصليب شرك عقابه الذبح


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4566 - 2014 / 9 / 6 - 20:03
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


هل يعبد المسيحيون الصليب؟
كتب بعض المتطرفين في الآونة الأخيرة في مدينة طرابلس اللبنانية على جدران إحدى الكنائس عبارات تتوعد و تعد "عبّاد الصليب بالذبح". ليس في الأمر غرابة بعد ما رأيناه في الأشهر و السنوات الأخيرة من بربرية وهمجية داعش والجماعات الحاضنة لها في العالمين العربي والإسلامي، لكن لا بد من توضيح بعض الامور وإن كان كاتب الشعارات ومرددها يكتب و يردد ولا يفهم.

هل يعبد المسيحيون الصليب؟ لا شك ان مردد هذه العبارة غبي لم يكلف نفسه لا من قريب ولا من بعيد قراءة الأناجيل والرسائل التي تشكل العمود الفقري للايمان المسيحي على اختلاف انتماءات المسيحيين وعقائدهم. إنما هذا الانسان يسمع ويردد بغباء مقولات يتناولها آخرون. فما من كلمة او حرف او حتى إشارة في العهد الجديد (الأناجيل والرسائل) تحفز المسيحيين على عبادة الصليب. لكن الصليب الذي يزين كنائسنا ويعلو على قببها ويحمله البعض في سلسال على صدورهم وفي بيوتهم ليس سوى برمز، وما أجمل وأروع هذا الرمز! إن في قصة الصليب وفي قطعتيه الخشبيتين الضاربتين عاموديا وأفقيا من الحب ما لم يعرفه البشر والذي لو أدركه أصحاب القلوب الصخرية لذابوا رقة وحنانا.

الصليب يحكي قصة حب. حب الله للإنسان. حب الكبير للصغير. حب العظيم للوضيع. حب يتجرد من حساب الأخذ والعطاء لأن ليس فيه غير العطاء. حب لا يأخذ في الحسبان مبدأ الربح والخسارة لأنه لا يربح أبدا. حب نقي نرى في حب الأم لرضيعها بعض ملامحه وفي لهفة الأب لابنه بعض صوره وفي اشتياق العريس النقي لعروسه بعض تجلياته. الصليب هو حب الله، الذي كينونته حب، للإنسان الذي فقد الإحساس بالحب في عالم جاف ومريض. الصليب هو تعبير عن حب الله الذي يقول للإنسان أنت ساقط وأنا سوف أرفعك. أنت مريض وأنا سوف أشفيك. أنت خائف وأنا سوف أطمئنك. أنت مائت وأنا سوف أحييك. أنت خاسر وأنا سوف أضمن لك الربح. أنت حزين وأنا سوف أعطيك الفرح. أنت جائع و عطشان وأنا سوف أطعمك وأرويك. أنت محبط وأنا سوف أرفعك. أنت غريق وأنا سوف أنجّيك.

الصليب يعكس طبيعة الله. طبيعة حب ورحمة. طبيعة ترى الانسان مقيدا بسلاسل الخطيئة وهو يسير بخطى بطيئة نحو الموت، الموت الأبدي، فتتحرك فيها الرحمة وتأتي بالله من السماء للقاء الإنسان على الأرض كيما تقول له "إن كان لا بد من الموت لدفع ثمن الخطيئة، فلأصبحن إنسانا وأكون أنا البديل، وأموت أنا وتحيا أنت، أسجن أنا وأقيّد وتطلق أنت حرا، أحمل أنا عبء خطيئتك وتمشي أنت رشيقا مثل الغزال وتطير خفيفا مثل العصفور.

الصليب قصة عطاء بين من يمتلك كل شيء ومن لا يمتلك شيئا، بين الله الذي يقول للإنسان "تعال إليّ، فأعطيك الحياة الأبدية. وتكون المجرات ميراثا لك والأكوان رهن يديك وتملك معي للأبد" وبين الإنسان الذي يقول "لكن ربي، يداي فارغتان ومتسختان. وليس لدي ما أوفيك إياه أو أقابل حبك به". فيجيب الله "أحببتك لأنك ابني وليس لآخذ منك ما لم تمتلكه وليس لديك."

الصليب قصة مغفرة. مغفرة القتيل للقاتل والذي سُرقت ممتلكاته لسارقه و المضروب لضاربه والذي خانه حبيبه للخائن. الصليب يسقط السيف من يد الإنسان ويستبدله بعناق بينه وبين الله. الصليب هو أعظم دعوة من قلب إله محب لأكثر الناس بربرية وهمجية كيما يمنحه مغفرة. لكن الصليب أيضا يفضح همجية الإنسان. الإنسان الذي يدوس حب الله ويحتقره.

سمعت أحدهم يتساءل "لو مات المسيح على كرسي كهربائي، هل كنتم تعبدون الكرسي؟" سؤال ساذج لإنسان يسأل ليس حبا في المعرفة. نحن لا نعبد الصليب. لكن الصليب الذي مات عليه المسيح بقطعتيه الخشبيتين هو اليوم حرف النون في العراق وهو السكين الذي يجز في عنق البريء وهو الصليب الذي صلب عليه المسيحي في سوريا إذ لم يقبل بتبديل دينه وهو المسدس الذي أطلق منه الرصاص على رأس إنسان كونه مسيحيا (أو حتى على رأس أي إنسان بريء أكان مسيحيا أم لا). الصليب هو أية آلة همجية تعيد التاريخ ألفي سنة الى الوراء. هو تهجير الناس وتكفيرهم. هو قتلهم وإبادتهم. هو تطهير الارض عرقيا من سكانها. هو التعبير عن وحشية وهمجية قل نظيرها في التاريخ. هو رفض الآخر. هو الكراهية والحقد الأعمى.

لقد رفع الرومان واليهود الصليب منذ ألفي سنة وكان الصليب لهم لوح خشب عامودي وآخر أفقي، لكن لو كان المسيح يصلب اليوم لكان رومان عصرنا وأحبار يهوده زادوا عليه ثقوبا من أسلحتهم الحديثة ولأشعلوا النار في أسفله ولتفننوا في ترك بصماتهم الإرهابية عليه.

نعم! الكتابات العنصرية على جدران الكنيسة في طرابلس اللبنانية تعد "عبّاد الصليب بالذبح". قد تقتلون من تقتلون وتذبحون من تذبحون وتبيدون من تبيدون. لكن الظلم مثل منجل الحصاد يلوي أعناق السنابل ويقتطعها. لكن هناك من بذر السنابل ما يقصر عنه حد المنجل ، فيقع على الأرض وينبت في السنة التالية ويثمر ثلاثين وخمسين ومائة. مناجلكم قد تطال أعناقنا لكن هناك بينكم من سوف يستهجن بربريتكم وهمجيتكم ويرى في الصليب حبا غاب عن حد سيوفكم، و مغفرة لا تستطيع شفاهكم النطق بها، وعطاء لا تستطيع أياديكم الملطخة بالدماء أن توازي عطاءه. وحيث يراق الدم لا بد وان تنبت حياة وحيث تقع البذرة لا بد ان تنبت سنبلة.

كتب كاتب الشعارات ما يريد وله الحق، كل الحق، أن لا يؤمن بالصليب والقيم التي يمثلها الصليب. له الحق ان يعارض المسيحية ويعلن رفضه الايمان بها. له الحق ان يسأل فيها ويدحض ما يستطيع دحضه. لكنه بكتاباته هذه تخلى عما تبقى لديه من انسانية واسقط ورقة التوت التي كان يتخفى خلفها ليظهر ما لديه من حقد وكراهية وهمجية لا تليق إلا بالوحوش البشرية.





#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء السابع
- أريد جارية شقراء، زرقاء العينين، طويلة القامة، روسية الجنسية ...
- يونس البلجيكي...يهجر مقاعد الدراسة
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزءالسادس
- نساء برسم البيع
- روبن وليامز، بسمة لطيفة و رحيل مأساوي
- عندما نعلّم أطفالنا قطع الرؤوس
- حكاية بطة
- و بعد النون يأتي دور الألِف
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الخامس
- زمن الجنون
- عتبي عليك يا حرف النون
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الرابع
- صلب انطوان حنا
- أثداء البقر فتنة
- داعشية تبني مجتمعا
- سيدي الخليفة
- أضرب يا عباس
- اضرب يا عباس
- إسمحي لي بقتلك لأنني بلا خطيئة


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - طوني سماحة - عبادة الصليب شرك عقابه الذبح