طوني سماحة
الحوار المتمدن-العدد: 4535 - 2014 / 8 / 6 - 08:36
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
رجال ملثمون، يرتدون اللون الاسود، يحملون رايات الموت السوداء، يهاجمون مثل الذئاب السود و يعشقون اللون الأحمر. سكبوا الدماء على الارض مثل الماء و رسموا على جدران البيوت حرف النون بالخط الاحمر.
ذبحوا الرجال مثل النعاج، سبوا النساء مثل الأغنام، يتّموا الاطفال، أثكلوا الامهات. هجروا المسيحيين من الموصل و سلطوا السيف على عنق من تخلف منهم، و مع ذلك لم يرتو سيفهم، بل ها هم اليوم يسلطوه على أعناق الايزيديين.
عندما يُهجّر المسيحي و الايزيدي من أرضه نكون قد سلطنا السيف على ستة آلاف سنة من الحضارة، نكون قد دسنا على صفحات تختصر ستة آلاف سنة من تاريخ شعب و أمة، نكون قد احتقرنا تراثنا و تاريخنا و حضارتنا.
لماذا؟ لماذا تهاجم قوى الدولة الاسلامية الايزيديين و هم شعب أعزل؟ لماذا يسبون نساءهم؟ لماذا يقتلون رجالهم؟ لماذا ييتمون أطفالهم؟ لماذا يسلبون أرزاقهم و أموالهم؟ لماذا يستحلون دماءهم؟
لا شك ان هذا الشرق الذي كان يدّعي الروحانية و يتهم الغرب بالمادية قد أفلس روحيا و هو على وشك الافلاس ماديا طالما انه لا يعمل شيئا سوى شراء الاسلحة و الابتهاج باطلاق الاعيرة النارية لسبب او لغير سبب. في الغرب المادي، يعمل الانسان جاهدا كيما يزيد ثروته، أما في الشرق الروحاني، ما على الانسان سوى ان يسلب الغير كيما تزيد ثروته.
في هذا الشرق الروحي، لم يعد من قيمة للكتاب، بل أصبحت مدارسنا مأوى للنازحين و اللاجئين من حد السيف. في هذا الشرق الحزين، يصوغ أمراء الحرب مناهج الدراسة. في هذا الشرق الحزين، يتعلم الطفل مفردات التكفير و الكراهية بدل تلاوة الشعر و اكتساب مفردات الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء.
نمنا في الامس على حروف النون تغطي بيوت المسيحيين في الموصل. من يدري، أترانا نستيقظ في الغد على حرف الألف يغطي بيوت الايزيديين؟ و هل تنتهي المأساة هنا و تبقى بقية حروف الابجدية عاطلة عن العمل أم ترانا سوف نفاجأ بعد غدٍ بحروف أخرى تتسابق فيما بينها كيما تتصدر ابواب و جدران بيوت جماعات أخرى؟
هل سوف نستيقظ في الغد القريب على شرق واحد، يتكلم لغة واحدة و يؤمن بطائفة واحدة و يرتدي زيا واحدا و يفكر بأسلوب واحد؟
في الامس، استقالت الوزيرة البريطانية الباكستانية الاصل سعيدة وارسي من منصبها احتجاجا على مجازر غزة و حسنا فعلت. لكن هل يا ترى سوف نرى و لو موظفا صغيرا يستقيل من منصبه احتجاجا على تهجير المسيحيين في الموصل و قتل الايزيديين و سبي نساءهم؟
أخشى أن يكون الجواب "لا". فالليل ثقيل، و شخير النيام غطى على تأوهات أطفال غزة، و على استغاثات الايزيديين، و على أنات و حشرجات المسيحيين. الليل ثقيل، و أحلام النيام مشعة، و ليس هناك ما يدعوهم لكي يستيقظوا من نومهم العميق.
#طوني_سماحة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟