أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - طوني سماحة - من أحرق سليمان، صباح، وروعة؟














المزيد.....

من أحرق سليمان، صباح، وروعة؟


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4727 - 2015 / 2 / 21 - 20:46
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


استيقظت صباحا، جلست مع زوجتي وابنتي بعض الوقت، ثم أخذت كوب القهوة عائدا الى فراشي. يوم السبت عطلة رسمية وأنا أنتظره بغاية الشوق كيما أعطي جسدي فرصة أن يستيقظ متى يشاء وأن يسترخي كما يشاء. نظرت الى النافذة. الثلج يتساقط وسطوح البيوت المثلثة الاضلاع، القرميدية المنظر، غطاها الثلج. منذ شهر تقريبا وحرارة الطقس في مدينتي الكندية تترواح بين 5 و25 تحت الصفر، لكنني وعلى الرغم من برودة الطقس، كنت أشعر بالدفأ في فراشي. فتحت الكتاب المقدس وقرأت فصلا من سفر الرؤيا. كان الفصل الذي قرأته يحمل رسالة دينونة لبني البشر بسبب شرورهم.

تصفحت بعدها الأخبار المحلية المحلية. تم إلقاء القبض في مدينة تورنتو الكندية على امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها بتهمة إهمال ابنها. خرجت هذه السيدة من المنزل، ربما بهدف التسوق، تاركة ابنها البالغ من العمر أربع سنوات وحيدا في المنزل. بعد القليل من الوقت، خرج الطفل الى الطريق عاريا فيما الحرارة في الخارج كانت تسجل 14 درجة مئوية تحت الصفر. شاهدته إحدى الجارات. حملته الى بيتها وقمطته بغطاء حار ثم قرعت باب جارتها، أي أم الطفل، فلم تلق جوابا. عندها قامت بالاتصال بالشرطة. حصلت هذه القصة فيما تورنتو لم تنس بعد الطفل إليجا البالغ ثلاث سنوات والذي كان يبيت في منزل جدته. فتح الطفل باب البيت بعد منتصف الليل وخرج الى الشارع حيث كانت درجة الحرارة تسجل 25 درجة تحت الصفر. عندما قام الجيران والشرطة بالبحث عن إليجا بعد اكتشاف أمر غيابه، كان الطفل جثة هامدة متجمدة.

انتقلت الى صفحة أخبار جريدة النهار اللبنانية. ما زالت قصة احتراق سليمان وروعة وصباح تتصدر صفحاتها الاولى. تركت أم سليمان ابنها البالغ من العمر عامين برفقة شقيقته صباح وابنة عمه روعة البالغتين من العمر أربع سنوات أمام المدفأة في كوخهم الخشبي وذهبت الى الدكان بهدف شراء بعض الأغراض. الأطفال الثلاثة لاجئون سوريون تجمهروا حول النار المنبعثة من مدفأة المازوت كيما يشعروا بالدفأ الذي حرمتهم منه الحرب والتشرد. أحرقتهم النار وذهبوا بسلام دون أن يدروا أن النار التي كانت تقترب ألسنتها منهم لا تقل وحشية عن نار الحرب الدائرة في بلادهم. عندما تم إخماد الحريق في هذا الكوخ الخشبي المتداعي، كان الأطفال الثلاثة جثة هامدة.

نظرت الى النافذة مرة أخرى. ما زال الثلج يتساقط بصمت. الهدؤ يلف المكان. نادرا ما ترى في هذا الجو البارد عصفورا، فالطيور على عداوة تاريخية مع البرد. ما أن تطل علينا الرياح القطبية من الشمال حتى تغادر العصافير أسرابا نحو الجنوب. أما الحيوانات الأخرى فمعظمها نائم في أوكاره يحلم بالربيع والدفأ. لكن ذلك لا يمنع ثعلبا جائعا من الظهور بين الفينة والأخرى باحثا عن أرنب خرج هو أيضا يبحث عن لقمة العيش شأنه شأن أم سليمان وأم إليجا.

عاودت النظر الى النافذة والثلج. سرح خيالي باتجاه سليمان وروعة وصباح البعيدين عني آلاف الاميال والى إليجا وصديقه البعيدين عني عشرات الاميال. من سخرية القدر أن أربعة من الاطفال الخمسة ماتوا ضحية الاهمال والبرد والفقر. مات الاطفال السوريون لأنهم لم يجدوا لهم مكانا يحميهم في عالم الكبار. فعالم الكبار هو عالم السياسة والحرب والدين والمصالح والمال والجنس والسلطة، والطفل غريب عن كل هذه الامور. الكبار يتكلمون لغة لا يفهمها الاطفال وقواعد اللعبة عندهم تختلف عن قواعد اللعبة لدى الصغار. الاطفال ليسوا جزأ من المعادلة في حساب الكبار، فحياتهم أو موتهم أمر ثانوي تحددها مشاورات الامم والكبار. المال بالنسبة للطفل دريهمات تسمح له بالحصول على قطعة حلوى أو لعبة بلاستيكية أما المال بالنسبة للكبار فهو براميل النفط، وعقود البيع والشراء، وصفقات الاسلحة. البيت بالنسبة للطفل هو جدار اسمنتي يدفأه حضن الام وذراعا الوالد بينما البيت بالنسبة للكبار هو قصر مدجج بالسلاح تحيط به المدافع والدبابات وقوافل المسلحين الذين لا قلوب لهم. الدين بالنسبة للأطفال صلاة لكائن كبير ملتح في مكان ما من السماء كي يحمي بابا وماما، أما الدين بالنسبة للكبار فهو مشروع قتل وذبح وسفك دماء وحرق وتكفير. المستقبل بالنسبة للأطفال صورة سعيدة في مخيلتهم تملؤها الضحكة، أما بالنسبة للكبار فهو مشروع سلطة يتطلب تطبيقها حرقا وهدما وحروبا ضارية.

مات سليمان وروعة وصباح وإليجا وهم لا يعلمون ان الذي يجمعهم هو أكثر جدا مما يفرقهم. هم لم يتكلموا اللغة ذاتها، لكن ألعابهم كانت واحدة وضحكتهم واحدة وأحلامهم واحدة وبراءتهم واحدة. أنا على يقين أنه لو اجتمع إليجا والاطفال الاربعة لتواصلوا بسهولة دون أن تكون اللغة أو الدين عائقا أمامهم. أما لو وضعنا خمسة كبار من خلفيات مختلفة معا، لتم تكفير واحدهم للآخر في دقائق قليلة.

أعزائي سليمان، صباح، روعة، وإليجا،
كنت أتمنى لكم العمر الطويل والسعيد، لكن مما لا شك فيه أنكم رحلتم عن عالمنا دون أن ترى عيونكم البريئة ما رأيناه، ودون أن تتسخ أياديكم النظيفة بما اتسخت به أيادينا، ودون أن تتلفظوا بالألفاظ البذيئة التي نتلفظ بها، ودون أن تذرفوا دموع الذل التي ذرفناها. مما لا شكل فيه أن النار التي أحرقتكم كانت أكثر رأفة بكم من نار التكفير التي نحرق بها واحدنا الآخر. حتى إلهكم ليس إلهنا. فإلهكم صديق الاطفال، يحبونه ويحبهم. أما إلهنا فهو إله البطش والدماء. لا شك أنكم في عالم أفضل من عالمنا. عالم لا يدخله إلا الأطفال ومن كانوا يشبهون الاطفال. ويبنما أنا أخطّ هذه الأسطر لكم تتردد على مسامعي كلمات صديق الاطفال الذي قال "دعوا الاطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات" (لوقا 18: 16). وهو أيضا الذي خاطب الكبار، قائلا لهم "إن لم تعودوا كالاطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى 18: 3).
أيها الأطفال،
لقد كنا السبب في احتراقكم بالنار. لكن النار التي سوف نحترق بها أكثر ضرواة من النار التي أحرقتكم حيث أن لهيب نارنا لا يطفأ.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة موت موقعة بالدم إلى أمّة الصليب
- تأملات في الحرب والسلام
- صخرة الموت هي صخرة الحياة
- هنيئا لكِ يا بيلا (Bella)
- التعزية بالكفار خيانة وليست من الدين
- أنا شارلي
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الاخير
- الجنة برسم البيع
- يا طفل المزود
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-12- تحديات الزواج
- الله أكبر
- صرخة مظلوم
- دون كيشوت التركي
- سيّدي يسوع
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-11- الجنس والزواج
- هل التنصير جريمة؟
- الزواج في المسيحية بين النظرية والتطبيق- الجزء العاشر- دور ا ...
- هاتي يديكِ
- بين إيبولا وداعش
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء التاسع-دور ا ...


المزيد.....




- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - طوني سماحة - من أحرق سليمان، صباح، وروعة؟