أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طوني سماحة - قصة حب














المزيد.....

قصة حب


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4860 - 2015 / 7 / 8 - 23:08
المحور: الادب والفن
    


وقعت عيناه عليها في المدرسة الابتدائية وهما في الثامنة من العمر. تزوجا في سن مبكرة سنة 1940 ولم يتخلى واحدهما عن الآخر بعد ذلك إطلاقا. كان ألكسندر توسكو يحتفظ دائما في محفظته بصورة زوجته جانيت وهي تتمم مناولتها الاولى (طقس مسيحي يسمح للطفل بتناول الخبز الذي يرمز لجسد المسيح). كانا يرددان لأولادهما أنهما يريدان أن يرحلا عن هذا العالم معا في ذات الوقت.

تحققت رغبة الشريكان الشهر الماضي قبل أيام من عيد زواجهما الخامس والسبعين. كان ألكسندر في الخامسة والتسعين من عمره عندما وقع وأصيب بكسر في خاصرته. ساءت حالته سريعا. في الوقت ذاته، شعرت جانيت ابنة السادسة والتسعين بتوعك وتدهورت صحتها هي أيضا. نقل الاثنان الى مصح للعجزة حيث تم ترتيب سريريهما الواحد بجانب الآخر. كانت جانيت وهي في سريرها تسأل عن اليوم والشهر الى ان قيل لها ان الشهر هو حزيران (يونيو)، عندها صرخت بتأثر "عيد زواجنا هو في التاسع والعشرين من حزيران". أدركت العائلة أن الزوجان قد لا تطول بهما الايام حتى التاسع والعشرين من الشهر. قام أبناؤهما بإحضار بالونات وزهور الى المستشفى كيما يحتفلوا مع الوالد والوالدة بهذه المناسبة السعيدة.

في السابع عشر من شهر حزيران، فارق ألكسندر الحياة وهو على سريره. نظرت اليه جانيت وقالت له "انتظرني. سوف ألحقك سريعا". لم تمض أربعة وعشرون ساعة حتى كانت جانيت تمزق القيود التي تربطها بالجسد كيما تتحرر هي أيضا وتمضي لتلحق بذاك الذي أحبته لأكثر من خمس وسبعين عاما. عند الاحتفال بمراسيم الوفاة قالت ابنتهما إيمي أن قلبا والديها كانا ينبضا نبضة واحدة.

ذكرتني هذه القصة بقصة شبيهة بطلاها ينتميان الى قرية أمي في خمسينيات القرن الماضي. كان أبو مخول يجلس يوميا مع أم مخول على سطيحة البيت يشربان القهوة معا ويتناولان ما تمنه عليهما الضيعة من عنب وتين وتوت. كانت أمي ورفيقاتها يذهبن خلسة ليتنصتا على أحاديث أبو مخول وأم مخول. كان يقول لها "يا أم مخول، إن أنا رحلت قبلك، سوف أنتظرك على باب الجنة." فتجيبه أم مخول "وإن أنا رحلت قبلك سوف أنتظرك هناك." كانت الفتيات الصغيرات تسترق السمع وتركضن ضاحكات مستمتعات بحديث لم يعهدنه آنذاك بين رجال الضيعة ونسائها. ذات يوم لم يعد القمر سيّد السماء الاوحد في جبال لبنان، بل أطل القمر الاصطناعي كي ينافسه آنذاك. صعد أبو مخول الى سطح البيت ليلا كيما يرى هذا القمر الاصطناعي الذي كان آنذاك حديث الساعة. كان القمر يسير في كبد السماء فيما أبو مخول يرافقه بنظره مشدوها ويسير معه على سطح البيت غير منتبه لوقع خطواته. ربما شعر القمر بنظرات أبو مخول تلاحقه، فصمم على الاختفاء خلف الجبال، فيما أبو مخول أصر على السير وعلى ملاحقته قبل أن يقع عن سطح البيت ويفارق الحياة بعد ذلك بوقت قليل. حزنت أم مخول. امتنعت عن الطعام والشراب. فالحياة من دون أبو مخول لا طعم لها ولا لون. أصيبت بالهزال دون ان تنفع معها العلاجات الطبية آنذاك، وفارقت أم مخول الحياة بعد رحيل أبو مخول بثلاثة أشهر وهي على يقين أن أبو مخول لا بد إلا وأن يفي بوعده لها.

رحمة الله عليك أيها الزمن الجميل، زمن أبو مخول وأم مخول. زمن حبة الزيتون ورغيف الخبز. زمن عنقود العنب وحبة التوت والتين. زمن الفلاح والراعي والناطور. زمن "جدي وستي وعمي وعمتي وخالي وخالتي". زمن الضيعة وبيوتها ذات السطوح القرميدية. زمن الصبيان الاشقياء والصبيات الخجولات. مع رحيل ابو مخول وام مخول مضى زمن الخير والبركة ليأتي فيما بعد علينا زمن الحرب الاهلية في لبنان في سبعينات القرن الماضي ومنذ ذلك الوقت تغير كل شيء. فلا العنب حافظ على طعمه ولا التين بقي حلو المذاق وخلت الضيعة من رجال ونساء على طراز أبو مخول وأم مخول.

نحن اليوم في زمن مختلف، زمن كيم كردشيان وغيرها من نجمات الشاشة الاجنبية والعربية. نحن في زمن تحولت فيه العلاقة بين الرجل والمرأة من "توأم الروح" الى شريكين في مؤسسة الزواج. شراكة تحتمل الاستمرار والقطع حسب ما تمليه مصالح كل من الشريكين. نحن في زمن الانسان الذي يقاس بكمية الدولارات في حسابه المصرفي وبسيارته وبشقته. نحن في زمن الانسياق للشهوة الجنسية على حساب شريك الحياة. نحن في زمن الخيانة الزوجية. نحن في زمن عبادة الجنس والمال. نحن في زمن الحب السريع الذي يشبه الوجبة السريعة. يتم تحضير الوجبة سريعا، يتم استهلاكها سريعا، يشعر صاحبها بالتخمة سريعا، ومن ثم يجوع سريعا، فيذهب آنذاك يبحث عن وجبة أخرى تسد جوعه المتجدد. نحن في زمن جاهلية الدواعش حيث لا وجود لأبو مخول وأم مخول، إنما سّيد الساحة هو أبو سيّاف الذي يقتاد سبايا وراءه للبيع. نحن في زمن الاب الذي أنجب أولادا من زوجته الاولى، ومن ثم أحب امرأة أخرى وعاش معها سرا او تزوجها علنا. نحن في زمن لم نعد نعرف فيه ابن العم وابن الخال. نحن في زمن تشتتنا فيه بين أمريكا واوروبا واوستراليا والشرق والغرب. نحن في زمن فقدنا فيه كل القيم، فأصبح كل شيء مباحا ولم يعد هناك من مقدسات.

عتبي عليك يا أبو مخول. لو أنك لم تلاحق القمر الاصطناعي بنظريك، لما خاف منك وهرب كيما يطلب النجدة فيما بعد من رفاقه الذين عادوا الينا بأعداد كبيرة كي يطردوا من سمائنا "قمر مشغرة وبدر وادي التيم". لو لم تلاحق القمر الاصطناعي بنظراتك، لما وقعت أرضا من سطح بيتك، ولما ماتت أم مخول حزنا عليك، ولربما ما كنتما لتتركانا نسير على خطى كيم كاردشيان وغيرها.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قاضٍ ومتهم
- يسوع المفكّر 8 - العدالة الاجتماعية
- أين أبي؟
- دفاعا عن الاسلاميين
- يسوع المفكّر 7- العدالة الاجتماعية
- يسوع المفكّر 6 - حوار فلسفي
- وداعا يا ورد
- يسوع المفكّر 5 - لقاء على حافة البئر
- يسوع المفكّر 4 - الانسان
- حبّة مانغو على رأس الرئيس
- يا أبتاه، أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون
- يسوع المفكّر 3- الانسان
- يسوع المفكّر 2- الكلمة
- يسوع المفكّر 1 مقدمة
- لماذا نحن متخلفون؟
- مات الصنم، يحيا الصنم
- من أحرق سليمان، صباح، وروعة؟
- رسالة موت موقعة بالدم إلى أمّة الصليب
- تأملات في الحرب والسلام
- صخرة الموت هي صخرة الحياة


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طوني سماحة - قصة حب