أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع المفكّر 5 - لقاء على حافة البئر















المزيد.....

يسوع المفكّر 5 - لقاء على حافة البئر


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4809 - 2015 / 5 / 17 - 02:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


على حافة البئر التقيا. رجل أنهكه التعب والسفر ونال منه الجوع والعطش وامرأة تحمل على كتفها اليمين جرّة وعلى كتفها اليسار أثقال ماض وحاضر تعيسين أليمين. ينتظر الرجل وحيدا على حافة البئر لعل من يؤمّها في وضح النهار فيمنّ عليه بقطرة ماء تروي عطشه وتبرّد قليلا من حر فلسطين القاتل و تؤم المرأة البئر في قيظ الظهيرة كيما تتحاشى نظرات العابرين وازدرائهم لها. تتطوّر أحداث الرواية وتتشابك الخيوط فإذا بالمسافر العطشان يطلب من المرأة قطرة ماء ثم يعرض عليها بالمقابل أنهارا إن شرب منها أحد ترويه للأبد وإذا بالمرأة تدرك أنها وهي صاحبة الجرة أكثر عطشا من هذا الغريب. ولا يمر وقت طويل حتى تدرك هذه السيدة التي خرجت الى البئر ظهرا كيما تتحاشى الناس أنها قد أصبحت كتابا مفتوحا يتصفحه هذا الغريب وقد اخترقت نظراته مآسي ماضيها وحاضرها. ويدور حوار شيّق بين هذا اليهودي الغريب وبين تلك المرأة السامرية، حوار تتساقط أمامه عقبات كثيرة ثقافية وجنسية ودينية وإنسانية وعرقية، حوار تتصالح فيه المرأة مع نفسها ومع قومها ومجتمعها. حوار يصلح كي يبني جسورا بين الانسان واخيه على الرغم من اختلافاتهما الكثيرة.

على حافة البئر يجلس يسوع المسيّا. تسرح نظراته في وديان السامرة وتلالها. يتأمل البئر العميقة وينتظر وحيدا قدوم امرأة تحكي عنها جرتها كلاما أكثر كثيرا بما تبوح به عيناها وكلماتها. تصل المرأة البئر. ترى هذا الغريب وتتجاهله، فيبادرها بالسؤال "أعطني لأشرب". تنظر المرأة إليه وقد استغربت جرأته. تسأله "كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية". لا شك أن لهجة هذا الرجل فضحت هويّته لكن سؤال يسوع كان كافيا ليهدم حائطا كبيرا يفصل بينه وبين هذه المرأة المحطمة. فهو يهودي خالص لا غش فيه وهي من اصول سامرية أي مزيج من اليهود والامم. لكن أنصاف جذور السامريين اليهودية لا تشفع لهم، فهم في نظر اليهود آنذلك ليسوا أكثر من كفار وكلاب. و من الناحية الأخرى، هو رجل وهي امرأة ولسان حال اليهودي في صلاته اليومية هو "أشكرك ربي لأنك خلقتني حرا وليس عبدا، يهوديا وليس أمميا، رجلا وليس امرأة". كان سؤال يسوع كافيا في حد ذاته أن يوقظ لدى هذا المرأة أحاسيس وتساؤلات غريبة تجاه هذا الرجل الذي لا يبدو كغيره من الرجال، خاصة بعد ان أعلن لها أنه لو علمت من يكون لكانت هي من يطلب منه فيعطيها ماء حيا. أثار هذا العرض استغراب المرأة. فهو، أي يسوع، يجلس على حافة البئر، لا دلو له والبئر عميقة ومن ثم يعرض عليها ماء حيّا. أتراه مجنون غريب الاطوار أم يكون نسخة يهودية عن سيمون الساحر الذي أدهش السامرة بسحره؟ تحتار المرأة بأمر يسوع فتسأله إن كان أعظم من يعقوب أب اليهود والسامريين والذي أعطاهم هذه البئر، فيعود يسوع ويهز كيان هذه المرأة عندما يعلن لها أن كل من يشرب من الماء الذي يعطيه هو لا يعطش أبدا، بل على العكس يصير الماء الذي يعطيه ينبوع ماء حي ينبع في من يحصل عليه الى الحياة الابدية. عندها لم تتمالك المرأة نفسها، فطلبت من هذا الرجل ان يعطيها من هذا الماء كي لا تعود تعطش أبدا ولا يعود لديها حاجة كي تستقي من هذه البئر.

أصاب يسوع الهدف الاول، فالمرأة ودون أن تدري كشفت عن احتياجها لماء يروي للأبد. فهي شأنها شأن الكثيرين منا تشعر بعطش قاتل لم تروه علاقاتها العاطفية الكثيرة كما لم يستطع أحد من الرجال الستة الذين تعاقبوا على حياتها أن يرووه. لم يكتف يسوع بهذا النجاح المتواضع، كيف لا وهو الراعي الصالح الذي إن كان لديه مائة خروف وأضاع واحدا منها، يترك التسعة والتسعين ويذهب لأجل الضال حتى يجده. كان يسوع ينظر الى المرأة ويرى فيها خروفا ضالا يستحق البحث عنه، فإذا وجده وضعه على منكبيه وعاد به الى أهله وجيرانه ودعاهم كيما يفرحوا معه لأن هذا الخروف كان ضالا فوجد وكان ميتا فعاش. في هذه الاثناء تقف المرأة وقد حارت في أمر هذا الغريب، عندها يفاجئها الرجل بقوله "إذهبي وادعي زوجك وتعالي الى هنا". أجابت المرأة وقالت "ليس لي زوج". قال لها يسوع "حسنا قلت: ليس لي زوج، لأنه كان لك خمسة أزواج، والذي لك الآن ليس هو زوجك. هذا قلت بالصدق." لا شك ان السامرية ذهلت أمام هذا الرجل الذي كان يقرأ بعين مجردة ماضيها وحاضرها، ولا شك أيضا أن إعلان هذا الرجل لها قد فتح في داخلها جراحا تنزف ربما منذ زمن بعيد. أتراها جلاد أم ضحية؟ هل تعاقب الرجال على حياتها كيما يستغلون شبابها وجمالها ثم رموها جيفة أم أنها كانت امرأة تستحيل الحياة معها بسبب صعوبة طباعها؟ هل كان فشلها مع أزواجها الخمسة سببا في عدم زواجها من الرجل السادس الذي معها، أم أن هذا الرجل استغل فشلها الذريع كيما يقيم معها علاقة يكون هو من صاحب الفصل فيها؟ أما يكفي هذه المرأة أنها أمّت البئر ظهرا كيما تتحاشى تعيير المعييرين حتى تجد أمامها رجلا ينفذ الى أعماقها ويذكّرها بماضيها الأليم؟ لكن كل هذه الاسئلة تلاشت أمام الواقع ألا وهو أنها لا تقف أمام رجل عادي، بل أمام من لا بد أن يكون نبيا. عندها ودون أن تدري وجدت هذه المرأة نفسها تكشف عن احتياج آخر ألا وهو العطش الروحي.

كانت هذه المرأة خروفا آخر أتى يسوع ليبحث عنه، لكن الملفت للنظر أنه وهو المرسل الى بني اسرائيل تخطى حدود اليهودية والجليل كيما يبحث عن خروف في حظيرة السامرة. لقد أوكل يسوع لتلامذته مهمة ايصال رسالته الى الامم، لكنه أراد أن يقطف باكورة الامم من خلال هذه المرأة السامرية. من خلال تعامله معها، أسقط يسوع حاجز الهوية الذي يفصل اليهودي عن غيره من الامم، كما أسقط حاجز الجنس الذي، وبحسب الثقافة اليهودية، لا يبيح للرجل التعامل مع المرأة كونها دونه شأنا ومقاما، وها هو الآن يسقط حاجز الدين الذي سجن اليهود طويلا في مفهوم الشعب المختار. وها هو المسيح يعلن انطلاقا من هذه اللحظة أن الخلاص أصبح متاحا لليهودي وللاممي، للرجل كما للمرأة.

عندما توجست السامرية في هذا الغريب ملامح النبوة، استفادت من الفرصة المتاحة لها كيما تشبع الجوع الروحي في داخلها. تسأله عن أمور لاهوتية تميّز السامريين عن اليهود: أفي جبل جريزيم السامري يجوز السجود أم في أورشليم؟ يجيب يسوع أن السجود الحقيقي ليس مرتبطا بالمكان والزمان والطقوس لأن الله روح والسجود الحقيقي للآب يتم بالروح والحق. خلقت إجابة المسيح تشويشا لدى المرأة التي اختلطت عليها الامور: فمنَ الماء الحي الذي يروي للأبد، الى عيني هذا الرجل اللتين تخترقان الماضي والحاضر، الى فهمه للخلاص الذي وإن كان يأتي من اليهود إلا أنه لا يتوقف عند حدود أو ثقافة أو شعب، إلى مصطلح السجود الذي لا يحصر العبادة بمكان (جبل جريزيم او اورشليم) ولا بزمان أو بطقوس. اختلط الامر على المرأة فقالت له، وكأنها تريد أن نتهي الحديث " أنا أعلم أن المسيا الذي يقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء". عندها اختطف يسوع اللحظة الحاسمة ليعلن لها "أنا الذي أكلمك هو".

عندما أتى تلاميذ يسوع الذين كان قد أرسلهم ليأتوه بطعام وجدوه يتكلم مع امرأة فتعجبوا، لكنهم لم يقولوا شيئا. لم يسألوه عن سبب كلامه معها أو عما يطلبه. كانوا ربما قد سمعوه قبلا يكلمهم عن مثل الخروف الضال، لكنهم، ومن دون شك، لم يستطيعوا أن يستوعبوا أن يكون هذا الخروف امرأة وسامرية أيضا. لم يستطيعوا أن يفهموا كيف يكون هو المسيا اليهودي ويتكلم مع امرأة. لم يستطيعوا أن يفهموا كيف لمعلمهم أن يدوس حاجز الهوية والدين والثقافة وزادت حيرتهم عندما عرضوا عليه الطعام بعد أن أصابه من الجوع الكثير، فقال لهم "أنا لي طعام لآكله لستم تعرفونه أنتم". احتاروا في أمرهم؟ ألعل أحد أتاه بطعام ليأكل دون أن يدروا؟ وربما لم يسمعوه عندما قال لهم "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله."

لا شك أن تلاميذ المسيح قد سمعوه في الماضي يردد لهم أن ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. لكنهم شأنهم شأن السامرية لم يفهموا كيف لإنسان أن يعطي غيره ماء حيا ينبع وكيف للماء أن ينبع في قلب إنسان ما؟ لا يلام تلامذة المسيح كما لا تلام السامرية. فالخطاب الديني آنذاك كان محصورا في الشريعة أي العهد القديم. وكانت الشريعة تشرع للناس مأكلهم ومشربهم وطريقة حياتهم. لم يكونوا قد سمعوا بعد بمصطلحات روحية مثل الماء الحي وخبز الحياة. لم يكن التلاميذ قد اعتادوا بعد على السجود بالروح والحق بعيدا عن حواجز المكان والزمان والهوية والثقافة والجنس. لم يكونوا قد اعتادوا على خطاب المساواة بين الجنسين الذي ينظر الى المرأة كشريك وليس كتابع.

لم يكن حوار المسيح مع المرأة السامرية مجرد كلمات يتبادلها غريبان ثم يمحوها الزمن. كانت هذه العبارات حوارا يحمل في طياته رسائل فلسفية، ثقافية، دينية واجتماعية. كانت ثورة على المفاهيم السائدة آنذاك كما أنها كانت نواة لنظرة مستقبلية مختلفة تعيد صياغة المفاهيم من حيث مكانة المرأة الاجتماعية، علاقة الانسان بأخيه وعلاقة الانسان بربه. بعد أن مكث المسيح في ضيافة السامريين زمنا يسيرا غادرهم تاركا لهم ولنا إرثا أعدنا اكتشافه بعد ما يقارب الألفي عاما. فالمرأة لم تقطف ثمار المساواة مع الرجل في الغرب إلا منذ ما يقل عن مائة عاما فقط. أما في بقاع كثيرة من الارض، لم تزل المرأة حتى يومنا هذا تعاني من نظرة دونية أقل ما يقال فيها أنها ترافقها منذ لحظات الولادة الاولى وحتى وفاتها. فكم من الآباء والامهات يشوبهم الحزن عند ولادة طفلة؟ وكم من الفتيات يحرمن من حق التعليم لأن المجتمع لا يرى فيهن سوى كائنات أو ربما ماكنات لا تصلح إلا للحمل والولادة؟ وكم من الفتيات يقتلن في بقاع كثيرة ويفلت الجاني من العقاب تحت مظلة جريمة الشرف؟ وكم من الآباء والامهات يحرمون بناتهم من المراث كليا أو جزئيا كيما يعطينه للصبيان فقط؟ وهنا يحضرني ذكر أحد أقربائي الذي ترك وصيته وفيها "لا يرث إلا الصبيان في عائلة "________. " وكم من الفتيات يتعرضن للتحرش الجنسي من أب أو أخ أو عم وخال ويقال لهن اسكتن لكي لا تفضحن العائلة؟ وكم من القوانين الوضعية في الكثير من البلاد التي تمنح الوالد حق إعطاء جنسيته لأبنائه فيما تحرم الام من الحق ذاته؟ وكم من التمييز في المعاملة بين الصبي والفتاة حيث يعطى الصبي مطلق الحرية في امور الحياة كافة بينما توضع الحواجز أمام الفتاة؟ وهنا يستحضرني مشهد جارتنا التي انتهرت ابنتيها اللتين أرادتا التهام حبة فاكهة لأن الوالد أتى بهذه الثمرة النادرة لابنه "ولي العهد". كذلك الامر يستحضرني أيضا مشهد آخر مضى عليه ما يقارب الخمسة وعشرين عاما. ذهبت مرة مع بعض الاصحاب لزيارة صديق لنا. استقبلتنا والدته بالترحاب. أراد أحد الاصحاب خفيفي الظل ان يزرع في جو البيت بعض الاثارة، فقال للسيدة الوالدة مازحا رأيت ابنك الامس برفقة إحدى الصبايا، فأجابته الوالدة وقد تلقت روح الدعابة لديه "أو ليس هو رجلا؟" صحيح أن الامر لم يخرج عن إطار المزح وروح النكتة، لكن ماذا كان ليحصل لو أن صديقي قال الكلمات ذاتها عن شقيقة مضيفنا، كيف كان يا ترى يكون رد السيدة الوالدة وشقيقها؟

عندما عاد تلاميذ السيد المسيح حاملين له الطعام فوجدوه يتحدث مع امرأة تعجبوا وكان عجبهم مضاعفا: فهو لم يكن يتحدث الى امرأة فحسب بل والى سامرية ايضا. وهذا هو الارث الثاني الذي تركه لنا هذا الحوار. كان اليهود لا يتعاملون ليس فقط مع السامريين بل ومع سائر الامم أيضا. فهم، بدل أن يكونوا الشعب المختار الذي يجب عليه ان يكون مثالا في السمو الاخلاقي، اصبحوا شعبا يترفع عن سائر الشعوب. وهذه النظرة الفوقية التي ميزت اليهود عن غيرهم لم تكن حكرا عليهم بل سرت على سائر الشعوب خلال كل العصور. فالمصريون القدامى والبابليون والفرس والرومان في العصور القديمة وصولا الى العرب والاوروبيين والامريكيين في العصور الحديثة كان كل منهم يرى في ذاته شعبا مميزا. ولم يكن هذا التمييز حكرا على الحاكم والمحكوم بل كان أيضا يطبق على شرائح الشعب الواحد. فالطبقية في الهند ما زال معمولا بها حتى اليوم في بعض الاماكن حيث ان شريحة واسعة من طبقات الشعب الدنيا يطلق عليها تسمية "الذين لا يجوز لمسهم". ولا ننسين أيضا ان هتلر روّج لمشروعه الحربي والسياسي تحت مسمى "فوقية الشعب الآري". كان علينا ان ننتظر ما يقارب الالف وسبعمائة سنة حتى يبتدأ الانسان ان يدرك مآسي التمييز العنصري وذلك عندما أطلقت الثورة الفرنسية شعارها الخالد "حرية، مساواة، أخوة".

أما على الصعيد الديني فقد حرر هذا الحوار الدين من الكثير من الطقوس الفارغة. فالله روح والتعبد للروح ليس محصورا بالزمان أو بالمكان. العبادة الحقيقية هي عبادة الروح والحق ولا تكون بترداد الكلام باطلا. عندما علّم يسوع تلاميذه كيف يصلوا قال لهم صلوا هكذا "أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك..." فالصلاة انطلاقا من هذه اللحظة حوار بين أب وابنه. هو حوار القداسة، هو مناجاة يضع الانسان فيها ذاته بين يدي خالقه ويطلب مشيئته. لم تعد الصلاة مع المسيح مجرد طقوس وعبارات وترديد كلام وتحديد عدد المرات التي يتم فيها الصلاة يوميا، إنما أصبحت مناجاة يومية فيها اشتياق الطفل الصغير لأبيه وحب الاب المطلق لابنه.

إن كان حوار المسيح مع السامرية أدى الى تحرير الدين من الطقوس، والانسان من العنصرية والاستعلاء، إلا أن قيمته الكبرى قد تكون في تحرير بطلة القصة من ماضيها. فالسامرية بعد اللقاء مع المسيح هي غير السامرية قبل اللقاء معه. قبل الحوار كانت هذه السيدة تؤم البئر في وضح النهار غير آبهة بحر الصيف القاتل في فلسطين على خلاف بقية النساء اللاتي كنّ يؤمنها صباحا او مساء. أما بعد اللقاء فلقد تركت المرأة جرتها على حافة البئر وعادت راكضة كيما تخبر قومها عن لقائها مع ذاك الذي كتب عنه موسى والانبياء. قبل الحوار كانت هذه السيدة تتحاشى نظرات المعييرين لها وها هي الآن تركض الى بني قومها كيما تنقل اليهم الاخبار السارة. قبل اللقاء كانت السامرية امرأة محملة بأثقال العار لكنها وبعد هذا اللقاء نفضت عنها غبار الماضي وانطلقت نحو المستقبل مثل عصفور حر طليق. قبل اللقاء كانت تشرب ولا ترتوي لكن وبعد اللقاء اصبحت بئر ماء حي يفيض على الآخرين حياة. قبل اللقاء كانت زانية وبعد اللقاء اصبحت امرأة تفتخر بأنوثتها كيف لا وهي صلة الوصل بين المسيا وبين شعبها.

في نهاية القصة غادر المسيح السامرة لكنه ترك فيها ارثا ما زلنا نذكره حتى اليوم. فالسامرة ما قبل المسيح ليست كالسامرة بعده. سامرة ما قبل المسيح مغلقة على ذاتها وسامرة ما بعد المسيح منفتحة على الآخر. سامرة ما قبل المسيح صحراء حارة وسامرة ما بعد المسيح واحة خضراء. سامرة ما قبل المسيح تئن تحت وطأة الشعور بالذنب وسامرة ما بعد المسيح تحررت من هذا الشعور. سامرة ما قبل المسيح فيها رجل اولا ومن ثم امرأة وسامرة ما بعد المسيح فيها رجل وامرأة معا. سامرة ما قبل المسيح تقترب لله بطقوس وعبادات وترداد كلام باطلا وسامرة ما بعد المسيح عرفت الله روحا يتم الاقتراب منه اينما كان بالروح والحق.

زار المسيح السامرة وفيها اشلاء انسان وتركها فيها احياء. زارها وفيها العطاش وتركها وفيها ينابيع تفيض حياة.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسوع المفكّر 4 - الانسان
- حبّة مانغو على رأس الرئيس
- يا أبتاه، أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون
- يسوع المفكّر 3- الانسان
- يسوع المفكّر 2- الكلمة
- يسوع المفكّر 1 مقدمة
- لماذا نحن متخلفون؟
- مات الصنم، يحيا الصنم
- من أحرق سليمان، صباح، وروعة؟
- رسالة موت موقعة بالدم إلى أمّة الصليب
- تأملات في الحرب والسلام
- صخرة الموت هي صخرة الحياة
- هنيئا لكِ يا بيلا (Bella)
- التعزية بالكفار خيانة وليست من الدين
- أنا شارلي
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الاخير
- الجنة برسم البيع
- يا طفل المزود
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-12- تحديات الزواج
- الله أكبر


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع المفكّر 5 - لقاء على حافة البئر